لعل السؤال الأول الذي سيخطر في بال القارئ: لماذا استخدامُ مصطلح «ديرية» عوضاً عن أبناء دير الزور؟ لماذا هذا الإصرار على استخدام مصطلح شديد المحلية كهذا؟ هل هم إثنية؟ هل يريدون الانفصال؟ هل هم ضد حدود الدولة السورية بشكلها الحالي في وقتٍ تنشط فيه حركات عابرة للحدود في الشرق الأوسط؟ أستطيعُ الإجابة بيقين شبه تام بـ«لا»، إنهم لا يريدون ذلك، ولكن عند سؤال أحدهم من قبل أي سوري بعد أن يسمع لهجتهم القاسية: هل أنت عراقي؟ سوف تكون الإجابة: لا أنا «ديري». والسؤال هنا، لماذا لم تكن الإجابة: أنا سوري؟

استولت داعش على أغلب محافظة دير الزور عام 2014، فيما بقيت قوات النظام السوري في الجزء الصغير الذي حافظت عليه بعد انطلاق العمل العسكري ضدها في المحافظة، العمل الذي بدأته فصائل الجيش الحر، ويعزى لها الفضل في تحرير معظم المحافظة قبل أن تسحقها داعش وتحتل المناطق المحررة. بعد ذلك، ومنذ نحو عامين، بدأ يتصاعد خطاب لدى أبناء دير الزور عن ضرورة تمثيل أنفسهم بشكل أفضل في مؤسسات المعارضة، ثم تطور الأمر إلى محاولات لإنشاء أجسام سياسية مناطقية خاصة بدير الزور، تحاول جمع كلمة أبنائها في بوتقة سياسية واحدة.

فشلت معظم هذه التجارب، وما زال عددٌ من القائمين على بعضها يحاولون العمل على إنجاح مبادرات أخرى، وتدور هذه المبادرات حول طرح واحد تقريباً، وهو توحيد الجهود بما يصبّ في خدمة محافظتهم دون وجود رؤية واضحة المعالم بخصوص قضايا جوهرية، منها وحدة الأراضي السورية وقضية الفيدرالية والعلاقة مع الشريك الكردي الذي لا تكنّ له معظم هذه المبادرات نيات حسنة.

يذهبُ آخرون إلى الكلام عن دولة «دير الزور»، ويستندون إلى استنتاجات غير مثبتة حول وفرة مخزون النفط في أراضي دير الزور، ما سيجعل أبناءها قادرين على إعلان دولة خاصة بهم. ورغم أن هذا الخطاب لا يستند إلى خطوات ملموسة في هذا المضمار، إلا أنه ينتشر بين جميع الديريين ويتحدثون عنه باستفاضة في جلساتهم الخاصة، ويدعم ذلك ما يرون أنه تخاذلٌ من المحافظات الأخرى في دعم الثوار في المحافظة عندما كانوا أبناؤها يواجهون توحش داعش منفردين، وهو ما خلّفَ نكبة بالنسبة لهم، فقد شُرِدَ الثوار من مقاتلين وناشطين عقب الهزيمة أمام جحافل التنظيم، وهو الأمر الذي نكأ الجراح القديمة حول تهميش المنطقة الشرقية عموماً، ودير الزور خصوصاً من قبل النظام السوري خلال الأربعين سنة الماضية، وراجت عبارة أن الديريين انتقلوا من تهميش إلى آخر خلال الثورة، لا أكثر.

الشباب يتقدمون

في مدينة الريحانية التركية القريبة من الحدود السورية التقينا بناشط من دير الزور، كان واحداً من بين 22 ناشطاً حقوقياً وإعلامياً وسياسياً من دير الزور يعيشون خارجها، قاموا بالإعلان عن حزب سياسي يهدف إلى تكوين إطار عمل سياسي في منطقة شرق سوريا. أكّدَ جميع القائمين على المبادرة أنهم يمثلون أنفسهم فقط، كي لا يُهاجَموا من ناشطين آخرين في المنطقة بدعوى ادعائهم تمثيل دير الزور أو المنطقة الشرقية، إذ اعترف القائمون عليها بضرورة التعددية السياسية في المنطقة.

الناشط مازن أبو تمام/ 29 عاماً، كان أحد هؤلاء الناشطين وهو يعمل كمصممٍ ومصور، ولديه طموح بشق طريقه في مجال الأفلام الوثائقية، وحتى ما قبل انضمامه للحلقة التي كانت تعمل على التأسيس لم يكن لدى الشاب أي طموح للعمل في ميدان السياسة، ولكن من أجل «عملٍ ينفع أهل دير الزور» فإنه سوف يشارك بالتأكيد به، كان هذا أول ما قاله عند سؤالنا له عن حركة المشرق السياسية التي كان وما يزال أحد أعضاءها.

جرَّبَ مازن العمل الجماعي في أكثر من تجمع ثوري، إذ عمل على تأسيس تجمع شبابي في مدينته العشارة الواقعة شرق دير الزور خلال العام 2012 وشارك هذا التجمع في التنسيق لأكثر من عمل مدني فيها، كما أصدر هذا التجمع جريدة مطبوعة بإمكانات بسيطة. ولكونه مصمماً فقد أُلقيَت على كاهله مهمة تصميم شعار للحركة السياسية الجديدة «المشرق السياسية»، وقد اختار تصميماً كان رائجاً على الإنترنيت ليكون أرضيةً لهذا الشعار بعد الاستئذان من الشخص الذي قام بتصميمه، وهو عبارة عن الجسر المعلق في دير الزور مربوطاً بالمحافظات السورية، تعبيراً عن تمسّك الحركة بوحدة الأراضي السورية، التي كانت أولى المبادئ التي أكدت عليها الحركة الناشئة في بيانها التأسيسي.

مما يثير الضحك عند مازن ردود الفعل من قبل الديريين على إعلان انطلاقة الحركة، إذ يقول: «تعرضنا نحن الأعضاء المؤسسون لهجوم على وسائل الاتصال الاجتماعي، بعضهم قال إننا لا نمت لدير الزور بصلة ولم يسمع بنا أحد فيها، وآخرون قالوا إننا محسوبون على أطراف لا علاقة لنا بها لا من قريب ولا بعيد، ولكن أكثر ما يثير الضحك هو تعليقٌ على صفحتنا الرسمية على موقع فيسبوك لأحدهم كان مفاده: أنتم عملاء، مبين من شعاركم».

يتوقع مازن أن انطلاق حركة المشرق السياسية كان مفاجئاً لأشخاص كثر داخل المحافظة وخارجها، وهو يعتقد أن رؤيتها كانت أوضح من كثيرٍ من المبادرات الأخرى التي جرى طرحها لإنشاء أجسام سياسية في دير الزور: «كان مفاجئاً أن عدد من الناشطين يجتمعون بشكل شبه سري ثم يفاجؤون الجميع بإطلاق مبادرة، وكان معظمهم من الشباب مما أرعب البنى التقليدية من شخصيات عشائرية وسياسية معروفة فيها».

لم تستمر التجربة طويلاً، فقد تراخت الهمم سريعاً وانسحب عددٌ من الناشطين بعد أشهر قليلة، وذلك بعد أن وضعت الحركة على محك التجربة، إذ حاولت وزارة الخارجية الأميركية التواصل مع أعضاء الحركة بغية التعرّف عليهم، كما ازدادت الهجمات وخطابات التحريض التي استهدفتهم بشكل شخصي على وسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك رفض أعضاء الحركة باجتماع صوتي لهم على السكايب، وبالغالبية، أن يجتمعوا بوفدٍ أمريكي أبدى استعداداً للّقاء بوفدٍ من الحركة.

عند الحديث عن تجربة «المشرق السياسية» لا بد أن نميز بعض الخطوط العريضة التي اتسمت بها، فالحركة التي كانت مشكلة بالغالب من فئة الشباب العاملين في قطاعات الإغاثة والإعلام والتوثيق على هامش الثورة السورية، وقد أبدوا إيجابية كبيرة في التعامل مع مبدأ وحدة الأراضي السورية، حيث حسموا موقفهم بالتمسك بها، لكنهم شددوا في الوقت ذاته على أن حركتهم هي حركة سياسية محلية، محاولين استنباط نسخة سورية من الأحزاب السياسية المحلية المنتشرة في عدد من الدول. كذلك يبدو أنهم قد فهموا الأخطاء التي وقعت فيها الأجسام السياسية السابقة من مجلس وطني وائتلاف، لذلك انتخبوا رئيساً لحركتهم مقيماً في الداخل السوري، كما افتتحوا مقراً داخل الأراضي السورية، وأكدوا على أنهم يمثلون أنفسهم فقط، أي الأشخاص المشكلين لها. ولا بد من خلال تتبعي لتجربة الحركة من أن أشير إلى أن تجربة المشرق السياسية كانت أشبه بـ «التنسيقيات» التي انتشرت خلال سنوات الثورة على امتداد الأراضي السورية، فإجراء الاجتماعات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، والتركيز على البرامج أكثر من التركيز على المبادئ، كلها من سمات عمل التنسيقيات، وربما يعود السبب إلى أن معظم الشباب المشكلين لها كانوا على علاقة بعمل التنسيقيات.

كبار البلد

منذ حوالي سنة ونصف يقوم عدد من السياسيين المعروفين في دير الزور بزيادة اللقاءات مع أبناء المحافظة، وذلك بغرض بناء شبكات تواصل أولاً، ثم البدء بخطوات جدية من أجل المحافظة. وأولى هذه الخطوات برأيهم هي تأطير كافة قطاعات المجتمع في دير الزور ثم المنطقة الشرقية بغرض إدارتها لاحقاً بعد تحريرها من سيطرة داعش، كما أنهم التقوا عسكريين من أبناء المحافظة وهم من الضباط المنشقين على الغالب، فيما لم تجرِ لقاءاتٌ مع قيادات الفصائل في دير الزور.

في وقت سابق قام هؤلاء السياسيون بعقد اجتماع واسع في مدينة عنتاب التركية لأبناء دير الزور في تركيا تحت مسمى «الملتقى التشاوري الوطني لأبناء دير الزور»، ولكن هذه المبادرة ما زالت غير واضحة المعالم بالشكل الكافي، ويقول القائمون عليها أن مرد ذلك هو «الرغبة في إفساح المجال أمام شرائح أوسع للمشاركة في صياغة هدف ورؤية الملتقى»، حيث لا يوجد بيانٌ تأسيسي، وتقريباً هناك أمرٌ واحدٌ يبدو واضحاً منها، وهو الرغبة في تأطير أبناء دير الزور ضمن ما يشبه النقابات.

أحد القائمين على تسيير أعمال الملتقى هو مقداد سوادي، يبلغ من العمر 68 عاماً ويسكن في مدينة اسطنبول، ويُعرَفُ في مدينة دير الزور بأنه مالك لمقهى عصمان بك الشهير فيها ومقهى آخر أقل شهرة، وهو أيضاً عضو في الكتلة الوطنية الديمقراطية، ولهذا يقول: «تعرضنا لاتهامات واسعة من قبل أبناء دير الزور، فعضويتي في الكتلة الوطنية جعلت كثيرين يقولون إن المبادرة منبثقة عنها، كما تعرضنا لاتهامات أخرى لأن بيننا أعضاءٌ في جماعات وأحزاب أخرى».

يقول مقداد وبكل وضوح: «المبادرة خاصة بدير الزور، فالمحافظة كانت ومازالت تعاني التهميش، وسوف تكون الأمور أكثر سوءاً في الفترة المقبلة، لذلك قررنا أن ندفع باتجاه تنظيم أبناء المحافظة وتأطيرهم تأهباً للمستقبل». وهو يعزو خوف أبناء المحافظة إلى لتهميش الذي تعرضوا له على يد النظام السوري، وكذلك إلى هزالة أداء المعارضة السورية والائتلاف والمجلس الوطني بشكل خاص، حيث يؤكد أن أداء كليهما كان بشكل عام غير مقنعٍ وغير ذي نفع فيما يتعلق بدير الزور.

السوادي لا يرى أن الملتقى هو حزبٌ سياسي، وكذلك لا يقول إنه يمثل دير الزور عامة، ولعل عدم وضوح هذه النقطة يعكس عدم وضوح الرؤية لدى القائمين عليه. أما أعضاءٌ آخرون فقد صرّحوا بأنهم يسعون لإعادة الهيبة لـ «كبارية» دير الزور، وبالعودة إلى الشخصيات الرئيسية القائمة على الملتقى، نجد أنها تنحدر من عائلات كبيرة في مدينة دير الزور، وكان معهم شيخ عشيرة واحد من الريف الشرقي، ولكنه من المقيمين في مدينة دير الزور خلال السنوات التي سبقت الثورة، ما يجعلنا نفهم خلفية وجوده في الملتقى.

والمُلاحَظُ عموماً أن أغلب الموجودين في الملتقى من كبار السن، ومن العاملين سابقاً في السياسة، حيث سبق أن انضم معظمهم لأحزاب سياسية، فيما كان بعضهم الآخر من أعضاء مجلس الشعب قبل الثورة. أما الشباب الموجودون في الملتقى فيبدو أن معظمهم من مدينة دير الزور، وجزءٌ بسيطٌ من مدن الميادين والبوكمال، ويغيب عن المشهد أبناء ريف دير الزور إلى حد ما، ويبدو أن ذلك نابع عن رغبة الملتقى في جذب الكفاءات والشهادات العلمية إليه، مما جعل نسبة الموظفين والحقوقيين والمهندسين والأطباء كبيرةً نوعاً ما.

الملتقى بحسب السوادي قام بدعوة كل من هو مهتم من أبناء دير الزور بالعمل من أجل المحافظة، إلا أن دعوته لم تلاق ترحيباً من كثيرٍ من الأشخاص، الذين طالبوا حسب قوله بأن تنصَّ المبادرة بشكل واضح على إقامة فيدرالية في دير الزور، وهو ما كان مرفوضاً من قبل الملتقى: «أتوقع أن مطلبهم جاء على خلفية إعلان قوات سوريا الديموقراطية لفيدراليتها في شمال سوريا، طبعاً هذا الكلام مرفوض ونرى أنه يساهم في الإضرار بمبدأ الأراضي السورية، ويعطي مبرراً وشرعيةً لفيدرالية قسد».

من جانبٍ آخر، هوجمَ الملتقى من عدد من الشخصيات العشائرية والسياسية الأخرى من دير الزور، وذلك عن طريق تصريحات أدلت بها هذه الشخصيات لوسائل الإعلام، وكان من منتقدي الملتقى خالد الحماد أمين عام جبهة الأصالة والتنمية ذات التوجهات السلفية، وهو يقيم في الكويت وينحدر من مدينة البوكمال شرق المحافظة، حيث قال في تصريحاته إن «جماعة الإخوان المسلمون هم من أقاموا الملتقى»، كما انضمت إليه شخصية عشائرية قالت في تصريحٍ إن الملتقى أشبه «بقالبٍ جاهزٍ ويقوم بتهميش تيارات أخرى في دير الزور».

وأثناء حوارات سابقة مع عدد من ناشطي دير الزور من فئة الشباب، قال بعضهم إنهم يبدون خشية حقيقية من جماعة الإخوان، ومن أي شخصية محسوبة على الجماعة، وهو ما يقولون إنه سبب عزوفهم عن الالتحاق به. بالإضافة إلى أنهم يرون أن شباب الثورة أحق بالتمثيل من السياسيين القدامى، وعلى الرغم من اعترافهم بضعف خبرة الشباب في العمل السياسي «إلا أنهم على أخطائهم أفضل» من السياسيين، ويستندون في ذلك على ما يسمونه «الشرعية الثورية». أما مقداد السوادي فيرى أن الاتهامات بالتبعية لأحد لا تستند على أساس صحيح، وأن السياسيين المشرفين على الملتقى ما زالوا في أحزابهم وجماعاتهم السياسية، ولكنهم يفصلون بين عملهم في الملتقى وبين توجهات أحزابهم.

 أخيراً، جاء في الرسالة التوضيحيّة حول الملتقى التشاوري: «وسط الظروف القاسية والواقع المرير الذي تمرّ فيه سوريا وبلدنا الحبيب دير الزور، وتتويجاً للجهود الكبيرة التي بذلها العديد من الإخوة في إطار المبادرة من أجل محافظة دير الزور، والنهوض بشأنها ورعاية مصالح وحقوق أبنائها ووضع حدّ لحالة الفوضى والضياع، وبعد حوارات طويلة ومتواصلة شملت الكثير من أبناء المحافظة وفي أماكن الشتات، فقد تقرّر عقد ملتقى تشاوري (ثوري وثقافي وسياسي واجتماعي) يمثل خيمة يستظلّ تحتها ممثلو أطياف المجتمع والثورة كافة، وذلك بتاريخ 25 أيلول الجاري 2016، ليكون هذا الملتقى نواة عمل دؤوب وجهد مستمر، وركيزة راسخة يلتقي عليها ويستكمل بناءها أبناء المحافظة كافّة».

عسكريون بأذرع سياسية

أثناء الاجتماعات التأسيسية لحركة المشرق، والتي كانت تتم عبر السكايب، انضم إلى المؤسسين قياديٌ لفصيل معروف في دير الزور، كان يريد بوضوح، وبحسب ما أخبر القائمين على حركة المشرق، جناحاً سياسياً يستطيع تمثيل الفصيل الذي يقوم بقيادته. لاحقاً لم يتم التوافق على صيغة بين الطرفين، مما أدى إلى تباعدٍ بينهما، وكان السبب الرئيسي في عدم التوافق هو عدم رغبة الناشطين آنذاك بأن يحسبوا على أي طرف عسكري، وتحديد موقفهم بأن يريدون العمل في ميدان السياسة فقط.

عَمِلَ عددٌ من قادة فصائل دير الزور على تشكيل مجالس أو أذرع سياسية تابعة لهذه الفصائل، والأمر ينطوي في كثيرٍ من الأحيان على محاولة لإلحاق الحراك المدني في المحافظة بهذه الفصائل وقياداتها، ويرى عدد من هذه القيادات ومن يدور حولهم أن تجربة جيش الإسلام في دوما تجربة جيدة وجديرة بالاستفادة منها، عن طريق تأسيس مكاتب سياسية ومكاتب إعلامية وحتى منظمات إغاثية تابعة لها.

هناك محاولات من ثلاثة فصائل على الأقل من دير الزور لعمل شيء مشابه، فيما فضّلَ بعضٌ آخر الالتحاق بأحزاب سياسية لتكون هي ذراعها العسكري كما في حالة «قوات النخبة»، التي أصبحت الذراع العسكري لتيار الغد السوري الذي يقوده أحمد الجربا، حيث يقاتل هذا الفصيل إلى جانب قوات سوريا الديموقراطية في محافظة الحسكة، وقد أصبح في مناطق قريبة من حدود دير الزور الإدارية، وقبل ما يقارب العام قُتِلَ أحد القيادات المشرفين على تجميعهم برصاص الجندرما التركية أثناء محاولته العبور إلى الأراضي التركية بالقرب من تل أبيض السورية.

يفيد عدد من الناشطين أن هناك صراعاً خفياً بين قيادات الفصائل، وربما تكون المحاولات السابقة لإنشاء أذرع سياسية إحدى وسائل الضغط في هذه الصراعات، وذلك عن طريق ضم طيف من النشاط المدني والسياسي إلى صفوفها. وخلال الأشهر الماضية ترددت أنباء عن توترٍ في العلاقات فيما بين فصيلين من دير الزور يعملان في البادية السورية، هما أسود الشرقية وجيش سوريا الجديد، وأفادَ ناشطون رفضوا الكشف عن أسمائهم أن هذا التوتر جاء على خلفية انشقاق عددٍ من العناصر المحسوبين على أحدهما والتحاقهم بالآخر، ما أدى إلى تهديدات من الأول باستخدام القوة لاسترجاع هؤلاء العناصر وسلاحهم، تلاه تهديد مماثل من الطرف الآخر، وتطلّبَ الأمر تدخل غرفة الموك في الأردن للضغط على الطرفين لحل الخلاف. كذلك تحدثت أنباءٌ متناقلة شفهياً عن تعرّضِ قياديٍ هامٍ لأكبر فصائل دير الزور التي تقاتل في الشمال السوري لمحاولة اغتيال في ريف حلب، إذ استهدف مسلحون سيارته لكنه لم يكن فيها ما أدى إلى نجاته، وتدور الشكوك بأن قياديين منافسين كانوا وراء تلك المحاولة.

تتقاطع الخلافات العشائرية مع الخلافات الفصائلية مما يعقد الأمر أكثر، ولعلَّ رفض جميع الناشطين للحديث حول هذه التفاصيل بأسمائهم الصريحة، وكذلك الغموض الذي يلفّ هذه الخلافات بحيث يبدو التثبت من صدقية تفاصيلها شبه مستحيل، دلالةٌ كافية على مدى تعقيد الوضع وخطورته.

من جهة أخرى، حاولت شخصيات عشائرية ومجموعة من الضباط المنشقين تأسيس جسم سياسي له ذراع عسكري تحت مسمى الجبهة الشرقية، وقد جاء في نص بيان تأسيس الجبهة بأن كل شيخ عشيرة سوف يقوم بتقديم 200 إلى 500 مقاتل من أجل محاربة داعش في المنطقة الشرقية، وقد تم تدريب الدفعة الأولى في تركيا بأشراف تركي-أمريكي، إلا أن الخلافات دبت سريعاً بين قيادات الجبهة بعد ذلك، ما أدى إلى انفراط عقدها سريعاً.

 من منشورات جيش سوريا الجديد العامل في البادية السورية
من منشورات جيش سوريا الجديد العامل في البادية السورية

مع تصاعد المخاوف لدى أبناء دير الزور من اقتراب الحشد الشعبي في العراق من الحدود السورية، تتصاعد الخلافات بين أبناء المحافظة في كيفية التعامل مع الوضع فيما بعد داعش. وفي الوقت الذي يقول فيه الجميع إنهم يريدون توحد جميع فصائلها وأطيافها لمواجهة التحديات المستقبلية، تبدو النزعات العشائرية والمناطقية وفقدان الثقة بين شباب الثورة سماتٍ غالبةً لا تخطئها عينٌ عند الحديث عن دير الزور.