بحلول مساء اليوم الثالث بعد الزلزال الكارثي الذي ضرب سوريا وتركيا، ارتفعت أعداد الضحايا في البلدين إلى قرابة 12000. وقال الدفاع المدني السوري إنه وثّق حتى الآن 1640 ضحية في المناطق التي ينشط فيها شمال غربي سوريا، بينما أفادت رئاسة الحكومة التابعة للنظام السوري عن وجود 1261 ضحية في حلب واللاذقية وحماة وعموم المناطق التي يسيطر عليها. من جانبها، أحصت السلطات التركية ما يزيد على 9000 ضحية في المناطق المنكوبة جنوب ووسط البلاد.

وقد وصل اليوم فريق بحث وإنقاذ مصري إلى مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة النظام، وذلك بالتنسيق مع الدفاع المدني السوري، غير أن هذا الفريق ليس مزوداً بالمعدات بحسب ما قاله نائب مدير الدفاع المدني منير مصطفى في حديث لقناة فرانس 24. وأضاف مصطفى بأنّ الدفاع المدني السوري «غير جاهز للتدخل في 600 منطقة عملٍ تحتاج إلى تدخل عاجل، ولا يمكنه تغطية أكثر من 30 إلى 40 منطقة»، مشيراً إلى وجود 2800 متطوع من الدفاع المدني يعملون على الأرض شمال غربي سوريا، وقد انضم إليهم 1000 متطوعٍ مدني آخرين كانوا قد وضعوا أنفسهم تحت تصرف فرق الإنقاذ. ولكن هذه الأعداد غير كافية بحسب مصطفى، والمنطقة «بحاجة ماسّة إلى آليات وفرق متخصصة للمساعدة في عمليات الإنقاذ».

من جانبها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، مساء اليوم الثلاثاء، إنه يمكن لتركيا وسوريا الاعتماد على الاتحاد الأوروبي، معلنة إقامة مؤتمر للمانحين بداية شهر آذار (مارس) القادم. في حين انتقد مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح الأمم المتحدة في تغريدة، وقال إنها لم تكن بمستوى الحدث ولم تقدم المساعدات اللازمة ولم تتواصل حتى الآن مع فرق المنظمة.

وذكرت وسائل إعلام تابعة للنظام السوري أن أكثر من 298 ألف شخصٍ اضطروا لترك منازلهم بسبب الزلزال، وعلّقت وكالة رويترز على الخبر بأنه يشير فقط إلى السوريين المتضررين الذين يعيشون في مناطق خاضعة لسيطرة النظام، وليس مَن يعيشون في مناطق تسيطر عليها أطراف أخرى. وفي تسجيلاتٍ صوتية حصلت عليها الجمهورية.نت من زملاء صحفيين في عددٍ من مناطق شمال غرب البلاد، قالوا إن آلاف الأسر دون مأوى في الوقت الراهن، ولا يحصلون على أي شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، فيما تواصل فرق الإنقاذ والمدنيين عمليات البحث عن الضحايا تحت الأنقاض بأدوات بسيطة وبقدرات متواضعة جداً مقارنةً بهول الكارثة.

وتوقّع المركز الوطني لرصد الزلازل في سوريا «حدوث مزيد من الانهيارات في الأبنية في أماكن غير متوقعة في البلاد» بسبب الهزات الارتدادية. وقد وصلت اليوم إلى حلب طائرة مساعدة إغاثية من العراق وطائرة أخرى من تونس على متنها فريق إنقاذ للمساعدة في إخراج الضحايا من تحت الركام.

وقالت إدارة معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وهو المعبر الوحيد الذي سمحت روسيا ونظام الأسد باستخدامه بموجب قرار مجلس الأمن لإدخال المساعدات إلى مناطق شمال غربي سوريا الخارجة عن سيطرة النظام، في بيان ظهر اليوم الثلاثاء إن المعبر مفتوحٌ منذ وقوع الزلزال، ولكن حتى الآن لم تصل أي مساعداتٍ إغاثية أو إنسانية إلى المنطقة، سواءً من الأمم المتحدة أو أي طرف آخر.

وأفادت منظمة الصحة العالمية بأنها سترسل وفداً رفيع المستوى لتنسيق جهود الإغاثة في كل من تركيا وسوريا، كما ناشد المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا عبر قناة الجزيرة الدولَ المانحة تقديم المساعدات للمنكوبين في سوريا، وقال إنهم بحاجة إلى أغذية وملابس وأدوية وخيام. كما أعلنت السعودية عن تدشين جسرٍ جوي لإغاثة سوريا وتركيا، وفتحت منصة «ساهم» الحكومية باب التبرعات لهذا الغرض.

ولليوم الثالث على التوالي تنهمك رئاسة الجمهورية السورية بالإعلان عن المكالمات والبرقيات التي تلقاها بشار الأسد والوفود التي زارته للتعزية، دون أن تعلن حكومته الحداد على أرواح ضحايا الزلزال أو حالة الطوارئ الإنسانية.
وقد نشرت الجمهورية.نت ظهر اليوم دعوةً لجميع الأطراف الأممية والدولية إلى التدخل العاجل في سوريا لإغاثة أهلها المنكوبين بفعل الزلزال، وذلك بدلاً من الانشغال بالرد على ادعاءات بأن العقوبات تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وجاء فيه: 

بعد سجالٍ كبير حول العقوبات الاقتصادية، أصدرت العديد من القوى الغربية تصريحاتٍ تؤكّد أن العقوبات المفروضة حالياً على النظام السوري لا تنطبق على المساعدات الإنسانية. لكن توضيحاتهم هذه لا تجيب على سؤالٍ جوهري: ما الذي يُعيق إغاثة السوريين، كل السوريين، في الكارثة؟ كيف تُرك السوريون لآليات دعمٍ غير متكافئة ولا كافية أصلاً، وتُعاني من ضعفٍ مزمن؟ كيف يبرر الأميركيون والأوروبيون تقاعسهم  إذاً؟

التعامل مع نظام بشار الأسد مثير للاشمئزاز فعلاً، والمثير للاشمئزاز أكثر هو ترك الناس لمصيرهم تحت الأنقاض والبرد. لكن هل يصح القول إنه لا سبيل لإغاثة السوريين إلّا عبر النظام؟ هذا صحيح جزئياً فقط. وهل يصح القول إنه يجب ترك المنكوبين دون مساعدة كي لا يستفيد النظام من ذلك؟ هذا ليس موقفاً صحيحاً على الإطلاق. تتطلب الأوضاع الإنسانية الكارثية في سوريا آليةً دوليةً للإغاثة، وقراراً طارئاً من مجلس الأمن بفتح جميع المعابر الحدودية مع سوريا لإدخال المساعدات وفرق الإنقاذ وانتشال الضحايا، دون النظر إلى أيّ اتفاقياتٍ سابقة ودون الرضوخ لابتزاز أيّ طرفٍ من الأطراف.

 كذلك ينبغي دعم جهود المنظمات المحلية في استجابتها الطارئة، والتحرّك على هذا الصعيد بكل وسيلة ممكنة من خارج الأمم المتحدة إذا كان التحرك الأممي مقيداً، وهو ما لا تعيقه أية عقوباتٍ لو توافرت الإرادة السياسية. إن السوريات والسوريين والمتعاطفين معهم يبذلون الجهود لدعم هذه المؤسسات من مقدّراتهم الخاصة، لذلك حريٌّ بالدول أن تقتدي بهم. يداهم الوقت آلاف الضحايا القابعين تحت الأنقاض، وآلاف الأسر التي ما تزال في العراء. كما أن الاستجابة لتبعات الكارثة ستستمر شهوراً، وستحتاج جهوداً هائلة وأموالاً ضخمة. لذا يقتضي أن تنصبّ الجهود جميعها على الإنقاذ والإغاثة، على المدى القصير والمتوسط، وأن يتوقف الانشغال عن التحرك الأممي العاجل والمنسّق، والإقليمي والدولي والأحادي من قبل الدول القادرة، بجدالاتٍ لا شك مهمّة في أي وقتٍ آخر، لكنها لا تعني شيئاً في هذه اللحظة.