تستخدم إسرائيل تكتيكات مختلفة بهدف الضغط على الفلسطينيّين عبر خلق وقائع عسكرية وقانونيّة مختلفة في كل من غزّة وداخل حدود 48 والضفّة والقدس. إذ نشهد راهناً على خلفيّة الحرب على غزّة ملاحقات عديدة للفلسطينيين داخل الخط الأخضر، تشمل فنانات وفنانين وموظّفين وطلّاب وعائلات، أتى معظمها على خلفيّة النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وشملت لوائح اتّهام وشبهات قُدّمت تحت إطار: «تصرف غير لائق قد يؤدي الى الإخلال بالأمن العام»، و«التحريض على الإرهاب» و«التماهي مع منظمة إرهابية» وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب وقانون العقوبات.
اعتقال فنانين-ات
من بين الفنانات اللواتي تعرّضن للملاحقة والاعتقال، الفنانة دلال ابو آمنة، والتي تمّ اعتقالها بعد أن نشرت مواطنة إسرائيليّة منشوراً تحريضياً ضدها، واشتمل على تعليقات تدعو إلى قتل دلال واغتصابها وارتكاب الفظائع بها. وتم اعتقال الفنانة الفلسطينيّة دلال ابو آمنة بدلاً من منع التحريض ضدها بزعم دعمها الإرهاب بعدما نشرت على وسائل التواصل جملة: «لا غالب إلّا الله» في الأيام الأولى للحرب على غزة. كما تعرّضت الفنانة صفاء حتحوت من مدينة عكا لحملة تحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، مما أدّى إلى فصلها من مكان عملها، وذلك بعد تحريض علني ضدّها من قبل إسرائيليّة أعادت نشر صورة لصفاء مع العلم الفلسطيني، كانت قد نشرتها صفاء قبل أكثر من سنة. وبعدها اعتقلت الشرطة الإسرائيلية الفنانة حتحوت من بيت عائلتها في قرية عارة بعد اقتحام المنزل، وتم تمديد اعتقالها للمرة الرابعة منذ لحظة اعتقالها ولغاية اليوم.
بدورها تواجه الفنانة ميساء عبد الهادي حملة تحريض مماثلة، إذ طالب وزير الداخلية الإسرائيلي موشيه أربيل، بـ«سحب المواطنة منها»، وطالب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير باعتقالها، وهاجم القاضي الذي أمر بإطلاق سراحها بشروط مُقيّدة.
اعتقال ناشطين
رصد مركز عدالة القانوني بالتعاون مع هيئة الطوارئ العربيّة المنبثقة عن لجنة المتابعة العُليا، وهي جهات حقوقية فلسطينية، 161 حالة لإجراءات قانونية إسرائيلية ضد فلسطينيين وفلسطينيات داخل الخط الأخضر، وتفاوتت هذه الإجراءات بين اعتقال واستدعاء لتحقيق أو التحويل إلى لجان تأديبية. واعتقلت الشرطة وجهاز الأمن العام الإسرائيليّ (الشاباك) العديد من هؤلاء الفلسطينيين-ات بتهمة «كتابة منشورات ومضامين تحريضية ومؤيدة للإرهاب» على صفحاتهم في منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك واتساب، وذلك بحسب تقرير مركز عدالة، الذي أضاف أيضاً أن النيابة الإسرائيلية قدمت، يوم الإثنين الماضي، لوائح اتهام بحق أربعة فلسطينيّين أحدهم من سكان القدس.
وكانت النيابة العامة الإسرائيلية قد أعلنت في بيان صدر يوم الأربعاء الماضي أن عدد لوائح الاتهام التي قدمتها منذ بدء الحرب على غزة ضد مواطنين عرب بلغ 60 لائحة اتهام، قُدمت جميعها بمصادقة المستشارة القانونية للحكومة والمدعي العام، وأنها قامت بالتحقيق في 430 حالة تتعلق بمنشورات تحريضية على الإرهاب منذ بداية الحرب، منها 192 حالة تم إجراء تحقيقات فعلية فيها.
وممن اعتقلتهم الشرطة الإسرائيلية، كان أحد سكان مدينة الطيبة صباح الخميس الماضي، بسبب نشره على فيسبوك مقطعاً مصوّراً للدمار في قطاع غزة وعلّق عليه: «اللهم احم غزة»، ونسبت إليه الشرطة شبهة «التحريض على الإرهاب».
كما جرى اعتقال وتوقيف عدد من القياديين الفلسطينيين داخل مناطق الخط الأخضر، منهم رئيس لجنة المتابعة العليا محمد بركة، وأعضاء الكنيست السابقين سامي أبو شحادة ومطانس شحادة وحنين زعبي، بالإضافة إلى محمود مواسي ويوسف طاطور، على خلفيّة تنظيم وقفة احتجاجية في ساحة العين في الناصرة، والتي لا تحتاج ترخيص الشرطة قانوناً. كما جرى اعتقال أئمة مساجد في لائحتي اتهام على خلفية إلقاء خطب في المساجد، إحداهما استندت على بند في قانون العقوبات ينصّ على «إظهار قرار بالخيانة»، وهي تهمة قد تصل عقوبتها إلى 10 سنوات سجن.
كما أعلنت الشرطة، يوم الأربعاء الماضي، أنها اعتقلت المحامي سري خورية، سكرتير حزب الجبهة في شفا عمرو «بشبهة نشره منشورات تحريضية». وقامت نقابة المحامين في إسرائيل باقالة خورية من رئاسة مركز نقابة المحامين في شفا عمرو.
وتسمح إجراءات الشرطة الإسرائيلية تمديد فترة احتجاز المعتقلين المشتبه بهم، ومنعهم من لقاء محامي لمدة قد تصل إلى 90 يوماً.
ترهيب في مساكن الطلاب والعائلات
حاصر متطرّفون إسرائيليون شقة عائلة فلسطينيّة في بلدة حريش، وحاولوا إضرام النار فيها والعائلة موجودة داخلها، وذلك على خلفية نشر صورة طفلة من أفراد العائلة على مواقع التواصل الاجتماعي وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية.
وفي سياق الأكاديميا، تشنّ المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية حملة ترهيب وتخويف ضد الطلبة الفلسطينيين والفلسطينيات، وصلت في بعض الحالات إلى فصلهم-ن دون سابق إنذار، أو تقديمهم-ن إلى لجان تأديبيّة وتجميد دراستهم-ن. وفي الإطار ذاته، تعرّض طلاب جامعة بير السبع لملاحقات واعتقالات ليليّة من داخل بيوتهم، على خلفية نشر آيات قرآنيّة او فيديوهات إخبارية، وذلك بحسب تقرير بثته إذاعة الشمس المحلية يوم 27 تشرين الأول (أكتوبر).
وفي كلية نتانيا، مساء السبت الماضي، اعتدت جماعات متطرّفة إسرائيلية على طلاب الكليّة الفلسطينيين، وتربّصوا لهم أمام مساكن الطلبة وهم يهتفون: «الموت للعرب» وشعارات عنصرية أخرى تدعو لتفريغ مساكن الطلبة من الفلسطينيين، ووصل الأمر إلى تهديدات صريحة بالقتل لعدد من الطلاب قاطني مساكن الكليّة.
وشملت شهادات عدد من الطلاب، التي نقلها موقع عرب 48، تفاصيل مروعة؛ كإشهار السلاح في وجوههم ومحاولة اقتحام المساكن الطلابية وكيل الشتائم. ولم يسلم الطلاب من الاعتداءات حتى داخل سياراتهم-ن أثناء محاولات إخلائهم-نّ من المساكن. وجاء في مصادر إعلام اسرائيلية أن الهجوم كان منظّماً من قبل فرق مسلّحة تابعة للبلديّة.
وبحسب الهيئة الطلابية المشتركة، تم تقديم 120 طالباً لـ«لجان الطاعة» حتى اليوم، 40 طالباً منهم تم تجميد دراستهم أو فصلهم بشكل نهائي من المؤسسة الأكاديمية.
وفي المدارس، كان أصغر طالب تمّ فصله هو طفل مع توحد بعمر 10 سنوات، بحسب ما قاله والده لإذاعة الشمس المحلية. وكان الطفل قد سُئِل عن الحرب، أي لم يتكلّم من تلقاء نفسه حتّى، وأجاب أنه يتمنّى انتصار غزّة، فوصلت إجابته الى المدير ومن ثمّ رئيس البلدية وأُخِذَ القرار بفصله من مدرسته دون الحديث مع ذويه عن القرار مسبقاً.
وفي صدد السخرية، تحوّلت الشكشوكة أيضاً، وهي طبق مكون من البيض والبندورة، إلى ملف أمني في إسرائيل، إذ اعتُقلت طالبة في إحدى المؤسسات الاكاديمية بعد نشرها جملة: «لتنتصر الشّكشوكة» على وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما فشلت محاولاتها السابقة لإتقان الأكلة، ونجحت في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وأوضح الدكتور حسن جبارين من مركز عدالة القانوني في مقابلة أنّه اضطُر إلى أن يشرح لجهاز المحاكم الإسرائيلية أن «الشكشوكة ليست أكلة فلسطينيّة ولم تدخل أدبيّات الطعام الفلسطينيّ قطّ، ولا المطبخ الغزّي»، ليصار إلى إطلاق سراح الطالبة فيما بعد.
فصل من العمل
تمتدّ الاعتقالات والإجراءات الإسرائيلية التعسفية لتطال أيضاً محاضرين وأطبّاء وفصلهم عن عملهم، إذ رصدت الهيئة العربية للطوارئ وائتلاف المجتمع المدني للطوارئ في المجتمع العربي، الذي تشكل مطلع العام الجاري لينسق التعامل مع حالات الطوارئ للفلسطينيين في الداخل، 54 حالة فصل من العمل، بعد النبش في أرشيفات وسائل التواصل لهؤلاء الموظّفين من سنين ماضية. من هذه الحالات، إيقاف مدير قسم العناية المكثّفة في مستشفى هشارون الطبيب عبد سمارة من عمله بعد 18 سنة من العمل، بدون أية مساءلة أو استفسار مسبق قبل اتخاذ قرار فصله. واعتقلت الشرطة الإسرائيليّة المضمّدة نور عويدات بشبهة التحريض على الارهاب، بسبب نشرها أغنية لفيروز عام 2021.
وحرّضت الجامعة العبرية في القدس على البروفيسورة المُحاضِرة شلهوب كيفوركيان، ودعتها لتقديم استقالتها. كما تمت إقالة المُحاضِرة في كلية كي في بير السّبع الدكتورة وردة سعدة من عملها، بعد 28 سنة من العمل مع تجاهل رئيس الكلية التامّ لأقوال محاميها.
قمع الحراك ضد الحرب
في سياق الحراك الجماهيري ضد الحرب، قمعت المنظومة الإسرائيلية المظاهرات في حيفا وأم الفحم، وجرى اعتقال ناشطين ما زال بعضهم في الحجز الى هذه اللحظة. وكشفت القناة الإسرائيلية الرسمية أن الشرطة ووزارة الأمن الوطني برئاسة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير تدرسان السماح لعناصر الأمن بإطلاق الرصاص الحيّ على المتظاهرين في حالات الطوارئ «تحت ذريعة تهديدهم للنظام العام».
إضافةً لكل الملاحقات والاعتداءات المستمرّة حتى الساعة، صادق الكنيست في القراءة الثالثة، يوم الأربعاء الماضي، على قانون «يجرّم مشاهدة المحتوى المؤيد للإرهاب». ويحظر القانون الجديد «استهلاك محتوى إرهابي»، وبحسبه فإن المنظمات الإرهابية المُدرجة في نص القانون هي حماس وداعش. وجرى إقرار هذا القانون كإجراء مؤقت بمدة صلاحية تستمر لسنتين، لكن سيكون بإمكان الكنيست تمديد صلاحيته في نهاية هذه الفترة. ويُذكر أن القانون لا ينطبق على أي شخص «يشاهد هذا النوع من المحتوى بشكل عشوائي وبحسن نية أو لسبب مشروع»، ويعني القانون بالسبب المشروع «توفير المعلومات للجمهور أو أغراض البحث أو منع الهجمات الإرهابية».
تشكّل كل هذه الملاحقات حملة قمع شرسة على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وتعمل على ترهيبهم وترويعهم بشكل ممنهج بهدف كمّ الأفواه ومنع أي انتقاد لسياسات إسرائيل، لتستمرّ في اعتقال الفلسطينيّين والفلسطينيات والتضييق عليهم-ن اقتصادياً بفصلهم-ن من العمل ونفسياً بالاعتقال والتخوين.