أوضاع إنسانية وميدانية
بحلول مساء اليوم السادس بعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا فجر الإثنين الماضي، تتحول فرق الإنقاذ في البلدين إلى فرق انتشالٍ بشكلٍ أساسي، دون أن يمنعها ذلك من محاولة الوصول إلى ضحايا لا يزالون على قيد الحياة تحت الأنقاض. واستطاعت الحكومة التركية إيواء أكثر من مليون شخص ضمن أماكن مؤقتة خصصتها لهم، بينما لا يزال ملايين آخرين مشردين، خصوصاً في شمال غربي سوريا التي لم تصلها معونات إغاثية وإنسانية حقيقية حتى الآن.
ووفق آخر البيانات التي نشرها الدفاع المدني السوري، فقد بلغت حصيلة ضحايا الزلزال في المناطق التي يعمل فيها شمال غربي سوريا إلى أكثر من 2167، مع تواصل عمليات البحث لانتشال جثث المتوفين في عدة أماكن في ريفي إدلب وحلب. من جهتها، قالت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري إن عدد ضحايا الزلزال في حلب واللاذقية وحماة وطرطوس وصل إلى 1408، مشيرةً هي الأخرى إلى أن هذه الحصيلة غير نهائية وفرق الإنتشال ما تزال تواصل عملها. لتصل الحصيلة النهائية في عموم المناطق السورية المنكوبة إلى 3557 حتى لحظة نشر هذا التقرير.
ومن تبعات الزلزال المدمر، غرقت قرية التلول التابعة لمدينة سلقين بريف إدلب بمياه نهر العاصي بعد انهيار سدٍّ ترابي مقامٍ على أحد فروع النهر، لتفرغ القرية من أهلها بالكامل بعد أن تسبّب الزلزال بخروج جزءٍ منهم والتوجه إلى الخيام. وكانت القرية من بين المناطق التي ضربها الزلزال مؤدياً إلى وقوع ضحايا. ولم يتسبب انهيار السد بوقوع ضحايا، لكنه ألحق أضراراً ماديةً في المنازل والأراضي وأدى إلى تلف المحاصيل الزراعية.
وكان مجلس الوزراء التابع للنظام قد اعتبر، مساء أمس الجمعة، المناطق المتضررة في حلب واللاذقية وحماة وإدلب مناطق منكوبة، وقرر «إحداث صندوقٍ وطني لإعادة تأهيلها» من جهته، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، اليوم السبت، إن 99 بلداً قد عرضت على تركيا تقديم المساعدة عقب كارثة الزلزال، بينها طواقم 68 دولة تعمل حالياً في المناطق المنكوبة. وأضاف في تصريحٍ صحفي من ولاية كهرمان مرعش أن أكثر من 20 دولة عرضت إنشاء مستشفيات ميدانية بالمناطق المنكوبة، كما أن عشرة مستشفيات قد تم إنشاؤها بالفعل في المناطق المنكوبة.
وفي شمال غربي سوريا، قال مدير العلاقات العامة في معبر باب الهوى مازن علوش إن قافلةً أمميةً مؤلفة من 22 شاحنة تحمل مساعدات دخلت إلى سوريا، على أن تتبعها دفعة أخرى خلال الساعات المقبلة. وأضاف لتلفزيون سوريا أن 6 من الشاحنات تحمل معداتٍ طبية ولوجستية، وواحدة تضم أدوية، في حين أن الشاحنات الـ15 المتبقية تحتوي على مواد غذائية وألبسة وخيام.
كما دخلت اليوم السبت قافلة مساعداتٍ سعودية مخصصة لشمال غربي سوريا من معبر الحمام في جنديرس التابعة لمنطقة عفرين بريف حلب الشمالي. كما بدأ فريق إغاثةٍ وإنقاذ قطري بتوزيع المساعدات ومستلزمات إيواء المتضررين بفعل الزلزال في جنديرس المنكوبة. كما أعلن المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات يانيز لينارتشيتش في تصريحاتٍ صحفية إن المفوضية قد خصصت 3.5 مليون يورو إضافية لمساعدة السوريين».
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن أن أعمال البحث والإنقاذ في ولاية شانلي أورفة قد توقفت اعتباراً من يوم الخميس، وقد بدأت عملية رفع الأنقاض هناك، مؤكداً على أن تركيا «لن تترك أحداً من مواطنيها تحت الركام حياً كان أم ميتاً».
أنطاكيا
تعتبر اليوم مدينة أنطاكيا التابعة لولاية هاتاي جنوبي تركيا واحدةً من أكثر المدن المتضرّرة جرّاء الزلزال، وتصِل منها مقاطع مصوّرة تظهر دماراً واسعاً في الأبنية، خصوصاً البرجيّة منها. كما تعترض عمليات إنقاذ الضحايا صعوباتٌ كثيرة بسبب عدم وجود فرق إنقاذٍ كافية وتهدّم طوابق عديدة فوق بعضها البعض. ويسكن في المدينة أكثر من 250 ألف شخص، بينهم مجموعةٌ كبيرةٌ من اللاجئين السوريين، فضلاً عن أنّ عوائل كثيرة في المدينة سوريّة الأصل وينقسم أفرادها بين جانبي الحدود في البلدين.
المدينة الآن من دون كهرباء، وبشبكات اتصالٍ ضعيفة، لكنّ ذلك لا يعيق عمليات الانتشال المتواصلة. وقد تسبب الزلزال أيضاً بتشريد آلاف الأسر لتسكن حالياً في العراء بانتظار سماع أخبارٍ عن أحبتهم الذين لم تصل بعد فرق الإنقاذ والانتشال إليهم.
وقد شارك الصحفي والناشط السوري مطر إسماعيل مع الجمهورية رسالةً صوتيةً من هناك، شرح خلالها أحوال المدينة بعد يومين من وصوله إليها.
جولات
في ثاني زيارة لرئيس هيئة أممية كبرى إلى سوريا خلال الساعات الأخيرة، بعد رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش إيغر، وصل إلى مطار حلب صباح اليوم مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس إدهانوم غيبريسوس، مرافقاً شحنةً من المساعدات. وقد جال غيبريسوس برفقة وزير الصحة ومحافظ حلب ومسؤولين آخرين من المحافظة على مجموعة من المشافي والنقاط الطبية ومراكز الإيواء. وقال غيبريسوس في تصريحاتٍ من حلب إن دفعةً أخرى من المساعدات الطبية القادمة من المنظمة ستصل إلى المطارات السورية خلال يومين، وتحتوي على 30 طناً تشمل الأدوات الطبية ومستلزمات العمليات الجراحية البسيطة. ولم يتضح حتى الآن إذا ما كان المسؤول الأممي سيجري زيارةً مشابهةً إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غربي سوريا.
أممياً أيضاً، طالبت سويسرا والبرازيل، العضوان المؤقّتان بمجلس الأمن الدولي، بعقد اجتماعٍ للمجلس «في أقرب وقتٍ من بداية الأسبوع المقبل للاستماع لتقييم منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية حول الوضع في سورية بعد الزلزال».
من جهتهما، بدأ بشار الأسد وزوجته أسماء جولتهما اليوم باجتماعٍ مع «غرفة العمليات» في حلب، حيث أشاد رأس النظام بحبّ أهل حلب لمدينتهم، معتبراً أن هذا الحب «نقطة قوة تستند عليها مؤسسات الدولة في عملها خلال الأزمات». وبعد الإشارة إلى «إلى أهمية التفكير بشكلٍ منهجي»، توجّه الموكب الرئاسي إلى اللاذقية، حيث زار مشفى تشرين الجامعي «للاطّلاع على أوضاع المصابين». كما زار بشار الأسد مركز باسل الأسد للتدريب التربوي، حيث تم إيواء مجموعة من العائلات التي فقدت مساكنها بسبب الزلزال. وبعد اللاذقية، زار الأسد وزوجته أسماء والمرافقون لهم حيّ الغزالات في مدينة جبلة، والتقوا فرق الإنقاذ السورية والروسية العاملة هناك.
عريضة من مؤسسات سورية للمطالبة بفتح كل المعابر
إثر الانتقاد الشديد الذي وجهه الدفاع المدني السوري للأمم المتحدة في بيانٍ مصوّرٍ أمس، انضم صوت الخوذ البيضاء اليوم إلى حملة من أجل سوريا في عريضةٍ موجّهةٍ إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تطالبه باتخاذ تدابير فورية لفتح كلّ المعابر الحدودية الممكنة لإيصال المساعدات والمعدّات اللازمة. وجاء في البيان:«لدى غوتيريش صلاحية تفعيل آليات الاستجابة للكوارث، بما يملي على منظمات الإغاثة الدولية ووكالات الأمم المتحدة استخدام أي نقاط عبورٍ بمرونة للانتشار في شمال غرب سوريا، فهل سيستجيب لنداء المساعدة أم سيدير ظهره للمدنيين في شمال غرب سوريا مرة أخرى؟». وقد وقّع العريضة قرابة 9500 شخص من مختلف أنحاء العالم حتى لحظة نشر التقرير.