أصاب زلزال السادس من شباط (فبراير)، وتبعاتِه الإنسانية والمادية، قطاعَ التعليم في شمال غربي سوريا بحالةٍ من الشلل لم تستطع الجهاتُ المسؤولة عن تشغيله وتمويله من تداركها حتى الآن. إذ لم تقتصر التبعات الكارثية على التضرّر العمراني للمدارس فحسب، بل امتدّت إلى فقدان مئات التلاميذ الصغار لحياتهم، وإلى نزوحٍ واسع النطاق، وما يترتب على ذلك من حياة جديدة يعيشها الطلبة تتطلّبُ منهم التأقلم، وما سيكون لذلك من آثارٍ طويلة الأمد على الحالة النفسية والمسيرة التعليمية للتلاميذ. حتى الآن، وبرغم مرور نحو سبعة أشهر على الزلزال، ما يزال البحث عن التعليم الجيد في المنطقة أمراً صعب المنال، فلا تزال الفصول الدراسية غير مجهزة، والحالة النفسية ضاغطةٌ على المعلمين والطلاب وأولياء الأمور على حدٍّ سواء.
مدينة جنديرس في ريف عفرين من بين أكثر المدن السورية تضرراً بالزلزال، وقد أُغلقت أبواب المدارس فيها أياماً عديدةً في وجه التلاميذ كحال معظم المدارس في شمالي وغربي سوريا بعد الزلزال؛ بغرض الكشف الهندسي على الأبنية والتأكد من سلامتها. وبرغم انقضاء العام الدراسي واقتراب عامٍ دراسيٍّ جديد، لم تستعد العملية التعليمية في المدينة وريفها عافيتها بالشكل المطلوب حتى الآن، ويبدو أنها لن تستعيد عافيتها مع بداية السنة الدراسية الجديدة في شهر أيلول (سبتمبر) القادم. يقول رياض الجاسم، مدير المكتب التعليمي ومنسق الإعلام في المجلس المحلي في جنديرس، إن الكوادر التعليمية تعمل بمساعدةٍ من المنظمات الإنسانية «على استيعاب حجم الكارثة بموجب الإمكانيات المتاحة، وعلى تأمين راحةٍ نفسية للطلاب عبر بناء خيام صفية مدرسية مؤقتة في المخيمات، فضلاً عن عربات تعليمية متنقلة وخيام تعليمية ضمن باحات المدارس لتعويض الأطفال عن فترة الانقطاع عن التعليم».
ويؤكد الجاسم أن أكثر من نصف المدارس في المنطقة قد تضرّرت بشكلٍ جزئي، حيث يتواجد في ناحية جنديرس الإدارية 48 مَدرَسة تُعلّم 16500 طالباً وطالبة، تضرّر منها 24 مَدرَسة من بينها 5 مدارس في مركز الناحية. كما أن مدرسة خالد بن الوليد في طور الإزالة بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبناء، وقد كانت هذه المَدرَسة تقدّم التعليم لنحو 4500 طالبٍ وطالبةٍ في المرحلة الإعدادية، إذ أنها تتقاسم مع مدرسة يوسف العظمة الشريحة الأوسع من الطلبة في مركز ناحية جنديرس.
حصلت الجمهورية من المكتب التعليمي في جنديرس على إحصائيةٍ بالخسائر المترتِّبة عن الزلزال في القطاع التعليمي في الناحية، إذ فارق الحياة 26 معلماً ومعلمة، وأصيب عددٌ مماثلٌ من الكوادر التعليمية بجروحٍ وكسور بعضها خطير وبآثارٍ دائمة. كما فارق الحياة نحو 600 طالبة وطالب توزعوا بحسب المدارس:
- 300 طالب-ة من مدرسة خالد بن الوليد.
- 200 طالب-ة من مدرسة يوسف العظمة.
- 37 طالب-ة من المدرسة الشرعية
- 35 طالب-ة من المدرسة الثانوية
- 22 طالب-ة من المدرسة الاعدادية.
ويُقدّر المكتب التعليمي عدد الطلاب الذين غادروا مقاعد الدراسة بسبب النزوح إلى أماكن أخرى في الغالب، بما يُقارب الـ3 آلاف طالبٍ وطالبة. كما تزايدت حالات التسرُّب المدرسي بعد الزلزال، بسبب الخوف والنزوح وعدم الاستقرار، فضلاً عن الواقع المعيشي للأسر الذي ازداد تردّياً، لا سيّما أن صعوبات الوصول إلى التعليم كانت حاضرةً قبل الزلزال وازدادت بعده، فيما يتخوف الأهالي من إرسال أطفالهم إلى المدارس البعيدة بعد خروج مدرسة خالد بن الوليد عن الخدمة بشكلٍ كامل، وكذلك من إرسالهم إلى مدارس أخرى قريبة بسبب تضررها بشكلٍ جزئي جرّاء الزلزال، وذلك خشيةٍ من وقوع انهياراتٍ فيها وعدم الثقة بأنها باتت آمنةً على حياتهم.
ويؤكد المدرس زهير سليمان في حديثه للجمهورية نت على توقُّف العملية التعليمية في جنديرس «بشكلٍ جزئي لشهرين ونصف بعد الزلزال»، ويعزو السبب إلى «الخوف من زلزال جديد والنزوح والعامل النفسي». يمارس سليمان مهنة التعليم في مدرسة يوسف العظمة بجنديرس، ويخبرنا بأن منظمة سداد «شيّدت 25 خيمة في ساحة المدرسة لطمأنة الطلبة وذويهم ودفعهم لاستئناف التدريس تدريجياً، ومن ثمّ تم نقل الطلاب إلى الصفوف المدرسية بعد أيامٍ من استئناف التعليم وشعورهم بالطمأنينة في ظل صعوبة الظروف الجوية وحاجة الطلاب ومعلميهم للدفء».
ولكن هذه الطمأنينة لم تدُم طويلاً بحسب المُدرِّس، ففي السابع من أيار (مايو)، شهدت المنطقة زلزالاً بقوة 4.9 على مقياس ريختر، وأُصيب طفلٌ بكسرٍ في اليد نتيجة التدافع على الدرج أثناء محاولته الهروب مع باقي الطلبة نتيجة الهلع. ويؤكد زهير الذي فقد طفلته ذات الأربعة عشر عاماً نتيجة الزلزال «بأن العامل النفسي بعد فقدان معلمين وطلبة وذويهم، أثّر بشكلٍ كبير على حسن سير العملية التدريسية وتركَ فجوةً كبيرةً في النفوس، فما من أحدٍ من أركان العملية التعليمية إلا وفقد زملاء أو طلابه أو جيران». مضيفاً بأن أطفالاً كُثُر نزحوا مع عائلاتهم إلى أماكن أخرى ومخيمات بعيدة عن مركز جنديرس، وأصبح وصولهم إلى المدارس أمراً صعباً، مما سهّل من عملية استئناف العمل بالكوادر التدريسية المتواجدة في جنديرس، دون الحاجة لترميمها، فانخفاض أعداد الطلاب أدى إلى تقليص حجم متطلبات العملية التعليمية في المدارس على جميع المستويات.
آثار الزلزال على نفسية وتعليم الطلبة
تحوّلت المدارس إلى مراكز إيواءٍ للمتضررين بعد الزلزال، وتزايدت الفوضى والعشوائية في القطاع التعليمي نتيجة الظرف غير المسبوق في منطقة شديدة الهشاشة. يقول جوان، وهو طالبٍ في مدرسة بياض في قرية أوغجلي في ريف جنديرس: «تحوّلت مدرستي إلى مركز إيواء للمتضررين من الزلزال، واقتصر التعليم على صفٍّ واحد لمدة ساعتين في اليوم، وخلال أوقات الحصص كان المعلمون يقضون الوقت بالتسلية والترفيه لدعم الطلاب نفسياً، ولم يكن تقديم الدروس واستيعاب الطلاب كما يجب حتى نهاية العام الدراسي».
وتروي لنا الطالبة رويا، وهي من المتفوقات في الصف العاشر، أنها نزحت مع عائلتها من يلانقوز قرب جنديرس إلى قرية قوجمان (الضخم)، ولم تتلقَّ التعليم طيلة أيام العام الدراسي التي تلت الزلزال، واكتفى المعلمون بإبلاغ طلبة المدرسة بتاريخ الامتحانات وبضرورة تقديمها. لم تكن العودة إلى الدراسة أمراً سهلاً على رويا، فقد بقيت تحت الأنقاض في قرية يلانقوز في ريف جنديرس لأربعة أيام مع أفراد أسرتها. وكذلك الأمر بالنسبة لأخيها شيار في الصف الثامن وأريج في الصف الأول. وبعد نجاة رويا، ساءت حالتها النفسية وحالة إخوتها، وترى أن انقطاعها وإخوتها عن التعليم «أثّر على صحتها النفسية وأدى إلى خضوعها لعملٍ جراحي لإزالة الزائدة الدودية».
تقول عائلة الطالبة رويا إنهم فقدوا 4 أفراد من العائلة، ويحمدون الله على نجاة البقية: «يمكن تعويض التعليم في العام القادم، ولكن الأرواح لن تعوَّض» يعلق الأب.
أما رانيا، الطالبة في الصف الخامس، فقد انتقلت من جنديرس إلى مدينة عفرين لتتابع دراستها في مدرسة الشيخ عبد القادر (اتحاد عربي سابقاً)، ولكن «بظروفٍ صعبةٍ للغاية؛ فهي لا تزال حتى اليوم تصمت فجأةً وتنظُر إلى سقف المنزل لتلاحظ اهتزاز المروحة المُعلّقة بالسقف مع استمرار الهزات الارتدادية»، تقول والدتها. لم تتأقلم رانيا مع أقرانها في المدرسة الجديدة، ولم تعتَد على المعلمين الجدد، في حين لا تزال آثار الزلزال تظهر في سلوكها وقدرتها على التعليم وفق ما أخبرتنا به أسرتها.
ويقول والد الطفلة رولا الرحمون، وهو نازحٌ منذ سنوات من بلدة الغدفة في ريف إدلب إلى جنديرس في ريف حلب، إنه فقد نتيجة الزلزال طفلتين وابنه الشاب وزوجته وأحفاده الثلاثة، واضطُر بعدها إلى النزوح مع مَن بقي من أسرته على قيد الحياة إلى مخيم الغدفة في منطقة سرمدا بريف إدلب: «لم يبقَ من عائلتي في المدرسة سوى رولا في الصف السابع»، يعلق الوالد بحسرة. بدورها، أخبرتنا رولا التي كانت تدرس في مدرسة يوسف العظمة بأنها كانت من الطلبة المتفوقين، ولكن «انقلب حالها رأساً بعد الزلزال» بحسب تعبيرها، وذلك نتيجة فقدانها لإخوتها وأقاربها وتغيّر البيئة التي اعتادت عليها من معلمين وزملاء.
تضيف رولا بأنّ النزوح زاد من سوء حالتها النفسية، فضلاً عن انتقالها مع عائلتها من منزلٍ إلى خيمة، وضيق الحالة المادية لوالدها الذي ليس لديه عملٌ ثابت ويعمل بشكلٍ تطوعي وأحياناً بعقود مؤقتة مع المنظمات الإنسانية في الشمال.
مريم بسام أحمد طالبةٌ متفوقةٌ في الصف الخامس في مدرسة خالد بن الوليد، تتذكر أن والدها نقلها على دراجةٍ ناريةٍ إلى المستشفى صباح يوم الاثنين 6 شباط (فبراير) عندما انهار البناء بالعائلة، وتنقّلت بين عدة مشافٍ وجرى تشخيص حالتها بتفتّت العظم بشكلٍ كامل والتعرّض لفقدٍ مادي كبير، ورجّح الطبيب احتمالية بتر ساقها إذا لم تستجب خلال أسبوع للعلاج. ظلت مريم 60 يوماً تخضعُ بشكلٍ يومي لتخديرٍ عام وعمليات تنظيفٍ وترميم، إضافةً إلى جلسات دعمٍ نفسي وعلاج فيزيائي وعمليات قطف شرائح جلدية من باقي جسدها. تقول مريم إن تفكيرها «كان مشغولاً بمدرستها رغم ما حل بها»، ولكنها لم تتمكن من الخضوع للامتحانات: «أخبرني والدي أن إدارة المدرسة لن تمنح درجة الرسوب للطلاب هذا العام حتى وإن لم يخضعوا للامتحانات». تفتقدُ مريم أصدقاءها وتنتظر بفارغ الصبر شفاءها وأن تستعيد قدرتها على المشي كسائر الأطفال، ومتابعة تعليمها، فهي ما تزال تخضع لعلاجٍ طويل الأمد قد تستغرق المرحلة الأولى منه أكثر من 6 أشهر قبل البدء بالمرحلة الثانية، وهي تركيب مثبتات كسور خارجية. وعبّر والدها بأنه ما زال يرغب بأن تخضع مريم لدوراتٍ صيفية لكسر الروتين الذي تعيشه حالياً.
استعادة العملية التعليمية بما هو متاح
أطلقت منظمة أورنج مشروعاً تعليمياً يستهدف الأطفال وفق ما قاله مدير المشروع نافع شامي للجمهورية.نت، مؤكداً على أن المشروع يستهدف الفئة العمرية من 6 إلى 12 سنة، ويشمل الذكور والإناث عبر وحداتٍ تعليمية متنقلة لتقديم التعليم والدعم النفسي لأطفال شمال سوريا الذين تأثروا بالزلزال.
تقدم هذه الوحدات تدخلاتها عبر فرقٍ مُدرّبة من المعلمين والمُيسّرين وباصاتٍ متنقلة تتحرك بين عدة نقاط، وتُقدّم دروساً تعليميةً وأنشطة دعم نفسي اجتماعي لأكثر من 3100 طفلاً وطفلة في 37 مركزاً تعليمياً في مدينة جنديرس ومحيطها، ويتم الوصول إلى هذه المراكز بالتعاون والتنسيق مع مديرية التربية في المنطقة.
وفي حديثه للجمهورية.نت، يؤكد المتطوع في منظمة أورنج صبحي سلوم، بأن المشروع بدأ في 1 نيسان (أبريل) الفائت ولا يزال قائماً، وهو عبارة عن تقديم دعم نفسي للطلاب وتعليمهم داخل 9 باصاتٍ حالياً، بالإضافة لأنشطة خارج الباصات مثل الرياضة والرقص والرسم والترفيه الموسيقى. يبدأ دوام الباصات من الساعة الثامنة صباحاً وحتى انتهاء الدوام عند الساعة الثانية بعد الظهر، وتتنقّل في اليوم الواحد على 3 مخيمات. ويغطي المشروع 37 مخيماً في جنديرس، من ضمنها 10 مواقع عبر معلّمين ومعلمات جوالين، و27 موقعاً بالباصات المتجولة.
ويضيف سلوم بأن «نفسية الطلبة تتحسّن من آثار الزلزال تدريجياً»، وذلك وفق ما يشاهده في جولاته الميدانية واحتكاكه بشكلٍ مباشر بالطلبة من خلال أنشطة الدروس الترفيهية والتعليمية والدعم النفسي.
ورغم انتهاء العام الدراسي 2022-2023، تعمل المنظمات على استكمال التعليم خلال الصيف لتعويض الفاقد خلال فترة ما بعد الزلزال، وتطلق المنظمات مصطلح «التعليم العلاجي» على عملها في الفترة الحالية، ويقتصر التدريس على المواد الأساسية فقط؛ اللغة العربية والرياضيات واللغة الإنكليزية، ويتَّسِعُ نطاق التعليم العلاجي خلال الصيف نحو مدينة عفرين. كما أطلقت أورنج مشروعاً جديداً حَمَل اسم «وقتي للتعليم والحماية»، استجابةً للأطفال الذين تضرّرت مدارسهم نتيجة الزلزال وأولئك المتسربين من المدارس، ويهدف المشروع إلى إعادة هؤلاء الأطفال إلى التعليم وإبقائهم على صلة بالنظام التعليمي خلال الصيف الحالي.
وبحسب نافع شامي، مدير المشروع في منظمة أورانج، فقد تم إطلاق هذا المشروع بالتعاون مع مديرية التربية التابعة للحكومة المؤقتة في 10 مواقع تعليمية حول مدينة جنديرس، وسيُقدّم التعليمَ لأكثر من 2200 طفلاً وطفلة من خلال 41 مساحةٍ آمنة للأطفال، تم إنشاء بعضها حالياً والبعض الآخر قيد التجهيز، كما يستفيد حوالي 26000 من اليافعين والشباب ومقدمي الرعاية والأهالي من جلسات التوعية وجلسات الدعم النفسي للمشروع.
وجهات الطلبة بعد انقطاعهم عن التعليم
عدنان طالبٌ طموح كان يدرس البكالوريا في ثانوية جنديرس ويضع نصب عينيه دخول كلية الطب، وقد استعدّ لذلك منذ بداية العام الدراسي الماضي وتكلّف لأجل ذلك بمصاريف الدروس الخاصة وجميع احتياجات الدراسة، لكن طموحه قد تلاشى بسبب زلزال السادس من شباط «إذ فقد المنزل الذي يسكنه وأدوات الدراسة والكتب والملخصات التي سهر الليالي على كتابتها، كما فقد عدداً من أفراد عائلته وأصيب والده ووالدته بعدة كسور». اضطر عدنان إلى السكن عند عمه، ثم انتقل إلى الخيمة، ثم إلى منزلٍ مع أهله: «لم يعد لدي الرغبة بقراءة الكتب وتحطمت حالتي النفسية». أمضى عدنان وقتاً طويلاً وهو منشغلٌ برعاية ذويه والعمل على تأمين مصروفٍ يومي لعائلته، واتخذ قراراً بالرسوب هذا العام «حتى يستعيد عافيته ويرسم خطواته الدراسية في العام القادم».
لم تغلق المدارس أبوابها سوى لبضعة أيام، ولكنها لا تزال مُغلقة المضامين طالما أن مشاهد الدمار منتشرةٌ في كل مكان، وطالما أنه لم يجرِ التعامل بشكلٍ حثيثِ ومجدٍ مع ما خلّفه الزلزال من نزوحٍ وخسائر بشرية ومادية. ومن النتائج التي ترتبت على تعطل العملية التعليمية تسرّب الطلبة واتخاذ أولياء أمور بعضهم قراراتٍ مصيريةً بحق أطفالهم.
اضطرّت عائلة الطالب عدي العلي من مدرسة خالد بن الوليد، للنزوح إلى مخيمات أطمة بريف إدلب بعد تضرّر منزلهم بشكلٍ كبير، فلم يُقدّم عدي الامتحانات هذا العام «بسبب اللي صار علينا» بحسب تعبيره. وبدلاً من ذلك، اتّجه إلى العمل في ورشةٍ لصيانة كهرباء السيارات «كي يتعلم صنعةً تُغنيه عن سؤال الناس» وفق ما قال له والده، وذلك بعد أن نزحوا عدة مراتٍ لأسبابٍ مختلفةٍ كان آخرها الزلزال.
وفي حديثه للجمهورية، يقول عروة في الصف التاسع إنه توقف عن التعليم بعد الزلزال ونزحت عائلته إلى خيمةٍ قرب جنديرس، ليعمل مع عمه في ورشة حدادة، وبعد شهرين من تعلُّم المهنة أصبح يتقاضى 50 ليرة تركية في اليوم الواحد، أي ما يعادل 1300 ليرة تركية شهرياً، وهو مبلغٌ مماثلٌ لراتب معلم مدرسة في المنطقة نفسها. «المصلحة ذهب» وفق قول عروة، بينما لوالده رأيٌ آخر: «يحتاج المراهقون لعنايةٍ خاصة. منعتنا الظروف من الاعتناء بعروة الذي لم يتلقَ الدعم الكافي لاستمرار التعليم وانجرف نحو رغبات المحيط».
لم يحصل أيٌّ من الطلبة على درجة الرسوب في الصفوف الانتقالية لهذا العام في المناطق التي تدير مؤسساتِها الحكومةُ السوريةُ المؤقتة التابعة للائتلاف المُعارض، وذلك بحكم الظروف الصعبة التي خلّفها الزلزال على المنطقة، وهذا يعني أن أمام المؤسسات التعليمية مهماتٍ كبيرة خلال العام الدراسي المُقبل، إنْ على صعيد الاستعدادات اللوجستية والبنية التحتية؛ أو على صعيد تكثيف الجهود لتعويض ما حُرم منه التلاميذ خلال العام الدراسي الفائت، الذي انتهى، بشكلٍ أو بآخر، منذ السادس من شباط.