يَرفضُ الكاتب والمنظّر الإسباني پول ب بريسيادو تصنيف كتاب تيستو جانكي (Testo Junkie)، الصادر عام 2013 عن دار (The Feminist Press)، ككتابِ مذكراتٍ على الرغم من الطابع الذاتي والحميمي في أجزاء كثيرة منه. ويقترح له عوضاً عن ذلك تصنيفات أخرى: بروتوكول تَسمُّم تطوعي، أو نظرية مُطوَّلة عن الذات والجسد. يرصد الكتاب رحلة الكاتب مع استخدام صيغة مُصنَّعة من هرمون التستسترون مُدوِّناً المتغيرات الصغرى السيكولوجية والسياسية التي يحفّزها تناول الهرمون، والتغيرات النظرية والجسدية الناجمة عن مشاعر الفقد والرغبة والنشوة، والفشل والنبذ، وما تُحرِّضه هذه الرحلة من أفكارٍ وتأملاتٍ فيما يسميه مجتمعَ الصناعات الدوائية البورنوغرافي، الذي يجد فيه امتداداً بوجهٍ معاصر لمؤسسات الضبط والرقابة. «لستُ مهتماً لمشاعري من حيث هي لي» كما جاء في مقدمة الكتاب. «لستُ مهتماً بسماتها الفردية، بل بما يعبرها ممّا هو ليس لي. مؤسسات القمع والعقاب. شبكات التواصل والرقابة».
في الفترة التي كان الكاتب فيها يستعد لمباشرة الكتابة عن تجربته، جاءه نبأ وفاة صديقه الكاتب والفنان الفرنسي غيوم دوستان Guillaume Dustan المُشار إليه في الكتاب باسم غي دي، والذي يصفه الكاتب بأنه أيقونة، ورمز فرنسي لكتابات التمرد الجنسي. ليس هذا الخبر ذا تأثيرٍ على التجربة الجسدية موضع الدراسة نفسها، ولكنه إلى جانب تجربة أخرى، كما أوضحَ الكتاب في المقدّمة، رَسمَ حدودَ النصوص المدونة في الكتاب وكان موضوع أول فصوله الذي حمل عنوان موتك، ودوّنَ فيه الكاتب وقائع الساعات الأولى بعد تلقيه الخبر، وخياره في التعامل مع تجربة الفقدان في طقسٍ وداعٍ ومناجاةٍ موثَّق بكاميرا فيديو منزلية، تَضمَّنَ أخذ جرعة خمسين ميلليغرام من هرمون التستسترون، واستذكار ومضاتٍ من أدب الكاتب الراحل، واستنماءاً في مواجهة العدسة وإشارة التسجيل الضوئية الحمراء المتقطّعة.
موتك
5 أكتوبر: تيم يخبرني أنك مت. يبكي. إنه يحبك. ولكنك لم تكن كريماً معه في كتبك الأخيرة. يقول: «ويليام» يبكي ويكرر. «ويليام، ويليام، وجدناه ميتاً في شقته الجديدة في باريس. لا نعرف. حدث ذلك منذ يومين، في الثالث… لا نعلم وحسب»
حتى الآن، لم يكن أحد مدركاً لموتك، تعفّنتَ ليومين في نفس الوضعية التي هويتَ بها. الأمر أحسن هكذا. لم يأتِ أحد لإزعاجك. تركوك وشأنك مع جسدك، الوقت اللازم لمغادرة هذا البؤس بسلام. أبكي مع تيم. أمر غير قابل للتصديق.
أُغلق الخط وأَتصل بفي دي (VD) – لا أعلم لماذا. رأينا بعضنا مرتين، واحدة منها وحدنا. انت الذي تدفعني للاتصال بها. تستمع لمحادثتنا. ذهنك ينبسط ويشكل طبقةً كهرمغنطيسية تتدفق منها كلماتنا. شبحك سلك ينقل صوتينا. أثناء حديثنا عن موتك، يوقظ صوتها الحياة فيَّ. «الأقوى، هو صوته، أظن»غيوم دوستان، (NICOLAS PAGES) (Paris: Editions Balland, 1999) ص17. كنتَ تقول. لا أجرؤ على البكاء وأنا أتحدث معها.
أُغلق الخط، ومن ثم أبكي، وحدي. لأنك لم تُرِد الاستمرار بالعيش ولأنه وكما كان أبوك الروحي ليقول «الشاعر الميت لا يستطيع الكتابة أكثر».ميشيل أولبيك، (Rester vivant et autres textes) (Paris: Librio, 1997) ص 19.
في اليوم نفسه، بعد بضع ساعات، أضع جرعة خمسين ميليغرام من جل
الأمراض النفسية
|
على بشرتي، لأتمكن من مباشرة كتابة هذا الكتاب. ليست المرة الأولى. هذه جرعتي المعتادة. سلاسل الكربون (O-H3, C-H3, C-OH) تخترق بشرتي تدريجياً وتسري عبر الطبقات الأعمق من جلدي حتى تصل إلى الأوعية الدموية والنهايات العصبية والغدد.
لا آخذ التستسرون لأحوّلَ نفسي إلى رجل، أو كاستراتيجية فيزيائية للعبور الجنسي، آخذهُ لإحباط ما يريد المجتمع أن يصنعه مني، لأستطيعَ الكتابة والمضاجعة والإحساس بنوع من المتعة ما بعدَ بورنوغرافيّ، أُضيفُ به طرفاً صناعياً مكوناً من الجزيئات إلى هويتي العابرة، منخفضة التقنية المؤلفة من الديلدوز والنصوص المكتوبة والصور المتحركة، أفعلُ ذلك لأثأر لموتك.
إيلاج مُصوَّر بالفيديو
أُفضّلُ أن أصاب بالعمى على أن أراك تبتعد
إيتا جيمس
08:35 مساءاً. طيفك يدخل عبر النافذة ويعتم الغرفة. أشغّل كل الأضواء. أضع شريط كاسيت فاضي في كاميرا الفيديو وأثبتها على الحامل ثلاثي الأرجل. أُشيّكُ على أبعاد الصورة. الصورة سلسة المظهر ومتناظرة: كنبة الجلد السوداء تشكل خطاً أفقياً في أسفل الفريم. الحائط الأبيض يتبع هذا الخط بسهولة، دون أن يخلق أي شعور بالكثافة أو الارتياح. بلاي. أَنتقلُ إلى الصوفا. على طاولة القهوة وفي مكان لا تلتقطه الكاميرا كنت قد تركت مكنة حلاقة كهربائية، مرآة صغيرة، ورقة بيضاء، كيس بلاستيكي، قنينة صمغ مضاد للحساسية يمكن استخدامه على الوجه، جرعة خمسين ميلليغرام من جلّ التستسترون، وأنبوبة مزّلق، وجل موّسع شرجي، وهارنِس مزودة بديلدو مطاطي طبيعي المظهر (9½ 1x½.),، ديلدو سيليكون أسود (9¾ x 2½.), وواحد أسود آخر ذو تصميم عملي (5½ x ¾.)، وشفرة وكريم حلاقة، ووعاء ماء، ومنشفة بيضاء وأحد كتبك، الأول، المَهيب، بداية ونهاية كل شيء. أمشي إلى داخل فريم الكاميرا، أتعرّى، ولكن ليس بالكامل. أُبقي على كنزتي الحفر السوداء. وكما لو أنني أتجهّز لعملية جراحية، أكشف فقط عن الأعضاء التي ستعمل عليها الأدوات. أوقف المرآة على الطاولة، أوصل مكنة الحلاقة بالكهرباء، صوتٌ حاد عالي النبرة، صوت طفل سيبراني يحاول الخروج من المحرك، يبصق في وجه الماضي. أُعدّل قياس شفرات المشط على عرض 1 سنتمتر. طيفكَ يرسل لي صوتاً مميزاً إشارةً منه بالموافقة. أجلس على الكنبة، نصف وجهي يظهر في المرآة بلا تعابير وبلا مركز: شعري الأسود القصير، عدساتي اللاصقة، والتي تشكّل حوافها هالة رفيعة حول القزحية، البشرة غير المتجانسة، بيضاء للغاية في أماكن ومرقطة ببقع وردية في أماكن أخرى. صُنّفتُ كامرأة ولكنّ ذلك غير محسوس في الانعكاس الجزئي الظاهر على المرآة. أبدأَ بحلاقة رأسي، بدءاً من الأمام وأتحرك للخلف. ثم من المنتصف وباتجاه اليسار، ثم باتجاه اليمين. أَنحني إلى الأمام لتقع خصلات الشعر على الطاولة. أفتح الكيس البلاستيكي وأسقط الخصل فيه. أطفئ الماكينة وأضبط قياس المشط على الدرجة زيرو. أضع الورقة البيضاء على الطاولة، ثم أعيد تشغيل الماكينة وأُحرِّكُ شفراتها من جديد على كامل رأسي. شعراتٌ قصيرة ورفيعة تمطر على الورقة البيضاء. عندما يصبح رأسي أملساً بكامله، أنزع فيشَ المَكَنة. أطوي طبق الورق طية واحدة، بحيث تتجمع الشعرات في المنتصف مشكلة خطاً موّحداً. خطَّ كوكايين أسود. إنني الآن أضرب خطاً من الشَعر إذاً. له تأثير النشوة نفسه تقريباً. أفتح مرطبان الصمغ وأضع مسحة منه فوق شفتي العليا باستخدام الفرشاة المبللة، ثم آخذُ خصلة شعر بين أصابعي وأضعها على طول شريط الصمغ حتى تلتصق جيداً على بشرة وجهي. شارب مَنيَك، أنظر إلى نفسي في المرآة. لِعينيّ نفس الهالة حول القزحية. الوجه نفسه، والبشرة. كلها متماثلة ولا يمكن التعرف عليها في الوقت نفسه. أنظر إلى الكاميرا، أطوي شفتي إلى الوراء لأُظهِرَ أسناني، بنفس طريقتك. علامتك المميزة. الكيس الفضي الذي يتضمن جرعة خمسين ميللي من التستسرون على شكل جلّ، حجمه مماثل لكيس صغير من السكّر. أَفتحُ ورقة الغلاف المغلفة بالألمنيوم. تخرج طبقة رقيقة وباردة وشفافة من الجِلّ، تختفي على الفور في بشرة كتفي الأيسر. يبقى بخار بارد، مثل ذاكرة نَفَس ثلجي، القبلة التي تعطيها امرأة ثلج. أرجّ علبة كريم الحلاقة، أودع كرة من الرغوة البيضاء المتكثفة في راحة يدي، وأغطي بها شعر عانتي، وشفرات فرجي والبشرة المحيطة بفتحة الشرج. أغطّس الشفرة بالماء وأبدأ بالحلاقة. الشعرات والكريم تطفو على السطح. بضع رشقات تقع على الكنبة أو على الأرض. لا أجرح نفسي هذه المرة. بعد أن تمت حلاقة منطقة العانة كلها، شُطفت بالماء وجُففت. ارتديت الهارنسقطعة جلدية غالباً ما تكون مكونة من شرائط متقاطعة، تشبه السرج ويتم ارتداؤها على الجذع. وأحكمت أحزمتها على جانبي خصري. أمامي، الديلدو منتصبٌ للغاية، يشكل زاوية قائمة مع خط عمودي الفقري. حزام الديلدو مرتفع بما يكفي ليُمكنني إن انحنيت من رؤية ثقبين متمايزين للغاية. أغطي يدي بِجل شفاف وألتقط الديلدويين. أفرك وأزّيت وأدفئهما، كل منهما في إحدى يدي، ثم كلاً منهما بمقابل الآخر، مثل قضيبين كبيرين يتلويان في مقابل بعضهما في فيلم بورن مثليين. أعرف أن الكاميرا تصور لأنني أستطيع رؤية الضوء الأحمر المتقطع. أدلي قضيبي السيليكوني على المقاطع الموشومة عبر صفحات دان ما شامبر.كتاب: في غرفتي. أول رواية للكاتب الفرنسي غيوم دوستان. إنها علامتكَ الفارقة. الديلدو يحجب جزءاً من الورقة، مشكلاً حاجزاً يسمح لكلمات محددة بأن تكون مقروءة ويخفي أخرى. «ضحكنا. أتى معي إلى السيارة. نظرت إليه. يده أشارت إلي من قبل/ حل الليل. أعرف أني كنت سأضطر إلى ذلك/ لن أقع في غرامه أبداً. ولكن كم كان رائعاً أنه أَحبَّني. كان ذلك جيداً».غيوم دوستان (NICOLAS PAGES) (Paris: Editions Balland, 1999) ص155. في الخطوة التالية، أُزلّق الديلدوز إلى فتحات القسم الأسفل من جسدي. أولاً، ذو المظهر الطبيعي. ومن ثم ذو التصميم العملي الذي يدخل في شرجي. الأسهل بالنسبة لي دائماً أن أضع شيئاً في شرجي، المساحة متعددة الأبعاد التي لا حواف عظمية لها. هذه المرة أيضاً لم يختلف شيء. على رُكَبي، أدير ظهري للكاميرا، أطراف قدمي ورأسي تضغط على الأرض ويداي خلف ظهري لتتمكنا من إدارة الديلدويين في فتحاتي. أنت الوحيد الذي يستطيع قراءة هذا الكتاب. أمام هذه الكاميرا، «للمرة الأولى أشعر بإغراء أن أعمل لك بورتريه ذاتي»،Hervé Guibert, L’Image fantôme (Paris: Editions de Minuit, 1981), 5. أصمم صورة لنفسي وكأنني أنت. أُمّثلكَ بصيغة دراغ. أتشبّه بك بما أرتدي. أُعيدكَ للحياة بهذه الصورة. ابتداءاً من هذه اللحظة كُلك ميت. إيميليا وهيرفيه وميشيل وكارين وجاكي وتيو وأنت. هل أنتمي أكثر لعالمك مما أنتمي لعالم الأحياء؟ أليست سياساتي هي سياساتك: بيتي وجسدي لك؟ تَجسَّدْ فيَّ بنفوسك المتعددة مرة أخرى. استولِ على جسدي كما استولت كائنات فضائية على الأمريكان وحولتهم إلى أغلفة حية لها. جَسِّدْ نفسك فيّ: استولِ على لساني وعلى ذراعي وعلى أعضائي الجنسية والديلدوز ودمي وجُزيئاتي. تَملَّكْ صاحبتي وكلبي: اسكُني: عِشْ فيَّ. تعال. فِن. لا ترحل أرجوك. Vuelve a mi vida عُد إلى الحياة. أمسك بجنسي. منحط، تحت، وسخ. ابق معي. ليس لهذا الكتاب غرضٌ آخر حتى يكون خارج هامش عدم اليقين الموجود بيني وبين أعضائي الجنسية، وكل ذلك خياليّ، بين ثلاث لغات لا تنتمي إليّ، بين أنتَ الحي وأنتَ الميت، بين رغبتي في استكمال مسارك وبين استحالة استعادة نِطافك، بين كُتبكَ الأبدية والصامتة وطوفان الكلمات المستعجلة لتخرج من أصابعي، بين التستسرون وجسدي، بين V وحبي لـV. أنظر إلى الكاميرا مرة أخرى: «هذا التستسرون لأجلك، هذه المتعة لأجلك» لا أشاهد شريط الفيديو الـ(Mini – DV) الذي صورته. لا أرقّمه. أضعه في غلافه الأحمر الشفاف وأكتب على لصاقته: 3 أكتوبر 2005، يوم موتك.