يصعُب تخيّل أن بلداً كلبنان، يمرّ بانهيار اقتصادي، وأغلب شعبه قد تمتّ سرقته بشكل مباشر ويسيطر عليه حزب مسلّح منذ سنين، يمكن أن تهزّه واقعة أن ثلاثة أطفال يسبحون في يوم حار من أيام نيسان (أبريل) في بيروت، في ساحة سمير قصير، في مكان غير مخصص للسباحة.

لقد أصبح الرأي العام اللبناني هشاً جداً تجاه أيّة ممارسة، عادية كانت أو غير عادية، يقوم بها شخص سوري في لبنان.

في 19 نيسان الماضي، أقدم ثلاثة أطفال لا يتجاوز عمرهم 10 سنوات على السباحة في بركة ساحة سمير قصير، ويبدو أن أحد الأشخاص قام بتصويرهم، ونشر الفيديو المؤلف من ثواني معدودة لأول مرة على موقع thisislebanon ومنصّاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ليشتعل النقاش حول أحقية ثلاثة أطفال بالسباحة في مكان عام غير مخصص لذلك. وطبعاً، كعادة وسائل الإعلام اللبنانية، تم ذكر جنسية الأطفال، وهم سوريون.

سياق تحريض طويل

يأتي التحريض على اللاجئين دائماً في سياق سياسي واجتماعي غالباً لا يظهر في الواجهة؛ فمثلاً أتى التحريض الأخير للحكومة اللبنانية على اللاجئين بهدف ابتزاز المجتمع الدولي لزيادة المساعدات، أما التحريض اليوم فيأتي في سياق الانتخابات البلدية التي كان من المُفترض أن تُجرى في أيار (مايو)، قبل أن يقرر مجلس النواب تأجيلها لمدة عام، وإلى حين صدور القرار، كان الخطاب ضد اللاجئين من قبل رؤساء بلديات «كسّيب» في السياسة المحلية، فأين بدأ هذا الخطاب، وأي وسائل إعلام تبنته؟

محافظ ورئيس بلدية وتحقيقات «صحفية» مُذلّة

«بشير خضر محافظ بعلبك الهرمل في لبنان:راتبي أقل من راتب النازح السوري في لبنان»، من هنا انطلقت مؤخراً أحدث جولات التحريض على اللاجئين، في 18 آذار (مارس) الماضي. ففي لقاء دعت إليه دار الفتوى في بعلبك، كان هذا جواب محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر رداً على طلب منسق مخيمات النازحين في منطقة عرسال زيادة المساعدات للنازحين في المنطقة.

وبطبيعة الحال تتلقف وسائل الإعلام الكبرى في البلاد هذا الخطاب وتغذيه وتبني عليه لإظهار حقائق مزيفة، وهي أن اللاجئ السوري يعيش في نعيم بعكس المواطن اللبناني الذي انهار اقتصاده وسُرقت مدخراته.

ثمة سؤال يمكن أن يوجَّه لبشير خضر وغيره من المحللين الذين يمتعضون أن مساعدات النازح أصبحت تساوي أكثر من راتب ضابط في الجيش، مع الطبقية التي تكمن خلف هذه المقارنة:

هل إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا ستُعيد قيمة راتب بشير خضر، وقيمة رواتب ضباط الجيش، وستعود «الليرة بخير وتحكي»؟ أو هو مجرد هروب من مواجهة المسبب الرئيسي لهذا الانهيار في راتب بشير خضر وغيره من موظفي القطاع العام؟

«كم ولد عندك؟»، هو السؤال الأحب على قلب الإعلام اللبناني. في 23 آذار الماضي، قامت جريدة النهار اللبنانية، بالتواطئ مع رئيس بلدية القاع بشير مطر، بتصوير مقابلة أقرب لأن تكون تحقيقاً في أحد أفرع أجهزة استخبارات بشار الأسد، حيث تم استجواب مواطن سوري بطريقة مهينة جداً.

مع العلم طبعاً، أن جريدة النهار مناصرة للثورة السورية ومعارضة للنظام السوري، كما أن بشير مطر ينتمي إلى حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، الذي تم سجنه من قبل النظام السوري في لبنان مدة 11 سنة، ولم يخرج من السجن إلا بعد خروج النظام عام 2005، ولكن يبدو أنهم يحبون السوريين وحريتهم في سوريا فقط، وليس أبعد من ذلك.

بالعودة إلى المقابلة \التحقيق، وفي الشكل، بقي الرجل النازح واقفاً خلال المقابلة كلها، فيما رئيس البلدية يتحدث وحده ويوجه له الأسئلة عن عدد زوجاته وأولاده وحياته الخاصة، وعن عمله في الزراعة، وعن توجهاته السياسية وأوراقه الثبوتية، وعن سبب زواجه امرأة ثالثة؛ أصبح بشير مطر مرشداً اجتماعياً برعاية النهار، وكان النازح يجيب بصوت خافت وخوف من المحقق الذي يجلس أمامه.

لا يخفي بشير مطر عنصريته أصلاً، ولا يخجل بها، كما يشير جوابه علناً وفي جريدة النهار أيضاً عند سؤاله عن عنصريته، معللاً أسبابها، على طريقة جبران باسيل، خصمه في السياسة!

الـ MTV وغازي كنعان!

بطبيعة الحال لا يمكن أن تمر مناسبة التحريض على اللاجئين دون مشاركة قناة الـ MTV اللبنانية، وهي واحدة من أكثر القنوات انتشاراً في لبنان.

«غازي كنعان جديد… يحكُم لبنان!» هكذا كان عنوان تقرير الـ MTV في 11 نيسان الماضي، والمقصودة بغازي كنعان هنا هي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويتحدث التقرير عن قرارات صدرت في المَجر والدنمارك بترحيل لاجئين، ويتحسّر التقرير على عدم إصدار هكذا قرارات في لبنان، ويصف المفوضية بغازي كنعان، الضابط في الاستخبارات السورية، المحفور في الذاكرة اللبنانية،كأسوأ شخص حكم البلاد على الإطلاق، وهنا تأتي دلالة  هذا التشبيه الخبيث.

أصدرت المفوضية رداً على التقرير المليء بالمغالطات المقصودة، حيث لم تقرأ قناة الـ MTV  التقرير كاملاً في نشرة أخبارها، بل نشرت جزءاً منه، فيما نُشر كاملاً على الموقع، حيث لا يراه أحد.

وجاء في رد المفوضية توضيح «أن أُسر اللاجئين الأكثر احتياجاً تحصل على مساعدة وقدرها مليونين و500 ألف ليرة لبنانية، يضاف إليها مليون ومئة ألف ليرة لكل شخص من برنامج الأغذية العالمي، مع حد أقصى يبلغ 5 أشخاص للأسرة الواحدة: ممّا يعني أن الحد الأقصى الذي تحصل عليه الأسرة المحتاجة المكونة من 5 أفراد وما فوق كمساعدات نقدية وغذائية، إذا كانت مؤهلة للحصول على كل من المساعدات النقدية والغذائية، هو 8,000,000 ليرة لبنانية في الشهر». أي ما يعادل 80$ على سعر السوق الحالي، وهو ليس أعلى من راتب محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، والمساعدات مقدمة بالليرة اللبنانية وليست بالدولار كما تشير تقارير إعلامية عدة.

يشير التوضيح أيضاً إلى أ«أن تسعة من كل عشرة لاجئين سوريين في لبنان لا يزالون يعيشون في فقر مدقع. إن التمويل المتاح حالياً للمساعدات الإنسانية لا يسمح للأمم المتحدة إلا مساعدة 33 بالمئة من اللاجئين المحتاجين من خلال تزويدهم بمبالغ نقدية لتغطية احتياجاتهم الغذائية وغير الغذائية» ما يعني أن المساعدات ليست هي من تُبقي اللاجئين في لبنان، وتصوير اللاجئين على أنهم يعيشون في نعيم من قبل الإعلام اللبناني هو محض كذبة لا أكثر.

إعلام «الثورة» يشارك في التحريض 

لم يَحِد بعض الإعلام الذي يعتبر نفسه ممثلاً عن «انتفاضة 17 تشرين» ومنبثقاً عنها، عن خط التحريض على اللاجئين. «انتوا ليش بتجيبوا هالقد ولاد؟» هذا ما جاء في التقرير الذي أعدته منصة political.pen  «المستقلة»، في 17 نيسان الماضي، عن وضع اللاجئين في منطقة زغرتا. وراحت مُعدّة التقرير تتأكد من حال كل عائلة، وأين أُنجب الأولاد، إن كان في لبنان أو سوريا، ولماذا لا يعودون إلى سوريا، وبطبيعة الحال، وكي يكون للتقرير بعد عنصري أكبر، تكلّمت المُعدّة مع بعض سكان المنطقة، الذين راحوا يهوّلون «خطر اللاجئين» القادم، وأنهم قنبلة موقوتة، ستنفجر فيهم إذا لم تتحرك الدولة.

أين العونيين وإعلامهم من هذه الحفلة؟

لا يمكن أن تَجري حفلة عنصرية على اللاجئين دون مشاركة التيار الوطني الحر وإعلامهم فيها، حتى من دون دعوى، سيشاركون، فمؤسّس التيار ورئيس الجمهورية السابق ميشال عون كان، منذ بداية الثورة السورية، من دُعاة إقفال الحدود في وجه اللاجئين كي يقتلهم حليفه بشار الأسد بهدوء.

في 27 آذار الماضي، طالعنا النائب العوني عن منطقة البقاع الغربي وراشيا شربل مارون بقصة هائلة، لا تُصدّق؛ كيف لنازح أن يشتكي في المخفر على عسكري متقاعد في الجيش رفع سلاحاً بوجهه!، وتم التحقيق مع العسكري المتقاعد بالمخفر، فعلاً يا للكارثة، أصبح ممنوع علينا في لبنان أن نُرّهب اللاجئين بالسلاح، وطبعاً جاءت المقابلة على قناة ال OTV.

حصاد الأسبوع الماضي

نشرت قناة الـ MTV في 23 نيسان، فيديو متداول من كورنيش المنارة، يظهر مخلّفات مَن تنزّهوا على الكورنيش في عطلة العيد، واتهمّت السوريين بترك هذه الأوساخ.كما تم نقل أخبار كاذبة عن بيع سوريين للحوم كلاب في المتن، نشرها موقع جنوبية، المعارض للنظام السوري، وصححها موقع النهار للمفارقة.

الخميس 20 نيسان، أطلق الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان خلال مؤتمر صحافي في «بيت العامل»- جل الديب، «الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري»،ونقلت الخبر بكل دقة الوكالة الوطنية التابعة لوزارة الإعلام!

في النهاية، يختلف الإعلام اللبناني التقليدي على توجهاته السياسية، وتختلف الأحزاب اللبنانية أيضاً فيما بينها على أمور عدة؛ منهم مثلاً من يقف ووقف مع الثورة السورية، ومنهم من وقف ويقف مع النظام وذهب لقتل السوريين، كحزب الله، ولكنهم يتفقون على شيء واحد فقط، سياديين وغير سياديين، يتفقون على التحريض على اللاجئ. فمن ناحية، يعتبر الإعلام التقليدي أن لهذا الخطاب أرضية شعبية واسعة، ومفيد الاستخدام قبل كل انتخابات، نيابية كانت أو بلدية؛ ومن ناحية أخرى يفيد هذا الخطاب للتعتيم على علاقتهم ومسؤوليتهم، المباشرة، عن الانهيار الاقتصادي، عبر محاولتهم الدائمة تلبيس هذا الانهيار للاجئين السوريين.