كانت الشاحنة التي تقلنا قد نزلت ببطء عبرَ الطريق الترابي القادم من البادية، باتجاه الطريق المعبّد الذي يربط الرقة بدير الزور، والموازي لنهر الفرات على امتداده. كان يظهر حاجزٌ في نهاية الطريق الترابي، وكنا قد سمعنا قبل ساعات من مجيئنا أن الجيش الحر شنّ هجوماً مفاجئاً على تنظيم داعش في المنطقة، وأنه تقدم ليأخذ عدة نقاط بريف دير الزور الغربي، قطع صوتُ رصاصةٍ أطلقها الحاجز في الهواء حديثَ أبو سلامة سائق الشاحنة.

– «وقف مكانك يا خي»، صاحَ الجميع، أخي وأنا وأبو فيصل ابن قريتنا الذي ترك غنمه في البادية في عهدة صديقه، وجاء لرؤية أولاده وزوجته.

– «ليش يضربوا علينا»، قال أبو سلامة، وكان قد أوقف الشاحنة ولم يعد يفصلها عن الحاجز سوى ثلاثمائة متر.

– «على الأغلب هذول جيش حر وأخذوا المنطقة، وخايفين من السيارات المفخخة لداعش»، رد عليه أخي.

في هذه الأثناء قام أحد السائقين المغامرين بالتقدم باتجاه الحاجز، ملوحاً بيده من نافذة السيارة بحركة شبه يائسة ومجنونة ليقنعهم بالدخول، فاخترقت عدة رصاصات الجو، وبرزَ من خلف الحاجز مقاتلٌ مقنع، تستطيعُ أن تستشف من ضآلة جسمه حداثةَ سنه. كانت الرصاصات كافية كي يعود سائقو السيارات الثلاث المنتظرة أدراجهم، بينما توقفت سيارة المغامر بضع ثوانٍ، وكأنه لم يصدق بقاءه حياً، أو أنه غير مقتنعٍ بجدوى هذا الحاجز.

– «علينا أن نذهب باتجاه الطريق الثاني، سوف يُنزلنا على النهر من ناحية (الدوسة)، وسنترك الشاحنة عند أحد أقاربنا ونمضي لأهلنا نعبر النهر وبعدها نعود إليها عندما تنتهي المعارك»، قال أخي ونظر إلى أبو سلامة الذي أجاب: «لو أعرف هيج السالفة ما كنت شلت حَبكم من الأساس». «الحَب» تعني في ريف دير الزور محصول القمح والشعير (الحبوب).

لم يعلّق أخي على كلامه وعلى شكواه غير المشروعة وتبرمه الدائم، نعم نحن في حالة حرب، ولكننا نريد أن نكمل حياتنا. ثلاث سنوات ونيف من قتال النظام والمعارك التي تدور حول مواقع النظام بريف دير الزور الغربي، فضلاً عن قصف الطيران الحربي عليه، ومع ذلك فداعش الآن على أبواب دير الزور، تطوقها من كافة الاتجاهات، وتقضم الأراضي التي حررها الجيش الحر يوماً بعد يوم، ومع ذلك يجب أن نحصد ونزرع ونأكل ونطعم أبناءنا وأهلنا.

قال أبو سلامة: «أنا أخاف يصير بينا مثل اللي قال (خلصتو من دعدوش)»، فيما انفجرنا بالضحك.

وفي تفاصيل القصة أن أحد أبناء قرية مجاورة، كان عائداً إلى منزله من مدينة الرقة، بعد أن نقل حمولة علف إليها، وفي الطريق صادفَ حاجزاً لعناصر داعش لم يكن عليه رايتها، فظن أنهم جيش حر وقال ساخراً: «ها أخوتي خلصتونا على دعدوش».

كانت هذه الجملة كفيلةً بجعل رأسه يطير من بين كتفيه، وقد هم أحدهم بذبحه بالفعل، إلا أن آخراً منعه، واكتفوا بمصادرة سيارته وضربه وطرده، وأخبره أحدهم أنه إذا طالب بسيارته مجدداً فسوف ينفذون وعيدهم له، ويقطعون رأسه!.

عندما وصلنا قريبنا كانت المعارك قريبةً بدورها من بيته وصيدليته، إلا أنه مع ذلك كان موجوداً في الصيدلية، لم يغلقها حتى. نزلنا إليه وقمنا تباعاً بالتسليم عليه، وشرع بعدها بتحضير الشاي لنا.

– «ماذا يحصل؟».

– «أحرار الشام والجيش الحر هجموا على داعش بعد ما قطعوا النهر بقوارب من الضفة الأخرى، والجماعة تفاجئوا بالهجوم على الأغلب، حتى ما في أعداد بهذه الضفة، اللي شفتهم من داعش لا يتجاوزون خمسة بالمقر اللي أخذوا الحر من شوي»، قال قريبنا أبو أمجد.

– «شمعرفني، نمسي على واحد ونصبح على واحد»، قال أبو سلامة.

 قد لا أبالغ إذا قلت إن أبا سلامة لم يكن يعرف على وجه التحديد من هم «الطرفان» أو«الأطراف»، كل ما يهم أبو سلامة هو قطيع ماشيته وأرضه وعمله على الشاحنات، لم يكن مؤيداً لأحد ولم يكن في عائلته ولا أقاربه موظفون، ولا حتى متعلمون نهائياً. الجو المحبب لأبي سلامة هو مزاد المواشي، وممازحة الدلالين، والحديث بشؤون القرية أو حال البادية والمواشي وأسعار الغنم والبقر والمراعي مع الباعة والمشترين في السوق، كان عند السؤال عن رأيه بالثورة أو النظام، يحرك شفتيه بطريقة تنم عن استهزاء، وتعالٍ حقيقي وغير مصطنع.

أصواتُ طلقات الرصاص تتناهى إلينا من الجهة الغربية، حملتُ كأس الشاي الصغيرة بيدي وخرجت من الصيدلية، نظرتُ إلى جهة صوت الرصاص، لا يظهرُ شيءٌ في حدود الرؤية، سوى سيارة «بيك آب» حمراء، خرجَ أخي من الصيدلية أيضاً.

– «شنسوي ما أعرف؟ يقولون المعبر متوقف عن العمل، راح أروح أني بمطور أبو أمجد أشوفه».

– «طيب، خير إن شاء الله».

عندما انتهينا من جملتنا هذه كان «البيك آب» قد أصبح بمحاذاتنا، و تركزت أنظارنا أنا وأخي وكل المارة على ما يحدث في صندوقه الخلفي. كان مقاتلٌ من الجيش الحر يحتضن آخراً مصاباً في رأسه، بينما يقوم ثالثٌ بمحاولة الضغط على رأسه بقطعة قماش كان قد كورها بين أصابع يده، عسى أن يوقف تدفق الدم.

لم يأبه أخي كثيراً بالمنظر، وبقي على قراره بضرورة الذهاب للمعبر، وبعد نصف ساعة عادَ على الدراجة النارية.

– «شصاير وراك؟».

– «يقولون أن خبير التفجير بالجيش الحر كان يحاول تفخيخ الطريق أمام دبابةٍ لداعش، عندما أصيبَ برأسه برصاصة قناص داعشي»، وأردف: «المعبر شغال، نقدر نعبر إلى الضفة الأخرى، بس الشاحنة ما نقدر نعبرها، الوضع على المعبر متكهرب، راح نخلي الشاحنة هين».

ومن بين الحقول والأراضي الزراعية دلفنا مشياً على الأقدام باتجاه النهر، تفادينا المرور من الطريق الرئيسي، فقد كان المعبر النهري نقطةً استراتيجية يسعى كل من داعش والحر بكل ما أوتيا من قوة للحصول عليها، كان علينا الانتظار لعدة دقائق قبل أن يأتي القارب من الطرف الآخر، عندها وصل مقاتل من الجيش الحر مصاب بفخذه وقد تم ربط جرحه بغطاء رأس (شماغ)، كان ملثماً وما يزال قابضاً على بندقيته. أجلسوه ريثما يأتي القارب، وصلَ القارب وصعدنا، جلسَ قليلاً ثم دمدم بكلمات غير مفهومة ولكنها تدل على الألم، مما دعاه للتمدد في أرضية القارب.

نظرتُ إليه مليّاً، كانت الحالة النفسية لمقاتلي الجيش الحر مزريةً جداً، لم يكن التقدم الذي قاموا به مؤخراً  إلا ضوء شمعة بسيطة في ليلٍ دامس، حصارُ داعش أصبح مطبقاً على دير الزور من جهاتها، لم تعد تصلُ الذخائر إليهم، سأله أخي عن واقع القتال بعد أن اقترب منه.

– «الوضع جيد، الشباب تقدموا، يا أخوان ادعوا للحق أينما كان، ادعوا الله أن ينصره، يا أخوان إنهم يحرقون شبابنا بالأسيد فقط ليقولوا للناس: هل رأيتم سوء خاتمة هؤلاء المرتدين».

دمدم الرجال بالقارب بالدعاء، كان دعاؤهم خجولاً ومرتبكاً، لقد تفاجئوا بكلامه لهم، وعند الطرف افترقنا واستقل المصاب السيارة الوحيدة التي كانت موجودةً على الشاطئ كي يتم نقله إلى المستشفى الميداني، فيما مشينا قليلاً قبل أن تمر بالقرب منا سيارةٌ لأحد معارفنا الذي أخذنا معه باتجاه قريتنا.

قريتي كمعظم قرى وبلدات ريف دير الزور، تقعُ على جانبي نهر الفرات، تقع غربي دير الزور، وتمتد من شاطئ نهر الفرات حتى الجرف الصخري، ولا تتعدى هذه المسافة بضعة كيلومترات، وتشكل هذه الكيلومترات القليلة على جانبي النهري، المساحة المفيدة من ريف دير الزور، أما ما عداها فهو ورقة صفراء، وبادية لا تنفع إلا في السنوات ذات الهطولات المطرية الجيدة، حيث تُزرع أجزاءٌ منها بالقمح، وترعى الماشية فيها لشهر أو شهرين على الأكثر، لا يتجاوز عدد سكانها الخمسة آلاف.

معظمُ شبابها يعملون في لبنان أو في بلدان الخليج، وخلال السنوات الأخيرة ازدادَ عددهم قليلاً في القرية، بسبب عدم قدرتهم على السفر جرّاء تخلفهم عن الالتحاق بقوات النظام أو الانشقاق عنها، إلا أن قلة منهم التحقت بفصائل الجيش الحر، وفضل عدد كبير منهم البحث عن عمل لهم في القرية، أو إيجاد طريقة للخروج من سورية. كانت قريةً صغيرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بعيدةً عن الأضواء، عديمة الأهمية لكل الأطراف المتقاتلة في المنطقة، والكل متفقٌ على تحييدها، أفضل ما يقال عنها أنها قرية متقوقعة بـ«لطف» على نفسها.

قامته القصيرة، وعيناه الزرقاوان، وشاربه الأحمر، والبحة الخفيفة بصوته، إضافة لروح الدعابة التي يتمتع بها، كل تلك الصفات جعلت من «أبو تيمور» «حربوقَ» القرية، والتاجرَ الأكثر براعة في مزادات الحبوب والغنم. يمحص البشر بالنظر إلى أعينهم، عندما يحدثك يسلّط كل نظره عليك، حتى عندما يسير وهو يتحدث يلتفت خلفه ليرى ما فعل كلامه بك، كنت أحب حديث أبو تيمور والذكاء الفطري الذي يتمتع به، وأكره اعتباره كل ما يجري في هذا العالم صفقات تجارية.

– «وين حصدتم؟»، سألني عندما ذهبتُ إلى مقهى الانترنت القريب من محل الأعلاف الخاص به.

– «أي وحمل الحبوب وصلناه للمعبر وخليناه عند قرايبنا، مشان المعارك».

– «يقولون الدواعش قام يقاتلون الجيش الحر حفاة، ويقولون أرض الشام مقدسة»، قال أحد الشباب الحاضرين.

 كانت المعارك تدور حول القسطل وهي منطقة شبه مهجورة، وقد أصبحت خلال الأشهر الماضية، أفضل منطقة لقطاع الطرق واللصوص، لنصب كمائنهم التي تستهدف بشكل أساسي أصحاب صهاريج النفط.

– «يقولون أرض مقدسة ؟ بالقسطل؟ القسطل أوسخ أرض»، قال أبو تيمور جملته فيما انفجر جميع الحضور ضاحكين، وقام من مكانه باتجاه محله وهو يبتسم بخبث.

في اليوم التالي سمعنا أن داعش عادت لتسيطر على الضفة الأخرى بالكامل، وأن عدد من عناصر الحر قد فروا إلى ضفتنا، وهم يقطنون في مبنى المستوصف الذي هجره الطبيب الوحيد في القرية منذ حوالي الشهر، بعد يومين بدأت مفخخات داعش تضرب المنطقة بشدة، كانت محاولة لفرض الاستسلام على الجيش الحر بالترهيب بها.

كنا نمشي أنا وصديقي في ذلك المساء، على الطريق الرئيسي في البلدة عندما لاحَ لنا عنصران من الجيش الحر، أطلقَ أحدهم الرصاص بالجو بشكل مفاجئ، فيما اكتفى الآخر بحمل القاذف على كتفه، حيث أوقفوا سيارة من بعيد تكلموا مع سائقها، ثم سمحوا لها بالتقدم إليهم والذهاب لاحقاً. تجنبنا البقاء في المنطقة، لقد أصبحَ التهديد جدياً لهذه القرية الصغيرة، بأن تستهدف بسيارة مفخخة.

– «في معلومات مسربة أن سيارة مفخخة جهزت للقرية، وقد تخطت حواجزنا، يجب أن نبحث عليها»، قال عنصر الحر عندما سألناه.

عندما كنتُ أتمشى أنا وابن أخي الصغير ذو السبع سنوات عصرَ ذلك اليوم، في الأراضي الزراعية على بقايا حقول القمح، لم أكن أتوقع أن هذه القرية التي عشتُ فيها سنوات عمري الثلاثة والعشرين، سوف تُستهدف بسيارةٍ مفخخة كالتي نراها في العراق وأفغانستان ولبنان على نشرات الأخبار، كنت أتوقع أن ضآلة أهميتها وقلة عدد سكانها، سوف يشفعان لها عند من كان يحمّل تلك السيارات بالأطنان من المتفجرات، لكي يحسم المعركة في دير الزور.

كان انفجاراً مريعاً لم أرَ الأرض قبله تصل للسماء، لقد اقتُلِعَ المستوصف من محله لمئات الأمتار للأعلى، ليعود من جديد إلى الأرض ركاماً. كنتُ بالصدفة أنظرُ باتجاه المستوصف عندما رأيته يرتفع عالياً، ثم ينزل ليصلك الصوت بعدها هادراً قوياً. ركضتُ وضممت ابن أخي إلي في الوقت بين هذا وذلك. قال الطفل برجفة: «هل التفجير بالقرب من بيوت أهلنا عمي؟». نظرتُ إلى هذا الطفل وقد فاجأني قوله، إنها معزوفة الحرب التي مازال يتابعُ فصولها منذ وصوله إلى هذه الحياة هي من دعته للسؤال عن «بيوت أهله» فقط.

– «لا يا أخوي، الانفجار بعيد».

كان علي أن أوصل الطفل لأهله وأعود راكضاً باتجاه مكان التفجير، عسى أن أستطيع المساعدة. كانت سيارات الإسعاف تمرّ على الشارع العام بسرعة جنونية، والرصاص ينطلق منها ومن مكان الانفجار، لدفع الناس لإفساح الطريق والابتعاد عن مكان التفجير.

عندما وصلت كانت السيارات مازالت مشتعلة، بعضها كان لمقاتلي الحر، وبعضها الآخر كان ذنبُ سائقيها -الذين تفحّمت جثثهم داخلها- أنهم مروا بالصدفة من هذا الشارع.

لم يبقَ من السيارة سوى قطعة أمامية عليها اسم نوع السيارة، حملها أبو أحمد ووضعها بين الناس.

– «هذه ما بقي من السيارة أنها كيا موتورز»، لم يتكلم أحد من الحاضرين.

كانت جمهرةٌ أخرى قد تجمعت على بعد مائة متر، عندما وصلتُ إليها كان عبود يرفسُ برجله قطعة لحم لا تتجاوز الكيلوين، وعبود هو مراهقٌ يتعامل أهل القرية معه على مبدأ «على البركة أو درويش القرية».

– «هذا هو الكلب اللي فجر حالو، العرص، الجحش».

توقفَ عن فعلته عندما زجره أحدهم ، بينما تقدم شخص آخر يحمل قدم بشرية بكيس نايلون، فيما جاء عنصرٌ من الجيش الحر مسرعاً إلى الجمهور المجتمع، أبعدَ الناس من أمامه، وقد بدا عليه الذعر الشديد جراء التفجير، وتشبث نظره على قطعة اللحم الهامدة على الأرض.

– «هل مازال حياً؟»، نطقَ جملته هذه فيما نظرَ إليه الناس وتبسموا، وبعضهم لم يستطع إخفاء ضحكته.

– «شلون يكون عايش، وهو يا دوب كيلوين لحم»، قال أحد كبار السن له.

تقدّم الشاب الذي يحمل القدم البشرية وقال: «على الأغلب هذه له أيضاً، لقد تمزّق».

بقي أهل القرية يجدون قطعاً من السيارة المفخخة فوق أسطح منازلهم لأسابيع بعد التفجير، كما شاعَ فيها أن اللحام القريب من مكان التفجير أفاد بأن سيارة من طراز «كيا موتورز» قد توقفت أمام مسلخه قبل دقائق من التفجير، وأن شاباً حافي القدمين قد ترجل منها، وعاين أسفل السيارة بكل هدوء ليصعد فيها من جديد، وهو ما فسره اللحام نفسه بأن الانتحاري قد فعّل الصاعق عند نزوله.

أصحابُ الشاحنات أفادوا أن حواجز داعش أوقفت لساعاتٍ طويلة شاحنات الحبوب القادمة من الرقة في ذلك اليوم، ثم سمحت لها جميعاً بإكمال طريقهم بشكل مفاجئ، مما شكل حالة إرباك لدى عناصر حواجز الحر التي كانت تعمل على وقف تدفق السيارات المفخخة إلى دير الزور. عندما عدتُ ذلك المساء إلى البيت، كانت رائحة البارود ولحم أجساد الضحايا المحترق ما زالت عالقةً في أنفي. كنتُ قد ساعدت على نقل ثلاثٍ منهم إلى مسجد القرية، كانوا مقاتلين من الحر. توجهتُ إلى مزملة الماء التي داومت أمي على وضعها في فناء البيت ليلاً كي يبرد ماؤها منذ بداية الصيف بسبب انقطاع الكهرباء عن المنطقة، شربتُ جرعة خفيفة من الماء، عسى أن تذهب هذه الرائحة والأحاسيس المتداخلة، ولكنني لم أفلح في ذلك. تنشقتُ الهواء، كان النسيم عليلاً في تلك الساعة المتأخرة من الليل، تفتحت كل مسامةٍ في جسمي، ودبَّ ارتياحٌ عميق في نفسي، كان آخر ما قمت به في تلك الليلة قبل النوم، أن دونت في أحد دفاتري تلك الكلمات.

على أرض هذه القرية

وطأتنا تلك الأقدام الحافية

ثقيلة وعابرة

مفخخة ومبتورة

دامية ووحيدة

***

تقدّم أيها الانتحاري

فجّر تلك الدمامل

انثر ما تبقى من أحلامنا

و تمنطق بأوزار الأرواح المتفحمة

وامضي بعيداً بعيداً.. أيها الغريب.