بدا قبلاً أن بناء الملاجئ والنقاط الحيوية (طبية أو دفاع مدني) ضمن الكهوف قد يحمي المدنيين من أضرار القصف العنيف لقوات النظام على مناطقهم، لكن تلك الكهوف لم تعد كافية لحماية المدنيين السوريين اليوم.

يُظهر مقطع الفيديو المُدرج أدناه استهداف الطيران الروسي لمقر الدفاع المدني في خان شيخون بصاروخ خارق للتحصينات. في هذا التقرير سنستعرض، عبر شهادة الطبيب محمد كتوب، من الجمعية الطبية السورية الأميركية SAMS، استهداف قوات النظام والطيران الروسي العمد للنقاط الحيوية، ومنها المشافي، باستخدام أسلحة شديدة الانفجار، مثل المُستخدمة في خان شيخون بتاريخ 8 شباط 2018، كما يُظهر مقطع الفيديو.

youtube://v/Jkl5ODvL1JE

شهدت كل من الغوطة الشرقية ومحافظة إدلب منذ نهاية العام الماضي حملة واسعة من القصف الجوي والمدفعي الذي استهدف المرافق الحيوية والمناطق السكنية. ارتفعت وتيرة الحملة التي تقودها قوات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين خلال الأسبوعين الماضيين، ليتم تسجيل أكثر من مئتي شهيد مدني في الغوطة الشرقية خلال أسبوع واحد فقط، بينما وصل عدد الجرحى إلى ما يقارب الألف في الفترة نفسها.

حملة القصف هذه، والتي تزامنت مع معارك ضارية على الأرض في كل من إدلب والغوطة، ركزت على المناطق المكتظة بالمدنيين، مثل الأسواق والمرافق العامة كالمشافي، وكان القطاع الطبي في المنطقتين الهدف الأكبر لهذه الضربات.

وقد أشار الدكتور كتوب أن معدل استهداف المشافي من قبل قوات النظام قد ارتفع خلال الشهرين الأخيرين إلى استهداف كل 24 ساعة.

وبسبب نوعية السلاح المُستخدم من قبل الطيران الروسي في قصفه للمناطق المدنية، لم تعد استراتيجيات الحماية المستخدمة حتى الآن نافعة، فبناء المشافي في الكهوف أو في أقبية محصنة لم يعد يحميها من الدمار. نتيجة ذلك، خرج عدد من أهم وأكبر المشافي في إدلب، مثل مشفى السلام ومشفى المعرة الوطني، عن الخدمة. أما القطاع الصحي في الغوطة فهو يواجه وضعاً حرجاً للغاية، فآثار الحصار الشديد تنذر بتوقف هذا القطاع عن العمل نتيجة عدم توفر المواد الطبية والأدوية، بالإضافة إلى تضرر أهم وأكبر المشافي في المنطقة بسبب القصف المكثف.

وأشار الدكتور كتوب إلى التشابه في استراتيجية القصف هذه مع ما حصل في أحياء حلب الشرقية في عام 2016؛ استهداف القطاع الصحي، والذي يقدم خدمة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، وضرب البنى التحتية والمواقع الحيوية، كان أحد أسباب انهيار المجتمع المحلي أمام العمليات العسكرية لقوات النظام، فالأمر لا يقتصر على إسعاف الجرحى، في الحقيقة «لا يمكن لأي مجتمع المقاومة ما دام لا يحصل على خدمات أساسية كالصحة والطعام»، استراتيجية الإبادة هذه لا تقوم على القصف العشوائي للمناطق المدنية، بل تركز على النقاط الحيوية ونقاط التجمع، باحثةً عن إيقاع أكبر ضرر ممكن.

الأعداد الكبيرة للنازحين من ريف إدلب الجنوبي والشرقي إلى شمالي إدلب رفعت الضغط على القطاع الطبي الذي يتعرض الآن للإبادة، وبينما كان هناك طبيب لكل 600 نسمة في سوريا في عام 2010، هناك اليوم طبيب لكل 2600 نسمة في الشمال، وتقل هذه النسبة إلى طبيب واحد لكل 3600 نسمة في الغوطة الشرقية، حسب الدكتور كتوب.

كما وثقت الجمعية الطبية السورية الأميركية ست ضربات بالسلاح الكيماوي منذ بداية العام، ثلاثة في الغوطة ومثلها في الشمال، منها الضربة التي تعرضت لها مدينة سراقب بغاز الكلور وتسببت، وفق ما أشارإليه الدكتور كتوب، بأحد عشر إصابة. وقد تم استخدام غاز الكلور في أغلب تلك الضربات، إلا أن الكوادر الطبية أشارت أيضاً إلى أن النظام يطور ترسانته الكيماوية، ففي عدد من الحالات كانت الإصابات تأتي بأعراض مختلفة عن التي خبرها الأطباء.

لا يمكن تعريف الاستهداف العسكري للمدنيين كما في سوريا سوى بالإبادة التامة للمجتمعات المحلية، هذه الجرائم والفظاعات التي ترتكبها روسيا والنظام السوري لا تأتي بهدف الإذعان فحسب، بل تهدف لإبادة تأخذ أشكالاً وحشية اليوم في إدلب والغوطة، ولا يبدو أنها ستتوقف قريباً. وفيما قد نشهد عجزاً كاملاً للقطاع الصحي في الغوطة خلال أشهر قليلة، فإن هامش المناورة للأطباء والعاملين في المجال الإنساني قليل جداً في الشمال نتيجة موجات النزوح الكبيرة والعمليات العسكرية والقصف المكثف.

يتابع الدكتور كتوب: «هناك أمراض علاجها بسيط جداً قد تعني الموت لمن هم في الغوطة، فحتى أكثر أنواع الأدوية والمستلزمات شيوعاً هي اليوم مفقودة».

توقف القصف مؤقتاً على الغوطة خلال الأيام الماضية، لكن لا يبدو أن هذه الحملة ستنتهي هنا. القطاع الطبي في كل من الغوطة وإدلب ما زال يعاني من أوضاع هي الأسوأ منذ بداية الثورة في سوريا، واحتمال انهيار هذا القطاع يعني توقف خدمة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، الأمر الذي ينذر بكارثة على مناطق تعاني في ظل حملات القصف والحصار المتواصل منذ سنوات.