خُطفنا قبل عامين..
في التاسع من كانون الأول 2013، مع اقتياد رزان زيتونة وسميرة الخليل وناظم حمادي ووائل حمادة إلى جهة مجهولة، اقتيد كل الديمقراطيين التحرريين السوريين معهم إلى المجهول ذاته، ومضى عامان دون أي معلومات موثوقة عن أوضاع المخطوفين ومصيرهم. لسنا متضامنين مع مخطوفي دوما الأربعة ومطالبين بالإفراج عنهم فحسب، ولا نحاول حمل بعض الألم وحرقة القلب عن أهالي المخطوفين وأصدقائهم المقرّبين فقط: نحن مخطوفون أيضاً، وقضيتنا مخطوفة معنا.
رزان زيتونة، المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان منذ مطلع العقد السابق، والمُرافعة عن عدد لا يُحصى من المعتقلين السياسيين -بينهم إسلاميون كُثر- أمام محكمة أمن الدولة؛ وسميرة الخليل، المُعتقلة السياسية السابقة في سجون الأسد الأب، والناشطة السياسية والاجتماعية؛ وناظم حمادي، الشاعر والمحامي والناشط في مركز توثيق الانتهاكات ولجان التنسيق المحلية؛ ووائل حمادة، الناشط الثوري والحقوقي، والمُعتقل مرتين خلال الثورة السورية، غائبون عن أهلهم وأحبابهم وأصدقائهم منذ عامين، وهم أيضاً غائبون عن نشاطهم ونضالهم وقضيتهم.
قبل عامين من اليوم، ارتُكبت جريمة مركّبة ومتعددة المستويات بخطف رزان وسميرة وناظم ووائل. حُرم أربعة مواطنين من حرّيتهم بأسوأ الطرق وأكثرها انحطاطاً وجبناً، ويُكمل هذا الحرمان عامه الثاني اليوم؛ كما حُرم أهلهم وأصدقاؤهم من وجودهم، ما يجعلها جريمة مستمرة ومتجددة كل يوم بحقّهم؛ وأيضاً، ارتُكبت بخطف الناشطين الأربعة جريمة سياسية وأخلاقية بحق كل المؤمنين بسوريا ديمقراطية، إذ أراد الخاطف بفعلته الشنعاء أن يتخلّص ممّن رأى في إخلاصهم للثورة السورية وجذريتهم ضد النظام الأسدي المجرم وانحيازهم لحقوق وحريات السوريين خطراً على سعيه التسلّطي، وأن يوجّه رسالة لكل الذين يشبهون المخطوفين الأربعة في أفكارهم وانحيازاتهم أنهم أعداءٌ له، وأنه يريد أن يحرمهم من حقّهم بالوجود على أرضٍ يعتبرها ملكه. أسديٌ صغير خطف مناضلين عريقين وشجعان ضد الأسدين الكبار.
لجيش الإسلام، وقائده زهران علوش، مسؤولية سياسية مباشرة وواضحة منذ اللحظة الأولى للخطف، لأنه سلطة الأمر الواقع في دوما منذ ما قبل ارتكاب الجريمة وحتى اليوم. لم يقم جيش الإسلام بأي جهدٍ للتحقيق في جريمة شنعاء ارتُكبت في معقله ونطاق سيطرته، بل قام بعرقلة أي تقدّم في التحقيق في القضية ومحاولة إجلاء مصير المخطوفين الأربعة. لكن قرائناً عديدة تجمّعت خلال السنتين الماضيتين أشارت إلى أن مسؤولية جيش الإسلام تتعدى الجانب السياسي إلى الجنائي، فقد ثبُت أن قياديين في جيش الإسلام كانوا مسؤولين عن تهديدات بالقتل وصلت إلى رزان زيتونة قبل أسابيع قليلة من الخطف، كما أشار التهرّب المستمر لقائد جيش الإسلام وغيره من الناطقين باسم التشكيل المسلّح إلى أن قضية المخطوفين تُزعجهم، ووصل زهران علوش نفسه لدرجة من الرياء سمحت له بإجراء مقارنة مقيتة وابتزازية بين السؤال عن المخطوفين الأربعة وعن «نساء المسلمين» المُعتقلات في سجون الأسد. وكأن هناك تناقضاً بين السؤال عن مصير أربعة ناشطين كرّسوا حياتهم للنضال من أجل حقوق وحريات السوريين مخطوفين في مناطق سيطرته والسؤال عن «نساء المسلمين».
في ذات الخطاب التعيس، تحدّث زهران علوش عن «طرف خيط» توصّل إليه جيش الإسلام في تحقيقٍ مزعوم، قائلاً أن طرف الخيط هذا يشير إلى «جهات خارجية». بعد حوالي عامٍ ونصف من ذلك الخطاب، ما زال طرف الخيط المزعوم هذا غائباً عن أهالي وأصدقاء المخطوفين، وعن الرأي العام ككل.
قبل أكثر من نصف عام، وأمام تعنّت جيش الإسلام وقائده، أطلق أهالي وأصدقاء المخطوفين مبادرة علنية تُطالب بتحكيم بينهم وبين جيش الإسلام، بشروط وضمانات يرضى عنها الطرفان. هم يعرضون ما لديهم من أدلة وقرائن ضد جيش الإسلام، والأخير يعرض ما لديه من دحض لهذه الأدلة والقرائن. عبّر أهالي المخطوفين عن استعدادهم للاعتذار العلني والواضح لجيش الإسلام ولقائده في حال رأى المُحكّمون أنهم غير محقين في اتهامهم لجيش الإسلام بالتورط في خطف رزان وسميرة وناظم ووائل. نُشر نصّ المبادرة بشكل علني، كما تم إيصاله للعديد من الفاعلين في الشأن العام من القادرين على إيصاله لقيادة جيش الإسلام. تجاهل جيش الإسلام مبادرة أهالي وأصدقاء المخطوفين ولم يرد عليها على الإطلاق.
سيكون جيش الإسلام حاضراً في مؤتمر المُعارضة السورية المُنعقد في الرياض في الأيام المقبلة. ولذلك، نطالب أطراف المعارضة السورية بحضور قضية مخطوفي دوما الأربعة في التداولات، وأن يضغطوا على جيش الإسلام كي يقبل بمبادرة التحكيم أمام أهالي المخطوفين وأصدقائهم.
يُراهن مُرتكب الجريمة الشنعاء بحق مخطوفي دوما الأربعة وأهاليهم وأصدقائهم، وبحق الثورة السورية ككل، على أن تموت بالتقادم، على أن تُنسى، على أن تضيع وسط شلال الموت والدمار المنسكب يومياً على السوريين بفعل النظام الأسدي، والأسديين الصغار الذين سعوا لبناء إماراتهم في السنوات الأخيرة. وهذا رهان خاسر لا محالة. لا تُنسى جريمة متجددة كل يوم بحقّ مناضلين من أجل قضية أخلاقية ومُحقّة. إن رزان وسميرة وناظم ووائل في ذهن وضمير كل الديمقراطيين التحرريين المؤمنين بسوريا لا يُقتل فيها أحد، ولا تُسلب فيها حرية الناس، ولا تُهان كرامات البشر، ويُحاسب فيها المجرمون على أفعالهم. كل الملتزمين بهذه المبادئ مخطوفون اليوم مع ناشطي دوما الأربعة، وسوريا الحرة مخطوفة معهم أيضاً. الحرية لهم، ولنا، ولسوريا!