صلاح دهني، الناقد السينمائي والإعلامي والمخرج والكاتب السوري، أول الأكاديميين السينمائيين في سوريا ومن أوائلهم على المستوى العربي، رحل فجر أمس في إحدى مشافي مدينة أبو ظبي الإماراتية بعد أن قدّم ما يربو عن العشرين مؤلَفاً في مجالات النقد والتوثيق السينمائي، الأدب والترجمة، عشرات الأفلام التسجيلية وفيلماً روائياً طويلاً.

بعد عودته إلى دمشق خريجاً من معهد الدراسات السينمائية العالية في باريس عام 1950، ومعهد الفيلمولوجي في جامعة السوربون، بدأ دهني مسيرته من خلال عمله الإعلامي كمعدٍ ومقدّم لبرنامج إذاعي مختص بالسينما في إذاعة دمشق عام 1952، مواكباً السنوات الأولى للإذاعة التي كانت قد تأسست قبل سنوات خمس، منضماً إلى الأصوات الأولى التي رافقت تأسيس الإذاعة مثل أنور البابا وتيسير السعدي وهدى شعرواي. استمر بثّ البرنامج الذي حمل اسم: السينما في أسبوع لاثنين وعشرين عاماً متتالية. في عقد الخمسينات وإلى جانب عمله الإذاعي، بدأت أولى كتب صلاح دهني تجد طريقها إلى النشر، مع دراسة بعنوان قصة السينما في العام 1951، وترجمته لمسرحية المفتش العام لغوغول في العام 1954، ومن ثمّ مسرحية حملت اسم معركة ديان بيان فو، التي جرت بين جبهة الثوار الشيوعيين الفيتناميين وقوّات الاتحاد الفرنسي في الشرق الأقصى عام 1954، قبل عامين من كتابة دهني للمسرحية.

مع دخول عهد الجمهورية العربية المتحدة في العام 1958، واستحداث دائرة السينما والتصوير من قبل وزارة الثقافة والإرشاد القومي، ومع إدارة دهني للدائرة عام 1959، بعد أن عمل قرابة عقدٍ من الزمن في الإعلام والكتابة، كانت الفرصة سانحة ليساهم في أولى تجارب الإدارة الحكومية للصناعة السينمائية عبر دائرة السينما والتصوير، التي كانت مقدّمةً لإنشاء المؤسسة العامة للسينما بعد سنوات في دمشق. الأحداث السياسية المتقلّبة في تلك الفترة أطاحت بهذا الحلم، وتم سجن دهني في العام التالي في سجن المزّة الدمشقي مع آخرين طالتهم الحملة التي شنها رئيس الجمهورية المتحدة آنذاك جمال عبد الناصر على الشيوعيين، إثر صدامات متكررة مع الحزب الشيوعي المصري لأسباب تعددت بين رفضه حلّ نفسه وانضمام أفراده إلى الاتحاد القومي، وانتقادات الحزب لمنهج تطبيق الوحدة وبعض المسائل الإجرائية المتعلقة بها.

بعد انهيار مشروع الوحدة، وتأسيس المؤسسة العامة للسينما في دمشق، عاد دهني ليساهم في رسم المشهد السينمائي السوري لعقد الستينات ويشهد على تقلباته، متابعاً عمله الإعلامي وعمله في الكتابة، ليصدر في العام 1963 كتاب قصة السينما في سوريا، الذي اشترك في كتابته مع رشيد جلال، أحد رواد السينما السورية الأوائل منذ عقد العشرينات.

شكّل عقد السبعينات فترة الزخم الحقيقية في سيرة صلاح دهني، إذ كان العقد الذي نشرت فيه أكثر أعماله الأدبية شهرةً، رواية ملح الأرض عام 1972، وكذلك مجموعة قصصية بعنوان حين تموت المدن عام 1976. إضافة إلى دراستين سينمائيتين: دعوة إلى السينما وسينما سينما. وفي العام 1977 وقف دهني مخرجاً خلف كاميرات فيلمه الروائي الطويل: الأبطال يولدون مرتين.

تركزت جهود دهني في العقود اللاحقة على الجانب البحثي النقدي في مجال السينما، وعلى عمله الإعلامي عبر برنامج صوت وصورة ومن ثمّ عالم السينما، وكانت من أواخر إصداراته كتاب سينما الحب الذي كان 2009، وكتاب السينما السورية، مكاشفات بلا أقنعة 2011، الذي كان خاتمة ما قدَّمه الكاتب والمخرج الراحل من رصيد ضم عشرات الأفلام التسجيلية والحلقات التلفزيونية والإذاعية والمؤلفات التي كتبها ونقلها إلى العربية في الأدب وفي التوثيق والنقد السينمائي.