هذه المقالة مترجمة عن النسخة الفرنسية التي ظهرت في صحيفة ليبراسيون الفرنسية يوم 22 كانون الثاني 2013، بتصرّف من الكاتب.

لا يشبه بشار الأسد صورته. يُقال أنه زعيم ميليشيا، مندوب سامي، طاغية دموي، سفاح، ولكنه يظهر بهيئة «جنتلمان» وبابتسامة تلميذ مجتهد ولثغة ظريفة. ورغم اننا نعرف حق المعرفة أن جنود الطاغية يذبحون الأرملة واليتيم، لا يمكن للشك إلا أن يساورنا عندما نرى الجنتلمان على خشبة مسرح الأوبرا في دمشق حيث ألقى مؤخراً خطاباً، مقدماً نفسه كضامن للوحدة الوطنية في وجه الجهاديين الأشرار. 

سوريا كذلك لا تشبه صورتها. يُقال عن هذا البلد أنه قومي وعلماني الهوى، أنه منسجم مع الحداثة من حيث البنية السكانية ونسبة التعليم، وأنه أشبه بتونس من حيث القدرة على تبني النموذج الديمقراطي العالمي. ولكن لا يمكن للشك إلا أن يساورنا عندما نرى الصور التي تقدم لنا عن هذا البلد الذاهب، كما يُزعم، باتجاه «حرب طائفية» أو حتى «الصوملة». ونكاد نتساءل لدى مشاهدة تلك الصور البائسة التي تبثها كبرى وسائل الإعلام، أولا ينبغي إرسال بعض طائرات الرفال أو ف16 لمساعدة جنتلمان أوبرا دمشق على التخلص من أنصار القاعدة؟ 

إن فوضى الصور هذه تخدم مصلحة بشار الأسد على حساب عشرات الآلاف من ضحاياه المؤكدين. والمسؤول الأول عن هذه الفوضى هو دون ادنى شك نظام البعث الذي حرم المجتمع السوري من حقه بصورة تليق به. إذ وصل هذا النظام إلى سدة الحكم بعد انقلاب عسكري في عام 1963، ونجح بتكريس تصور شمولي لسورية بعد أن طرد النخب الليبرالية وأمّم المجتمع المدني واحتكر الإنتاج الثقافي والفني، حتى أنه لم يبقى للسوريين إلا الصورة الرسمية لشعب ملتصق بقائده الخالد الضامن لواحة العلمانية والقومية، الملقبة رسمياً باسم «سورية الأسد».   

إلا أن وسائل الإعلام الأجنبية غذّت هذه الفوضى حيث تعاملت مع سورية، قلب «الشرق المعقد»، من منظار الجيوسياسة أو الفولكلور ليس إلا. فقد انتجت الكثير من الصور والأفلام الوثائقية حول نظام الأسد، الصراع مع إسرائيل، دمشق القديمة ومسيحيي الشرق. لكن أين صورة وصوت المجتمع السوري من هذه الصور النمطية؟ ولماذا لم نرى من قبل هذا المجتمع الذي يثور اليوم على طاغية كان قد حرمه من صورته وحكم عليه بالاختفاء؟ وكيف سيصدق المشاهد أن المجتمع السوري موجود فعلاً وهو لم يرى صورته من قبل في وسائل الإعلام؟ 

لقد اختارت كبرى وسائل الإعلام الغربية والعربية الهروب إلى الأمام بدل أن تطرح على نفسها هذه الأسئلة وتقوم بعملية نقد ذاتي. فقد عملت على تجاوز التعتيم المفروض من قبل النظام بالتوجه إلى من نصبوا أنفسهم ممثلين عن المجتمع السوري (معارضين سياسيين، نشطاء، مواطنين صحفيين، مثقفين وفنانين. إلخ). لكن الذي حصل، للأسف، هو أنه تم استخدام هؤلاء الممثلين الجدد من أجل تكريس خطاب إعلامي يختزل الثورة السورية في صور فولكلورية عن صراع مفترض بين الخير والشر، بين الشعب الواحد والغول الحاكم.   

والحال أن التركيز على صورة الغول هذه منذ قرابة عامين مع التكرار أن أيامه أصبحت معدودة انتهى بالنيل من مصداقية المؤسسة الإعلامية نفسها. والتركيز على موضوع الجهاد أضفى المصداقية على صورة بشار الأسد وهو يشكو من المؤامرة الجهادية. إضافةً إلى أن تقديم المجتمع السوري من خلال صور ملتبسة أو مثيرة للشكوك ساهم بالتشكيك بوجود ذلك المجتمع الذي طالما كان مغيباً.  

اليوم، يكافح المجتمع السوري للدفاع عن وجوده في وجه دولة ميلشيوية تحاول أن تقوّض كل شكل من أشكال الروابط الاجتماعية. إن تمكن من البقاء على قيد الحياة، قد يستطيع العودة من جديد للمساهمة بالحضارة الإنسانية كما يليق به. وإلا فإن عقد هذا المجتمع قد ينفرط، مما سيسر بشار الأسد والجهاديين من كل الأصناف. 

من جهتنا، لا يسعنا كسينمائيين سوريين سوى الدفاع عن مجتمعنا من خلال تصويره بشكل لائق. مثلنا مثل الكثير من الفنانين أو المواطنين السوريين المغفلي الهوية، نعمل على إنتاج صور بديلة نرميها على الشبكة العنكبوتية، كزجاجات في عرض البحر. نصور المعركة في سبيل الحرية بعيداً عن الفلكلور، نعرض الأهوال دون ابتذال، ونتناول الجهاد بدون خرافات. فهل من يرى؟