خوفاً من نشوء وانتشار تنظيماتٍ إسلامية معادية له، شجّعَ النظام السوري قيام حركات إسلامية غير سياسية، وسمَحَ لبعض رجال الدين المقربين منه، أمثال المفتي السابق الشيخ أحمد كفتارو والشيخ سعيد رمضان البوطي، بإقامة حلقات خاصة بتدريس الدين الإسلامي ضمن المعاهد الشرعية والمساجد. ومن رحم تلك الحلقات أسَّسَت منيرة القبيسي تجمعاً عُرف باسم «القبيسيات» خلال فترة السبعينات، بدعمٍ من الشيخ كفتارو.
منذ نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي، شهد المجتمع السوري نوعاً من المد الإسلامي المعتدل في أوساطه، حيث اكتظت المساجد بالمصليين ولا سيما يوم الجمعة، ومن فئة الشباب على وجه الخصوص، كما ازداد إقبال النساء والفتيات على الدروس والحلقات الخاصة بحفظ القرآن الكريم.
وربما كان للفساد الاقتصادي والسياسي دورٌ في تغذية التيارات الإسلامية التي توصف بالمعتدلة، بعدما قطع النظام السوري الطريق أمام أي انفتاح سياسي ولا سيما بعد محاربته لجماعة الإخوان المسلمين، ليجد الشباب فرصتهم للانخراط ضمن هذه التيارات.
كان التجمع محظوراً في سوريا، وتعرضت بعض عضواته للملاحقة والاعتقال، مثلما حدث مع الشيخة التي أشرفت على تدريسي العلوم الشرعية ضمن إحدى الحلقات، وظل الأمر كذلك حتى عام 2006؛ عندما رفع النظام السوري الحظر عنهن، شريطة أن تقام حلقاتهن ضمن ما يسمى المعاهد الشرعية في المساجد.
كما تعرضت القبيسيات لانتقادات عدة منها اتباعهن للمذهب النقشبندي
استطاعت القبيسيات التواجد داخل المجتمع الدمشقي لا سيما ضمن طبقاته الغنية، وساعدهن في ذلك الطابع الإسلامي لدى بعض الأسر، بالإضافة لانتماء القيادات النسائية ضمن التجمع للعائلات المعروفة. كما اشتهرن بافتتاح عدد من المدارس الخاصة، وكأنما ذلك أحد الطرق في استهداف الأطفال وتعليمهم أصول العقيدة الإسلامية منذ الصغر، فتمكنَّ من خلال الشيخات المنتميات للطبقات الغنية في دمشق والمنخرطات في التجمع من ترخيص عدد من المدارس، وقد بلغ تعدادها وفقاً لما كتبه الشيخ محمد حبش في مقالة بعنوان القبيسيات… الملف المجهول مائتي مدرسة في سوريا، مما عبّد الطريق أمامهن لمزيد من التوسع والانتشار.
الحلقات ملح القبيسيات
منذ أن كنتُ طفلةً ألِفتُ مظهر بعض نساء عائلتي، وبنات منطقتي، وكذلك العديد من النساء الدمشقيات، يرتدين الحجاب الأبيض أو الأزرق الذي يُربَطُ عند الذقن بإحكام، والمانطو
لم أكن قد تجاوزتُ السابعة عندما انضممتُ مع قريباتي إلى حلقات دينية خاصة بالفتيات الصغيرات؛ حيث ارتأت زوجة عمي أنه من صالح الأعمال طلب العلم الديني والدنيوي، ولا سيما خلال فترة العطلة الصيفية. فجمعت بنات العائلة ضمن حلقة صغيرة؛ من أجل حفظ القرآن الكريم، وترتيله، وتفسيره، بالإضافة لتعليمنا أصول الفقه، وحفظ الأحاديث النبوية من خلال كتاب رياض الصالحين
عند التدقيق في هيكلية الحلقات، سنجد أنها تتألف من مجموعات تتولى كل شيخة إدارة إحداها، وتلقب الشيخة بـ «الخالة الكبيرة» ولها احترام كبير من قبل الطالبات وأسرهن. يأتي في مرتبة أقل منها مجموعة من المريدات، وكنا نناديهن أيضاً بـ «الخالة أو الآنسة»، ويتولين زمام قيادة الحلقات. ومن الشروط الواجب توفرها لتصبح المريدة مقربة من «الخالة الكبيرة» ومشرفة على إحدى الحلقات هو أقدميتها في الجماعة، وتمكنها من حفظ القرآن الكريم وتفسيره وتجويده، وأيضاً إلمامها بالعلوم الشرعية.
أما عن لون الحجاب الذي يضعنه؛ والذي يتدرج ما بين اللون الأبيض، والأزرق الفاتح، أو الغامق، فقد قيل إنه للتمييز بين الطالبات والمريدات حسب تراتبية مكانتهن في التجمع، حيث ترتدي المريدة الجديدة الحجاب الأبيض، بينما تضع «الآنسة» الحجاب الأزرق الفاتح، في حين ترتدي «الخالة الكبيرة» حجاباً أزرقاً غامقاً أو أسوداً، ولكنني لاحظت أيضاً خلال تواجدي معهن أن بعضهن ترتدين الحجاب الأزرق الغامق كتعبير عن اقتناعهن بالفكر القبيسي، وفقاً لما قالته لي إحدى «الآنسات»، وذلك بغض النظر عن مكانتهن في التجمع.
جرت العادة أن تجتمع جميع الحلقات بين الحين والآخر في أحد بيوت الطالبات أو «الآنسات»، أو في إحدى المزارع في ريف دمشق؛ إما بهدف إحياء المناسبات الدينية كالموالد النبوية، والابتهال لله وإقامة الصلوات، أو بدعوى الاحتفال بالفتيات اللواتي تمكنَّ من حفظ القرآن الكريم.
كنتُ أشغرُ بالغيرة من الطالبات الحافظات للقرآن الكريم، كطفلة تتطلع لإرضاء «آنساتها» في جوٍ مشحونٍ بالتنافس بين بنات الحلقات، اللواتي يحلمن بالفوز بلقب «حفظة القرآن الكريم». ورغم محاولاتي لإنهاء أجزاء من القرآن، غير أنني لم أفلح في ذلك؛ ربما لأن استيعابي الطفولي عن مفهوم الحلقة انحصر ضمن إطار التواجد مع بنات عمومي، ولم يعدُ الأمر بالنسبة لي سوى مجرد مكان اجتمع فيه مع قريباتي، ألعب معهن من خلال الأنشطة التي أقيمت لنا.
عندما نجحتُ إلى الصف السابع كانت جميع طالبات الحلقة، بما فيهن بنات العائلة، محجبات باستثنائي؛ حيث جرت العادة أن تقوم بعض الأسر بتحجيب بناتهن عند البلوغ، تماشياً مع المعتقدات الدينية، والأعراف الاجتماعية. ومن هذا المنطلق بدأت بذور التواطؤ العائلي تنمو أمامي، كشجرة صلبة، معتقداتها راسخة بأنه حان الوقت لكي أرتدي الحجاب، ولا سيما أنني أصبحت بالغة ومحاسبة عن أعمالي.
لم أكن أملك أي قرار أو تحكم باختياراتي، ووجدتُ نفسي عام 1996، أقفُ بين يدي «الخالة الكبيرة» ضمن احتفال أقيم خصيصاً لذلك، ووضَعَت لي حينها ما تُسمى «الأمطة»، وهي عبارة عن قطعة قماش بيضاء صغيرة توضع على الرأس، وتساعد في تماسك الحجاب وتمنع انزلاقه، ومن ثم وضَعَت لي حجاباً لونه أبيض يُربَط عند الذقن.
رضختُ لأوامر الخالة، وكذلك لأوامر عائلتي، وارتديتُ الحجاب. ولكن الظروف شاءت أن أخرج عن عباءتهن وأنخرطَ في بيئات مغايرة، حيث كان لصديقات المدرسة غير المحجبات والمنحدرات من عائلات دمشقية معتدلة، تأثيرٌ على طريقة تفكيري مما دفعني إلى عدم التسليم برغبة «الخالة الكبيرة»، والابتعاد رويداً رويداً عن الحلقات الدينية، حتى انقطعت علاقتي مع الحلقة التي بدأتُ معها بعد عامٍ واحدٍ على تحجبي.
خلال المرحلة الإعدادية التحقتُ بحلقة أخرى برفقة ابنة حارتي نور؛ التي كانت تستضيف الطالبات في بيتها في حي الميدان. لم أواظب كثيراً على الحضور والتواجد معهن، مقارنةً بما كنتُ عليه خلال المرحلة الابتدائية، لأبتعد نهائياً عن ما يسمى حلقات الدين خلال المرحلة الثانوية، ومن ثم أخلع الحجاب عام 2001.
العودة إلى حضن القبيسيات
شاءت الظروف خلال المرحلة الجامعية عام 2005 أن تعرّفني صديقتي ريم
لم تعد الحلقات الدينية مجرد مكان للهو واللعب مثلما كانت عليه خلال تواجدي ضمن الحلقة الأولى، فقد أصبحتُ مدركةً لجوهر العقيدة الإسلامية، ووجدتُ فيها فرصةً لأداء صلاة الجماعة، وإحياء الشعائر الدينية، كما رأيتها وسيلةً للتقرب إلى الله من خلال تكوين مزيد من الفهم عن الدين الإسلامي، وهذا ما شجعني على العودة والانخراط في الدروس الدينية.
اعتادت الخالة هبة على إقامة درسٍ واحدٍ في الأسبوع في منزلها؛ تفتتح الدرس بالترحيب ببنات الحلقة، بعدها تبدأ بالدعاء والذكر، والصلاة على النبي محمد، ومن ثم تنتقل لصلب الدرس حول أصول الفقه، أو تفسير آيات القرآن الكريم، أو سرد سيرة أحد صحابة النبي محمد.
أما بالنسبة للخالة الكبيرة فكان دورها يأتي بعد أن تنهي الخالة هبة حصتها؛ لتتولى بدورها زمام الحديث عن أحد الأمور الفقهية، أو تستكمل ما بدأتُه الخالة هبة، وكذلك تقديم النصح والموعظة للبنات. وتختتم الجلسة كما بدأت بالتضرع لله والصلاة على النبي محمد، وأحياناً يتم إنشاد بعض الأغاني الدينية والضرب على الدف.
كان نمط العلاقات الاجتماعية الذي ساد بين بنات الحلقات ملفتاً للنظر، ولا سيما تلك التي تشرف عليها الخالة هبة؛ فالعلاقات الاجتماعية قامت على مبدأ الأخوية، أي أنهن جميعاً «أخوات في دين الله»، ومن واجبهن الديني أن يعاملن بعضهن باحترام ويدعمن بعضهن بعضاً. انعكس هذا النمط الاجتماعي أيضاً بين «الآنسات» والطالبات، حيث تمكنت الخالة هبة من بناء علاقات قوية مع الطالبات وأُسَرِهن من خلال زيارتهن والاطمئنان على أحوالهن، بالإضافة لمحاولتها الاستماع إلى مشاكلهن ومساعدتهن في حلّها.
كثيراً ما تم الحديث عن الطاعة العمياء للخالة الكبيرة، وهنا لا أستطيع أن أؤكد أنها عمياء بقدر ما كانت طاعةً تنم عن احترام المكانة التي تتمتع بها، مما جعل كلامها موضع ثقة لدى الطالبات، فالكثيرات منهن اعتدن على مشاورتها ومناقشتها في أمورهن الشخصية كالزواج والدراسة، إيماناً منهن بخبرتها الحياتية والدينية. هذه المكانة التي تتمتع بها الخالة الكبيرة جاءت نتيجة أقدميتها في التجمع، وتحصيلها العلمي والديني، وتقدمها في العمر.
غير أن ما أثار دهشتي هو اعتقاد الطالبات بمقدرات «الخالة الكبيرة» الروحية؛ فما زلتُ أذكرُ كلام إحداهن عندما قالت لي: «الخالة تستطيع قراءة أفكارنا…»، وحذرتني من تحدثي في سري عنها، لأنها ستسمع ما أقول، والغريب في الأمر أن باقي الطالبات أكّدنَ كلامها.
وكما اعتقدت الطالبات أن الله كشف الغيب عن «الخالة الكبيرة»؛ فقد اعتدن أن يشاورنها علّها ترشدهن لما سوف يأتي في الامتحانات النصفية والنهائية، حيث تقوم بإمساك المقررات المدرسية والجامعية، ومن ثم تغمض عينها وتتمتم بعض الآيات، لتفتح بعد ذلك تلك المقررات، وتحدد الفقرات التي سوف تأتي الأسئلة منها. حاولتُ لاحقاً مناقشة «الخالة الكبيرة» حول هذه المعتقدات التي وجدتها غريبة، ولكنني لم أجرؤ خوفاً من أن تغضب مني.
اليوم يزخر عالم التواصل الاجتماعي بصفحات و«فيديوهات» تتضمن معلومات غير صحيحة عن القبيسيات، من قبيل أن الطالبات يقبلن أقدام «الخالة الكبيرة»، ويتم إجبارهن على التذلل لها، كذلك ما قيل عن «الآنسات» من أنهن تمارسن السحر والشعوذة، وتعزفن عن الزواج، ولا تستقطبن سوى الفتيات الجميلات والنبيلات… إلخ. هذه الإشاعات تروّج أن المريدات والطالبات مسلوبات الإرادة، وجاهلات؛ وعلى العكس من ذلك فقد كانت بنات الحلقات طالبات و«آنسات» متعلمات ومثقفات وعاملات في الشأن العام، ومنهن متزوجات وذوات مكانة اجتماعية.
خلال شهر رمضان عام 2008 كنتُ مع الطالبات في بيت الخالة هبة لأداء صلاة التراويح، وبعدما انتهينا من الصلاة، أفضت «الخالة الكبيرة» لي عن نيتها تحجيبي؛ أخبرتُها أنني أحتاج بعض الوقت، غير أنها أصرّت على موقفها، معلنةً لبنات الحلقة وأُسَرِهِن، ويقدر عددهن بما لا يقل عن 60 امرأةً، عن رغبتها تلك، ليتجمعن حولي ويضعن لي «الأمطة» والحجاب الأبيض. حينها تذكرت المرة الأولى التي تم تحجيبي بها، وكم كانت المرة الأولى شبيهة بالمرة الثانية.
عدتُ إلى المنزل وقررتُ ألا أخضع لرغبة «الخالة الكبيرة»، غير أن العصيان لإرادتها كان معناه خروجي من الحلقة. ومع ذلك رفضت أن أضع الحجاب فقط لأنها ارتأت ذلك، ما اضطرني إلى الخروج من الحلقة، لتكون هذه الحادثة هي الأخيرة بيني وبين القبيسيات.
القبيسيات يتأرجحن بين حبال الدين والسياسة
بين الحين والآخر أقرأ تعليقات الناس وآراءهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي، حول موقفهم من القبيسيات؛ وتحديداً بعد أن ظهرن عبر وسائل إعلام النظام السوري وهنَّ يجتمعن مع بشار الأسد ووزير أوقافه عام 2012.
منذ ذلك الوقت اعتلى البعض منبر الهجوم على القبيسيات، بينما تبنى البعض الآخر موقف الدفاع عنهن. وما بين هذا وذاك كثرت الشائعات عنهن، ولفَّ الغموض أهدافهن؛ وخاصةً بعد أن تعمد النظام السوري إظهارهن وكأنهن المدافعات عنه، والساكتات عن إجرامه بحق المدنيين. وكثرت التساؤلات حول ما إذا كان لهنَّ أي موقف سياسي؟ أم أنهن مجرد تيار ديني لا شأن له بالسياسية؟ كما نشر إعلام النظام السوري مقطعاً آخر للقبيسيات عام 2014، وهنَّ يعلنَّ تحت قبة المسجد الأموي في دمشق ولاءهن لبشار الأسد وتجديدهن البيعة له.
طوال فترة تواجدي مع القبيسيات، حرصنَ على أن تقام حلقات الذكر في أحد البيوت وبشكل سري خوفاً من الملاحقة الأمنية، حيث كان محظوراً عليهن التجمع في العلن. وكثيراً ما توارينا خلف الرموز عندما كنا نتحدث عبر الهاتف بهدف تحديد مكان ووقت انعقاد الحلقة، فما الذي دفع بالقبيسيات إلى إعلان التأييد للنظام السوري لاحقاً؟
حتى اليوم لا أستطيعُ أن أتخذ موقفاً واضحاً من جماعة القبيسيات، رغم ما أظهره إعلام النظام السوري عن تأييدهن له، ولكن لا بد من التوضيح أن كثيراً من النساء يرتدين الحجاب الأبيض والمانطو الكحلي دون أن يكن منتميات لجماعة القبيسيات، وبالتالي فإننا لا نستطيع أن نعمم ونقول إن جميع اللواتي ظهرن في الفيديوهات من القبيسيات مثلما روّجَ بعض الناس.
من جهة أخرى، ووفقاً لما قالته معاونة وزير الأوقاف سلمى عياش، فإن النظام السوري في عهد بشار الأسد «نقل العمل الديني النسائي من البيوت حيث الظلام والضبابية، إلى المساجد حيث النور والضبط»، ولربما قدّمت جماعة القبيسيات بعض التنازلات في سبيل العمل العلني، بعدما عملن لسنوات سراً. وسلمى عياش هي أول امرأة من الداعيات يتم تعيينها في منصب معاون وزير الأوقاف في سوريا، وذلك في ربيع عام 2014. كما أنه توجد بينهن مواليات للنظام السوري، منهن: خلود خادم سروجي، سوسن فلاحة، وأميرة جبريل، اللواتي قد يؤثرن على قرارات التجمع.
أيضاً لا بد من التطرق لتأثير العوامل الاقتصادية على التجمع، فعلى الرغم من أنه بات يستقطب جميع الفئات الاقتصادية، ولم يعد محصوراً ضمن الطبقة الغنية كما كان سابقاً، غير أنه ما زال مرتبطاً بعلاقات قوية مع التجار وأصحاب رؤوس الأموال في دمشق، حيث يقوم العديد من التجار بالتبرع للتجمع كزكاة أو صدقة، أو من خلال نسائهم وبناتهم المنخرطات في التجمع، وهؤلاء التجار تربطهم علاقات قوية مع النظام السوري مما سينعكس حتماً على موقف القبيسيات.
حتى اليوم لم يصدر أي تصريح رسمي من قبل القيادات في تجمع القبيسيات عن موقفهن مما يحدث في سوريا؛ وكأنهن لا يردن الانحياز لأي طرف سياسي، ويفضلن العمل في نشر الدعوة الإسلامية فقط. غير أن النظام السوري لم يتوانَ عن ترويج أنه مدعومٌ من قبل القبيسيات، ليوصل إلى العالم رسالة مفادها أنه الراعي للحركات الإسلامية الأقرب للاعتدال وأهل السنة في دمشق.
في النهاية، كما توجد قبيسيات مؤيدات للنظام السوري، توجد بالمقابل أخريات معاديات له، حيث لم ينجُ التجمع من الانشقاق والتفرقة في الآراء، كما لم يسلم من أن يكون جزءاً من لعبة النظام السوري السياسية.
ثماني سنوات مضت منذ أن غادرتُ القبيسيات، مرّت كما لو أنني ما زلت معهن، فبين الحين والآخر أسترجعُ أجواء الدروس والرحلات التي قضيتها مع بنات الحلقة، وكلام «الخالة الكبيرة» عندما كانت تمازحني في كل درس وتقول: «تعي قعدي جنبي… لا تبعدي عني…».
وعلى الرغم من تعرض القبيسيات لكثير من الأقاويل، فإنني لستُ بصدد الدفاع أو الهجوم عليهن، حتى ولو اختلفتُ معهن، فالاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية كما يقال، إذ أقدّر العلوم الدينية التي تلقيتها على أيديهن، والسنوات التي قضيتها مع «آنساتي» والطالبات.
حاولتُ منذ فترة أن أطمئن على أحوال «الخالة الكبيرة» والخالة هبة، وقد وردتني أنباء أنهن ما زلن يعشنَ في دمشق، ويعملنَ في نشر الدعوة الإسلامية، غير أنني لم أفلح في الاطمئنان على بنات الحلقة رغم محاولاتي المتكررة لمعرفة أحوالهن.