«لم أعد أرغب في إرسال ابني إلى المدرسة.. لقد أصيب بالاكتئاب»، هكذا كان قرار حسان بيطار اللاجئ السوري المقيم في اسطنبول، بعدما عانى ولده ياسين من اضطراباتٍ نفسية نتيجة التنمّر والعنصرية التي تَعرَّض لها في مدرسته. والطفل ياسين بيطار هو واحد من تلاميذ كثيرين كانوا ضحية خطاب الكراهية والعنصرية المتنامي مؤخراً في تركيا ضد اللاجئين السوريين.

في العام 2016 قررت وزارة التربية التركية إغلاق مراكز التعليم السورية المؤقتة، وتطبيق سياسة دمج التلاميذ السوريين الخاضعين لقانون الحماية المؤقتة في المدارس التركية. وبناءً على القرار تم دمجُ تلاميذ الصفوف الأوّل والثاني والخامس والتاسع عام 2017، وتبعهم في العام 2018 التلاميذ في باقي السنوات الدراسية، ليجدوا أنفسهم أمام واقعٍ جديد مليءٍ بالتحديات.

بلغ عدد الأطفال السوريين المسجلين في المدارس التركية 730 ألف طفل، فيما بلغ عدد الأطفال الذين في سن التعليم لكنهم غير مسجلين في المدارس 393 ألفاً و547 طفل، أي ما يعادل 35% من إجمالي عدد الأطفال السوريين في سن التعليم في تركيا، وذلك بحسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة التربية التركية نهاية آذار (مارس) الماضي.

لماذا تفاقمت العنصرية في المدارس؟

تزايدت الاعتداءات التي يتعرّض لها التلاميذ السوريون في المدارس التركية، وأصبحت السلوكيات العنصرية تأخذ حيزاً جلياً لدى شريحة من الكوادر التعليمية والإدارية، ولا سيما مع نشر خطاب الكراهية وتكثيف حملات التحريض ضد اللاجئين.

صحيفة جمهورييت التركية نشرت تقريراً تحت عنوان «يوجد عنصرية في الصف»، سلّطت فيه الضوء على بحث أجرته جمعيتان تركيتان بناءً على مقابلاتٍ فردية وجماعية مع 60 معلّماً في غازي عنتاب، ومع معلمين في اسطنبول وكِلِّيس وشانلي أورفا وأنطاكيا وأضنة وماردين ومرسين وأزمير، حيث يتركز الأطفال السوريون. ووفق البحث، فقد لوحظ وجود تمييز وسلوك عنصري تجاه التلاميذ السوريين في معظم المدارس التركية، وأنه يتم إقصاء التلاميذ السوريين من قبل نظرائهم الأتراك بسبب اختلافاتهم الثقافية، كما يُنظر إلى معظمهم على أنهم غير ناجحين ما يؤدي إلى فقدانهم ثقتهم بأنفسهم.

يقول رئيس الرابطة السورية لحقوق اللاجئين مضر حماد الأسعد للجمهورية.نت إن «خطاب الكراهية بدأ يتأجج قبل أربع سنوات، وتحديداً عقب فوز الرئيس أردوغان بالرئاسة، حيث وجدت أحزابٌ في المعارضة أن اللاجئين السوريين يمكن أن يكونوا ورقة ضغطٍ على الحزب الحاكم في تركيا ووسيلة لكسب الحاضنة الشعبية لصالحهم، فعملت هذه الأحزاب على نشر العنصرية وتعزيز خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين، عبر الضخ الإعلامي وعقد اجتماعات جماهيرية تحريضية».

تتحمّل الحكومة التركية كذلك مسؤولية الحال الذي يعيشه التلاميذ السوريون، سواء فيما يتعلّق بسياستها العامة تجاه اللاجئين السوريين في تركيا، أو بشكل خاص فيما يتعلّق بقرار عام 2016 بإغلاق مراكز التعليم السورية المؤقتة، إذ عملت على دمج التلاميذ السوريين في المدارس التركية دون أن تعمل هلى مراقبة وإدارة تبعات تطبيق هذا القرار.

كثيرون من ذوي التلاميذ الذين التقيناهم وجّهوا اللوم للحكومة التركية، نظراً لتغاضيها عن حالات العنصرية التي يتعرض لها التلاميذ السوريين في المدارس التركية، حيث أكدوا للجمهورية.نت أنهم لم يتلقوا أي استجابة للشكاوى التي قدموها بحق الأشخاص الذين مارسوا العنصرية ضد أبنائهم.

كذلك كان لغياب الكوادر التعليمية السورية عن المدارس التركية دورٌ في تنامي العنصرية ضد السوريين، ففي السابق كان يجد التلميذ السوري من يراجعه للحصول على مساعدة عند حصول أي مشكلة، أما بعد فصل المعلّمين السوريين من المدارس، فقد ترك غيابهم فراغاً كبيراً وفرصة لتنامي خطاب الكراهية وزيادة السلوكيات المسيئة بحق التلاميذ السوريين.

في العام 2021 فُصِلَ نحو 12 ألفاً و700 مدرّس ومدرّسة سوريين في تركيا، وذلك من خلال رسائل وردتهم من مديري مدارسهم على تطبيق واتساب، تنصّ على إنهاء عقودهم بعد نحو سبعة أعوام من تعاقدهم بصفة متطوّع مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).

تصاعد العنف الجسدي

ياسين بيطار في السابعة من العمر، يقيم في مع عائلته في حي إسنيورت باسطنبول، دخل إلى المدرسة مطلع العام الدراسي الفائت، لكنه تعرّض لمضايقاتٍ كثيرة من زملائه في المدرسة.

يقول حسّان بيطار والد الطفل ياسين، للجمهورية.نت: «في الأيام الأولى لدخول إبني إلى المدرسة، كان يعود كل يوم إلى البيت وهو يبكي، ويقول لنا (ما بدي روح ع المدرسة. ما حبيتا)، لكن كنا نأخذ الأمر بضحك، لأننا كنا نظن أنها مشاعر مألوفة تنتاب أي طفل يدخل للمرة الأولى إلى مدرسة أجنبية».

مضى شهر على دخول ياسين إلى المدرسة، ورغم ذلك كان يعود يومياً إلى البيت وهو يبكي، وحين حاول أهله أن يفهموا منه السبب، أجابهم أن زملائه في المدرسة لا يلعبون معه لأنه لا يفهم عليهم، ويسخرون منه دوماً. ثم في إحدى المرات عاد ياسين للمنزل، وهو يصرخ من شدة الألم، لتلاحظ والدته آثار ضربٍ على يديه ورقبته، وحين استفسرت منه عن السبب، أجابها أن معلّمه سأله عن أمورٍ ليس لها علاقة بالمنهاج، وحين لم يفهم عليه صرخَ في وجهه وقام بضربه بقوة.

قدّم أبو ياسين شكوى لإدارة المدرسة، فوعده المدير بأن يتصرف ويعاقب المدرس، لكنها كانت مجرد وعود، حيث استمرّ المعلّم بالتعامل بقسوة مع ياسين، كما أنه كان يتغاضى عن إساءة التلاميذ وسخريتهم منه.

مع مرور عدة أشهر على بدء العام الدراسي، لاحظ والدا ياسين أن ابنهما فقد الرغبة في ممارسة النشاطات اليومية الإعتيادية، وأصبح شديد العصبية ويفضّل الجلوس لوحده دوماً ويبكي بلا سبب، ويبقى شارد الذهن ويستيقظ كثيراً من النوم، ولا يقبل اللعب مع أي طفلٍ خاصةً من الغرباء.

قام أبو ياسين باصطحاب ابنه إلى مركزٍ للدعم النفسي، ومن خلال شرح الحالة للطبيب، أخبره الأخير أن ياسين يعاني من الاكتئاب نتيجة التنمّر المستمر الذي تعرّض له في المدرسة، وأنه بحاجة لجلسات علاجٍ طويلة ليعود إلى حالته الطبيعية، الأمر الذي دفع الأهل إلى إخراج ياسين من المدرسة فوراً.

تيم أيضاً تلميذ سوري في الصف السادس في ولاية العثمانية، لديه موهبة العزف على آلة الكمان، وفي حصص الموسيقى كان المدرس يمتدحه كثيراً أمام زملائه، ويتعجّب من قدرته على الحفظ السريع للمقطوعات الموسيقية، ويطلب منه دائماً عزفها وتعليمها لزملائه.

يقول تيم: «بعد انتهاء إحدى حصص الموسيقى وخروج المدرس من الصف، قام بعض زملائي في الصف بمضايقتي وضربي وتحطيم آلتي الموسيقية بأقدامهم، وهم يلفظون أقذر العبارات بحق السوريين. كان واضحاً أن مدح الأستاذ لي أثار غضبهم وانزعاجهم، واضطرت أمي أو أبي للمجيء إلى المدرسة يومياً بعد انتهاء الدوام، لاصطحابي للمنزل خوفاً من تعرضي للضرب من زملائي مجدداً».

في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، دخل أولياء أمر تلميذ تركي في مدينة بورصة باحة المدرسة، وتهجّموا على تلميذ سوري في الصف الثامن أمام جميع التلاميذ، ثم قامت والدة التلميذ التركي بتقييد حركة التلميذ السوري ليخرج زوجها سكينه ويطعنه في أماكن متفرقة من جسده.

وقبل شهر من الحادثة السابقة، تعرَّضَ طفلٌ سوريٌ عمره 11 عاماً لاعتداء عنصري من قبل خمسة من زملائه الأتراك، وذلك عقب خروجه من مدرسته الواقعة في منطقة كوجوك جكمجه وسط مدينة اسطنبول، الأمر الذي تسبّب برضوض شديدة في جميع أنحاء جسمه وكسر في أنفه. وبحسب موقع medyascope التركي، جاء الاعتداء بعدما رفض أن يعطيهم لعبته الخاصة.

الحاجز الأصعب

اللغة التركية كانت سبباً رئيسياً في تَعرُّض كثيرٍ من التلاميذ للتنمر والعنصرية، ولا سيما تلاميذ الصف الأول الابتدائي الذين يدخلون المدرسة ولا يجيدون تكلُّمَ التركية أبداً.

أم وسيم لاجئة سورية تقيم في ولاية بورصة، عانت كثيراً من تعرّض ابنها للسخرية، فعدم قدرته على التحدث باللغة التركية يجعل التلاميذ يرفضون الحديث معه. تقول أم وسيم: «يعود ابني كل يوم وهو يبكي كثيراً، فليس لديه أصدقاء، ولا يفهم العبارات التي يقولها زملاؤه له وهم يضحكون عليه. لم يفهم سوى كلمة “يابنجي” أي أجنبي و”جيت” أي اذهب، لأنهما أكثر كلمتين تُوجَّهان له يومياً».

المشكلة ذاتها تكررت من كثيرٍ من التلاميذ الذين تحدثنا مع ذويهم، وما زاد الأمر تعقيداً أن عدم إتقان كثير من الأهل للغة التركية يحول دون قدرتهم على تقديم شكوى لدى الإدارة كي تتدخل وتجد حلاً للمضايقات التي يتعرض لها أبناؤهم من باقي زملائهم في الصف.

لكن حتى التلاميذ الذين يتقنون اللغة التركية، لم يسلموا من المضايقات.

رضوان عبادي يقيم في تركيا منذ ثمان سنوات، ويتحدث التركية بطلاقة، وقد سجّلَ ابنه في إحدى المدارس الموجودة في منطقته في ولاية مرسين.

رغم أن ابن رضوان الذي يدرس في الصف الخامس يجيد اللغة التركية أيضاً، لكن ذلك لم يجعله يسلم من العنصرية في مدرسته، فبمجرد معرفة زملائه أنه سوري الجنسية بدأوا يتحاشون مخالطته، وينادونه فقط بكلمة «سوريلي».

تَقدَّمَ رضوان بشكوى إلى الإدارة، لكن ردّ المدير كان صادماً: «روحوا تعلموا ببلدكم.. ما عاد بدنا سوريين».

وقد تسبَّبَ عدم إتقان كثير من التلاميذ وذويهم للغة التركية في خروج كثير من التلاميذ من المدرسة، نتيجة طردهم من قبل المدرس أو المدير، أو بسبب خروجهم طواعية نظراً لعدم قدرتهم على التعلّم وعدم شعورهم بالحافز والراحة النفسية.

تقول أمينة، وهي سيدة سورية تقيم في حي الفاتح باسطنبول: «اشتكت ابنتي من أن مُعلِّمها يتجنب إشراكها كبقية زملائها في النشاطات المدرسية، وحين ذهبت إلى المدرسة للاستفسار عن السبب، أخبرني المُدرّس أن ابنتي لا تجيد تحدث التركية، وحذرني من أنه إذا لم تتعلم اللغة في أقرب وقت، فمن الأفضل ألّا أُرسلها إلى المدرسة أبداً».

مُدرّسون يزيدون الطين بلّة

لم تقتصر ممارسة العنصرية على التلاميذ وذويهم، بل برزت لدى بعض الكوادر التعليمية التركية، كأن ينادي المعلم التلميذ السوري بلقب «يابنجي»، كما أن هناك مدرسين يتعمدون عدم السماح للتلميذ السوري بالمشاركة في الدروس حتى لو كان يتقن اللغة التركية.

أم لين سردت لنا قصة ابنتها (8 سنوات) التي تعرّضت للعنصرية بأقسى أنواعها، حيث قالت: «مع بداية العام الدراسي، جاءت المعلمة مبتسمة لتبدأ درسها الأول، فبدأت تتعرف على التلاميذ كالمعتاد، وعندما وصل دور السؤال عند ابنتي وأجابت أنها سورية، تغيرت ملامح المعلمة وعبست في وجهها وأمرتها بالجلوس، ومنذ ذلك الوقت لا تسمح المعلمة لابنتي بالتفاعل كباقي التلاميذ».

المعاملة السيئة من معلمة لين انعكست على حالة الفتاة النفسية، فقررت والدتها الذهاب إلى المدرسة وأعطت معلمتها هدية، وطلبت منها أن تعطيها لابنتها على أساس أنها مقدمة من المُعلِّمة كنوعٍ من التشجيع لها: «في ذلك اليوم عادت ابنتي للبيت حزينةً كالمعتاد، وحين سألتها بشكلٍ غير مباشر عمّا حصل معها في الصف، أخبرتني أن المعلمة سألت سؤالاً، وحين رفعت يدها لتجيب لم تعطها المعلمة أي اهتمام، وطلبت من أحد التلاميذ الأتراك الإجابة ومن ثم منحته هدية، عندها أيقنتُ أن المعلمة أعطت الهدية ذاتها التي كان من المفترض أن تكون لابنتي لتلميذٍ آخر».

ميساء تلميذة سورية في الصف الخامس، تقيم في ولاية العثمانية، عانت كذلك من عنصرية مُعلِّمها تجاهها: «في مدرستي كان أستاذ الرياضيات يكره السوريين، فكلما أجبتُ عن سؤال يطرحه كان يقول هذا خاطئ، وعندما تجيب زميلتي التركية الجواب ذاته يبتسم ويقول هذا صحيح». تضيف ميساء: «ذات مرة اعترضتُ على هذه المعاملة، وأخبرتُ المدرّس أن جوابي كان قريباً من جواب زميلتي، فقال لي أنت لم تفهمي هذا بشكلٍ جيد، وحتى أنه منحني علامة متدنية في الامتحان لأنني دوماً أعترض ولا أسكت عن حقي».

صحيفة يني شفق التركية استعرضت قصة تلميذ سوري في الخامسة عشرة، تعرّضَ للابتزاز من زملائه الأتراك في مدرسة ثانوية بمنطقة السلطان أحمد في اسطنبول. يقول التلميذ السوري: «ذات مرة، بينما كنت أقوم بتغيير ملابسي في الصالة الرياضية، التقط زملائي الأتراك صورًا لي وأنا بلا ملابس، وطلبوا أن أدفع لهم 100 ليرة تركية ليقوموا بحذف الصورة، ورغم أن أستاذي علمَ بالموقف إلا أنه لم يفعل أي شيء».

 لم تتوقف العنصرية الصادرة عن بعض المُدرّسين الأتراك على مجرد الإيذاء النفسي، بل امتدت حتى إلى الإيذاء الجسدي، إذ أكد عدة أشخاص ممن التقيانهم تَعرُّضَ أطفالهم للضرب من قبل مدرسيهم، ورغم إبلاغهم إدارة المدرسة لم يكن هناك أيّ استجابة حقيقية منهم.

إخفاء الهوية

تعرضَ تلاميذٌ سوريون لسلوكيات عنصرية من زملائهم أو مُدرّسيهم الأتراك لمجرد معرفتهم أنهم يحملون الجنسية السورية، ما دفع بعضهم إلى إخفاء هويته.

اشتكى لؤي (9 سنوات) من تنمّر زملائه في المدرسة لمجرد معرفتهم أنه سوري، ما دفع أهله إلى الانتقال من الميدان إلى كيراج وهي مناطق تابعة لحي إسنيورت في اسطنبول. وحي إسنيورت من المناطق المكتظة بالسوريين، ما سبّب حالةً من النقمة والعنصرية من قبل الأتراك تجاه السوريين، ودفعَ إدارة النفوس التركية لمنع تسجيل أجانب جدد ضمن الحي.

قام والد لؤي بنقل ابنه إلى المدرسة المجاورة لمكان إقامته الجديد، ونصحه قبل ذهابه للدوام في مدرسته ألّا يُفصح لزملائه ومعلّمته أنه سوري، وأن يخبرهم أنه تركي من ولاية هاتاي، مستغلّاً إتقانه اللغة التركية.

يقول والد لؤي: «لقد اختلفت معاملة التلاميذ والمعلّمة تماماً مع ابني في هذه المدرسة عمّا كان يتعرض له من عنصرية وتنمّر في المدرسة السابقة. أعلم أن هذا التصرف سيحعل ابني ينسى هويته الأصلية، لكن ليس لدينا حلٌ آخر».

وكشفت صحيفة قرار التركية في تقرير لها أن مدرسة «إسنيورت جمهورييت» الابتدائية عزلت التلاميذ السوريين في إحدى الحاويات المخصصة للشحن في باحة المدرسة، مع غياب كامل لوسائل التدفئة رغم البرد الشديد الذي تعرضت له مدينة اسطنبول. لكن مدير المدرسة سيركان غوكشين أكَّدَ لوسائل إعلامٍ تركية أن التقرير الذي أعدّته الصحيفة غير صحيح، وأنه يوجد في المدرسة نحو 500 تلميذ سوري ولا يتعرضون لأي تمييز، والإدارة لا يمكن أن تفرض سياسة التمييز العنصري بين التلاميذ بحسب العِرق أو الدين أو الجنسية.

تأثيرات خطيرة

في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) 2019 كانت قصة الطفل السوري وائل السعوّد ذي التسع سنوات، الذي انتحر بسبب العنصرية التي تعرَّضَ لها في مدرسته من قبل رفقاء الصف والمدرسين لأنه سوري. لم يتحمّل وائل توبيخ معلمه له بسبب خلافه مع أصدقائه حول ترتيب المقاعد في الصف، فأخذ حزاماً وقصد مقبرة حيّ كارتيبي في ولاية كوجلي التركية وعلّق نفسه على باب المقبرة ومات منتحراً.

وقبل أشهر تداولت وسائل إعلامٍ قصة الطفلة السورية ريان، التي تعرضت للسخرية من طفلٍ تركي في إحدى المدارس التركية بسبب إعاقتها: «أنتِ ما بتعرفي تمشي.. وعم تمشي متل الرجل الآلي». كلماتٌ كان وقعها في نفس ريان أقسى بكثير من الألم الذي شعرت به حين فقدت ساقها اليسرى، عقب انفجار سيارةٍ مفخخة في منطقة زملكا بالغوطة الشرقية عام 2014.

والتنمّر هو ممارسة نوع من أنواع العنف الجسدي أو اللفظي أو الاجتماعي أو العاطفي النفسي من قبل طفل يمتلك القوة، أو يشعر أنه يمتلكها، على طفلٍ أضعف، ما يؤدي إلى نتائج سلبية واضحة ومدمرة نفسياً تبقى آثارها إلى مدى بعيد. وترى الأخصائية النفسية هدى أشقر أن تَعرُّض الأطفال السوريين للتنمر والعنصرية يؤثر بشكلٍ كبير على شخصيتهم، و«قد تصبح شخصية ضعيفة وفاقدة للثقة بالنفس، وتتولد لديهم مشاعر الخوف والحقد والكره والعدوانية».

وأضافت أشقر أن «التأثير الأخطر للعنصرية هو أنها تدفع التلاميذ السوريين للتسرّب من المدارس وفقدان الرغبة في التعلّم، إضافةً إلى حدوث اضطرابات في التواصل وانعزال عن المجتمع، وربما تصل إلى محاولات الانتحار للتخلص من هذا التنمّر».

قوانين يمكن تعليقها

وفقَ لوائح القوانين الخاصة بالتسجيل في المدارس التركية، فإن قوانين وزارة التربية تُلزِم التلاميذ بالتسجيل ضمن حدود عنوان سكنهم، وهو ما كان مشكلة بالنسبة لكثير من الأسر السورية.

مصطفى تلميذ في الصف الثاني الابتدائي، يُقيم مع عائلته في حي بغجلر باسطنبول، عانى من مضايقات زملائه وسخريتهم المتكررة منه لأنه سوري، ورغم شكاوى والده المتكررة لكن المدرّس والمدير عجزوا عن أي إيجاد أي حلول.

يقول والدُ مصطفى: «قررت نقل ابني إلى مدرسةٍ أخرى، لكن الإدارة لم توافق لأنه يجب أن تكون المدرسة قرب عنوان سكني، وهذا اضطرني للانتقال إلى حيٍ آخر حتى تمكّنا من نقله إلى مدرسة أخرى، وذلك بعدما عانينا لأشهرٍ حتى عثرنا على منزل جديد، عدا المصاريف الباهظة من أجل النقل والإيجار».

لكن رغم وجود قانون يتيح للتلميذ التسجيل في المدارس الموجودة في عنوان سكنه، إلا أن بعض الأسر السورية اشتكت من عدم موافقة بعض مدراء المدارس على تسجيل التلاميذ السوريين في المدارس التابعة لعناوين سكنهم، ووضع الحجج والعراقيل الإدارية أمام ذلك.

لكن قبل كلّ ذلك، رغم أن الدستور والقوانين تحظر العنصرية وكل أشكال التمييز، وكذلك تفعل المواثيق الدولية التي وقّعت عليها تركيا، إلا أن خطاب الكراهية ضد التلاميذ السوريين في تركيا يتفاقم يوماً بعد آخر.

حلول منتظرة

دفعَ تفاقمُ العنصرية بعض ذوي التلاميذ إلى إخراج أطفالهم من المدارس التركية وتسجيلهم في مدارس دولية ناطقة باللغة العربية، لكنهم فئة قليلة باعتبار أن أغلب اللاجئين السوريين يعيشون أوضاعاً اقتصادية سيئة، وليس لديهم القدرة على تسجيل أطفالهم في تلك المدارس.

وهكذا، بينما لا يجد أغلب السوريين بديلاً عن إرسال أولادهم وبناتهم إلى المدارس التركية، أو إخراجهم من التعليم نهائياً عند عدم القدرة على الاحتمال، يشير الصحفي المهتم بالشأن التركي محمود خورشيد إلى أن «كثيراً من العائلات السورية تضطر للسكوت عن الإساءة التي يتعرض لها أبناؤها، ولا يجرؤون على رفع دعوى ضد من قام بالإساءة خوفاً من تعرُّضهم للترحيل أو المضايقة من قبل الأشخاص الذين قد يرفعون دعوى ضدهم».

وثمة مقترحات عديدة لمواجهة هذه الأوضاع الصعبة، منها ما يقترحه خورشيد من ضرورة «الضغط لتخصيص مكتب للشكاوى في كل مدرسة، يشرف عليه أشخاص يتمتعون بالنزاهة والحيادية، بحيث يرفعون تقارير دورية للتربية التركية بهذا الشأن». ومنها ما يقوله مضر حماد الأسعد، رئيس الرابطة السورية لحقوق اللاجئين، عن ضرورة الضغط «لمحاسبة كل من يُصدر تصريحات إعلامية عنصرية ضد اللاجئين، ولتطبيق القرارات الدولية بشأن حماية اللاجئين». ومنها أيضاً ما تنصح به المختصة النفسية هدى أشقر، من «متابعة الأهل لأوضاع أبنائهم وبناتهم داخل المدارس، والمشاركة في اجتماعات أولياء الأمور ومحاولة بناء علاقات جيدة مع المعلمين وذوي التلاميذ الأتراك».

تبقى هذه كلّها مقترحات يمكن أن تساهم في إدارة الأزمة وتخفيف تبعاتها، لكن المسألة بمجملها تبقى مرتبطة بالسياسات الحكومية التركية وبتوظيف الأحزاب التركية لمسألة اللاجئين في صراعاتها على السلطة.نشرت وكالة أنباء توركواز التركية خبراً تحت عنوان «المشاركة والاندماج الاجتماعي للتلاميذ السوريين في التعليم من منظور جمعيات الآباء والمعلمين والبلدية»، سلطت فيه الضوء على اجتماع جرى في كلية العلوم السياسية بجامعة مرمرة لمناقشة هذه المسألة. وفي الاجتماع قال أكاديميون أتراك إن التعليم حق للجميع يجب أن يمنح دون أي تمييز، لذا تقع على عاتق الدولة المسؤولية الأساسية لضمان استفادة كل فرد من نظام التعليم، بغض النظر عن عوامل مثل الجنس والعمر والدخل والعرق.