في شارع مُظلم، تمتد ظلال طويلة لنساء واقفات بانتباه على طرف الرصيف. بعضهنّ يجلسنَ على الأرض، بينما تراقب الأخريات سيارات تُخفف من سرعتها كي تقترب منهنّ. يلتصقنَ بنافذة السيارة، فيشير سائقها لإحداهنّ كي تركب معه. تتراجع سيّئات الحظّ إلى الخلف بإحباط يُخفينه بمهارة. يُعدّلنَ تسريحاتهنّ، ويتهامسن بوهن واضح بينما يبدو على بعضهنًّ الآخر التعب الشديد. ألا يمكن اختصار قصص عاملات الجنس بهذا المشهد؟ أعتقد أنّ الإجابة الجاهزة والتي تأتي غالباً على لسان مجتمع انضباطيّ وسُلطة قمعيّة هي «نعم». إن «نعم» القاطعة هذه تَفقد معناها أمام قصص عاملات الجنس وسرديّاتهنّ المُرمنَسة أو المُجرّمة. ما نبحث عنه هو الإنصات، كفعل بناء، يُساعدنا على فهم الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي دفعت النساء للعمل الجنسيّ. 

عالم هشّ وغير عادل

أمام مرآة كبيرة، تدور حوافها في حلقات لا تنتهي، تتأمل أمل (41 عاماً) جسدها المنحوت بدقة، كأنه ليس لها. كلما حاولت أن تتقرب منه، تدور الحلقات أكثر ويتداخل الجسد تدريجياً، حتى يصير مجموعة أعضاء تنمو فوق بعضها بفوضوية غريبة. إن تجارة الجنس ونظرة المجتمع والظروف التي دفعتها لهذا العمل؛ كلها تشكل عيوناً كبيرة ترى من خلالها جسدها في المرآة. لا تستطيع أمل أن تهرب من صورة جسدها وهو يتكور بداخلها، مثل جرح مندمل على عجل. تقترب أكثر من المرآة، بينما يشدها شعور غريب بأن المسافات بينها وبين جسدها تزداد اغتراباً، وأنها مهما حاولت فإنّه سيظلّ مَدخلاً إلى عالم لا تنتمي إليه. لذلك تحديداً حاولت أن تواجه واقعها وظروفها، لا لشيء بل لكي تصل إلى لحظة الأمان التي كانت تبحث عنها منذ وصولها إلى بيروت.

تبتسم أمل بسخرية بعد كلمة «الأمان»، كأنها نكتة ساذجة لا يمكن تصديقها. تقولها أمامي ثم تنفخ الهواء من صدرها بهدوء حَذِر. لم تكن تدرك في اللحظة التي انهالت عليها يد زوجها بالضرب أمام أطفالها أنها سوف تتجرأ وتركب سيارة الأجرة الصغيرة المنطلقة من مدينة حمص نحو بيروت. نامت في السيارة كأن المسافة بين المدينتين هي غفوة بين حلمين. طلّقت الزوج بجرأة تفتخر بها، وقررت أن تؤمّن مصروف الأطفال الشخصي لوحدها. من هذه الوحدة يبدأ عالمُ أمل الشخصي. عندما قابلتها أول مرة أدركت أنني أمام امرأة تعرف العالم أكثر مني. أعطتني انطباعاً بأنها متماسكة، ومهما حدث أو قد يحدث سوف تبقى السخرية سلاحها لإنهاء أي سقوط بائس. تكفي بضع كلمات معها، لتفهم أن الهدوء الذي تتحدث به يُخفي وراءه ضجيجاً صاخباً لعالمٍ مهما ادّعيتَ معرفته فإنه يظلُّ عالمها الهش، الذي انتصرت فيه على جميع احتمالاتها. لقد كان خيار بيروت في نظر أمل مرحلة مؤقتة لاختبار نفسها، وتأمين مصروفها الشخصي ومصروف أطفالها. سحبت كرسياً صغيراً وجلست أمامي وقالت: «شو هي الحياة إذا ما كانت من خياراتنا؟ وأنا ما اخترت شي، أنت بتفكر أنا اللي اخترت، بس الحقيقة أنو كل شي كان عم يدفعني تجاه قرارات أنا ما بدي ياها، وأنا كنت عم جَرِّب أو أهرب ما بعرف». 

كنتُ أريدُ أن أسألها كيف يمكننا أن نعرف؟ ولكني صمتّْ، لأن ما تجهله أمل لم تعترف به كهزيمة بل كبداية لعلاقة مُرتبكة مع العالم ومع جسدها. هي حقاً لا تعرف، ليس لأنها لا تريد، بل لأنها لم تمتلك الفرصة. تقول: «ما بعرف شو متوقع العالم من بنت زوجوها أهلها بعمر 13 سنة، من رجل عمره 37 سنة، متوقعين كلشي، زوجة تتعرض للضرب، وتصمت، وتشوف زوجها مع مرت أخوه وتصمت، تتعرض للاغتصاب بمكان عملها في بيروت وتصمت، حتى موت بصمتي ويبقى هاد المجتمع محافظ على صورته. كرمال هيك لا تدوِّر فيني هلأ، أنا مو نتيجة الحاضر، أنا نتيجة كلشي صار بالماضي». بعد الاغتصاب الذي تعرَّضَتْ له، عادت أمل إلى حمْص، لكنها اكتشفت أن عودتها لا تعني شيئاً طالما أنّها لا تمتلك المال الذي يمكن أن يطعمها وأطفالها. أدركت المعنى العميق لفعل المحاولة. محاولتها فقط هي التي سوف تؤمّن الحياة التي تبحث عنها. قررت أن تبدأ من جديد: «بتعرف شو يعني مرا تبلش من جديد، إنها تنسى الماضي، وترجع تحاول، هاد بيعني أنو في جزء مات جواتها، وأنا صراحة حسيت بهاد الموت، انو جزء مني خَلَص صار لازم وَدّعه وأرجع حاول، مو لأنو بدي بس، لا… لسبب تاني هو أني لحالي».

في غرفة فندق صغيرة، دخلت أمل مع صديقتها التي وعدتها بعمل أفضل من مطعم الوجبات السريعة الذي تعمل فيه في بيروت. أضْفت المرايا ورائحة السرير المتخثّرة على المكان طابعاً مريباً. جلست أمل هناك تنتظر. ماذا تنتظر تحديداً؟ لربما تنتظر إجابةً لأسئلة كثيرة لم تتجرأ على طرحها. بدأت علامات الدهشة ترتسم على وجهها وهي ترى صديقتها تتعرى أمامها بجرأة. صار الجسد مرآة يعكس أسئلة أمل وأجوبتها: «ما بعرف كيف طلعت من الغرفة، كتير خجلت، لما شفت جسمها كلو، حسيتو جسمي، وأنو أنا دوري بعدها»، وبالفعل كان دورُ أمل بعد صديقتها. في اتصال هاتفي في اليوم التالي، شرحت لها صديقتها العمل والمبلغ الجيد الذي سوف تحصل عليه قائلة: «يجب ألاّ تنسي أنكِ في بيروت»، وهذا يعني أنها مهما فعلت فسوف يتم الاعتداء عليها، وأنّ فرصةَ أن تتحسن حياتها مع تجارة الجنس أكبر وأفضل. ضغطت عليها صديقتها إلى أن أعلنت موافقتها، بوجه حزين لامرأة تريد حياة أخرى أقلّ بؤساً.

لا تذكر أمل من تجربتها الأولى في عمالة الجنس غير الاستسلام. الجنس هنا يعني أن تستسلم، أن تكون مطيعاً، خاضعاً وبِلا روح. أن تشعر بحزن العالم كله يعلو ويهبط فوقك بتواتر منتظم. تذوب تحت رائحة الأغطية، وتريد أن تنفض جسدك، أن تخرج منه وتعود إليه بذاكرة لا تعرف شيئاً عمّا حدث. تجنبت أمل المرآة الكبيرة في غرفة الفندق وهي في طريقها للخروج. لا تذكر نُتَفَ الصور التي عكستها المرآة، ولكنها أدركت في تلك اللحظة أن المال الذي بين يديها هو الخاتمة الجيدة لكل ما حدث. خفضت صوتها تدريجياً وهي تبلع الكلمات كأنها حجارة كبيرة تنحشر في حلقها: «بعدها صرت وَقِّفْ على الطرقات، إشتغل على قد حاجتي المالية. مع الوقت بصير الاستسلام عادة، بتصير ما بتحسّ، بس بدك تطلّع مصروفك بأي ثمن. كان الثمن مش رخيص، صرت ما حبّ المرايا، الأصعب من أني شوف جسمي هو أني أطلَّع بعيوني، بتعرف لما تطلَّع بعيونك بالمراية وتخاف، أنا ما كنت خاف قد ما كنت أهكل هم، كيف بدي برر كلشي عم يصير بدون ما أقرف من الواقع، بس خبرني أنت عن طريق تاني كان أدّامي وما مشيت فيه».

لستُ وصيّاً على أجساد النساء، أنا الرجل الغيريّ ذو الامتيازات؛ من أنا كي أقول لأمل ولغيرها كيف يُمكنها أن تعيش بكرامة دون أن تُضطرّ للعمل في تجارة الجنس، ومن أنتم كي تُحاكموا أمل وغيرها وتنصبوا لهنّ المقاصل والمشانق ونحن نعيش في عالم طاحن غير عادل.

حسب مؤشر الجريمة المنظمة العالمي لعام 2021؛ أصبح الاتجار بالبشر في معدلات تُثير القلق لأنه يمثل الاقتصاد الأكثر انتشاراً في العالم، بينما يسجل لبنان نسبةً تعتبر الأعلى بين الدول العربية، حيث سجَّلَ درجةتستند درجات المؤشر إلى مقياس يتراوح من 1 إلى 10. تشير الدرجة 1 إلى أفضل سيناريو ممكن، بينما تشير الدرجة 10 إلى الحالة الأسوأ. ينطبق على هذا على مؤشر الصمود أدناه أيضاً، ما يعني أن الرقم المنخفض يشير إلى أوضاع أفضل على صعيد الجريمة وإلى أوضاع أسوأ على صعيد مؤشر صمود الدولة في وجه الجريمة. 8.5 بالنسبة للجرائم المنظمة المتعلقة بالاتجار بالبشر، التي تُعتبر تجارةُ الجنس جزءاً أساسياً منها، بينما يرتفع الرقم في جداول الجهات الفاعلة الإجرامية، لتكون درجة اشتراك الجهات الفاعلة التابعة للدولة في الجريمة المنظمة 9.5 وهو رقم قياسي كبيرٌ جداً، بينما تشكل الشبكات الإجرامية ما درجته 7.0.

من جهة صمود الدولة أمام الجريمة المنظمة، تعتبر درجة صمود لبنان 4.0 فقط، بينما تمثل شفافية الحكومة ومُساءلتها 3.5، وهي درجة متواضعة جداً في الواقع. إن هذه الأرقام كلها تحدد طبيعة الحياة التي يعيشها اللبنانيّون واللبنانيّات، وغيرهم-نّ من الجنسيات. يذكر التقرير أنّ «الإخفاق من جانب الدول في توفير بيئات آمنة وسبل عيش اقتصادية مستقرة لملايين السكان الضعفاء في العديد من البلدان يوفر ظروفاً مواتية للاستغلال، حيث يستغل المتاجرون بالبشر الضحايا من أجل الربح سواء داخل الحدود الوطنية أو في الخارج، وذلك من خلال الاستغلال الجنسي والعمل القسري والعبودية الحديثة والتسول القسري والاتجار بالأعضاء وتجنيد الأطفال. وغالبية الضحايا من النساء والفتيات». 

تمرّ الآن أمل كطيف في حياة مجتمعها، تُخفي نفسها جيداً، وهذا يحول دون الاندماج معهم، بينما تواجه اليوم إيمانها بأن ما تقوم به حسب تعبيرها «شي مش منيح». لا أعرف من الذي يُقيّمُ الصواب والخطأ في خياراتنا المصيريّة في الحياة، ولكن إدراكنا للضغط الذي تتعرض له أمل يُمكِّنُنا من فهم رغبتها في إيقاف العمل. تتقاضى أمل اليوم ما يقارب 10 دولار في الساعة عن عملها في تنظيف البيوت، وتُضطرّ أحياناً لممارسة الجنس بمقابل عندما تتأزّم ظروفها. تقول: «أنا حالياً ما بنزل على تجارة الجنس إلا لما ما يكون في لقمة خبز بالبيت، أو ما معي إيجار البيت. إذا بصحلي العمل على تنظيف بيت تالت في الأسبوع، رح وقّف تماماً. بنزل لأني مضطرة، خاصة أني جبت أمي من سوريا، وجبت ولادي كمان، بس أكيد أمي ما بتعرف شو بشتغل، أنا متأكدة هي مش النهاية، بتمنى تعطيني الحياة فرصة جديدة، ليكون جسدي ملكي. أنا بعرف مبلغ 10 دولار كتير رخيص، بس هي العَشَرة بتخلّيني أنا والبنات نوقّف ساعات، لأنو العشرة دولار لَيَلّي ما معو ياكل هيي كلّ شي».

العيون الأكثر دهشة

تستعيد ريني (39 عاماً) حكايتها كأنها حكاية امرأة أخرى. تتحدث بصيغة الغائب. تقضم الكلمات على عجل ثم تلوكها بفم ممتلئ بالرفض، وكأنها الآن شخص جديد يغمض عينه عن الماضي، بينما العين الأخرى تروي الحاضر كنتيجة. كانت البقعة السوداء التي تزداد اتساعاً مع الكلمات تجعلها تحكي وكأنها روت القصة آلاف المرات، ولم تتعب من روايتها، ففي كل مرة ترويها تستعيد جزءاً جديداً منها، وترى كيف يمكن أن يتأمل الإنسان حكايته الشخصية في عيون الآخرين. خلال المقابلة، جَلَسَتْ بحماس لم تُخفِهِ أبداً. أحسستُ أنّها تريد أن تقول كل شيء لآخر مرة وإلى الأبد، ما رسَّخَ في داخلي انطباعاً واضحاً أنني أمام امرأة لم تستسلم لحياتها بسهولة. ما زالت تمتلك أملاً غير متوقع غالباً لا يأتي من الحياة، بل من شيء أكثر تعقيداً في داخلها يدفعها للبوح. بعد ثلاث دقائق من الجلوس بصمت، لعقت ريني شفتيها بشيء من الاستغراب، وقالت بلسانها الخفيف: «من أول ما عرفت عن المقابلة وأنا مش عرفانة من وين بدي أبدأ بالحكي. بتعرف حسيت أنو ما عندي بداية، حسيت أنو بدي أحكي، بس يلي اكتشفته وأنا عم حاول رتب القصص يلي بدي أحكيها، أنو كلشي كان عم ينتهي قبل ما حتى يبدأ».

بعد عدة مقابلات أجريتها مع عاملات جنس، أدركتُ تماماً ما تعنيه البداية بالنسبة لهنّ. هذا التراكم الذي يصنع حياتهنَّ إلى أن يصلنَ إلى نقطة لا يعرفن عندها من أين بدأنْ. فجأة، يكتشفنَ أن كل ما حدث كان عبارة عن نهايات لطالما حاولنَ تجنّبها. يُذكّرننا دائماً بأنهن لم يملكن خياراتهنّ الكاملة أبداً.

في عمر الرابعة عشرة استيقظت ريني على والدها وهو يلعب بشعرها. كانت أصابعه تنغرس عميقاً في رأسها، بينما تحاول أن تُبعد اليد جانباً. لم تدرك أن والدها بعد عودتها من المدرسة في ذلك الصباح سوف يعتدي عليها. ربما لم تفهم ما حدث يومها، ولكنها سوف تدرك مع الوقت أن كل شيء قد انتهى قبل أن يبدأ: «ما بتذكر من الحادثة إلا العيون، كانت عيونه عم تدبل بنظرة عشق، وأنا مش فاهمة، حتى قلي بدي شوفك المسا». كان مساءً طويلاً، خسرت فيه ريني جسدها لأول مرة، وإلى الأبد تقريباً. تشعر ريني بهذه الخيانة إلى الآن، عيونها المغمضة التي كانت ترفض رؤية أي شيء، ثم دهشتها المؤلمة وهي تفتحهما على كامل اتساعهما، مع نهاية هشة كانت تدرك معها أنها خسرت جزءاً كبيراً منها. تقول: «مهما حكيت الحكاية من بدايتها رح يضل في شي ناقص، هاد النقص مش من الحكاية، هاد النقص مني، لأني ما فهمت يومها شو صار، ضليت مصدومة لأشهر، وما بعرف أحكي».

تبتسم ريني، وأنا أهمس بحذر: «وانتهى كل شيء». فشلت الجملة في توصيف الموقف، لأن ما كان ينتظر ريني هو نهايات قادمة، لن تكون بالتأكيد أعمق من خيانة الأب، لكنها سوف تصوغ في وجدانها كلمات مثل: المدنس والشهي والمحرّم والمباح تَعجز عن توصيفها. دخلت ريني عالم تجارة الجنس في عمر صغير لم يتجاوز الـ15 عاماً، وحتى الآن لا تدرك لماذا دخلت إلى هذا العالم. كلّ ما تستطيع تأكيده هو أنها كانت تشعر بأن خيانة الأب تركت جسدها مباحاً، وأنّها تُريد الهرب من عائلتها، دون أن تنفي أنّ المال أغراها. لم تقف على الطريق، بل كانت تمارس الجنس مع أصحاب البيوت التي تعمل فيها، وتجمع المال، وكأن المال هو الطريق الأخير لاستعادة نفسها.

كيف يمكن لعاملة الجنس أن تضبط خياراتها وتفهم حياتها، وتُعيد تشكيل واقعها؟ سيظلّ هذا السؤال دون جواب، لأنّنا نعيش في عالم لا تمتلك فيه النساء أجسادهنّ، وغالباً ما تكون النتيجة المضي نحو عالم لا يشبههن ولكنه يؤمّن استقرارهنّ المادي. غالباً ما يكون الأمان الذي يوفّره المال على حساب علاقة هشّة مع النفس ومع العالم. ربما أجابت ريني عن شيء أعمق من ذلك، عندما عَدَّلت جلستها وحبست يديها تحت إبطيها وقالت: «يمكن الحنان، كان بدي حس بشي غامض متل إنو ممكن شخص يحتويني بحنان، كنت دَوِّر بين الأجساد، أجساد الرجال والنساء كمان يلي نمت معهم، على احتواء بيشبه الحنان، يحسسني بالأمان، بس دايماً كنت أفشل».

تبدو كلمة الحنان غريبة في نظر المجتمع عندما تقولها عاملة جنس. ما الذي يعنيه أن تمارس عاملة جنس عملها لسبب عميق مثل الاحتواء؟ لربما هو الاحتواء ذاته ما دفع ريني للوقوف في الكنيسة أمام الخوري، مع أمها وأبيها وزوجها المستقبلي، لتخبر الزوج والأم بالحقيقة. انقبض وجه الأم بشيء من الريبة، وهي تستمع للكلمات التي يكررها صدى خفيف تعكسه جدران الكنيسة، بينما انكمش الزوج على نفسه وهو يحاول أن يتقبّل الأمر. استسلمت ريني لكلمات الخوري بينما كانت التماثيل تذوب أمام عيونها، وكأن كل تحديقها بها سوف ينتهي أخيراً بنوع من الإيمان بأن هذه هي النهاية التي كانت تنتظرها لعالم تجارة الجنس. ربما هذه أكبر نهاية كانت تنتظرها ريني، لأن هذا التداخل بين عالمين؛ عالم الوحدة وتجارة الجنس وعالم الزوجة والأمومة المنتظرة، هو تحديداً ما يَحدُّ حياة عاملات الجنس. يحاولنَ النجاة بإخفاء سرّهنّ الأكبر والاحتماء بمؤسّسة الزواج، رغم أنّ بعض العاملات يدفعهن أزواجهن للعمل، ولكن في قصة ريني، عوالم متناقضة كانت تعبر من خلالها من عالم إلى آخر، في محاولة فاشلة للنسيان.

بعد مرور ثلاث سنوات على زواجها، وقفت ريني على الطريق في منطقة الدورة، التي تعتبر نقطة التقاء عاملات الجنس. ببطن مكشوف وأقدام مُرتجفة، كانت تنتظر أول زبون، مهما كان جنسه أو عمره. كانت تدرك في وقوفها معنىً أعمق من أن تذهب إلى البيت، لأن الخيار ينحصر بين أن تُعنَّف من زوجها أو من الزبائن. اختارت بغضب الزبائن. لأنّهم يدفعون لها في النهاية: «ما بعرف كيف وصلتْ لَهي النتيجة، بس آخر مرة، لما نزل من وشي الدم، عرفت أنو خلص، أنا بدي حياتي إلي مهما كلف الأمر، وأنا بعرف شو بيكلف، أني وقف على الطريق وبيع جسمي بسعر رخيص جداً بس كرمال عيش».

لم ترتجف ريني طوال المقابلة، كان صوتها الواثق يهتز أحياناً ولكنه لا يهبط في هاوية الندم أبداً، ثم بهدوء، وهي تتحدث عن أطفالها الذين أنجبتهم في تجارة الجنس، اختنقَ صوتها تدريجياً. صار ضَيّقاً وهامساً يخفي وراءه تنهيدات صغيرة لا تنقطع أبداً بين كلمة أخرى. بَكَتْ ريني. كان الأمر أشبه بارتعاشات دائمة في خديها لا تنتهي أبداً. التفتَتْ إلى الخلف وهي تُخفي دموعها ثم استعادت صوتها وقالت: «عندي ولد لليوم ما شفتو صار عمره تسع سنين، هي القصة هيك بتخليني أتأثر بكل حياتي، إجا بالغلط كمان، للأسف ولادي الاتنين مالون شرعيين، بس الحمدلله هلأ تخطيت هي المرحلة وعم حاول سجّلهم على اسمي. ابني الثاني ما شفتو، حلمي شوفو، هو أملي الوحيد بالحياة أني أحضُن ابني. محروق قلبي شوفو، جبتوا بفترة صعبة، كنت مش واعية، بس بحبو، يمكن هو الشي الوحيد الحلو بحياتي، لأنه مني أنا». هذه الأمومة، هي الهاجس الوحيد في حياة ريني، لا يهمها كيف ينظر المجتمع إلى «الأم المومس»، ولكن ما يحدّ حياتها فعلياً، أنها أم، وتستحق أن تحتضن ابنها، لذلك توقفت عن تجارة الجنس لأن الأمومة بمعناها الواسع صارت مساحة للاحتواء الذي كانت تبحث عنه. احتواء أطفالها لتعويض الشعور الذي طالما حرمت منه.

لم تغضب ريني، إلا عندما سألتها عن الوضع الحقوقي لعاملات الجنس:

هل تتمنين أن يتم تنظيم تجارة الجنس في لبنان من قبل الدولة، وأن يتم تنظيم قانون خاص بعاملات الجنس، يحميهن من الوقوف على الطرقات؟

عقدت ريني يديها وقالت: «أي حقوق!! أنا ما بشجع شي، أغلب النساء يلي عم قابلهن بتجارة الجنس عم يشتغلوا كرمال ياكلو، حتى يلي كانوا يشتغلوا ساعات كتيرة بالجنس، كانوا عم يشتغلوا كرمال مبلغ جيد يحميهن من الاستغلال ويخليهن يوقفوا. أنت فعلياً عم تحكي عن تجارة رخيصة، هي تجارتنا؛ خسرانة ورخيصة، وما في مَرَا بعرفها عم تشتغل لأنها بتحب هاد الشغل، لهيك أنا ما بشجع غير أنهم يوفروا الأمان للنساء. الأمان بحيث ما يبيعوا جسدهم كرمال ياكلوا بس، ويأمنوا حياتهم. بينما النساء يلي بتحب هي الشغلة ينظموا شغلها، ما بِهمني».

ثمة جمعيات على تواصل مباشر مع عاملات الجنس في بيروت، تُقدم لهنَّ مساعدات مادية أو غذائية أو حتى قانونية في حال اعتقالهنّ. لدى هذه الجمعيات وجهات نظر مختلفة، والاختلاف يتبلور منذ البداية من النظرة العامة للعمل الجنسي، بحيث تنطلق جمعية «كفى» من فكرة أن تجارة الجنس شكلٌ من أشكال العنف والاستغلال تتعرض له النساء بشكل خاص، بالتالي هو ليس مجال عمل، لأنه مجال عُنفي واستغلالي، مبني على علاقة ثلاثية بين النساء المنخرطات في هذا المجال وصناعة الجنس التي تضمّ «القوادين»، والعنصر الأهم في هذا المثلث هو مُشتري الجنس. هذه العلاقة لا تعتبرها جمعيّة «كفى» عملاً لأن هناك طرفاً يقوم بالاستغلال، يمتلك السلطة والقدرة من خلال دفع المال لشراء الجنس، وحتى لو اختفى «القوّاد» في هذه العلاقة سوف يظلّ هناك طرف قوي نافذ ماديّاً وقادرٌ على الوصول إلى أجساد النساء. تُسمّي «كفى» العمل الجنسي «دعارة» دون مسميات أخرى، خاصة أن جسد المرأة في هذه العلاقة هو السلعة، حتى النساء أنفسهنّ لا يُسمينَ أنفسهنّ عاملات جنس لوصف واقعهنّ، لذلك تحديداً تُطلق جمعية كفى على النساء المنخرطات في العمل الجنسي اسم «نساء في الدعارة».

بالمقابل ترى «كفى» أن تنظيم العمل الجنسي في لبنان مطلبٌ قادمٌ من خلفية حاجتهنّ للحماية وانحسار خياراتهنّ، بحيث لم يبق لهنّ سوى خيار العمل في تجارة الجنس، فيحاولنَ التمسّك به كأمل أخير للبقاء. بعض النساء الذين قابلتهم يطالبن بعدم تنظيم «البغاء»، خاصة أنهنَّ انخرطنَ في تجارة الجنس بعد تزويجهنّ في عمر صغير أو تعرضهنّ للاغتصاب أو بعد أن دفعهنّ أزواجهنّ للعمل. وبالتالي هنّ لا يمتلكنَ خياراتهنّ أبداً.

تُقابَل مقاربة «كفى» للعمل الجنسي بالكثير من النقد، حيث يُعتقد أنّها تؤسس لصوت شمولي لا يراعي المواقف المتباينة لمختلف مكوّنات المجتمع المدني اللبناني. كتبت الناشطة النسويّة الفلسطينيّة سارّة قدّورة مقالاً تحت عنوان: أين تُخطئ الحملات حول العمل الجنسي في لبنان، لخّصت فيه الإشكاليّات المرتبطة بأعمال المناصرة حول مسألة العمل الجنسيّ. بالنسبة لسارّة، فإنّ بعض المنظّمات والحملات مثل «كفى» تخلط بين العمل الجنسيّ والاتّجار بالبشر، وتحصر النّساء المعنيّات في دور الضحيّة وتُلغي تماماً مسألة التراضي، وبالتالي فإنّ مقاربتها اختزاليّة بامتياز. تقول سارّة: «يحدث هذا الاختزال في كل من الخطابات المؤيدة للعمل الجنسي والخطابات الإلغائية المناهضة لها (بمعنى، تلك التي تسعى إلى إلغاء العمل الجنسي). ينتهي الأمر بالطرفين باختيار القصص التي تتناسب مع رواياتهم لماهية العمل الجنسي. ومع ذلك، فإن أولئك الذين يسعون الى إلغاء العمل الجنسي لا يدركون أبدًا أهمية التراضي في هذه المقايضات، ويضعون مسؤولية إعادة إنتاج كراهية النساء والنظام الأبوي على أجساد النساء أنفسهن بدلاً من النظر إليها بشكل منهجي».

تاريخياً؛ صدر عام 1931 في لبنان قانون حفظ الصحة العامة من البغاء الذي نظم العمل الجنسي، ضمن حدود معينة، حيث شمل مناطق جغرافية محددة انتشرت فيها المواخير في وسط بيروت، وحدد شكل المنزل وفي أي ساعة ينتهي العمل، والفحوصات الطبية التي يجريها الأطباء للعاملات. هذا القانون غير صالح لهذه الأيام، ولم يصدر أيّ قرار بإلغائه. في المقابل، نجد قانون العقوبات الصادر عام 1943 والذي ضمّ المادة 523: «من اعتاد حضَّ شخص أو أكثر ذكراً كان أو أنثى لما يبلغ الواحد والعشرين من عمره على الفجور والفساد وتسهيلهما له أو مساعدته على إيتيانهما عوقب بالحبس من شهر لسنة وغرامة من خمسين ألف إلى خمسمئة ألف ليرة. ويعاقب العقاب نفسه من تعاطى الدعارة السرية أو سهّلها». 

من الواضح أنّ قانون العقوبات بصياغته الهلاميّة يهدف إلى ضبط الأجساد والسيطرة عليها، من خلال تجريم كلّ ما له علاقة بالجنس خارج إطار مؤسّسة الزواج التقليديّة. في هذا السياق، تَعتبر جمعية «دار الأمل»، التي تعمل بشكل مباشر ومكثّف مع عاملات الجنس، أن التجريم هو المشكلة الكبرى التي تعاني منها عاملات الجنس غير القادرات بسبب قانون العقوبات على تقديم شكاوى عندما يتعرّضن إلى العنف والاستغلال. يقول القائمون/ات على المؤسّسة، الذين تواصلتُ معهم: «نرى الموضوع شائكاً جداً، والهدف الأساسي لنا هو دعم عاملة الجنس بأي شكل ممكن لتأمين الحياة التي تريدها، دون أن تُفرَض عليها وجهات نظرنا المختلفة، لأن الحل لا يأتي من جهة واحدة. القانون، مع العمل على التوعية المجتمعية، مع بناء قدرات هؤلاء النساء وتمكينهنّ».

عندما نفقد النهاية

خلال المقابلات في الشهر الماضي، جلست فريال (66 عاماً) بهدوء في زاوية مظلمة من الغرفة، كانت تحجب نفسها عن الضوء، ربما لأنّ كل محاولاتها للكلام غالباً ما تنتهي في عتمة موحشة تحاول حجبها في الصمت. تنظر بحذر إلى اللابتوب وهو يمتصّ الأصوات التي يسجلها من حوله مثل هاوية تسقط فيها كل الكلمات التي لم يسمعها أحد. في لحظات ما، كان يلمع وجهها بشيء من القبول، كأن الحياة لم تُتِح لها من قبل فرصة قول كل شيء دفعة واحدة. البوح بهذا المعنى هو محاولة للاقتراب من الحكاية، وفريال كانت تريد أن تتحدث لكي تضع نهاية تليق بتجربتها. عندما رمت نفسها على الكرسي الجلدي بثقة، قالت بصوتها العميق الذي اعتقدتُ في البداية أنه زفرة تنهيدة عميقة: «أحياناً بفكر وأنا واقفة على الطريق بعمر 66، أنو هي النهاية الطبيعية يلي لازم تختم حياتي، بس دايماً في صوت جواتي بقلي إنو هي النهاية مو نصيب، هي النهاية هيي عجز، مو عجزي أنا، عجز كل يلي عرفتهم وكان إلهم قرار بحياتي». 

بجسدها النحيل، تقف فريال بعمر 66 كل يوم على الطريق، تفشل غالباً في إغواء مشتري الجنس، مثلما فشلت في طفولتها في فهم العلاقة المتداخلة بين والدها الشيعي من الخيام ووالدتها السنّية في صيدا، والتي انتهت بطلاقهما وزواجها بعمر 12 من رجل يكبرها بخمسة وعشرين عاماً. تقترب سيارة بهدوء من فريال، تنهض فريال ببطء يحكمه العمر، تفتح السيارة نافذتها على عجل ترشقها بالماء ثم تهرب مسرعة. تمسح فريال الماء عن وجهها بكم قميصها ثم تعود للانتظار، وهي تتذكر أول مرة عملت فيها في تجارة الجنس، كيف كان الوقت يمر فوق جسدها مثل مطرقة ضخمة تدق مفاصلها وهي تحاول النهوض من السرير. دفعها زوجها المقامر للعمل في تجارة الجنس، وبعد أن أنجبت طفلتها السادسة هربت منه. إن الهرب الكبير الذي تقوده عاملات الجنس، غالباً ما تسبقه محاولات كثيرة لوضع نهاية لعملهنّ، خاصة مع أزواجهن. جميعهن يحاولن الهرب، وغالباً ما يكون الهدف واحداً، وهو وضع حدّ لواقع لطالما رفضنه. بعد ستة أطفال، هربت فريال للبحث عن هذه النهاية التي يمكن أن تنهي عملها في تجارة الجنس، ولكن المؤلم دائماً أن جميع النساء اللواتي قابلتهنّ، واللواتي كنَّ يهربن من واقعهن، يواجهن واقعاً أقسى، وذلك بسبب غياب الدعم. غالباً ما تُواجهنَ الواقع بوحدة رهيبة، تدفعهنّ للجوء إلى هامش هش لا يؤمن لهن الأمان الذي يبحثن عنه، لذلك تحديداً فكرة النهاية؛ نهاية العنف ونهاية تجارة الجنس ونهاية الخوف، هي الهاجس الأساسي الذي تبحث عنه عاملات الجنس. 

اقتربت فريال من جهاز التسجيل ببطء وكأنها سوف تقول كلمات مهمة لن تكررها مرة أخرى: «دائماً كنت أنتظر فيها النهاية. بتعرف كيف الأمان بصير حلم، أنا حلمت أني عيش ببيت وأَمّن أكلي كل يوم، والواضح أني رح موت وأنا عم أحلم، فجأة بِيصير الموت هوي النهاية الوحيدة يلي ممكن تنهي كلّ شي، وبتكتشف أنو كل محاولاتك لتكون أنت متل ما بدك، فشلت، ولازم تواجه موتك،، وكأنه النهاية يلي ممكن تاخد منك حلمك». تَعرف فريال تماماً ما الذي تعنيه أن تقف عاملة جنس بعمر الـ66 على الطريق، وعندما سنحت لي الفرصة سألتها عن شعورها. بدت فريال كما لو أنها اكتشفت سراً كان غائباً عنها منذ سنوات وأجابتني قائلة: «شو في عقاب أكبر من أنك طول حياتك ما نمت أبداً مع شخص بتحبو، كل شي كنت عم فكر فيه إيمتى بدي أخلص، حتى لما تزوجت مرة ثانية، طلع الرجال الثاني مثل الأول، ما تجوزت لحب تجوزت لأَخلص. وأنا ما وقفت على الطريق غير لصار عمري 47، كنت وقّف على الطريق، وبطلت الوقفة على الطريق من سنين، بس الانهيار الاقتصادي بلبنان هو اللي رجعني على الطريق، وهلأ لما وَقِّفْ على الطريق بحس بدي أخلص، أختفي، هاد الشعور يلي رافقني طول حياتي، وواضح ما رح يخلص غير بالموت. حتى الموت، أوقات بخاف ما يكون نهاية».

ما هو أكثرُ ما تخافه عاملات الجنس في بيروت؟ يبدو الجواب بديهياً، التوقيف من قبل الشرطة، أو الزبائن الذين يغتصبونهنّ ويسرقون أموالهنّ، والأمراض المنقولة جنسيّاً والتي غالباً لا يُجرينَ فحوصات دورية لكشفها. إن الخوف الحقيقي لعاملات الجنس هو ألاّ يصلنَ لنقطة النهاية، أن يكتشفنَ فجأة أن ممارستهن للبغاء سوف تبقى معهنّ طوال حياتهن. تأملت لمدة لا تقل عن ساعتين جميع وجوه النساء اللاتي قابلتهن، جميعهن كانت تنكمش وجوههن بحزن ثقيل، وهن يرين حلم اليوم الذي سوف يتمكّنَّ فيه من العيش بكرامة دون الحاجة للّجوء لتجارة الجنس. دفع الانهيار الاقتصاديّ في لبنان العديد من النساء اللاتي توقفن عن تجارة الجنس للعودة من جديد، بينما دفع العاملات منهنّ للعمل لساعات أكثر، في حين خسرت بعضهنّ منازلهن، والقسم الأكبر منهن يعملن في ظروف صعبة جداً، لأسباب جوهرية في حياتهن وهي تأمين الطعام والإيجار.

وأنا أتصفح تقريرَ عاملات الجنس خلال الأزمة التي ضربت لبنان، الذي صدر عن دار الأمل، اكتشفتُ واقع الأزمة وتأثيرها، والعلاقات الهشّة وغير الآمنة التي تُطوّق عاملات الجنس، وانحسار خياراتهنّ بعد الانهيار الاقتصادي وأزمة فيروس كورونا وانفجار بيروت، والأهم نظرة المجتمع الغارقة في التمييز والعار. في وقت مبكر من التسجيل، وقبل أن أجري أول مقابلة من أجل هذا التقرير، قالت أمل بحذر: «أتمنى تشوفني صح»، وكأن رؤيتها تحتاج إلى هذا التمهل الذي يمكن من خلاله أن أراها دون أي أحكام مسبقة وأنقل صوتها. أنا لا أعلم الآن إذا كنتُ قد رأيت أمل وريني وفريال وعشرات النساء اللاتي قابلتهنّ من أجل هذا التقرير بشكل صحيح، ولكن في الوقت الذي كنت أقف فيه بحذر على زاوية أحد الشوارع في بيروت، أتأمل عاملات الجنس وهن يخضنَ حروبهنّ للبقاء، أدركت أن البداية لم تكن هنا أبداً، بل هناك شيء أعمق وأبعد مما قد نصل إليه يخص هذه التجارة الهشة والرخيصة فعلياً، هو بحثُ النساء عن نهاية لا يبعن فيها أجسادهن مقابل أساسيات الحياة.