الرجل البالغ الثلاثين جُلِبَ إلى «النقطة 200» في دوما بوصفه مصاباً بسلاح كيميائي. كان يبدو عليه الوهن، وصوته بالكاد يُسمع. كان المقاتل على جبهة جوبر شرق دمشق قد قضى نحو 9 ساعات في «النقطة 1»، وهي مشفى يتلقى المصابُ فيها الإسعافات الأولية.
ومن تلك الساعات التسعة كان المصاب غائباً عن الوعي طوال 6 ساعات، بين الثامنة صباحاً والثانية.
غير الإعياء بدا الرجل سليماً جسدياً ووعيه جيداً حين قابلته في السادسة مساء من يوم الأحد 14/4. كان يستطيع الوقوف على قدميه أيضاً، لكن بوضع غير ثابت.
ماذا جرى؟ سألتُه. قال إنه رُمِيَ صوبهم جسم أشبه بحجر كبير، ولم يهتم هو بالأمر. لكن رفيقه تساءل بعد لحظات: «يا زلمة، شو هالريحة؟». هو لم يشم رائحة أو ير دخاناً. لكن نَفَسَه ضاق، ويتذكر أن عينيه «شكلتا» (تجمدتا في أقصى اتساعهما)، وظن نفسه سيموت، فأخذ يتشهد بصوت عال.
قال أيضاً إنه بعد أن صحا في المشفى كان يبصق دماً، كان لا يزال يبصق دماً في السادسة مساء، لكن بكميات أقل. وليس لديه أعراض جلدية.
وفي المشفى، بعد أن صحا، علم أن رفيقه استشهد، ويحتمل أن يكون سقط شهداء آخرون. ليس متأكداً من ذلك. لا يعلم أيضاً إن كانت أطلقت قنابل أخرى من النوع نفسه على جبهة جوبر.
في تقرير الطبيب من المستشفى ذكر أن الأعراض الظاهرة على الرجل الذي ينحدر من حي القنوات في دمشق هي حدقات دبوسية (ضيقة جداً) وتخليط ذهني، ما يبدو أنه يدل على إصابة عصبية مركزية. في التقرير أيضاً أنه أعطي 9 أبر (حقن) من الأتروبين و5 من الهيدروكورتيزون و5 أخريات من عقار ديكسون. يوصي الطبيب بحمية عادية وسيرومات. كان مكانان في يد الرجل اليسرى وذراعه الأيسر قد فتح فيهما وريدان من أجل السيروم (المصل)، أحدهما كان موصولاً فعلاً بكيس السيروم فوق سريره.
بقي الرجل 4 أيام للمتابعة في «النقطة 200».
الدكتور صخر من المركز الطبي في الغوطة الشرقية يقول إنه تابع حالة نحو 20 مصاباً في ذلك اليوم، وإنه شخصياً أصيب بالغاز «المتعشق» في ألبسة المصابين وشعرهم، ونقل إلى العناية المشددة. وبين المصابين العشرين استشهد واحد، وكانت إصابة اثنين خطيرة.
من أعراض الإصابة حسب الدكتور صخر ضيق التنفس واحمرار العينين وسيلان الأنف والعيون ونفث الدم وتغيُّم الوعي، والحدقات الدبوسية. ويبدو أن الأعراض تتفاوت بحسب شدة التعرض للغاز السام.
بعد يومين ظهرت على بعض المصابين أعراض عدم ثبات انفعالي، في شكل هياج وغضب أو في شكل ابتهاج وهوس، وزالت الأعراض الأخيرة بعد يومين أو ثلاثة، حسب الدكتور صخر.
الرجل يقدّرُ أن الغاز السام المستخدم هو السارين، معتمداً في تقديره على السريريات (الأعراض وتطور الحالة المرضية)، وليس لديه أية براهين قطعية على ذلك. لكنه يقول إنه أخذت عينات من شعر المصابين وبولهم ودمهم وملابسهم وأرسلت إلى جهات يًفترض أن تحدد نوع المادة السامة، والترياق الأنسب المضاد لها.
يقدر بعض من رأيتهم هنا أن أسلحة كيميائية تكتيكية هي التي استخدمها النظام حتى اليوم، تستهدف المقاتلين أو السكان في مساحات محددة.