ترافقت الثورة السورية مع تصاعد الحماس الديني، واشتعال المشاعر الوجدانية الشعبية المرافقة له، التي كانت واضحة مع شعارات: «هي لله» و«قائدنا للأبد سيدنا محمد». ومع الزمن الذي حمل مزيداً من التأزم والعنف والصرعات، ازدادت حدة التطرف الديني وتصدرت التيارات الإسلامية المشهد المناهض للنظام. لكن بالمقابل بدأت تظهر وتنتشر مستويات مختلفة من التخلي عن أنماط الالتزام الديني، تتراوح بين التشكيك والجدال في بعض نصوص وشعائر الدين، وبين الإلحاد والتخلي نهائياً عن الدين في حالات قصوى.
هكذا ظهر في المجتمع السوري الذي يُشاع أنه مجتمع متدين تديناً وسطياً، المتطرفونَ في فهم النص الديني والانضباط بمقتضياته، والمشككونَ فيه أيضاً. وإذا كان كثيرون لا يريدون أن يصدقوا أو يلاحظوا أن أعداد الشباب الذين يتخلون عن الدين التقليدي ويفقدون الثقة برموزه ومقولاته في تزايد مستمر، فإن أي شخص جاد في النظر يستطيع أن يلاحظ أن النقد صار أكثر جرأة، وأن كثيراً من الشباب وبشكل خاص في أوروبا، يتخلون عن شطر من عاداتهم الدينية التي كانوا يتمسكون بها في سوريا، وأن الأمر يتحول تدريجياً إلى ظاهرةٍ تستثير للردّ عليها المشايخ ورجال الدين، على نحوٍ يؤكد وجود هذه الظاهرة التي نفتقد إلى أي دراسات أو إحصائيات تبيّن مدى انتشارها.
منذ أيام تحدث الشيخ سارية الرفاعي، في معرض كلامه عن المقال الذي نُشِرَ مؤخراً في مجلة «طلعنا عالحرية»، عن الإلحاد والملاحدة الذين يحاولون الانتشار، وقد احتوى كلامه عنفاً لفظياً وتحريضاً واضحاً غير مألوفٍ في خطاباته السابقة. وإذا كان الشيخ يتحدث عن الإلحاد بوصفه «كائناً كسيحاً» ويصف المنادين به بـ«الجراثيم» مؤكداً إنهم لن يجدوا إلى المجتمع السوري طريقاً، فإن هذا قد يصلح دليلاً على أن الخطاب الناقد للدين التقليدي والداعي لحرية الفكر يجتذب العقول والأفكار، أكثر من الخطاب المشايخي الذي كان يملك الساحة قبل الثورة.
في دائرة معارفي الصغيرة، والملتزمة سابقاً، ثلاث فتيات خلعن الحجاب في ألمانيا، وخمسٌ أخريات في البلاد العربية ينتظرن الفرصة لذلك. ونصف الشباب الذين أعرفهم تخلوا عن تدينهم التقليدي متمثلاً بالصلاة والصوم وحرمة مصافحة النساء، منهم نسبة لا تقل عن عشرة بالمئة أعلنوا في الدوائر الصغيرة كونهم «لادينيين».
وعلى نطاق غير شخصي، تعج الشبكات الاجتماعية بالأفكار الناقدة للدين، والمنشورات المعادية للخطاب الديني، والداعية لإعادة التفكير أو الساخرة من الأساطير الدينية. ورغم أن من يخلعنَ الحجاب لا يعلنَّ عن أنفسهن تجنباً لـ «وجع الرأس الاجتماعي» مما قد يجعل الظاهرة غير مرئية، إلا أن حركات من أمثال «تحدي الحجاب» التي تقوم بها بعض الفتيات لتثبيت ثقافة الحجاب، والتي انتشرت بكثافة على الشبكات الاجتماعية، تدلّلُ على تصاعد نقيضها، أي انتشار ظاهرة خلع الحجاب.
شطرٌ كبيرٌ من الشباب السوريين الذين لم يكونوا يعرفون قبل الثورة الفرق بين ملحدٍ أو علماني، يميزون اليوم بين مسلم وسني وربوبي ولاديني ولاأدري وكافر وإلى آخر القائمة. وهذا بالطبع له أسبابه، إذ كان المجتمع يعيش في حكم الأسدين تحت سلطة الفكر الواحد والرأي الواحد والحزب الواحد، وبتفجر الثورة السورية بدأ الشباب يسمعون أصوتاً لم تكن تعرفها آذانهم، مما يطرح اليوم سؤالاً مهماً: هل أنتجت الثورة النقيضين، التطرف والإلحاد، أم أنها أوجدت الفرصة لإخراجهما إلى النور؟ وما هي الأسباب التي تجعل الشباب اليوم يقفون بشجاعة أمام الدين والسلطة الدينية، كما لم يفعلوا من قبل، ليخضعوها للمساءلة والتمحيص؟
سأحاول في ما يلي تحليل أسباب ظاهرة تخلّي الشباب عن التدين تحليلاً جاداً بعيداً عن نظريات تآمر الغرب وغزو العقول والفتنة والانحلال وتكاثر الجراثيم، وسأركز على شريحة الشباب الذين شاركوا في الحراك الشعبي، وجرحتهم الحقيقة والواقع ثم هجّروا إلى المنافي. وإذا كان التحليل ينسحب ليشمل فئات أخرى تؤثر وتتأثر بالعوامل نفسها، إلا أن التخصيص بوسعه أن يقدم تحليلاً أكثر دقة وموضوعية في ظلّ غياب الدراسات والإحصائيات.
تشابك الدين والسياسة
بين منتصف الثمانينيات وبداية الثورة، نشأ في سوريا جيلٌ تربى منذ طراوته على الأفكار الدينية التي أخذها من المساجد والمدارس وحلقات القرآن التي كانت تحت رقابة السلطة، لتكون نسخةُ الدين السائدة في سوريا هي النسخة المرضيّ عنها من قبل السلطة التي تواطأت مع فئة من المشايخ.
ساد الخطاب الديني الذي يركز على «الاستعاذة بالله من الشيطان والسياسة»، فيما عدا استثناءات لم تكن مرئية بسبب التعتيم والقمع، لكن بعد الثورة الشعبية في الشوارع، متزامنة مع الثورة المعرفية عبر وسائل الاتصال، بدأ الشباب يتعرفون على نسخٍ أخرى من الخطاب الديني على نطاقٍ واسع.
أدرك كثيرون في معركتهم ضد الظلم أن السلطة الدينية والسياسية بعضهم أولياء بعض، وأن الاستبداد السياسي وليد الاستبداد الديني، وأنه كما قال الكواكبي «ما من مستبدٍّ سياسيّ إلى الآن إلا ويتَّخذ له صفة قدسيّة يشارك بها الله»، وعندما ظهر زيف الدين الرسمي امتلك الشباب الجسارة لرفض نسخة الدين الأولى المتواطئة مع النظام، ثم تجرأ بعضهم على رفض النسخة التي تليها، ثم التي تليها.
من المعروف أن التدين في سوريا ازدهرَ في ظل حكم البعث، لذلك من الممكن توقعُ أن انفصام عرى أحدهما سيؤدي إلى تفكك الآخر وتراجعه. وفي سوريا سقطت هيبة المشايخ مع سقوط هيبة النظام، إذ لم يبق بفضل النقد والسخرية والكاريكاتور على العلماء والمشايخ «ستر مغطى» وفق التعبير الشائع، وأبعدت الثورة الناس عن التعلق بشخصية قيادية واحدة، وكسرت الصنم الواحد الذي اعتاد الناس عليه في الوطن العربي وفي سوريا تحديداً، وانتقلت كاريزما اللحظة الثورية من التمركز التقليدي على زعيم واحد لا بديل له، إلى الشارع. ورغم أن الثورة السياسية لم تنجز أهدافها وأن القمع انتقل من تحت دلف الأسد إلى تحت مزراب الإسلاميين في مناطق كثيرة من البلاد، إلا أن الثورة الفكرية ما زالت مشتعلة، وأزعمُ اليوم أن إمكانية تحطم أصنام السياسة على رؤوس أصنام الدين أقرب من أي وقت مضى.
الاستخدام الحرّ لوسائل الاتصال
في السنوات الأخيرة تطورت في سوريا شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال تطوراً سريعاً، بالتزامن إلى حد ما مع الثورات الشعبية، لينتهي عصر احتكار الكلمة والصوت والفكر والمعرفة ومنع تداولها بين الناس، وتوضع الأطباق الفكرية على مائدة الناس دون أن تضطر أن تبيت في الأقبية أو تمر بفلاتر الحكومة البوليسية. أصبح بوسع كل إنسان أن يصل للمعلومات ويعرض أفكاره بحرية نسبية أو مطلقة، امتلك الشباب السوري اليوم الجسارة والحرية والأدوات المعرفية معاً والتهبت العقول بالمعرفة.
ساري شاب سوري عمره 28 سنة، نشأ في عائلة ملتزمة وكان يتساءل دوماً عن الله والدين، لتأتيه الإجابات بالاستغفار والأساطير. يقول ساري إن الكتب والفيديوهات التي وصل إليها عبر الشبكة العنكبوتية، أعطته إجابات أكثر سهولة ومنطقية عن أصل الخليقة ومصير البشر، ويستغرب كيف كان يصدق ما يقال له، ثم يقول: «ببساطة لم يمكن ذلك متاحاً في سوريا الأسد».
يا الله، جربناك جربناك
كانت الجماجم تصطف وشلال الدم يزداد غزارة، وكلام المشايخ والعلماء مع نسخهم الدينية المغبرة أو العصرية تتقزم، فبينما الحرب وشياطينها تدوس الأخضر واليابس، بلا تفرقة ولا تمييز، وقف الإله جانباً، لم يرفع يده أو يضعها، تمزقت الحناجر وهي تصرخ: «مالنا غيرك يا الله»، لكن الصمت الإلهي الهادر يطحن الأحشاء.
«هناك شيء خاطئ إذاً!»، على طول خط الثورة كانت محاولات المراجعة الذاتية الفكرية قائمة، بعد كل هزيمة كان الشباب يتساءلون عن أسباب الخسارة، ويهضمون تباعاً الأفكار المخزية: هل الخطأ في فهم الخطاب الإلهي؟ هل الذنب على رجال الدين؟ هل كنا مخدوعين؟ هل أعطينا العلماء والمشايخ أكبر من حجمهم؟ هل المشكلة في التاريخ؟ الحديث؟ في القرآن؟ هل المشكلة في الله؟
بعد سنوات من الثورة استهلك الشباب نظرياً وعملياً كثيراً من الأفكار والطروحات التي تم تقديمها، وأثناء البحث عن إجابة لسؤال: «أين الخلل؟» أدرك كثيرون بؤس العقل الديني، وعدم جدوى الأفكار السابقة والصيغ القديمة الخانقة.
ما يعرفه كثير من الشباب في صميم وجدانهم أن الثورة في باكورتها لم تقم لسبب ديني، أو من أجل مكتسبات دينية، وإنما قامت ضد الظلم والقمع، لكن كل من كان له دور في الثورة أو راقبها عن كثب، يستطيع أن يؤكد أن الحماس الديني لا ينفك عن الحماس الثوري، والحرارة العاطفية العالية التي تفجرت مع الثورة حركت معها المشاعر الدينية الراسخة، وكانت وقوداً لا مثيل له في كلا المعركتين: السلمية والمسلحة. هنا كان الاقتراب من السماء الذي شهده الشباب في الثورة، ثم الجحيم الذي اشتعل في كل مكان، عاملاً مهماً في جعل الناس الذين علّقوا الأماني على الله يشعرون بأن الله تخلى عنهم.
أحد الشباب الذين انضموا إلى الجيش الحر، ثم غادر البلاد ووصل إلى ألمانيا، وعمره 20 سنة، يعبر عن سخطه من الخطاب الديني الذي أوصله للإلحاد قائلاً: «لقد صلينا بكل الطرق والطرقات، تكسرت أضلاعنا، أخلصنا النية ورفعنا رايات الدين والتزمنا بالصلاة والأذكار، ولم يكن النصر المؤزر الذي وعدنا به أكثر من ضحك على اللحى، بل كان من نصيب الظالم الذي كفر وسكر على دمائنا».
ضغط تحول البيئة المفاجئ
من يعرف المجتمع السوري أو عاش فيه يعلم تماماً أن التدين يأخذ في الحالة العامة شكل تدين روتيني صوري شعائري، ويلعب العامل الاجتماعي فيه دوراً مركزياً، ويعرف كذلك أن عدداً كبيراً من المحجبات تحجبن بالعدوى، وأن العقيدة لم تكن أكثر من درسين أو ثلاثة في السنة، والتدين لم يكن يؤخذ تماماً على محمل الجد، لكن سيماه الظاهرية كانت مهمة جداً.
وإن كان عدد الذين أعلنوا إلحادهم في سوريا لا يكاد يذكر قبل الثورة، فإن ذلك مفهومٌ كون الجماعة التي ينتسب إليها المرء لا تسمح بأن يكون عنده رأي غير رأيها، فلكي تحافظ الجماعة على قوتها ووحدتها، فإنها لا تتسامح ولا تغضّ الطرف عن أي مخالفة تبدو من أحد أفرادها.
وإذا سلّمنا بأن دور المجتمع كان كبيراً في تدين الناس، فإن تغير المجتمع له دور لا يمكن إغفاله في تخلي هؤلاء الناس أنفسهم عن التدين، فالإنسان بطبيعة الحال يضطر إلى تكييف مشاعره حسب مقتضيات المكان والزمان والجماعة التي يعيش بينها. وهنا تكون الهجرة القسرية وغير القسرية إلى المجتمعات الجديدة وحالة اللجوء الجمعية الإجبارية، مع صعود العنف الديني والاسلاموفوبيا، وتشرذم المجتمع الذي كان يشكل اتحاده سلطة جمعية قاسية، غير متسامحة مع المختلف، أسباباً من شأنها فعلاً أن تجعل من «التخلي» عن المعتقدات و«إعلان التخلي» عنها أمراً أكثر إلحاحاً من جهة ويسراً من جهة أخرى. بالإضافة إلى أن كثيرين شاهدوا المجتمعات الغربية التي كانت تتم شيطنتها سابقاً بأعينهم، واكتشفوا مثلاً أن الملحدين ليسوا مجرد أغبياء، ولا يقولون إن أصل الإنسان قرد، ولا ينامون مع أمهاتهم!
وإن كان تغير المجتمع هو أمرٌ من شأنه أن يؤثر بالدرجة الأولى على السوريين في الخارج، إلا أن تأثيره يمتد ليصل السوريين في الداخل، حيث التواصل بين الداخل والخارج لم ينقطع، وتجعله بالغ اليسر والسهولة وسائل التواصل وشبكات الإنترنت.
حرية التعبير
ساد في سوريا تسامح نسبي بخصوص التدين، فالتدين ليس إلزامياً بقدر ما كانت مظاهره هي التي تحمل صبغة إلزامية. وعند هذه النقطة نحن بحاجة لأن نكون واضحين، إذ أن حرية التعبير لا حرية المعتقد هي التي كانت المشكلة، فيسود التسامح تجاه الاعتقادات والاتجاهات غير المتدينة طالما أنها غير بادية للعامة، ويُقدَّمُ النفاق الاجتماعي كنظام مرضيٍ عنه ومتفق عليه متنفساً لأساليب الحياة غير الملتزمة بضوابط التدين مع الحفاظ على الواجهة الدينية، لكن التعبير عن المواقف المعارضة للدين أو المنتقدة له كان صعباً، وعقابه من الضغط الاجتماعي والديني وصولاً إلى العزل، ونادرون أولئك الذي استطاعوا التحرر من الآراء والتوجهات الاجتماعية الشاملة، والحصول على قدر ولو أدنى من التعبير عن استقلاليتهم الفكرية والدينية.
والد قريبتي المقيم في تركيا كان متفهماً عندما خلعت ابنته الحجاب في ألمانيا، لكنه هددها ابنته بالتبرؤ منها عندما نشرت صورها على فيسبوك بدون حجاب. المشكلة عنده لم تكن في تخلي ابنته عن واجب من واجبات الدين، وإنما في معرفة بيئتها أنه فعلت ذلك.
يبدو أن الصراع لا يتمحور حول حرية المعتقد بقدر ما يتمحور حول حرية التعبير عن المعتقد، ولهذا نرى كثيراً من السوريين لا يؤدون من الصلوات إلا الجمعة، ويشربون الخمر لكن في الظلمة أو خارج حدود البلاد.
وهكذا فإن التخلي عن الدين ليس ابن الثورة أو وليد الاغتراب، وإنما تلعب العوامل الاجتماعية دوراً كبيراً في إظهاره إلى السطح، وتاريخنا مليءٌ بأولئك الذين رفعوا صوتهم في رفض الخطاب الديني منذ القدم إلى الآن، لكن حكاياتهم جعلتهم عبرة لم يعتبر. ويمكن أن نجد في كتاب عبد الرحمن بدوي من تاريخ الإلحاد في الإسلام، وفي كتاب براين ويتاكر عربٌ بلا رب، كثيراً من قصص الماضي والحاضر عن مصائر الملحدين والخارجين علناً عن الإسلام. وإذا كان من الصعب الخروج عن معتقدات المجتمع والحفاظ على الاستقلالية الفكرية عموماً، فإنه يرقى إلى درجات عالية من الصعوبة مع وجود حديث نبوي يقول: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث، إحداهن التارك لدينه المفارق للجماعة».
تسود في المجتمعات الغربية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي حرية نسبية في التعبير عن الذات والأفكار دون أن يتلمّس المرء رقبته، ولهذا فإنه ليس من المفاجئ أن تتزايد أعداد المنتقدين والرافضين إلى أضعاف.
خاتمة
الداعية الشيخ محمد راتب النابلسي معروفٌ جداً على مستوى سوريا، وكان يتصدر ببرامجه المحطات التلفزيونية والإذاعية، ويحتفي به السوريون وغيرهم في العالم العربي احتفاءً سخياً. يعتمد النابلسي في خطابه كثيراً على «الإعجاز العلمي في القرآن» وسرد القصص التي تتضمن «حقائق علمية» داعمة للإيمان والنصوص الدينية الإسلامية. كان كلام الشيخ يحظى بمصداقية كبيرة عند متابعيه قبل أعوام، عندما لم يكن بمتناول الناس التحقق من صحة المعلومات التي يسوقها و«الحقائق» التي يذكرها.
مؤخراً، في المؤتمر السنوي السادس عشر للمسلمين في أميركا، الذي عُقِدَ في شيكاغو أواخر العام الماضي، ألقى الشيخ النابلسي كلمة ذكر فيها أن أحد رواد رحلة أبولو 8 عندما خرجت مركبتهم من الغلاف الجوي للأرض قال: «لقد أصبحنا عمياناً ولا نرى شيئاً». لكن يبدو أن ثمة من بحثَ على الشبكة العنبكوتية، وهم كثيرون، ليتبين أن القصة التي ذكرها الشيخ غير صحيحة، وأن ما ساقه على لسان رائد الفضاء لم يحدث، وهو ما تكرر الكلام حوله على عدة صفحات على فيسبوك.
الفوران المعرفي وثورة الاتصالات سلبت كلام المشايخ الصحة المطلقة وجعلت كلامهم عرضة للمساءلة، لقد تغيرت الظروف التي كانت تتم فيها التربية الدينية تغيراً هائلاً، ويبدو أن الوسائل القديمة وأسلوب الخطاب الوعظي ومعاداة المختلفين وإنكار المشاكل الكبيرة التي ينطوي عليها الخطاب الديني، ليست فقط غير قادرة على إعادة الخارجين عن مظلة الدين، وإنما تساهم بقوة أكبر على دفعهم بعيداً عنها.