لا يجدر بك أن تكبر في اسمك إذ سرعان ما سيضيق عليك. وفقاً لتقاليد التسمية لدى الأميركيين الأصليين، يُطلَق اسمٌ وصفيٌ على المواليد الجدد، ومن ثمَّ يتم اختيار أسماء جديدة لهم في فترة المراهقة، قبل أن يتغيّر الاسم مجدداً مع تقدمهم بالعمر اعتماداً على تغييرات حياتهم أو ما تمكنوا من إنجازه. ترى إليزابيث بيرسون واجامان، مؤلفة كتاب: النساء، أسماؤهن والقصص التي يروينها، أننا نرى استعادة خافتة لهذا التقليد القديم في معظم الثقافات الشائعة، متمثلاً في الأسماء المستعارة وأسماء التحبّب.
اسمي بينو
اسمي بينو بيانسي بياكوليكا، عنوان كتاب لناشطٍ أوغندي، يروي جزءً من سيرته الذاتية في أوغندا قبل الوصول إلى ألمانيا والمشاركة في تنظيم احتجاجات ساحة أورانين في برلين، التي خرج المتظاهرون فيها محتجين على قوانين جائرة تخصّ اللاجئين، ومنها تقييد حركتهم ومكان إقامتهم. اختار بينو اسمه وحسب عنواناً للكتاب. للاسم قوة رمزية بالتأكيد، لذلك هو أيضاً موضع لسلب هذه القوة في حالات الاعتداء والقمع، سيصادر منك اسمك في السجن مُستَبدلاً برقم. في المجازر الكبرى ستتلاشى الأسماء مع شحنتها الرمزية هذه لتحل محلها الأرقام أيضاً. الأسماء المستعارة تحل محل الأسماء الأصلية لدى المشاركة في أنشطة معادية للسلطات، درءً لمخاطر الاعتقال والتصفية.
رغم نيل أوغندا استقلالها منذ العام 1962 عن بريطانيا، لكنّ اللغة الإنجليزية ظلت لغة البلاد الرسمية. يسرد بينو في كتابه كيف كان ممنوعاً من تحدث لغته الأم في المدرسة، حيث تعتبر اللغة الإنجليزية مفتاحاً للتفوّق والنجاح في المستقبل. كان من يُضبط وهو يتحدّث بغيرها يُعاقب بوضع سلسلة في رقبته كعقوبةٍ تشهيرية، اللغة مساحة للاحتلال أيضاً وسيطال ذلك الأسماء في نهاية الأمر: لم يكن كافياً أنّ الكثيرين من الأفارقة الأميركيين لا يمتلكون أي وثائق عن أسماء عائلاتهم الأصلية، بل منهم من حمل اسم عائلة مستعبديه أيضاً. الاحتجاج على نقص التوثيق هذا هو الذي دفع بالناشط الأمريكي المعروف مالكوم إكس لاختيار هذا الحرف الدال على مجهول عوضاً عن اسم العائلة. في القارة الأميركية الجنوبية دائماً ما يتم ترديد الأسماء الإنجيلية بنسختها اللاتينية على أنّها الأسماء الشائعة في القارة، لتضمحل أسماءٌ عاشت قبل أن تبحر السفن الإسبانية والبرتغالية متوجهة إليها.
الاسم المائة
يختلف المفسّرون على ملابسات قصة الملاكين الضاليّن هاروت وماروت كما وردت في نصوص دينية مختلفة، ولكن تقترح واحدة من القصص الخيالية أنّ الملاكين المعاقبين حتى يوم الدينونة لممارستهما السحر، قد تمكّنا من الإلمام بالمعرفة الكلية لدى إدراك الاسم المائة، الخفي خلف الأسماء التسعة والتسعين المعروفة للرب. لذلك امتلكا من علوم السحر ما لم يمتلكه إنسان ولذلك أيضاً صُلِبَا عقوبةً لهما على سور بابل. حيث اعتاد أن يمر آلاف طلبة السحر ليدونوا ما يستطيعون التقاطه من هذيان الملاكين المصلوبين كمفاتيح للتوصل إلى السرّ الأعظم، المُحتَبَس في الاسم المائة.
كان مبحث الأسماء الحسنى، على قدرٍ كافٍ من الأهمية لتنشب حوله خلافات بين الفرق والمدارس الفقهية، بينَ من اعتبر الاسم مطابقاً للمسمى فهو بذلك مثبت وهو غير مخلوق مثل مسمّاه كالأشاعرة، بينما ثبَّت المعتزلة هذه الألقاب بوصفها تسميات لا أسماء وهي بذلك مخلوقة ومتعددة لا تطابق المسمّى.
حتى هرمس مثلَّث العظمة لا يدرك اسم الرب
ورد في المتون الهرمسية أو الهرميتيكا، التي تُعزى إلى الحكيم المصري تحوت ذي التسمية اليونانية، هرمس مثلَّث العظمة Hermes Trismegistus، وفي معرض محاولته لوصف الإله آتوم:
لا اسم له، لأنّ جميع الأسماء اسمه. هو الجوهر الكامن في كلّ شيء فلنعرفه بكلّ الأسماء ولنعرف كل الأسماء باسم آتوم.
أشكرك يا من لا يعلم اسمه أحد، يا من نعرفه باسم آتوم فأنت مولانا.
فلا يُدعى اسمكَ بعدُ أبرَام
مقابل ارتباكنا حيال أسمائه، يبدو الربّ على دراية تامة ومعرفة بما يتوجب فعله لأسمائنا. كان على الرب أن يغيّر اسم ابراهيم النبيّ، إذ عهد له بالرسالة التي كانت تميمتها صبيٌ يولد لأبوين في العقد التاسع من عمريهما: «فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ». (سفر التكوين). لم يكن أبرام وحده من تعرّض اسمه للتغيّير مع انتقاله إلى المكانة الجديدة التي اقترحها الرب. زوجته ساراي ستحصل على اسم سارة. وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ، بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ».
في معتقدات القبالة (القابلاه) اليهودية، هناك أهمية كبرى للقيم الرقمية المقابلة للحروف الأبجدية. لذلك لم يكتف مفسرّو القبالة بمعاني الكلمات المتبدّلة ما بين أبرام (آف آرام، أبو المنطقة التي قدم منها) إلى ابراهام كأبي الأمم المتنوعة. حرف الياء (يود) الذي انتزع من اسم ساراي يساوي عشرة، تم تقسيمه إلى حرفين منفصلين قيمة كل منهما خمسة وهي الهاء التي أضيفت إلى اسم أبرام ليصبح أبراهام أو إبراهيم، والهاء الذي ختم به اسم سارة الذي استبدل به ساراي القديم.
مع متابعة قراءة السفر، نلاحظ أنّ ابراهيم يلتقط الرسالة عاجلاً ويشرع بمناداة زوجه باسمها الجديد بعد لحظات فحسب، في أول أجوبته التالية للرب: «هَلْ يُولَدُ لابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟».
أنا وحيد واسمي جورج
لا يغيّر اسمك مصيرك في القبالة وحسب، ولا في حالات الاقتتال الإثني والمذهبي التي قد تشكّل الأسماء ذات الدلالات الواضحة على ديانة حامليها أو منبتهم خطراً مباشراً على حياتهم. ريتشارد وايسمان المدرس في جامعة هيرتفوردشاير، والذي يكرس جهوده للبحث في مواضيع صعبة القياس سيكولوجياً مثل الحظ والفكاهة والغش والسحر، نشر في دراسة غريبة استطلعت عينة تتألف من 7000 شخص، أنّ من يحملون أسماء مايكل، جايمس ودايفيد هم الأكثر نجاحاً وحظوة في الحب أيضاً. بينما كانت أسماء مثل بول وجورج من بين الأقل حظاً.
اسم حبيبي سمكة
أغرمت إحدى الصديقات بشابٍ من معارفنا، وكانت محاولة دفعها للحديث عن ذلك بالغة الصعوبة، إذ كانت تردد أنّ اسمه عبء ثقيل عليها كلما حاولت أن تتكلم. لم ينجح الأمر حتى أطلقنا عليه اسماً وهمياً.
أغنية
«تحدّثي إلي، قولي لي اسمك. تشيحين عنّي كأنّ الأسماء كلّها هي الاسم نفسه».
ترجمة بتصرف عن كلمات أغنية لأحد هِبات بورتوريكو إلى العالم، وأبرز مروّجي ارتداء البنطال الجلدي حتى وإن تجاوزت الثلاثين: ريكي مارتن.
اسم الوردة
عنوان الرواية منبثق عن بيت شعر مكتوب باللاتينية للراهب برنار دو موراليكس تختتم به الرواية: ترجمته التقريبية للعربية: «إنّ اسم الوردة الماضية لا زال قائماً، فمن الوردة نستخلص الكلمة الخالصة». وقع اختيار أُمبرتو إيكو على هذا العنوان بعد جهدٍ ووقت طويل أمضاه في محاولة اختيار عنوان لا يؤول على أنّه تدخل مبالغ فيه من قبل المؤلف أو مما يوحي مباشرة بأجواء الرواية. شطب اسم: «دير الجريمة» الذي اقترحه أولاً بعد أنّ فكر أنّه قد يجذب مهووسي القصص البوليسية الذين سيخيب ظنهم لدى قراءة الرواية. وشطب أسماء أعلام لعدم ميل الناشرين إليها كما كتب في كتابه (آليات الكتابة السردية). وقع اختياره على الوردة تحديداً لكونها ملأى بالدلالات التي يريد الابتعاد عنها، كان فرط الدلالات هذا وحده هو ما جعل العنوان محايداً كما أراد. للوردة مثل آتوم أسماء كثيرة.
اسم عائلتنا تويودا في الواقع
في العام 1963، قرر ريزابورو تويودا أن يغيّر اسم شركة السيارات التي أنشئت باسم العائلة تويودا، مختاراً (تويوتا) الاسم الأكثر حظاً لأن كتابته تتطلب رسم 8 شحطات وهو رقم جالبٌ للحظ، وقد كان له ذلك.
اسمي كاترينا وأذرو الرياح في الأرض
لم تكن للعواصف والأعاصير أسماء، لعالم الأرصاد الجويّة الأسترالي كليمنت راغ الريادة في هذا التقليد، بعد أن تكفّل بتسمية الأعاصير في الأعوام بين 1887 و1907. كان راغ يختار الأسماء من الأبجدية اليونانية أو أسماء أبطال الميثولوجيا اليونانية، وكذلك أسماء علم مؤنثة، لإطلاق الأسماء على أعاصير كل من أستراليا ونيوزلاندا والقطب الجنوبي. استخدم هذه الطريقة انتقاماً فيما بعد عندما لم تقم الحكومة الأسترالية بافتتاح مكتب خاص لأعمال الرصد الجوي وتعيينه مديراً كما كان يأمل، فبات يطلق أسماء السياسيين على الأعاصير. تمّ نُبِذَ أسلوب راغ حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. فيما بعد، وتأثراً بما قام به راغ، كتب جورج ستيوارت روايةً تحمل اسم عاصفة (storm)، تحكي عن عاصفة تضرب كاليفورنيا وتحمل اسم ماريا. انتشرت الرواية على نطاق واسع بين العاملين في مكتب الأرصاد الجوية في قوات الطيران الأمريكية، وبدأوا يطلقون على الأعاصير القادمة أسماء زوجاتهم وحبيباتهم.