تزداد أوضاع السوريين والأتراك المنكوبين بالزلزال مأساويةً مع حلول مساء اليوم الخامس على وقوع الكارثة، وتتضاءل فرص الوصول إلى ناجين مع مرور الوقت، إلا أن آمال الذين ينتظرون أحبابهم وجهود فرق الإنقاذ لا تزال راسخةً رغم ذلك.
وقد أعلن الدفاع المدني السوري عن ارتفاع حصيلة ضحايا الزلزال في المناطق التي ينشط بها شمال غربي سوريا إلى أكثر من 2166 بعد مرور أكثر من 100 ساعة على وقوعه، مؤكداً أن هذه الحصيلة مرشحةٌ للازدياد في الساعات القادمة مع تواصل عمليات البحث وسط ظروف عملٍ صعبةٍ للغاية. من جانبها، أعلنت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري مساء اليوم الجمعة عن ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 1387 في محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس، مشيرةً إلى تواصل عمليات البحث والإنقاذ. وبذلك يصل عدد إجمالي الضحايا المعلن عنه في عموم سوريا إلى 3553.
على الجانب التركي، أعلن رئيس البلاد رجب طيب أردوغان في تصريحاتٍ أدلى بها مساء اليوم من ولاية أديامان ارتفاعَ حصيلة الضحايا إلى 19388 في عموم المناطق المنكوبة وسط وجنوب البلاد. وبذلك تصل حصيلة الضحايا في البلدين إلى أزيد من 23 ألف بموجب أرقامٍ غير نهائية.
أوضاع إنسانية تزداد صعوبة
ناشدت متحدثةٌ باسم برنامج الغذاء العالمي عبر قناة الجزيرة المجتمع الدولي فتح أكثر من معبرٍ لإيصال المساعدات إلى السوريين، موضحةً أن البرنامج وزّع حصصاً غذائيةً في إدلب وطرطوس وحلب واللاذقية تكفي 25 ألف شخص لمدة أسبوع واحد. من جهته، قال المدير العام للصليب الأحمر الدولي للجزيرة إن هناك نقصاً في التمويل المخصص للمساعدات المتعلقة بالمتضرين من الزلزال في سوريا على وجه الخصوص، مشيراً إلى أن الاستجابة تمت للاحتياجات الأشد إلحاحاً في البلاد، إلا أنه أكد على أن فرق الإغاثة التابعة لهم غير موجودة في مناطق إدلب الخارجة عن سيطرة النظام رغم الحاجة الماسّة إليها هناك، داعياً إلى «عدم وضع أي عراقيل أمام وصول المساعدات الإنسانية في سوريا».
بدوره، قال برنامج الغذاء العالمي إن مخزونه في شمال غربي سوريا قد نفد، وطالب بتأمين 77 مليون دولار من أجل تقديم المساعدة لـ874 ألف شخصٍ من المتضررين في تركيا وسوريا. أما المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، فقد ذكرت إن 14 شاحنةً تحمل مساعداتٍ إنسانية عبرت الحدود من تركيا إلى إدلب شمال غربي سوريا اليوم الجمعة، تحملُ «أجهزة تدفئة كهربائية وخياماً وبطانيات» وأغراضاً أخرى لمساعدة المشردين جراء هذا الزلزال الكارثي.
وكانت وزارة النقل التابعة لحكومة نظام الأسد قد أحصت وصول 40 طائرة مساعدات من دول عديدة بحلول ليل أمس الخميس، وقالت إن الطائرات من مختلف الحجوم والطرازات، في حين لم تصل أي مساعدات شبيهة بموجب مبادرات أحادية من أيّة دولة إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
وبالإضافة إلى مئات الحملات الشعبية الصغيرة والمتوسطة التي أطلقها مدنيون ومنظمات محلية سورية وتركية ودولية لجمع التبرعات المالية والعينية للمتضررين من الزلزال في سوريا وتركيا، قالت صحيفة القبس الكويتية إنّ حملةً موسّعةً لجمع التبرعات لإغاثة منكوبي الزلزال ستنطلق عبر تلفزيون الكويت غداً السبت لمدة اثنتي عشرة ساعة، في إطار ما أسمته الصحيفة «فزعة الكويت والجهود الرسمية والشعبية لمد يد العون ومساعدة المتضررين من هذه الكارثة في البلدين». وفي السعودية شارك أكثر من نصف مليون شخص في حملة تبرعاتٍ شعبية لإغاثة المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا، وصلت حصيلة المبالغ التي جمعتها حتى الآن إلى ما يزيد على 192 مليون ريال (52 مليون دولار)، وفقا لبيانات منصة «ساهم» السعودية الحكومية.
بدوره، أطلق تلفزيون قطر، اليوم الجمعة، حملةً إغاثيةً عاجلة تحت عنوان «عون وسند» لجمع التبرعات من أجل إغاثة المتضررين جراء الزلزال في تركيا وسوريا، ووصلت قيمة التبرعات إلى 55 مليون ريال قطري بعد ساعتين على إطلاقها (أزيد بقليل من 14 مليون دولار)، كان أمير الدولة تميم بن حمد «قد تبرّع بـ50 مليون ريال قطري» منها. كما قررت الحكومة الجزائرية، بموجب بيانٍ أصدرته، تقديم مساعداتٍ مالية قدرها 15 مليون دولار لحكومة النظام السوري.
وعلى صعيد إمكانية تسهيل نقل المساعدات عبر الحدود، نقلت وكالة رويترز عن مسؤولٍ تركي أن بلاده تناقش إعادة فتح معبرٍ حدودي يؤدي إلى مناطق خاضعة لسيطرة النظام، وقال المسؤول إن تركيا تدرس أيضاً فتح معبرٍ آخر إلى منطقة إدلب السورية الخارجة عن سيطرة النظام.
مؤتمر صحفي للدفاع المدني في سرمدا
عقد الدفاع المدني السوري مؤتمراً صحفياً عصر اليوم في سرمدا، حيث تلا رائد الصالح، مدير المنظمة، بياناً مؤثراً بدأه بالاعتذار «لكل من لم نستطع الوصول إلى أهله وذويه على قيد الحياة في كل أنحاء سوريا، إن الألم يعتصر قلوبنا لمجرد التفكير في ذلك. كنا نقاتل العجز ونحارب الزمن للوصول إليهم أحياء. لقد كان نقص المعدات ذات الفعالية سبباً كبيراً في هذا العجز، ولكننا نقسم لكم أننا عملنا وبذلنا قصارى جهدنا». ووجّه الصالح الشكر لكل الدول التي قدّمت دعماً للسوريين حتى الآن، بما فيها الدول التي وجّهت مساعداتها حصراً لـ«الدولة السورية»، مشيراً في الختام إلى أن عمل الدفاع المدني سيركّز على «اتخاذ جميع الإجراءات المتعلقة بأنشطة التعافي المبكر وإعادة التأهيل وتوفير الخدمات، والإجراءات الوقائية لتحصين المباني المعرضة للانهيار أو تحييد خطرها، ودعم بقية المؤسسات».
وخلال إجابته على أسئلة الصحفيين، انتقد رائد الصالح الأمم المتحدة بشدّة، داعياً لإجراء تحقيقٍ لتبيان أسباب الخذلان الكبير الذي لاقته جهود الإنقاذ خلال الأيام الماضية، وأشار إلى أنه لم يدخل إلى الشمال السوري إلا فرق متطوّعة، مصرية وإسبانية، ودون معدّات. وأوضح الصالح أن جهود البحث الحالية تتركّز في حارم وسلقين وجنديرس، وأعلن أن الدفاع المدني سيتعاون مع نقابة المهندسين ومجموعات متطوعة من المهندسين خلال الأيام المقبلة لتقييم أوضاع المباني المتضرّرة والاطّلاع على إمكانية عودة السكان إلى تلك غير المتضررة بشكل خطير.
الأسد في حلب والخارجية تردّ على الرفع الجزئي للعقوبات الأميركية
بعد أربعة أيام كاملة منذ حصول الزلزال، خصص جلّها لتلقّي المكالمات والبرقيات والردّ عليها، جال بشار الأسد وزوجته في مدينة حلب اليوم، إذ زاروا المشفى الجامعي وحيّ المشارقة ومركزي إيواء في كلٍّ من جامع زين العابدين وكنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس والمطبخ الإغاثي لجمعية ساعِد، كما زارت «السيدة أسماء» مدرسة غرناطة الابتدائية، والتي تحوّلت بدورها لمركزٍ لإيواء مَن خسروا بيوتهم. وقد حفِلت وسائل التواصل الاجتماعي باستياءٍ وهجومٍ على الأجواء المرِحة والابتسامات والنبرة الانتصارية التي أحاطت بالزيارة. وقد كان لافتاً أيضاً إصرار بشار الأسد على لغة «حربيّة» في تصريحاته للكوادر الطبية والدفاع المدني، ففي حديثه مع الأخيرين صرّح أن «الأزمات في سورية أظهرت حقيقة المواطن السوري الذي لا يتخلى عن بلده، وأنتم أصبحتم مقاتلين مثلكم مثل أي محاربٍ في المعركة»، وخصص تصريحه في حيّ المشارقة لانتقاد انعدام التوازن بين ما هو سياسي وما هو إنساني لدى الغرب، نتيجة غياب البُعد الثاني بالكامل «منذ الاستعمار الحديث وما قبله وما بعده».
وخلال اجتماعها اليوم، وافقت حكومة النظام السوري على إيصال المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس مع فصائل المعارضة إلى مناطق شمال غربي سوريا. وذكرت وكالة سانا أن مجلس الوزراء التابع للنظام وافق خلال جلسةٍ استثنائية برئاسة حسين عرنوس على إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك عبر الخطوط من داخل الأراضي التي تسيطر عليها قوات النظام إلى المناطق التي تقع خارج سيطرتها، مضيفةً نقلاً عن الحكومة أن المساعدات «ستصل لمن يحتاجونها بمساعدة الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري والصليب الأحمر الدولي».
كما ذكرت الوكالة الرسمية أن حكومة النظام السوري أعلنت المحافظات الأكثر تضرراً، وهي اللاذقية وحماة وحلب وإدلب، «مناطق منكوبة»، وأنها ستنشئ صندوقاً لإعادة تأهيل تلك المناطق.
وعلى عكس إعلان المحافظات المتضررة كمناطق منكوبة، لم يتأخر ردّ حكومة النظام على إعلان وزارة الخزينة الأميركية تعليقاً جزئياً للعقوبات الأميركية على التحويلات المالية لمدة ستة أشهر، إذ أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين، في بيان، أن هذا القرار «ليس سوى نسخة مكررة لقرارات صورية سابقة تهدف لإعطاء انطباع إنساني كاذب، إذ نصت على استثناءات مزعومة لأغراض إنسانية، وأثبتت الوقائع زيفها»، وجدّد البيان «مطالبة سورية للولايات المتحدة بضرورة إنهاء الإجراءات القسرية الانفرادية المفروضة على الشعب السوري فوراً ودون تردد وبلا شروط أو استثناءات، والكف عن ممارساتها العدائية وانتهاكاتها للقانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة».
خسائر بشرية كبيرة في جبلة
تأثّرت مدينة جبلة الساحلية التابعة لمحافظة اللاذقية بالزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا فجر يوم الإثنين الماضي، وكانت أحياء الجبيبات والنقعة والعمارة والعزي والفيض والرميلة الأكثر تضرراً. لا تزال أعمال رفع الأنقاض مستمرةً في حي الرميلة رغم انتهائها في المناطق الأخرى، وذلك بسبب تضرره بشكلٍ كبير وصعوبة وصول الآليات إليه. وأفادت الإحصائيات الرسمية الصادرة عن حكومة النظام السوري أن 19 كتلة سكنية في المدينة قد تهدّمت أو تضرّرت جراء الزلزال، ما أسفر عن قرابة 300 ضحية و180 إصابة. وتم نقل الضحايا والمصابين إلى مشفى جبلة الذي يعاني نقصاً كبيراً في المعدات الطبية، إذ توفي 53 مصاباً بعد وصولهم إلى المشفى بحسب محافظ اللاذقية.
بالإضافة إلى فرق الإنقاذ التابعة للجهات الحكومية وفرق الإنقاذ الروسية والأهالي المتطوعين، أعلن الجيش اللبناني عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن «عناصر فوج الهندسة باشرت أعمال البحث والإنقاذ في منطقة جبلة المنكوبة»، كما أفادت وكالة الأنباء الرسميّة للنظام (سانا) بوصول فريقٍ مؤلف من 70 شخصاً من الصليب الأحمر اللبناني وفوج الإطفاء والدفاع المدني وفريق الهندسة في الجيش اللبناني إلى حي الرميلة بمدينة جبلة للمساعدة في عمليات رفع الأنقاض والبحث عن ناجين.
وافتُتحت الصالة الرياضية في المدينة كمركز إيواء، بالإضافة إلى مدرستين، فضلاً عن مساجد السلطان والمنصوري والخلفاء وعز الدين. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر أفراد تابعين لحكومة النظام أثناء توزيع المساعدات على المنكوبين في جبلة بطريقةٍ مذلة، بالإضافة إلى أنباء عن حالات سرقة للمساعدات من قبل المخاتير وإدارات المدارس التي يتوافد إليها المتضررون للالتجاء من الظروف الجوية القاسية.
والحكومة المؤقتة غارقة في عوالمها الافتراضية
لم تكتفِ الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض بالفرجة على عذابات عشرات آلاف الأسر السورية في المناطق الخاضعة افتراضياً لإدارتها طوال الأيام الثلاثة الأولى التي تلت الزلزال الكارثي، ولكنها انتقلت إلى مستوىً أكثر بؤساً يوم أمس. فبدلاً من إجراء تحركاتٍ نافعة وسريعة تتجاوز الاستعراض إلى العمل، راحت تنشر الصور المهينة بحق الضحايا وتمنع العون وتدخل في مهاتراتٍ مبتذلة في حضرة الكارثة.
وجال رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى على مواقع تحتضن المشردين في جنديرس المنكوبة نتيجة الزلزال، ونشرت حكومته صورةً مهينةً لأطفال ونساء يفترشون الأرض وبجانبهم رجال ببدل رسمية يريدون التقاط الصورة والمضي سريعاً. وعادت صفحة الحكومة المؤقتة لحذف الصورة بعد كمٍّ كبيرٍ من الشتائم والتعليقات الغاضبة عليها.
وفي المساء أطلّ رئيس الحكومة مجدداً بتغريدةٍ يبرّر فيها عدم إدخال صهاريج المحروقات القادمة من الجزيرة السورية الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية بأن الأخير «إرهابي»، في حين أنّ كافة مناطق شمال غرب سوريا في أمسّ الحاجة إلى الوقود لتشغيل آليات الإنقاذ وتأمين التدفئة.
وبعد التغريدة، وفي حضرة الكارثة الهائلة، دخل مسؤولو الحكومة المؤقتة ورئيس مجلس سوريا الديمقراطي، رياض درار، في مهاترات مبتذلة على مواقع التواصل الاجتماعي طلب فيها الأخير أن يساوي خصومُه الجهة التي يعمل فيها مع سارية السواس وأبو فلة! على اعتبار أن سارية السواس وأبو فله يكتبون اسماءهم على الشاحنات التي تنقل تبرعاتهم، فلا مانع إذاً أن تفعل الإدارة الذاتية الشيء نفسه.