نشطت في الشمال السوري خلال العقد الماضي عملياتُ إعادة التدوير نتيجة معدلات الفقر المرتفعة وغياب الاستقرار الذي يسمح باقتناء مواد جديدة تُستعمل لفتراتٍ طويلة، وامتدت إعادة التدوير لتشمل كل ما يمكن إصلاحه أو توظيفه في الحصول على منتج جديد. ولم يقتصر الأمر على البلاستيك والمعادن والأثاث كما هو شائعٌ حول العالم، بل امتد إلى بقايا المنازل التي دمرتها العمليات العسكرية في المنطقة. إذ يُخرِج الأهالي ما يمكن إخراجه من ركام المنازل المُدمّرة لبيعه أو لبناء منازل جديدة.

تراجعت حدة المعارك خلال السنوات الأربع الماضية وانخفض عدد المنازل المُهدّمة، إلا أن زلزال السادس من شباط (فبراير) أعاد النشاط إلى سوق الركام، إذ دمّر أكثر من 10.600 مبنى بدرجاتٍ متفاوتة، بما في ذلك ما لا يقل عن ألف مدرسة ابتدائية وثانوية، بالإضافة إلى تعطيل ثلث المرافق الصحية البالغ عددها 601 مرفقاً، وتضرُّر 70 منها، وفقدان 265 ألف شخص منازلهم وفق بيانات الأمم المتحدة. لذلك ازدادت الحاجة إلى بناء منازل جديدة بدل تلك التي دمرها الزلزال، واعتمد الناجون على بقايا منازلهم الصالحة للاستخدام في عمليات البناء، وذلك رغم وجود مخاطر للسكن في منازل مُجهزة من بقايا الركام.

إعادة التدوير في بداياتها 

بعد اندلاع الثورة السورية وقصف النظام السوري للمدنيين وتدمير مناطق واسعة سيطرت عليها قوات المعارضة، ترك السكان منازلهم وانتقلوا إلى مناطق أقل تعرُّضاً للقصف، واختار البعض بناءَ منازل جديدة بعيداً عن قراهم ومدنهم المستهدفة، ليريحوا أنفسهم من تكاليف الاستئجار.

أبو مصطفى ستينيٌّ من قرى جبل الزاوية جنوب إدلب، يقول: «بعد اعتقالي وابني بداية الثورة وتعرّض قريتنا للقصف المستمر عقب انسحاب قوات النظام من المنطقة عام 2012، نزحتُ مع عائلتي إلى إحدى مناطق ريف حلب الغربي، وكنا ننتقل من مكان إلى آخر لحوالي خمس سنوات». بعد فقدان أبو مصطفى الأمل بوجود مكان آمن، عاد إلى بناء خيمة في بستانه على أطراف القرية: «سكنت خيمةً ثم بدأت ببناء غرفة في بستاني ووضعت للغرفة باباً وشباكاً من منزلي في القرية. أما السقف، فكان عبارة عن صفيحة من الزنك (التوتياء)، وبدأ أولادي ببناء غرفٍ لهم، فأخذوا من منزل القرية الأبواب والنوافذ حتى لم يتبقَّ فيه أبواب وشبابيك سوى الباب الرئيسي».

كذلك فعل أبو إبراهيم، وهو خمسيني من ريف إدلب اختار بعد النزوح من قريته لسنوات بناء منزلٍ له ولعائلته معتمداً على أبواب ونوافذ منزله في القرية. يقول: «كنت أخشى خسارة مدخراتي في التنقّل من مكانٍ لآخر خوفاً من القصف، وبدل استئجار منازل والتنقل قرّرتُ بناء منزلٍ جديد دون تجهيزاتٍ كاملة، واستعنتُ بأبواب ونوافذ منزلي في القرية. بعد مدة وصل مهجرون من ريف حماة فأسكنتُهم في منزل القرية دون مقابل، ولكنه لم يعد مجهزاً، إذ نقلت منه الكثير من التجهيزات مثل النوافذ والأبواب وغيرها».

تطور عملية التدوير

يستخرج أصحاب المنازل المدمرة أغراض منازلهم الصالحة للاستعمال، ثم تبدأ عملية التنقيب في ركام المنزل عن كل شيءٍ يمكن الاستفادة منه، مثل الأبواب والنوافذ وحديد التسليح والحجارة التي لا تصلح للبيع كخردة، وذلك ليستخدموها في بناء منازلهم الجديدة. وعادةً ما يتم الاتفاق مع عمال مياومة مقابل مبلغٍ محدد لاستخراج كل شيءٍ يمكن استخراجه، بما في ذلك تهديم السطح واستخراج الحديد وتجميع الحجارة. أما بقايا الركام، فيتم استخدامها في ردم الأساسات والأرضيات. وقد يكون لهذه العملية فوائد بيئية لم يُخطط لها سكان الشمال السوري، تتمثل بإعادة تدوير المواد والاستفادة منها بثمنٍ أرخص بدل رميها في أماكن مهجورة بعيدة عن السكان وخسارة أجور نقلها كحال باقي أنواع النفايات الصلبة، على أن المهندسين المختصين لا يرون أثراً بيئياً مهماً في ذلك.

أبو أحمد ثلاثيني من قرى جبل الزاوية جنوبي إدلب، أُصيب في معركة إخراج النظام السوري من مدينة إدلب عام 2015 وسكن في منزل والديه خلال فترة علاجه، وبعد حوالي شهر تعرض منزله وسط القرية للقصف من الطيران الحربي الروسي، فنجا وعائلته ولكن منزله صار مدمراً. يمتلك أبو أحمد أرضاً زراعيةً على أطراف القرية، فقرّر بناء منزلٍ جديدٍ فيها: «استأجرت منزلاً داخل القرية بعد أن تماثلت للشفاء، واستعنت بعمالٍ استخرجوا لي حجارة وحديد السقف، ثم بدأتُ ببناء منزلي الجديد بحجارة منزلي القديم. ولأن حديد السقف الذي نجا لم يكن كافياً اشتريتُ حديداً جديداً، وخلطت الحديد القديم مع الجديد محاولاً تجهيز المنزل بأقل التكاليف خوفاً من دماره مرة أخرى».

لم يُجهِّز أبو أحمد منزله دفعةً واحدة، لذلك سكنه بعد سنة ثم أكمل التجهيزات على مراحل، من خلال شراء الأبواب والشبابيك وباقي المستلزمات من سوق البضائع المستعملة.

المهندسون يحذرون من إعادة استخدام حديد التسليح

ثمة فرقٌ بين إعادة تدوير الحديد وإعادة استخدامه، وتدوير الحديد يعني إذابته وإعادة سكبه من جديد، أما إعادة استخدامه فهي عبارة عن تشكيل وتسوية الأطراف المائلة حتى تستوي، وذلك بواسطة مكنات خاصة منتشرة في الأسواق المحلية في الشمال السوري. لكن هذه الطريقة تُفقد الحديد المسلح متانته حسب ما أخبرنا به المهندس المعماري أمجد المالح: «يمكننا استخدام هذا الحديد في تجهيز الأرضيات البسيطة، ولكن لا يمكننا استخدامه في الأعمدة والأسقف لأنها تشكل خطراً كبيراً على هيكلية البناء. ولا يقتصر الأمر على دخول الشمس والهواء للبناء السكني حتى يكون صالحاً للعيش، بل يجب أن يحقق الشروط الصحية للعيش فيه كمنزل». وعن الفوائد البيئة لإعادة تدوير مواد البناء، يقول المالح: «لا يوجد فوائد بيئية لإعادة تدوير مواد البناء لأنها مواد موجودة في الطبيعة، والمواد الصلبة مثل اللِّبن (البلوك) والحجر والأسمنت يمكن تحويلها إلى بحص ورمل، ومن الممكن استخدامها مرةً ثانية في عملية البناء. أما الحديد فلا يمكن استخدامه لأنه يسبب أذىً كبيراً، خاصةً عند حدوث زلزال مثل الذي ضرب المنطقة بداية العام الجاري، فعندها يفقد البناء حوالي 60 بالمئة من قدرته على تحمل الأوزان الحية والميتة».

تجار مواد البناء الجديدة و المستعملة 

لا يوجد سوق خاص بتجَّار الرَدْم، إنما لديهم محلات تنتشر في عموم مناطق الشمال السوري، وعادةً ما يُتاجر صاحب محل الحدادة ببيع وشراء أبواب ونوافذ المنازل المُدمّرة ويقوم بإجراء بعض التصليحات المناسبة على كل قطعة قبل عرضها للبيع؛ أما الحديد والصلب فيقوم بتسويته بمكنات خاصة أو يدوياً بعد طرقه حتى يستقيم؛ وبالنسبة للركام، فإما أن يستفيد أصحابه منه في تجهيز أرضيات منازلهم أو عبر بيعه لأصحاب مكابس الأسمنت والبلوك بعد طحنه في مطحنة خاصة ليتحول إلى حصى أو رمل ناعم ثم عرضه وبيعه في السوق المحلية. 

نلاحظ هنا في الشمال السوري وجود إقبالٍ واضحٍ على شراء مواد البناء المستعملة توفيراً لتكاليف البناء الباهظة، ولأن غالبية الذين يبنون منازلهم يخشون فقدانها في أية لحظة، وبذلك تكون الخسارة أقل مما هي عليه عندما يتم البناء بتجهيزات جديدة.

أبو گاسم مُهجرٌ من غوطة دمشق الشرقية إلى مدينة جسر الشغور، يعمل وأخوه في محل خردة يختص بهدم المنازل المُدمرة أو شبه المُدمرة والآيلة للسقوط، إذ يأخذها كـ«ضمان» بعد تقدير وزن الحديد في المبنى الآيل للسقوط وتكاليف الهدم والنقل وتسوية الحديد، ثم يدفع سعراً لصاحب البيت ويتفق معه ليبدأ في أعمال الهدم وإزالة الركام وبيعه كمواد صالحة للبناء من جديد.

يقول أبو كاسم: «ضمنتُ مؤخراً منزلاً بمساحة 120 متراً مربعاً، استخرجتُ منه 2.5 طناً من الحديد الصلب، ودفعتُ 220 دولاراً أميركياً مقابل الهدم والنقل، و40 دولاراً لتسوية الحديد، واتفقت مع صاحب البيت على مبلغ 600 دولار أميركي». باع أبو گاسم الحديد بمبلغ 1050 دولاراً أميركياً، وحصل على 200 دولار أميركي كربحٍ صافٍ.

ويحتاج البناء دون إكساء (على العظم) المكون من 100 متر مربع إلى 2400-2500 كيلو حديد تسليح قياس 12 و8 ميليمتر، وذلك حسب أحمد حمود معلم نجارة باطون من ريف جسر الشغور الشمالي: «سعر المواد المستعملة أقل بنسبة 30-50 بالمئة تقريباً مقارنةً بالمواد الجديدة، وبعضها نوعيته جيدة تضاهي المواد الجديدة الموجودة حالياً في السوق».

يُباع طن الحديد بعد تسويته وتنظيفه بسعر 450 دولاراً أميركياً، وهو ذو كفاءة أقل من الحديد الجديد حسب الحمود، الذي يعتبر الحديد الروسي من أفضل أنواع حديد التسليح الموجودة في سوريا بسبب متانته وصلابته وقوة تحمله ومقاومته للصدأ، ويُبيِّن الحمود أن الحديد الذي يعاد استعماله له عيوب عديدة، أهمها تأثره بالصدأ ودرجة استقامته واختلاف أطواله أحياناً.

وأخبرنا أبو زكريا، وهو صاحب مركز لبيع مواد البناء الجديدة والمستعملة، أنه لا يشتري ركام المنازل، إنما مواد البناء المستعملة وكافة تجهيزات المنازل من الخشب والألومنيوم والحديد، سواءً من أصحاب المنازل أو من السماسرة. يقول: «لدي حديد وأسمنت وأبواب حديد وخشب وصفائح معدنية لسقف الأسطح، وأكثر المواد المطلوبة حالياً هي الحديد الذي يستخدمه الناس في بناء أسقف المنازل». كما يخبرنا أن الطلب على هذه المواد ازداد بعد الزلزال مباشرةً بسبب الإقبال على إصلاح المنازل التي تعرضت للأضرار أو بقصد بناء منازل جديدة، لكن سرعان ما تراجع الطلب وعمّ الكساد بسبب قرار فرض الترخيص من حكومة الإنقاذ، والذي بلغت رسومه 4 دولارات أميركية لبناء المتر الواحد، ولأنه يضع قيوداً على المباني، إذ يمنع القرار البناء خارج المخطط التنظيمي ويفرض اعتماد مهندسٍ مدني بحسب ما قال أبو زكريا.

ويتوفر في السوق عدة أنواع من الحديد المسلح، هي التركي والروسي والمصنع محلياً، والأكثر طلباً من الحديد الجديد هو التركي الذي يبلغ سعر الطن منه حاليا 630 دولاراً أميركياً، أما الروسي فيزيده بحوالي 100 دولارٍ للطن، وينخفض سعر المُصنع محلياً عن التركي بنحو 50 دولاراً. ويبلغ سعر طن الأسمنت 98 دولاراً أميركياً، ووصل سعر طن الحديد المُستعمل والصالح للبناء ما يقارب 470 دولاراً أميركياً، وانخفض سعر حديد التسليح بعد الزلزال بسبب توفر الحديد المستعمل الذي صار ينصح به البنّاؤون لخفض الكلفة، إذ وصل سعر الطن الواحد منه بعد زلزال شباط (فبراير) بشهر إلى 750 دولاراً أميركياً، بينما انخفض سعره اليوم إلى حدود 630 دولاراً.

ووصل سعر اللبنة (البلوكة قياس 15) 18 سنتاً أميركياً، ومقاس 20 بسعر 20 سنتاً، أما قياس 12 يسجل 14 سنتاً، وقياس 10 عند 12 سنتاً. الهوردي أو البلوك المفرغ سعر اللبنة منه 18 سنتاً، وحجر البناء الصخري بسعر 35 سنتاً للحجرة الواحدة، هذا عدا عن باقي تجهيزات المنازل من مطابخ وأبواب ونوافذ،  والتي تباع جميها بالدولار الأميركي.

ويخبرنا أبو يوسف، وهو معلم بناء، أن أغلب المباني التي يبنيها يستخدم أصحابها الحديد المستعمل، ويرى أن البناء بالمستعمل يضاهي الحديد المسلح التركي المستورد والوطني الذي تصنعه مصانع الشمال السوري. أما عن احتياجات بناء المنزل، يقول أبو يوسف إن تجهيز حديد الشبابيك والأبواب الجديدة يكلّف 2 دولار أميركي لكل كيلو، وسعر كل متر من البحص والرمل يُباع بـ 4 دولارات أميركية من أرض المقلع دون تكاليف النقل، أما متر النحاتة (بودرة الرمل) فيصل إلى 8 دولار أميركي.

ويعمل بتجارة تجهيزات المنازل المستعملة أبو ياسين، أربعيني من سهل الغاب. اشترى أبو ياسين سيارة يتنقل بها خلال عمله بين القرى والمدن لشراء الأثاث من أبواب ونوافد ومطابخ وغيرها من التجهيزات التي يقوم بفكها لوحده بعد أن يشتريها من مُلّاكها، وخاصة أولئك الذين تقع منازلهم على خطوط الجبهات، إذ يتواصل معهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن شكل شبكة علاقات واسعة خلال سنوات عمله، وعادةً ما يشاهد الصور ويتفق على الشراء بمبلغ محدد قبل ذهابه.

وهناك طلبٌ على البضاعة القديمة المستعملة أكثر من الجديدة برأيه، وذلك «لجودتها، وخاصة الألومنيوم نوع مدار، فهو من أنقى الأنواع المصنعة في سوريا»، عكس الأنواع الموجودة حالياً في السوق والتي يقول أبو ياسين إنها «خفيفة». لكن المشكلة التي تواجه عمل أبو ياسين هي أن هذه المواد متوفرة بمقاسات مختلفة، فمثلاً يوصي الزبون على شباك بمقاس ما وينتظر حتى يجد له طلبه، لذلك يحتاج المشتري لوقت غير محدد حتى  يجد طلبه، أو يقوم أبو ياسين بتعديل الحجم بورشته الصغيرة من خلال معداته البسيطة ويقص الأحجام الكبيرة لأصغر إن وجدت، أما الأحجام الصغيرة لا يمكن التعديل عليها فيقوم ببيعها كخردة.

أجور المياومين في استخراج الردم

تتفاوت أجور عمال المياومة، وعادة ما تقوم على العرض والطلب وبالاتفاق مع صاحب العمل. وعلى الرغم من ساعات العمل الطويلة، فلا يجد العامل بديلاً، إذ يفضّل العمل بأجر منخفض على الجلوس دون عمل، خاصة بعد أن ازداد الطلب على العمال بسبب زلزال السادس من شباط. وبالمقابل انخفضت الأجور، والتي بلغت 100 ليرة تزيد وتنخفض حسب الاتفاق مع صاحب العمل، خاصة مع تزايد معدلات البطالة بين المدنيين بنسب مرتفعة، إذ وصلت نسبة البطالة العامة حسب منسقي استجابة سوريا إلى 88.65 بالمئة بشكل وسطي (مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة) وذلك ضمن مؤشرات الحدود الاقتصادية للسكان المدنيين في الشمال السوري.

أبو سامر ثلاثيني مهنته نجارة الباطون، وفي حال لم يجد عملاً في مصلحته يعمل كعامل بالمياومة. بنى بعد زلزال السادس من شباط عدة منازل مدمرة بعد أن قام أصحابها بتجريفها وتجهيزها لتبنى من جديد، لذلك كان العمل من نقطة الصفر حسب أبو سامر: «أتقاضى أجر عامل؛ مبلغ قدره 100 ليرة تركية مقابل 11 ساعة عمل يومياً، أما عن عملي كمعلم باطون، فآخر منزل استلمته في مدينة حارم مؤلف من أربعة طوابق مساحته 300 متر مربع دُمِّر بالكامل، و بعد جرفه نهائياً أخذته مقطوع بقيمة 5000 دولار أميركي، توزع المبلغ على جميع العاملين فكانت أجور عمال المياومة 130 ليرة تركية يومياً، وكانت جميع التجهيزات جديدة، استمروا حوالي 5 أشهر حتى انتهوا من بنائه».

وضع أبو سامر في عدة منازل بناها تجهيزات مستعملة، يقول: «استلمتُ منزلاً كان وضعُ صاحبه المادي ضعيفاً، لذلك طلب مني استخدام تجهيزات مستعملة، فاستخدمت حديداً مستعملاً بعد إصلاح الانحناءات فيه، ووضعته فوق النوافذ والأبواب وأسقف الحمامات والأماكن التي لا يكون عليها ضغط مثل الأعمدة ومنتصف السطح».

ورغم أن أبو سامر يفضل التجهيزات الجديدة، إلا أنه غالباً ما يستعملها حسب طلب صاحب المنزل ويرجع السبب حسب قوله إلى الوضع المعيشي الصعب لغالبية السكان وانتشار التجهيزات المستعملة بالأسواق خاصة بعد الزلزال.

آلية عمل الإدارة المحلية في حكومة الإنقاذ

للبدء في البناء يحتاج صاحب العقار لدفع رسوم بدل خدمة حتى تتابع اللجان الهندسية في حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام عملها مع صاحب العقار من مرحلة الصفر حتى الانتهاء، وذلك «للتأكد من السلامة الفنية في الإنشاء». أما قيمة الرسوم فهي غير ثابتة وتختلف بحسب المنطقة والصفة التنظيمية ومساحة البناء وهي «لا تشكل قيمة إضافية ترهق صاحب البناء» حسب المهندس سعيد الأشقر مستشار وزير الإدارة المحلية، والتي بلغت حسب من التقيناهم 4 دولارات أميركية للمتر الواحد، على أن هذا الرقم يشكل بالفعل قيمة إضافية بالنسبة لمعظم الأُسر القاطنة في الشمال السوري كونها تعاني أساساً من الفقر، وإلا لما اضطُرت إلى إعادة استخدام ركام منازل قديمة في بناء أخرى جديدة.

وبالنسبة لقرار دفع المواطنين الرسومَ عند البناء، فهذا القرار، حسب الأشقر، «معمول به منذ ما قبل الثورة وأُعيد العمل به لضبط سلامة البناء وتنظيم البلد عمرانياً وعدم التجاوز على البنى التحتية». 

وفي حال أراد أحد السكان إزالة بنائه الخاص، فعليه التّقدُّم بطلبٍ للإدارة المحلية إذا كان البناء متصدعاً، أو يطلب إزالة البناء في حال كان مدمراً لا يمكن تدعيمه، ويُعفى في هذه الحالة أصحابُ الأبنية المُراد إعادة إنشائها من كافة الرسوم المترتبة، وتُحفظ الملكية لصاحب العقار ولا يمكن التنازل عنها.

وأخبرنا الأشقر أنه لا يوجد إدارة لعمل تُجّار البناء ولا يوجد تحديد أسعار لبضائع البناء سواء الجديدة أو المستعملة، ويرى أن التعامل مع البضائع المستعملة خطأ فني «لأنها خسرت جزءاً كبيراً من عمرها الافتراضي نتيجة العوامل الجوية والمؤثرات الأخرى، وبالتالي لن تكون مفيدةً بنفس الدرجة التي تقدِّمها المواد حديثة الصنع».

بعيداً عن الأهمية البيئية لعمليات تدوير ركام المنازل، والتي لا يتفق معها المهندسون كما تبيّن السطور السابقة، فثمة إقبالٌ واضحٌ من الأهالي على شراء التجهيزات المستعملة، لأن الحاجة بعد الزلزال باتت كبيرة، كما أدى ارتفاع الطلب إلى ارتفاع الأسعار، فكان الحل الأمثل للحصول على مواد بأسعار معقولة هو الاعتماد على إعادة تدوير تجهيزات المنازل التي دمرها الزلزال، ولو كان ذلك على حساب الأمان.