يستعد مجلس النواب الفرنسي لنقاش مشروع قانون الهجرة الجديد في فرنسا، بعد قيام مجلس الشيوخ بالتصويت على نسخته الخاصة، والتي تشدّدُ بعض الإجراءات. وصول مشروع القانون إلى مجلس النواب يعني دخوله في مرحلةٍ حاسمة، لكن تبقى مسألة اعتماده ضبابيةً وسط انقسامٍ سياسي غير مسبوقٍ حياله، إذ يعارضه معسكر الأحزاب اليسارية بشدة، مقابل توافقٍ كبير أبدته أحزاب اليمين واليمين المتطرف حياله، في حين يبدو المعسكر الرئاسي منقسماً بين مؤيد ومعارض للتعديلات.

وبعد اعتماده في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) في مجلس الشيوخ، الذي يهيمن عليه اليمين الفرنسي، أنهت اللجنة القانونية في مجلس النواب دراسة مواده، ويجب مناقشة ما يقرب من 1500 تعديل والتصويت عليها بحلول يوم الحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر) الحالي. وحتى اليوم، يعارض النواب من أعضاء اللجنة القانونية نسخة مجلس الشيوخ من النص، والتي تم تشديدها إلى حد كبير من قبل نواب اليمين التقليدي (الجمهوريون) ونواب الوسط، والهدف الأول منها: حصص الهجرة. وقد صوتت أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ من اليمين والوسط في بداية تشرين الثاني (نوفمبر) لصالح إرساء هذا المبدأ، الذي يتمحور حول مناقشة سنوية في البرلمان من المفترض أن تحدد أسقف الهجرة لأفراد معيَّنين. وبالتالي، أراد أعضاء مجلس الشيوخ أن يحدد البرلمان عدد الأجانب المسموح لهم بالاستقرار في فرنسا.

أبرز بنود القانون

الهدف الأبرز من هذا القانون هو مكافحة «الهجرة غير النظامية»، وتقديم تصاريح الإقامة للعمال غير النظاميين، بالإضافة إلى تسريع معالجة طلبات اللجوء من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية في المسائل المتعلقة بحقوق الأجانب، وربط منح الإقامة بشرط «اتقان الحد الأدنى للغة الفرنسية».

ومن بين أبرز النقاط كذلك، تسهيل إبعاد «المهاجرين غير النظاميين» إلى بلدانهم الأصلية، وهذا الإبعاد يخص أولئك الذين ارتكبوا جنحاً ويستفيدون حالياً من الاستئناف أمام المحاكم، إذ كان المهاجر «غير النظامي» يتمتع بحق نقض حكم ترحيله 10 مرات، إلا أن مشروع القانون الجديد يقلصها إلى 4 مرات فقط.

بندٌ آخر أثار جدلاً كبيراً وهو المساعدة الطبية لطالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين، إذ يعتبر اليمين واليمين المتطرف أن المساعدة التي تقدمها الحكومة مجاناً، وتغطي مئة في المئة من تكاليف العلاج، كانت سبباً في تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين، وهو ما أثار انقساماً حتى في صفوف مُعِدّي القانون من حزب الرئيس الفرنسي، إذ اعتبر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد درمانان- عرّاب القانون- إدخال الجمهوريين واليمين المتطرف لهذه المادة في مشروع القانون «معوقاً تشريعياً».

معركة التعديلات

أراد المعسكر الرئاسي إعادة التوازن لمشروع القانون بعد تعديلات مجلس الشيوخ عليه، ونجح في ذلك إلى حد كبير، حيث صادقت اللجنة على تعديلات عارضتها شخصيات يطلق عليها «يسار الماكرونيين»، وهم النواب الذين يعارضون تعديلات مجلس الشيوخ من حزب الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه.

الضربة الرئيسية التي وُجِّهت لليمين واليمين المتطرف في النص المُتبنّى من قبل مجلس الشيوخ هي إعادة بند المساعدات الطبية الحكومية (AME)، الذي ألغي في نص مجلس الشيوخ، مما يسمح برعاية المهاجرين غير النظاميين عوضاً عن تقديم مساعدة طبية لهم في حالات الطوارئ فقط، بحسب ما كان يرغب مجلس الشيوخ.

كما قامت اللجنة القانونية بإزالة المادة التي تجرّم الإقامة غير القانونية على الأراضي الفرنسية، وكذلك إزالة المادة التي صادرت حق منح الجنسية تلقائياً للطفل الذي يولد في فرنسا لأبوين أجنبيين ويتابع تعليمه في فرنسا، في حين تم الإبقاء على العديد من التدابير المُشدَّدة من قبل مجلس الشيوخ في ما يتعلق بلم شمل الأسر، إذ جرى الحفاظ على مبدأ التحقُّق الدقيق من الطبيعة «الحقيقية والجدية» لضرورة لم شمل أسرة الأجنبي الذي تم قبول طلب لجوئه في فرنسا، وذلك يتطلب إثباته القدرة على رعاية أسرته من خلال امتلاكه موارد مالية كافية ومستمرة بالإضافة إلى إتقانه للغة الفرنسية.

كما تم استبعاد تشديد الحصول على تصريح إقامة للشباب الذين تمت رعايتهم عندما كانوا قصّراً، وكذلك إنشاء «ملف وطني للقاصرين غير المصحوبين بذويهم». كما تم حذف مواد أخرى، تهدف على سبيل المثال إلى تشديد شروط الإقامة للحصول على بعض المزايا الاجتماعية، إذ أدخل مجلس الشيوخ شرط الإقامة المتواصلة 5 سنوات في فرنسا قبل أن يحق للمهاجر الحصول على مزايا اجتماعية ومساعدات حكومية.

وكما هو منصوص عليه في النص الحكومي الأصلي لمشروع القانون، فإن طالبي اللجوء الذين تُشير جنسيتهم إلى فرصة قوية للحصول على هذا الحق (الأفغان والسوريين والإريتريون) سيتمكنون من الوصول إلى سوق العمل دون انتظار فترة الستة أشهر المعمول بها في النص القديم. 

في المقابل، قام النواب بتوسيع نطاق الحظر المفروض على الإيداع في مراكز الاحتجاز الإداري للقاصرين (CRA)، كما وافقوا على مقترحات حكومية لتسهيل طرد الأجانب الذين هم في وضع قانوني، في حالة ارتكاب جرائم أو جنح يعاقب عليها بالسجن لمدة خمس أو عشر سنوات حسب الحالة. 

القانون الجديد لا يعجب أحداً

مع وصول النص إلى مجلس النواب، اعتبره اليسار قاسياً جداً، وليس صارماً بما فيه الكفاية بالنسبة للجمهوريين واليمين المتطرف، وهو أبعد ما يكون عن إرضاء غالبية النواب؛ فاليسار الفرنسي أجمع على رفض مشروع القانون الجديد، معتبراً أن التعديلات «عنصرية وستكون لها تداعيات قاتلة للآلاف» برغم أن اللجنة القانونية حذفت مواداً مشددة كثيرة كان مجلس الشيوخ قد صادق عليها. أما حزب التجمع الوطني التابع لمارين لوبين، فاعتبر النسخة الجديدة التي سيناقشها مجلس النواب «ضعيفة جداً»، في حين اعتبر حزب الجمهوريين الصيغة الجديدة «غير عملية ولا تغيّر شيئاً كثيراً للحد من الهجرة». وبذلك، يدخل مشروع قانون الأغلبية الرئاسية النقاش البرلماني كمخاطرة بعدم تبنيه، ما قد يدفع الحكومة إلى استخدام المادة 49.3 لتبنيه من دون اللجوء إلى تصويت البرلمان.

ويصرّ الرئيس الفرنسي على تمرير مشروع قانون الهجرة الذي وعد به خلال حملته الانتخابية لعام 2022، والذي قُدِّمَ في شباط (فبراير) 2023 لمجلس الوزراء، وكان مقرراً أن يُناقَش في البرلمان في مارس (آذار) الماضي، إلا أن السّخط الاجتماعي الذي خلَّفته خطة «إصلاح التقاعد» دفعَ إلى تأجيل مناقشته.

ويُعتبر المشروع، الذي أُحيلَ إلى البرلمان بعد المصادقة عليه من قبل مجلس الوزراء، الثاني من نوعه في فترة حكم ماكرون، ويأتي في ظل تخوّفات عبّرَ عنها عدد من المهاجرين بشأن مضامين القانون، في حين تؤكد الحكومة الفرنسية أنها تهدف إلى «حماية حقوق العمال والمهاجرين».

وفي الوقت الذي يصف فيه ماكرون المشروع بأنه «متكامل ومتوازن»، ويهدف إلى خفض أعداد المهاجرين غير النظاميين وملاحقة شبكات التهريب والتمكن من دمج الرجال والنساء الذين يساهمون في تعزيز قوة فرنسا؛ تؤكد المعارضة التي يتقدمها الجمهوريون وحزب التجمع الوطني بأن القانون الجديد «لا يستجيب لتطلعات الفرنسيين الذين ضاقوا ذرعاً من تبعات تدفقات المهاجرين».

من هم المهاجرون في فرنسا؟

يُمثّل المهاجرون نحو 10 بالمئة من سكان فرنسا، وهؤلاء يُطلَق عليهم «المهاجرون المستقرون»، أي الذين يعيشون في فرنسا منذ زمن طويل. لكن بسبب أزمات كثيرة حول العالم، سينضم إلى هؤلاء عدد آخر ممن يطلق عليهم «التدفق»، وهم المهاجرون الذين وصلوا إلى الأراضي الفرنسية من سوريا وأفريقيا وأوكرانيا على سبيل المثال، وعددٌ كبير منهم لم يحصل على حياة مستقرة بعد، فيما غادر آخرون الأراضي الفرنسية بسبب صعوبات واجهوها في التأقلم مع الإجراءات الإدارية الطويلة وصعوبات أخرى تتعلق باللغة أو إيجاد عمل.

ومع وصول الأوكرانيين إلى فرنسا، ظهرت ازدواجية في المعايير في التعامل بين المهاجرين الأوكرانيين والمهاجرين «التقليديين» من دول أخرى. فاستفاد الأوكرانيون من نظام حماية خاص، وتسهيلات إدارية في تقديم طلبات لجوئهم ومتابعتها، مثل فتح نوافذ خاصة لهم داخل مراكز المحافظات بعكس باقي الجنسيات التي تتم معالجة طلبات أفرادها من قبل نوافذ مشتركة.

منحت هذه المعاملة الأوكرانيين القدرة على الوصول إلى عدد كبير من الحقوق بشكلٍ أسرع من باقي الجنسيات، مثل العمل والتعليم، فخُصِّصَت مدارس لتسجيل الطلاب الأوكرانيين بمجرد وصولهم الأراضي الفرنسية وقبل حصولهم على أوراقهم الجديدة، في حين يحتاج مهاجر من جنسية أخرى إلى عامٍ على الأقل حتى يتمكن من التسجيل في مدرسة أو جامعة، وهو متوسط الفترة التي يحتاجها للحصول على أوراقه الفرنسية.