تعرّض طالبٌ سوري في مدينة أورفا جنوب تركيا لعباراتٍ عنصرية واعتداءٍ جسدي على يد رجل شرطي تركي، ليكون واحداً من بين طلابٍ سوريين في الجامعات التركية يواجهون عنصريةً مشابهةً داخل حرم الجامعات التركية وخارجها. قصة الطالب السوري انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي نهاية شهر تموز (يوليو) الفائت، حين أوقفته دورية أمنٍ تركية، ورغم إبرازه بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) وبطاقته الجامعية وإثبات أنه غير مخالفٍ لمكان إقامته، لكن تم توبيخه من بعض عناصر الشرطة بعباراتٍ عنصرية: «لماذا جئتم إلى تركيا؟ اذهبوا إلى بلادكم».
لم يكتفِ أحد عناصر دورية الأمن بتوجيه العبارات العنصرية للطالب السوري، بل قام بتكبيله في الشارع ومن ثم ضربه بعنف وهو مكبّل، وبعد ذلك تركه يذهب قائلاً: «لو شئتُ دمّرتُ حياتك الدراسية واتّهمتُك بالإرهاب، اذهب ولا تتفوّه بأي كلمة».
كراهية ومعلومات خاطئة
يتعرّض العديد من الطلاب الجامعيين السوريين لمواقف عنصرية في تركيا، وقد باتت هذه العنصرية أكبر تحدٍ يواجه كل سوري-ة يدخل أي جامعةٍ تركية. ومع أن أغلب الطلاب الجامعيين الأجانب يتقنون اللغة التركية، ما يمنحهم نظرياً القدرة على مواجهة العنصرية والدفاع عن أنفسهم، فإن ذلك ليس ممكناً دائماً بالنسبة للسوريين، ويغذيه قدرٌ من المعلومات المغلوطة عن اللاجئين الذين يدخلون الجامعات التركية.
وقد بلغ عدد الطلاب السوريين الذين يدرسون في الجامعات الحكومية التركية، في العام الدراسي 2021-2022، حوالي 48.192 طالباً وطالبةً وفق إحصائية وزارة التربية التركية.
«العنصرية التي نواجهها أكبر غصّةٍ نعيشها»، هكذا يصف أحمد المصري، وهو طالبٌ سوري في جامعة مرمرة التركية، التحديات التي يواجهها مع زملائه. ويضيف المصري: «هناك اعتقادٌ خاطئٌ لدى شريحةٍ من الطلاب الأتراك بأن السوريين يدخلون إلى الجامعة دون امتحان، ولا يدفعون الرسوم الجامعية، ما يجعل معاملتهم مختلفةً وتصل إلى رفض تكوين الصداقات معنا».
قد يدعم هذه التصورات الخاطئة لدى الطلاب ما يسمعونه من أساتذتهم، إذ يذكر المصري موقفاً حصل معه في إحدى المحاضرات: «كان المدرس يتحدث عن أسباب تدهور الواقع الاقتصادي التركي، وبدأ يشرح للطلبة أن تواجد اللاجئين السوريين في تركيا كان أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في تدهور اقتصاد البلد. ذكر الأستاذ حينها معلوماتٍ مغلوطة لتأكيد وجهة نظره، إذ تحدث أن الحكومة التركية تنفق الكثير من الأموال على اللاجئين، عدا الأضرار التي يلحقها السوريون بالمرافق العامة، والتي تكبّد الدولة نفقات إضافية، وكل هذا كان له تأثير سلبي على الاقتصاد والعملة التركية».
شعر أحمد المصري بالاستفزاز من كلام الأستاذ، ورفع يده للمشاركة أملاً في تصحيح تلك المعلومات، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي أحد المنفقين الأساسيين على اللاجئين في تركيا، وأن اللاجئين السوريين كان لهم دور في دعم الاقتصاد. حاول المصري دعم كلامه بالأدلة من خلال ذكر عدد المعامل والشركات السورية الحاصلة على ترخيص في تركيا بالاستناد إلى إحصائيات تركية رسمية. يقول المصري: «غضب الأستاذ من كلامي وأمرني بالجلوس، موجهاً بعض العبارات العنصرية، ثم تابع محاضرته مصرّاً على أن السوريين أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الاقتصاد التركي. لاحقاً، تعمّد الأستاذ إسقاطي في الامتحان كنوعٍ من الانتقام لأني خالفت وجهة نظره»، حسب قوله.
إلى ذلك، تستفيد الجامعات التركية والاقتصاد التركي عموماً من استقطاب الطلبة الأجانب، وهو ما أشارت إليه أليف ده واجي، نائبة المدير العام لمعارض قطاع التعليم في الخارج، إذ قالت لوكالة الأناضول: «إن الطالب الأجنبي ينفق سنوياً نحو 7 آلاف دولار على الدراسة والمعيشة»، مضيفةً أن الطلاب الأجانب يساهمون في اقتصاد تركيا سنوياً «بنحو مليار دولار». وأشارت إلى وجود «170 ألف طالب أجنبي يدرسون في العديد من الجامعات، أغلبهم يفضّلون تركيا لدراسة مرحلة الليسانس (الإجازة)، ومعظمهم من سوريا والعراق وأذربيجان، فيما تعتبر تخصصات العلوم الصحية والإدارة الأكثر من حيث إقبال الطلاب عليها».
حسان العبسي طالبٌ سوري في جامعة سكاريا، وقد كان ضحية تعصّبٍ القومي، ففي إحدى المرات وبينما كان يتحدث بلغته الأم مع زميله في ساحة الجامعة، سمعهم طالب تركي واتجه نحوهم غاضباً: «أنتم في بلدنا وعليكم التحدث بالتركية فقط. إذا كنتم تريدون الحديث بلغتكم فعودوا فوراً إلى بلدكم». أما هيثم، الطالب السوري في كلية الإعلام بجامعة سيواس جمهورييت، فقد تعرّض مع زملائه السوريين لموقف عنصري مشابه، فقبل عامين قاموا بتشكيل فريق كرة قدم يُمثّل سوريا للمشاركة في بطولة الجامعة التي شارك فيها فرق تمثل عدة ولايات تركية.
استطاع الفريق السوري الفوز في المباراة الأولى ضد أحد الفرق التركية، فاحتفل اللاعبون بالفوز ورفعوا علم الثورة السورية، ما أثار حفيظة الطلاب الأتراك. يقول هيثم: «ما أن رفعنا علم الثورة السورية حتى تهجّم علينا الطلاب الأتراك، وطلبوا منا إنزال العلم وحذرونا من رفعه مجدداً، وقال أحدهم ‘في تركيا ممنوع رفع علم آخر غير علم الدولة التركية’. لم يكتفِ الطلاب الأتراك بذلك، بل أصبحوا يترددون إلى مكان إقامتنا في السكن الجامعي ويُوجّهون لنا التهديدات، وبعضهم طلب منا الرحيل إلى بلدنا».
موقفٌ آخر حصل مع أنس الرضوان الذي يدرس في جامعة سيواس جمهورييت أيضاً. يقول: «خلال محاضرةٍ لمادة تاريخ تركيا كان يتحدث الأستاذ عن الإنجازات التي قام بها مصطفى كمال أتاتورك في بناء تركيا الحديثة، ما دفعني لطلب المشاركة في المحاضرة. بعد أن بدأت بالحديث قاطعني المدرس واعترض على كلامي بالقول: ‘أنتم السوريون ما علاقتكم بتاريخ بلدنا’».
كذلك، فإن امتلاك بعض الطلبة السوريين لسيارات كان يُعرّضهم للمضايقات والعنصرية من أقرانهم الأتراك. منصور دعّاس طالبٌ سوري في جامعة حرّان ويتحدث اللغة التركية بطلاقة، وإلى جانب دراسته يعمل في مجال العقارات، ومع تحسّن وضعه المادي اشترى سيارة، وقرر الذهاب بها إلى جامعته. يقول دعّاس: «تفاجأت من نظرات أصدقائي حين نزلت من سيارتي في الجامعة، ليتجه نحوي أحدهم ويقول لي ‘أنتم تعيشون أفضل منا وتحصلون على مساعدات من الدولة، ونحن وبالكاد نؤمّن تعرفة المواصلات العامة’».
يتابع دعّاس حديثه قائلاً: «حاولت أن أشرح لأصدقائي أني لا أتلقى أي مساعدات من الدولة، وأن ثمن السيارة من عملي الخاص، لكن لم ينصت لي أحد وتغيّرت معاملتهم». العنصرية المتكررة التي تعرّض لها دعّاس من قبل زملائه بسبب امتلاكه سيارة سبّبت له أزمةً نفسيةً دفعته إلى الانتقال لجامعةٍ أخرى.
أما جمانة بيطار، فقررت التخلي عن الجامعة بسبب العنصرية التي تعرّضت لها من زملائها وأساتذتها. تقول: «أغلب الطالبات السوريات يُعرفن من حجابهنّ أو طريقة لباسهنّ، ومن الصعب أن نخفي هويتنا، ودائماً ما أسمعهم يتذمرون مني حين يشاهدونني». لم يقتصر الأمر على ذلك، تضيف جمانة، بل في إحدى المرات «كنتُ جالسةً في قاعة المحاضرات كباقي الطلبة أنتظر قدوم الأستاذ ووضعت هاتفي على المقعد. سمعتُ زملائي من خلفي يقولون لبعضهم ‘انظروا إلى هاتفها! هؤلاء السوريون يتلقون المساعدات ويحملون هواتف أفضل من هواتفنا’، علماً أن أغلب الطلاب الأتراك يملكون هواتف آيفون كونهم يستطيعون شراءها بالتقسيط المريح».
بين خطاب المعارضة وتخلي الحكومة
دأبت الأحزاب التركية على استغلال اللاجئين السوريين كورقة سياسية وانتخابية، لا سيما في صفوف الشباب الأتراك من الفئة العمرية التي تدرس في المرحلة الجامعية والتي ستكون على موعدٍ قريب مع التصويت للمرة الأولى في الانتخابات القادمة. السياسي التركي أوميت أوزداغ كان يقوم بجولات على الجامعات التركية يبثّ فيها الكراهية ضد السوريين ويحرّض على ترحيلهم. في إحدى المرات كان أوزداغ، زعيم حزب النصر، يُلقي محاضرةً في جامعة بيلكنت في العاصمة أنقرة، فقام طالب سوري بالاعتراض على كلامه، ما دفع أحد مرافقيه إلى ضرب الطالب السوري.
من جانبٍ آخر، يستفيد الطلبة السوريون، أسوةً بنظرائهم الأتراك، من المنح الجامعية التي تغطي لهم مصاريف دراستهم، سواء خلال تعلم اللغة التركية لاكتساب شهادة «التومر» أو في سنوات الدراسة الجامعية. في هذا السياق، يلفت أنس الرضوان الى أن الطلاب الأتراك «يتهمون السوريين بأنهم أخذوا مقاعدهم في المنح الدراسية وحرموهم منها، علماً أن الترشح للمنح يكون على أساس المعدل الأعلى، وليس هناك أي تحيّز للسوريين في هذا الموضوع كما يدّعي هؤلاء».
بدوره، ألغى مجلس التعليم العالي التركي في تموز (يوليو) 2021 إعفاء الطلاب السوريين من أقساط الجامعات الحكومية، وقرر معاملتهم مثل باقي الطلاب الأجانب الآتين للدراسة في تركيا. وكان مجلس التعليم العالي التركي، قبل ذلك، قد أصدر عام 2013 قراراً يقضي بتحصيل أقساط رمزية من السوريين حاملي بطاقة الحماية المؤقتة، دون أن يشمل ذلك السوريين المجنّسين أو حاملي الإقامات السياحية.
إلغاء إعفاء الطلاب السوريين الجدد من الرسوم الجامعية حرم الكثيرين منهم من التسجيل في الجامعات التركية، فمعظم اللاجئين السوريين وضعهم المادي سيء، وبالكاد يؤمّنون لقمة عيشهم، خاصةً في ظل الغلاء الكبير في المعيشة وانخفاض مستوى الدخل. محمد لطوف هو لاجئ سوري يقيم في إسطنبول ألغى فكرة التسجيل في الجامعة بعد أن قررت الحكومة التركية إلغاء إعفاء الطلاب السوريين من الرسوم الجامعية منذ العام الدراسي الماضي.
كان لطوف يُخطط لدراسة هندسة الكومبيوتر العام المقبل، وبعد استفساره عن تكاليف دراسة هذا الاختصاص ضمن الجامعات الموجودة في إسطنبول، وجد أنها تتراوح بين 3500 و19500 دولار تبعاً للجامعة وسمعتها، وذلك عدا نفقات السكن والمعيشة.
ويوضح إياد أيوب، العامل لدى شركة للخدمات الجامعية في اسطنبول، أن قرار إلغاء إعفاء السوريين من الرسوم لم يكن قراراً إلزامياً للجامعات، بل ترك لإداراتها حرية الاستمرار في الإعفاء من الرسوم، لكن معظمها قررت إلغاءه، مشيراً إلى أن بعض الجامعات رفعت الرسوم المفروضة على السوريين، وبعضها لم تعد تقبل بتسجيلهم أساساً: «جامعة نامق كمال، على سبيل المثال، حصرت قبول الأجانب لديها بدول البلقان ومصر».
هل من حلول؟
رغم العنصرية التي يواجهها كثير من الطلبة السوريين في الجامعات التركية، لكن يصرّ أغلبهم على إكمال الدراسة مع اتباع بعض الإجراءات لتجنب المواقف العنصرية. فبعد الموقف العنصري الذي تعرّض له حسان العبسي في جامعة سكاريا، قرّر تحاشي الحديث باللغة العربية في الجامعة أو داخل المواصلات، ونصح الطلاب السوريين «أن يفعلوا مثله لتجنب المضايقات».
نسرين قجي، الطالبة السورية في جامعة باشاك شهير، تؤيد كلام حسان العبسي، داعيةً الطلاب السوريين «إلى ضرورة اتقان اللغة التركية، فهي سلاحهم لمواجهة العنصرية والدفاع عن أنفسهم». وترى نسرين أن على الطلاب السوريين أن «يحرصوا على التفوق في جامعاتهم، فهذا أكبر رد على كل العنصريين».
بدوره، يخلص بحثٌ أعده مركز أبحاث سياسات إسطنبول (IPC) التابع لجامعة سابانجي التركية بعنوان فرص السوريين في التعليم العالي في تركيا، نُشر في آذار (مارس) 2018، إلى عدة توصيات لتحسين ظروف الطلاب السوريين في الجامعات التركية، من أبرزها الدعوة لتحسين مهارات الأساتذة التعليمية بانتظام، وتأهيلهم للتعامل مع ثقافات مختلفة، وفهم التحديات التي يواجهها الطلاب السوريون والمواطنون الآخرون الذين فروا من الحروب والكوارث المختلفة. كما تضمنت التوصيات دعوةً لأن يركز الخطاب العام الذي يقدمه السياسيون ووسائل الإعلام تجاه السوريين على توفير بيانات ومعلومات تفصيلية حول السياسات والتشريعات التي تدعم وصول السوريين إلى التعليم العالي، لتجنب انتشار الإشاعات حول الفوائد التي يتلقاها السوريون، ما يخلق جواً من القبول والتوافق داخل المجتمع التركي.