خلال الحديث مع لاجئين في حالة «إعاقة» مقيمين في فرنسا، يُلاحظ المرء بأن الأمل حاضرٌ دائماً في كلامهم؛ الأمل بوصفه دافعاً أساسيّاً لمغادرة سوريا وإيجاد علاج وخلاص من معاناة ناتجة عن إعاقة مؤقتة أو دائمة؛ الأمل بإمكانية اتباع طرق علاج مختلفة ومتضمّنة لحلول جذريَّة حيال أسباب إعاقة ونتائجها؛ الأمل بأن يجد المرء نفسه داخل مجتمعٍ يحترم اختلاف الشخص ولا يُمارس ضدّه تمييزاً بسبب ما يحمله من ضعفٍ أو وهنٍ أو عاهةٍ أصابت قسماً أو معظم أجزاء جسمه.

من هنا، وجدت أنَّه من المهّم تسليط الضوء على وضع سوريين/لاجئين، ممن هم في حالة إعاقة، والبحث في التغيّرات التي أصابت واقعهم بعد وصولهم إلى مجتمع جديد، وتعاملهم مع مؤسسات طبية ومراكز إعادة تأهيل في فرنسا، لذلك سأعمل على مناقشة العديد من المحاور محاولاً الإجابة عن الأسئلة التالية: هل الانتقال إلى فرنسا ساعد أشخاصاً «في حالة إعاقة» أو ساعد عائلاتهم في تجاوز مرحلة التهميش ومغادرة منطقة الظل التي كانوا، ربما، يعيشونها سابقاً وبشكل شبه دائم؟ هل يجسِّد ما قدمته وتقدمه الحكومة الفرنسية ومنظمات مهتمة بميدان الإعاقة صورةً من صور العدالة الاجتماعيَّة، أو أن الوضع القائم بعيدٌ عن بلوغ هذه الصورة أو حتى لا يمهّد نحو بلوغها؟ فمثلاً، من الصعب التمتع بصورة من صور الاستقلالية من دون الإقامة ضمن سكنٍ ملائم ومناسب، فهل يقيم «أشخاص في حالة إعاقة» أو ممن لديهم أطفال مصابون بإعاقات في بيوت تنسجم مع احتياجاتهم، مخفّفةً من آثار الإعاقة؟ إلى أيّ حدٍّ تعمل اللغة الفرنسيَّة بوصفها عائقاً أو مساعداً على «الاندماج» في المجتمع، مُبعدةً شخصاً يحمل إعاقة عن شبح العزلة؟ باختصار، هل الإقامة في بلد اللجوء عملت على التخفيف من ظروف الإعاقة ومن نتائجها أو عملت على مضاعفتها؟

سأتناول في المحور الأوّل التعريف العام والمتداول للإعاقة ولمن يحملها ضمن الأدبيات الفرنسيَّة، مع عرض مختصرٍ حول وضع أهم المنظمات التي تحاول الوقوف بجانب «أشخاص في حالة إعاقة»، مدافعةً عن حقوقهم، ومُستجيبةً لبعض أو معظم احتياجاتهم الطبية والاجتماعية والإنسانية. في المحور الثاني، سأتطرق، وبفضل شهادات أشخاص سوريين يقيمون في فرنسا، إلى مسائل العلاج الطبي والمتابعة في المشافي ومراكز التأهيل ما بين القانون والإمكانيات الفعلية لهذه المؤسسات. مسألة السكن ومدى احترامه لخصوصية واحتياجات «أشخاص في حالة إعاقة» ستكون محور النقاش في المحور الثالث، أما المحور الرابع والأخير، فسيدور حول مسألة تعليم اللغة الفرنسية ودورها في حالات عزلةٍ أو اندماجٍ في المجتمع. 

أوّلاً- منظمات ومراكز في استقبال «أشخاص في حالة إعاقة»

قبل أن أعرض مختصراً حول أهم المراكز والمنظمات التي تهتم بميدان الإعاقة في فرنسا، أذكر ما قاله آلان بلان حول مكانتها والأهمية التي تشغلها في هذه الدولة بالنسبة لأشخاص مصابين بإعاقة وبالنسبة لأسرهم، يقول: «لقد عملت المنظمات على بناء ميدان الإعاقة، أسّسته من خلال وبفضل نشاطاتها وحضورها المتطوّر، ولقد منحت نموذجاً معيناً لجانب من الحياة الاجتماعية حيث يتفاعل الانغلاق مع الانفتاح، والثبات مع التجديد […] هي نجحت في توسيع تأثيرها والاعتراف بها، لأنَّها منظمات تدير عدداً كبيراً من الخدمات والمراكز، من فئة الصغار وحتى الكبار في السن». Alain Blanc, Sociologie du handicap, éd. Armand Colin, Paris, 2012, p. 83. وأضاف بعد سطور: «إن عالم المنظمات هو عالم توازنيّ. يتمثَّل نجاحها الكبير في تحويل مشكلة خاصة إلى موضوع في الميدان العام؛ كلُّ الإعاقات تمّ دمجها، ولم يعد يمثِّل التضامن مسألة عائليَّة بشكل رئيسيّ، وإنّما أصبح مسألة وطنيَّة».Ibid, p. 86.

إنَّ ما ذكره آلان بلان بخصوص قُرب المراكز والمنظمات -تلك المهتمة بعالم الإعاقة والمصابين بها- من أفراد وعائلات هو أمر صحيحٌ، فهي موزّعة في المدن الصغرى والكبرى، وتعمل على استقبال المصابين، محاولةً التخفيف قدر الإمكان من مضاعفات الإعاقة على اختلاف درجاتها وأنواعها. فعلى سبيل المثال، عندما يصل طالب لجوء إلى فرنسا ويكون لديه إعاقة أو لدى أحد أطفاله عاهة مرئيَّة أو غير مرئيَّة، فإن أوّل باب ينبغي طرقه هو ما يسمى البيت الإقليميّ للأشخاص المعاقين (Maison départementale des personnes handicapées)، وهو مركز يعمل على دراسة ملفات الإعاقة ويحدّد نوعها ودرجتها، وبعد صدور قرار حول نوع الإعاقة ودرجتها من قِبل لجنة طبيّة، يتمُّ توجيه الشخص أو العائلة إلى مؤسسات تربوية وتعليمية ومهنية ونحو مراكز تهتم بالتأهيل النفسي والفيزيائي، كلّ شخص بحسب حالته.

إنَّ إقرار شكل الإعاقة ودرجتها يتوقف على تعريف الإعاقة المُعتمد من جانب اللجان الطبيَّة في هذا المركز، ففي فرنسا، وبحسب القانون رقم 102/2005، فإن الإعاقة هي «كلُّ قصورٍ في النشاط أو نقصٍ في المشاركة ضمن الحياة وداخل المجتمع، وهي كلُّ معاناة شخص داخل بيئته نتيجة تلف أساسيّ، دائم أو مؤقت، لإحدى أو العديد من الوظائف الجسميَّة، الحسيَّة، العقليَّة، المعرفيَّة أو النفسيَّة، أو هي كلُّ إعاقة مضاعفة أو اضطراب بسبب ضعفٍ صحيّ». من الواضح أنَّ تعريف الإعاقة المُعتَمد هنا يركّز على الحالة الفرديَّة للشخص وعلى مدى قدرته المشاركة بفاعليَّةٍ في الحياة الاجتماعية والمهنية، وهو تركيز مفهوم التوظيف، لأنَّ الغاية منه هي فقط تحديد نوعية إعاقة الشخص ودرجتها، في حين لا يشير إلى مؤسسات وبنى تحتيَّة تكون أحياناً أو غالباً بمثابة عوائق تدفع من يحمل إعاقة إلى صورة من صور العزلة والعيش على عتبة المجتمع، أو تكون هذه المؤسسات هي ذاتها في حالة إعاقة، عاجزةً عن التخفيف من مضاعفات الإعاقات ونتائجها.

بالنسبة إلى البيت الإقليميّ للمعاقين، فإنَّ حقوق المصاب بإعاقة تتمثَّل في: تعويض مالي يساعد الشخص في تلبية احتياجاته وما تستلزمه الإعاقة من أدوات وخطوات علاجيَّة؛ في حق التعليم والاندماج المهنيّ في المجتمع (حق الانتخاب والاعتراف بلغة الإشارة، ويجب أن تكون مداخل الأماكن العامة والحكوميَّة ملائمة لمن لديه إعاقة سمعيَّة أو بصريَّة)؛ وفي أن قابلية المرور والدخول متاحة للجميع فيما يخص الأماكن العامة.

أيضاً، من ضمن أهم المنظمات المهتمة بميدان الإعاقة والأشخاص المصابين بها هي منظمة UNAPEI، والاسم هو اختصار لـ: الاتحاد الوطني لجمعيات أسر الأطفال غير المتكيّفين. Union nationale des associations de parents d’enfants inadaptés وهي منظمة تضم 550 جمعية أخرى، و3000 مركزاً تابعاً لها، وقائمة على متطوعين وعائلات الأشخاص المعاقين وأصدقائهم. تعدّ هذه المنظمة من أهم من ينظّم نشاطات تضامنية وتقدم دعماً طبيّاً-اجتماعيّاً لأشخاص مصابين بإعاقة عقليَّة أو توحّد أو إعاقة مضاعفة أو إعاقة جسديَّة. ومن مهامها: العمل ضدّ العزلة والإقصاء الاجتماعي، إذ تقوم المنظمة بالكثير من النشاطات المتنوّعة والداعمة حتى لا تكون الإعاقة، بالنسبة لحاملها أو بالنسبة لعائلته، مرادفةً لعزلةٍ وإقصاء من المجتمع.

وتتمثّل الخطوات الأكثر أهمية، بحسب موقعها على الإنترنت، والتي تقوم بها هذه المنظمة في تكوين وعي لدى الناس حيال وضع «الأشخاص في حالة إعاقة»، وتشجعهم على أن يكونوا من أوائل من يساهم في بناء مجتمع تضمّني وتكاملي، وذلك بفضل شرحها لاختلاف نمط حياة المصابين بإعاقة، وإدراك احتياجاتهم وما الذي ينتظرونه من الآخرين. وعلى المستوى التربويّ والدراسيّ، تهدف المنظمة إلى تحقيق صورة من صور التربية التضمّنية/التكامليَّة، والتي تسمح لكل «طفل في حالة إعاقة» التواجد مع آخرين داخل المدرسة وضمن صفوفها. إنَّ المدرسة تجسِّد أهم الطرق من أجل بلوغ مستوىً من مستويات الاستقلالية، ولكي يصبح الطفل مواطناً، فكلُّ طفل في حالة إعاقة يجب السماح له بدخول المدرسة والحصول على تعليم ملائم وبحسب قدراته واحتياجاته. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، فإنَّ المنظمة تعمل على: إخضاع المعلمين لدورات تدريبية تتعلق بوضع تلاميذ في حالة إعاقة وخصوصيتها؛ وجعل المناهج أكثر انسجاماً – لحالات وظروف تلاميذ في حالة إعاقة- في العناوين والمنهج والمحتوى؛ وجعل المباني المدرسيَّة وبيئتها أكثر ملائمة، ودعمها حتى تصبح مناسبة لاستقبال تلاميذ في حالة إعاقة؛ وتأمين مرافقة مناسبة لهؤلاء التلاميذ، وإجراء تعاون بين إدارة المدارس والمراكز الخاصة، وتطوير هذا التعاون من أجل إتاحة الفرصة لـ«تلاميذ في حالة إعاقة» الحضور في صفوف مدارس تُصنّف على أنَّها طبيعية، ومحاولة زيادة الوعي  بخصوص هؤلاء التلاميذ.

أما على مستوى السكن، فإن هذه المنظمة تقدم حلولاً تساعد الشخص المصاب بإعاقة ليكون حرّاً في اختيار مسكنه، وأن يشعر بأنَّه يعيش في بيته، وأن يكون مستقلاً من دون أن يجد نفسه معزولاً. ومن أجل بلوغ ذلك ينبغي: ربط حرية اختيار السكن من دون إلزام الشخص أو عائلته بسكنٍ معين؛ وتطوير شكل السكن وتنظيمه ما بين سكن جماعي أو نصف جماعي أو فردي، وذلك في محاولة للإجابة على كلِّ احتياجات أشخاص حاملين لإعاقة؛ كما ينبغي الأخذ بعين الاعتبار المدخول المادي المحدود للمعاقين أثناء اقتراح سكنٍ عليهم أو خلال عملية البحث عن سكنٍ لهم، وتأمين مرافقة نفسيَّة-اجتماعيَّة-طبيَّة لهم مهما كان موقع سكنهم وعنوانهم.

أمّا في ما يخصّ العمل وإمكانية توفّره، فهناك جهة فرنسيَّة اسمها منظمة إدارة الصندوق الماليّ لأجل الاندماج المهنيّ الخاصّ بالأشخاص المعاقين (AGEFIPH)، والتي تهتم بأشخاص حصلوا على اعترافٍ بأنَّ لديهم إعاقة وقادرون على ممارسة عملٍ ما. ويستفيد أيضاً من خدمات هذه المنظمة أشخاص في حالة إعاقة ولديهم عمل مستقل. من صور المساعدات التي تقدمها بحسب موقعها على الإنترنت: الاندماج المهني وتطويره من أجل تعويض آثار الإعاقة؛ وتسهيل عملية الدخول والحصول على عمل والاستمرار به؛ ومساعدة بخصوص إيجاد دورات تدريبية وتوقيع عقود مهنية؛ مساعدة في تأمين دورات تدريبية فردية تساعد في ضمان استمرار العمل؛ ومساعدة في تجهيز مكان العمل بحيث ينسجم ويلائم إعاقة الشخص واحتياجاته. كما تقدم مساعدات ماليَّة، مثل: مساعدة في عملية إبداع فكرة مشروع؛ ومساعدة في تأمين أجور التنقّل والوجبات لمن يبحث عن عمل أو من لديه دورة تدريبيَّة خارج مدينته؛ ومساعدات تقنية وآلية لشراء ما يحتاجه «المعاق» من أدوات تعوّض أو تخفّف من آثار إعاقته؛ ومساعدة في عملية النقل والتنقّل؛ ومساعدة لمن لديه إعاقة سمعية.اسم المنظمة كاملاً هو: Association de gestion du fonds pour l’insertion professionnelle des personnes handicapées

في فرنسا، يوجد أيضاً ما يُسمى المجلس الوطني الاستشاري للأشخاص المعاقين(le conseil national consultatif des personnes handicapées)، وهو عبارة عن هيئة استشارية تعمل على تنظيم مشاركة أشخاص «معاقين»، أو من يمثِّلهم، في صياغة سياسة وقوانين خاصة بالإعاقة والعمل على إقرارها. يتضمن المجلس 160 عضواً، ويجسِّد أفضل طريقة من أجل تمثيل الأشخاص المعاقين وتفعيل مشاركتهم في بناء سياسات عامة في فرنسا.

بعد هذا العرض الموجز لما تقدمه بعض الجهات الحكومية والإدارية والطبية في فرنسا والمهتمة بالأشخاص المصابين بإعاقة، سأعمل على عرض شهادات أشخاص سوريّين وصلوا حديثاً إلى فرنسا، وذلك من أجل الاطلاع على وضعهم النفسيّ والاجتماعيّ والصحيّ والتأهيليّ، ومناقشته في ظلّ القوانين التي سبق عرضُها. وسأبدأ بمناقشة العلاج والرعاية الصحيَّة والتأهيليَّة المقَدَمة لأطفال أو لأشخاص سوريين مصابين بإعاقات متعددة وحاصلين على حق اللجوء أو الحماية في فرنسا. 

ثانيّاًالعلاج والتأهيل النفسي والاجتماعي ما بين القانون والمُتاح

من خلال الحديث مع العديد من العائلات والأشخاص الموجودين في فرنسا ولديهم حالة أو حالات إعاقة، يمكن للمرء أن يستنتج أنَّ وضع العلاج والرعاية والاهتمام الصحيّ ليس متشابهاً، وإنّما مختلفٌ بحسب المدينة ونوع الإعاقة ودرجتها. فعلى سبيل المثال، عمار (31 سنة) حاصل على حق اللجوء في فرنسا منذ خمس سنوات، وهو صحفيٌّ سابق في سوريا ومصاب بمرض مزمن يُسمى «اعتلال شبكية صباغيّ ثنائي الجانب»، يقول: «إنُّ الاهتمام بالمعاقين في فرنسا مهمّ وفعّال، ولا يمكن مقارنته بما هو موجود في سوريا أو الأردن أو تركيا. لا يوجد اختلاف على الصعيد الطبيّ لأنَّ حالتي لا علاج لها، لكن مراكز إعادة التأهيل في فرنسا والاهتمام بـ’المعاق’ مميزة جداً، لأنَّها تسمح للشخص بأن يؤسّس لحاضره ومستقبله، سواءً في ميدان الدراسة أو العمل». ثمَّ أضاف: «من النقاط السلبيَّة عدم وجود طريقة من أجل تسريع مواعيد الأطباء الاختصاصيين. فمن أجل تجديد ملف الإعاقة، كان من الصعوبة بمكان الحصول على موعد من طبيب عيون في مدينة نانسي». وقد ذهب في هذا الاتجاه سعيد (36 سنة)، وهو حاصل على حق اللجوء في فرنسا منذ ثلاث سنوات ويسكن في مدينة بوردو. لدى سعيد طفلان مصابان بمرضٍ مزمنٍ يدعى انحلال البشرة الفقاعي (فتاة 9 سنوات وصبي 3 سنوات). يقول سعيد: «أول وصولنا إلى فرنسا، ولأن طفليّ بحاجة إلى علاج بشكل يومي، فقد كانت الممرضات تأتين إلى البيت بشكل مستمر حتى في أيام العطلة. بعد ذلك، صرن تأتين لمعالجة طفليّ ثلاث مرات في الأسبوع، لكن يمكن التواصل معهن عبر الهاتف في حال وجود أي طارئ». وفيما يتعلق بالنتائج، قال الوالد: «كنّا نتوقع أن تكون النتائج أفضل من ذلك، فلا يوجد تحسّن واضح على الرغم من الرعاية المستمرة. وللأسف، يقول الأطباء إنَّه كلّما كبر طفليّ كلّما زادت حالتهما سوءاً».

بالمقابل، التحدّث مع عائلة سورية تسكن في مدينة رين -عائلة لديها امرأة (42 سنة) في حالة إعاقة جسديَّة مع اهتزاز مستمر في الأطراف، وشاب (28 سنة) في حالة إعاقة حركيَّة-نفسيَّة-عصبيَّة، تبيّن أنَّ انتظار التأهيل الجسديّ ضمن مراكز متخصّصة يحتاج إلى وقت طويل، وقد يصل إلى سنوات. فقد وصلت العائلة إلى فرنسا منذ 3 سنوات، وحتى الآن ينتظر الشاب مكاناً شاغراً في أحد مراكز التأهيل. ينتظر ويعيش في عزلة صعبة ضاعفت من معاناته النفسيَّة على حدّ قول والدته، والتي أضافت: «بشكلٍ عام، نحمد الله أننا جئنا إلى فرنسا، لكن كنت أتوقع أن يكون الاهتمام أفضل بكثير بالنسبة لأولادي. الكلام في السفارة الفرنسيَّة وخلال المقابلة كان مثالياً جداً، لكن في الواقع فإنَّ أمر العلاج والاهتمام يتضمن العديد من الصعوبات والكثير من الانتظار». وربما أقسى ما يمكن سماعه من شهادات هو ما قاله خالد، الذي يعيش في مدينة بوردو، حول وضع والدته (50 سنة) التي نالت حق الحماية في فرنسا، ثمَّ وبعد ثلاث سنوات من الإقامة، عادت إلى سوريا. الوالدة مصابة بحالة نفسية غارقة في القلق اسمها الوسواس القهري. ينتقد الابن مؤسساتٍ طبية في فرنسا لم تقدم، بحسب رأيه، حلولاً فعّالة لحالة والدته، ما أدى إلى تغيّر وضعها النفسي كثيراً مقارنةً بوضعها السابق في سوريا. فعلى مدار ثلاث سنوات، استمرت والدته في قلقها وحالة الوسواس التي تسيطر عليها، رافضةً الاحتكاك بالآخرين ومصافحتهم، وكانت تداوم على الاغتسال لعددٍ غير محدود من المرات والساعات في اليوم الواحد. زياراتها لعيادة طبيب نفسيّ يتحدث اللغة العربيَّة لم تساعدها في التخفيف من اضطراب حالتها النفسيَّة. 

ويشرح خالد الظروف التي عاشتها والدته عندما تمّ تحويلها إلى أحد المشافي المخصّصة للحالات النفسيَّة الصعبة في مدينة بوردو: «ذات مرّة، اقترح الطبيب ذهابها إلى مشفى مختصّ بمعالجة الأمراض النفسيَّة، وقد بقيت والدتي فيه حوالي أسبوعين فقط. لقد كانت أبواب المشفى مفتوحة، وكانت تستطيع الدخول والخروج منه متى شاءت. لا يوجد علاج مميز أو خاص لحالتها في هذا المشفى، فقد كانوا يعطون والدتي دواءً يساعدها على الاسترخاء والنوم. بالنسبة لنوع الطعام، فقد كان لا يناسب حالتها، فالأكل الموجود يوزع على جميع المقيمين من دون مراعاة حالتهم الخاصة، لذلك كنت أنقل لوالدتي طعاماً خاصّاً في كلّ يوم، فما كانت تأكل غير الطعام البعيد عن كافة أنواع اللحم والدهون والزيوت. بالنتيجة، فضّلت والدتي العودة إلى سوريا من أجل البقاء بجانب الأهل والأقارب، والذين بفضل العلاقة معهم، يستطيعون التخفيف من معاناتها اليوميَّة. بالنسبة لها، لقد كان علاج حالتها النفسيَّة علاجاً فاشلاً وبشكل واضح».

بناءً على ما سبق من شهادات، يمكن القول إنَّ شكل الإعاقة ودرجتها هما من يحدّدان إمكانية أو صعوبة مسائل العلاج والعناية والشفاء في فرنسا، فحدود المعرفة الطبيَّة في مؤسساتها لا تختلف عمّا هو موجود في العديد من الدول. على سبيل المثال لا يوجد علاج لمرض انحلال البشرة الفقاعي كما كانت الأمنيات، وبالتالي ما تقدمه المؤسسة الطبيّة لأطفال عائلة سعيد يتمثّل في التخفيف من مضاعفات هذا المرض المزمن وفي محاولة التقليل من الآلام الناتجة عنه، من دون القدرة على إيقاف تقدم هذا المرض، طالما أن الباحثين في ميدان الطبَّ مستمرون في بحثهم من دون إيجاد حلٍّ نهائي. وعلى الرغم من تطور مراكز التأهيل النفسي والاجتماعي والحركي في فرنسا وانتشارها في العديد من المدن، إلا أنّها تبقى عاجزة أحياناً أو غالباً عن استقبال جميع من يحتاج إلى خدماتها، فهذا شاب سوري يعيش في مدينة رين مع عائلته يعاني من عزلة شديدة نتيجة عدم استطاعته الخروج من البيت، منتظراً مركز تأهيل يستطيع استقباله، ويعمل على التخفيف من معاناته. في حين، لم تقدم مراكز الدعم والطبّ النفسي علاجاتٍ جديدة قادرة على التخفيف من حالة الوسواس القهريّ التي عانت وتعاني منها والدة خالد، والتي فضّلت في النهاية اختيار العودة إلى سوريا والبقاء إلى جانب الأهل والأقارب بعيداً عن عزلةٍ فرضتْها الغربة وظروفها. بالمقابل، قدمت المؤسسات التعليميَّة العديد من الخدمات لمن يعاني من إعاقة بصرية، ففي الوقت الذي تعجز فيه المعرفة الطبيَّة عن إيجاد علاج لحالة عمار، عملت مؤسسات أخرى، موجودة في الجامعة، على تأمين دورات خاصة بحالته (على المستوى التقني ومجهّزة بأدوات خاصة لمن يعاني من إعاقات بصريَّة)، وسمحت له باستكمال دراسته والتأسيس لحاضر ومستقبل يتمنَّاهما ويرغب بهما.

ما قالته إحدى العائلات السورية بأن ما سمعته من كلام ووعود في السفارة الفرنسيَّة يختلف عمّا هو موجود في الواقع -من انتظار وصعوبات، ومعاناة في انجاز الكثير من المعاملات الإداريَّة- له العديد من الدلالات: ففي بعض الحالات، لا تسمح حدود المعرفة الطبيَّة والإمكانيات المحدودة لبعض المؤسسات بتطبيق مضمون قوانين خاصة بميدان الإعاقة، والتي هي قوانين تسعى إلى صورة من صور العدالة والمساواة.  من هنا يشعر بعض المصابين بإعاقة متعدّدة بوجود هوةٍ ما بين النص والواقع، أو أن الأمل بالحصول على علاج فعّال وربما الشفاء هو أمل موجود في نفوس من هم في حالة إعاقة بغض النظر عن جنسيتهم، سواء أكانوا مواطنين فرنسيّين أو مقيمين أجانب. الفرق ما بين موطن فرنسيّ مصاب بإعاقة وبين شخص مصاب أيضاً بإعاقة ولديه حق اللجوء هو أنَّ الأوَّل أدرك ويدرك صعوبة علاج الضعف المصاب به في بلده، بينما الثاني كان قد ترك بلده مرجّحاً بأنَّ المؤسسات الطبيَّة في فرنسا تمتلك علاجات لإعاقته أو بأنَّ ما هو متوفِّر فيها غير متوفِّر في بلده الغارق في الحرب والدمار. والفرق الثاني، أن الفرنسي يتقن لغته الأم ويستطيع بفضلها السعي إلى نيل حقوقه أو إلى الخروج من عزلته والانضمام إلى إحدى الجمعيات الموجودة في حيّه، لكن من يحمل إعاقة ولا يتقن اللغة الفرنسيَّة، فإنَّ العزلة ستكون، في كثير من الأحيان، مثلّ ظلّه، وسيبذل الكثير من الجهد للمطالبة بحقوق تساعده في التخفيف من مضاعفات إعاقته. من هنا أنتقل إلى الحديث عن السكن الذي يشغله أشخاص وعائلات لديها أطفال في حالة إعاقة، فهل يتوفِّر هذا السكن على شروط تزيل العوائق من أمامهم أو هي تعمل على زيادتها؟ 

ثالثاً- هل يقدم السكن في فرنسا الاستقلاليَّة، ويُجنّب المصابين بإعاقةٍ العزلة؟ 

تقول آن صوفي باريزو في تعريفها للإعاقة: «هي غالباً نتيجة لقاء بين من يحمل ضعفاً وبين بيئة تكون ملائمة أقل مع هذا الضعف[…] الإعاقة هي بالنتيجة معطى علائقيّ»،Anne-Sophie Parisot, Le vécu du corps et l’intériorisation du regard, in : Le corps vécu chez la personne âgée et la personne handicapée. Sous la direction de Pierre Ancet, Ed. Dunod, Paris, 2010, p. 145. ثمَّ تضيف إنَّ «الإعاقة مرض في العلاقة»،Ibid., p. 146. والمقصود هنا هو العلاقة بين الفرد ومحيطه. يلاحظ القارئ أيضاً أهمية توفّر شروط مناسبة في البيئة التي يعيش فيها الأشخاص المصابون بإعاقة فيما كتبه آلان بلان، والذي يعطي أهمية كبيرة لمفهوم «إمكانية المرور والدخول» بوصفه مفهوماً يتضمن دلالة على تقدم المجتمع وعدالة مؤسساته تجاه جميع المواطنين من دون استثناء. فالأمل لدى الكاتب هو أنَّه: «ينبغي أن يتمّ تصوّر العالم وأن يتمّ إنتاجه بوصفه محيطاً سلساً، من دون خشونة، يسمح بالمرور إلى ما لا نهاية، والأمل بأن يكون مفتوحاً على نفسه».Alain Blanc, Sociologie du handicap, éd. Armand Colin, Paris, 2012, p. 68.  ويوضّح فكرته أكثر بالقول: «إنَّ غياب إمكانية الدخول والمرور واستمراريتها تقدم للأشخاص المعاقين، وبشكل رسمي، عالماً مقطّعاً، هم الذين يعيشون عمليّاً ضمن شكل من أشكال العزلة. هم ينتقدون هذه القطيعة، مفضلين إمكانية الدخول العامة وإمكانية تنظيم تنقلات مرنة».Ibid., p. 72.

هذه الأفكار المهمّة تتكامل مع ما عرضناه من مبادئ وقواعد تنادي بها منظمات ومراكز التأهيل في فرنسا وتدافع عنها، محاولةً تطبيقها، إذ لا تقتصر الإعاقة على ما يحمله الشخص من ضعفٍ أو على وجود أطراف لا تقوم بوظائفها كما يجب، وإنّما البيئة، غير المرحِّبة بهذا الشخص، تساهم أيضاً في تعزيز إعاقته من خلال زيادة العوائق بدلاً من التخفيف منها. لهذا عرّفت آن صوفي الإعاقة بأنَّها عبارة عن علاقة ما بين الشخص ومحيطه، فعلى قدر ما يوفّر هذا المحيط وسائل وإجراءات وإمكانية مرور ودخول (في الشارع وأمام المؤسسات والمتاجر) ويقلّل من الحواجز أمام الشخص، على قدر ما يكون هذا الأخير قادراً على تجاوز نتائج إعاقته، حائزاً على مستوى من مستويات الحرية والاستقلالية في حياته. فإلى أي حدٍّ، يشعر سوريون لاجئون ومصابون بإعاقةٍ بصورة من صور الاستقلالية والحرية ضمن البيوت التي يسكنوها وخلال حياتهم الجديدة هنا في فرنسا؟

سبق ولاحظنا أن هناك منظمات، في فرنسا، تؤكد على ضرورة توفير سكن مناسب يمنح الشخص استقلالية معينة من دون دفعه إلى عزلة لا يرغبها. ويلاحظ المرء أنَّ مسألة تأمين هذا النوع من السكن هي مسألة ليست متشابهة، وتختلف تجارب الأشخاص من مدينة إلى أخرى، وأحياناً بحسب نوع الإعاقة ودرجتها. فعلى سبيل المثال، يقيم سعيد منذ ثلاث سنوات في سكن مؤقت مع عائلته وطفليه المصابين بمرض انحلال البشرة الفقاعي، وقد قال: «إنَّ السكن مناسب بشكل عام، فنحن نسكن في الطابق السابع، لكن هناك مصعد. من دون مصعد ستكون الأمور صعبة، لأن المشي وصعود الدرج يسبّب تعباً لابنتي. أيضاً، سيكون السكن الدائم، وبحسب الموظفين، في مركز المدينة وقريب من مشفى الأطفال في مدينة بوردو». أن تسكن العائلة في وسط المدينة، وليس بعيداً عن المشفى، فهذا أمر إيجابيّ، ولا يزيد على حياة الطفلتين ووالديهما صعوبات أخرى. بدوره أكد عمار بأنَّ السكن الذي يقيم فيه هو وعائلته لا ينتج عنه صعوبات تضاف إلى صعوبات إعاقته البصريَّة، وأنَّه وبفضل ما لديه من برامج على هاتفه، يستطيع الذهاب إلى جامعته والعودة منها من دون أية مشاكل على الطرقات أو في المواصلات.

بالمقابل، هناك من هو غير راضٍ أبداً عن شروط السكن المقيم فيه، فأثناء الحديث مع علي العلي (41 سنة، متزوج ولديه خمسة أطفال) انتقد كثيراً مواصفات السكن الذي يقيم فيه، والتي لا تنسجم مع الإعاقة المصاب بها (شلل مع خلع في الورك وصدمة في الدماغ منذ مرحلة الطفولة). يقول: «أول وصولنا إلى فرنسا خصّصوا لنا سكناً غير مناسب لإعاقتي، فقد كان عبارة عن شقةٍ مع درج، والدرج زاد من معاناتي في الصعود والنزول، بقينا فيها ثلاث سنوات. خلال هذه المدة، كنت أتكلم مع المساعدة الاجتماعيّة من أجل سكن أفضل، لكن لم تتم الاستجابة لأمنياتي. لقد كنت مجبراً على القبول بالسكن الذي نقيم فيه حالياً، وهو في الطابق الثاني مع مصعد يكون أحياناً خارج الخدمة. والمشكلة الأكبر هي في الحمام العامودي الذي لا يساعد في تجاوز صعوبات إعاقتي. فهو عالٍ عن مستوى أرض الحمام، وفي كلِّ مرّة أصعد وأنزل أواجه مشكلة، وقد سقطت مرتين في هذا الحمام غير المناسب لما أعانيه من اعوجاج في كلا الطرفين السفليين». لا تستجب شركة السكن في مدينة أميان، حتى الآن، لنداء علي في تغيير الحمام بما يتناسب مع ظروف إعاقته، وقد قيل له بأنَّه تم شراء حمام جديد لسكنه، لكن ومنذ شهور لم يأتِ أحد ليقوم باستبداله. ويضيف: «نمط السكن يزيد من معاناتي ولا يخفف منها، وإنْ أصاب المصعد عطلاً، فهذا يدفعني إلى تأجيل خروجي من البيت لقضاء حاجات أسرتي. أيضاً، أمام سكني لا يوجد موقف خاص بالمعاقين، وعندما طلبت من البلدية تخصيص موقف لسيارتي كوني أعاني من إعاقة، قالوا لي بوجود موقفين. هما موقفان فقط لسكان يشغلون أكثر من سبع عمارات».

في حين بقيت والدة خالد حوالي سنة ونصف ضمن سكن جماعيّ/مشترك، والذي كان غير مناسب أبداً لما تحتاجه حالتها النفسيَّة (وسواس قهريّ) من متطلبات واحتياجات خاصة، فقد عانت وزادت حالتها سوءاً خلال هذه المدة الطويلة. يقول الابن: «لقد كانت في كثير من الأحيان لا تأكل كما يجب حتى تتجنّب الذهاب إلى المراحيض المشتركة الموجودة في هذا السكن، وكلّما ذهبت إلى قضاء حاجتها، كانت تبقى ساعات طويلة وهي تغسل يديها بالصابون. تصوّر أنَّه أصابها ألمٌ في الظهر من كثرة الوقوف وهي تغسل يديها. صدقاً، لقد زاد ذلك كثيراً من قلقها وشكوكها حيال النظافة والأكل والشرب». أما العائلة السورية التي تسكن في مدينة رين، فتقول: «بقينا في قرية صغيرة لمدة تسعة أشهر في عزلة شبه كاملة، لا طرقات مناسبة ولا مواصلات متوفّرة. أما السكن الحالي، فهو غير مخصّص لمتطلبات إعاقة أولادي. نعم، إنَّ مدخل البيت مناسب، أمّا، داخل البيت فهو غير مريح، والحمام غير ملائم لإعاقة بنتي وابني، وكلّما طالبنا بتغيير البيت، يُقال لنا اصبروا».

يدرك المرء أنَّ وضع السكن ليس واحداً ومتشابه الأحوال والشروط في كلِّ مدن فرنسا، فقد تمّ تخصيص نماذج من سكنٍ مناسبٍ وضمن أحياء حديثة تتوفّر على تنظيم يحترم خصوصية العديد من حالات الإعاقة، لكن في الوقت نفسه، وكما ذكرته بعض الشهادات، فإنَّ هناك من يعاني ومنذ سنوات، لأنَّه يقيم في سكن قديم، سكن يعمل على مضاعفة العوائق أمام «شخص في حالة إعاقة»، سالباً منه اعترافاً بخصوصية حالته، ومهملاً ضرورة نيل هذا الشخص لصورة من صور الاستقلالية والمساواة. تقول كريستيل برادو: إنَّ «الاعتراف بمجموعة أفراد والاعتراف باحتياجاتهم الخاصّة، من دون الوقوع في التمييز، هو تحدٍّ في الطريق نحو بلوغ المساواة».Christel Prado, Mieux accompagner et inclure les personnes en situation de handicap : un défi, une nécessité, juin, 2014, Conseil économique social et environnemental, p. 21. إنَّ عدم تخصيص سكن ملائم لاحتياجات «أشخاص في حالة إعاقة» يعزّز من تهمّيش هؤلاء الأشخاص، ويدفعهم إلى عزلة قاسية تُضاف إلى عزلة يعيشها الكثير من اللاجئين، كما أنَّ عدم توفير سكن مناسب لمصابٍ بإعاقة يعني حرمانه أو منعه أو إعاقته من القيام بالعديد من الأمور، والتي تعبّر، في كثير من الأحيان، عن ذاته وعمَّا يريد أن يفعله ويتمنّاه. من هنا يشعر الشخص بأنَّه غير موجود، وأنَّ شروط سكنه لا تسمح له بتجاوز الضعف الذي يعانيه من أجل استثمار ما يملكه من قدرات وإمكانيات.

رابعاً- مؤسسات تدريس اللغة، وأهمية التكامل بدلاً من حالة الاندماج

أوّل جملة قالها عمار عندما سألته عن اللّغة: «اللغة هي مفتاح فهم الكثير من الأمور في فرنسا، وهي مفتاح لبناء العديد من العلاقات مع الآخرين». وبناءً على جملته هذه سأعمل على تطوير أفكار هذا المحور.

عندما ينال المرء حق اللجوء أو الحماية في فرنسا، يخوض دورة اسمها دورة اندماج، تتخلّلها معلومات عن فرنسا وعن تاريخها وأهم المبادئ التي يتضمنها دستور الجمهوريّة الفرنسيَّة، كما يتمّ التأكيد على أهمية تعلّم اللغة الفرنسيَّة كإحدى الوسائل المهمّة للاندماج في المجتمع الفرنسيّ. تُخصّص الدولة لكلِّ فرد ستمائة ساعة لدراسة لغة، ويمكن بسهولة لهذه الساعات أن تنخفض في حال وجد الموظّف أن الشخص يمتلك بعض المبادئ الأوليَّة في اللغة الفرنسيَّة. والتساؤلات التي تطرح هنا، هل مؤسسات تعليم اللغة تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الخاصة لأشخاص مصابين بإعاقة؟ وهل اللغة تمثِّل عنصراً رئيسيّاً في سبيل الاندماج؟ في حين عدم اتقانها يقود المرء إلى عزلة بائسة؟ وكيف السبيل إلى بلوغ حالة من التكامل الاجتماعيّ؟

كما في حال السكن، وجدتُ أن مسألة اللغة تختلف من شخص إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى، فهناك من يجد بأنَّ مسألة إمكانية المرور والدخول متاحة أمام معظم الأبنية المتخصّصة في تعليم اللغة الفرنسيَّة، حيث توجد مواقف سيارات خاصة بالأشخاص المصابين بإعاقة، وأبواب مدخل المبنى عريضة ويوجد مصعد. وفي حال كان المبنى قديماً، يتم إجراء الدرس في الطابق الأرضيّ. وهناك من لديه إعاقة بصريَّة، وكانت المعلمة ترسل له جميع الدروس على بريده الإلكتروني من أجل أن يدرسها وفق برنامج خاصّ يمتلكه ويساعده في القراءة والكتابة. لكن، على ما يبدو إنَّ الصعوبة تكمن في نقاط أخرى، أشار إليها من تكلمتُ معهم:

قال السيد علي بأنَّه «درس فقط مئتي ساعة لغة، ولم تكن الفائدة كبيرة، وبعد ذلك لم يتم اقتراح أية دورة لغة إضافية في مدينة أميان». وهذا هو الحال بالنسبة لدانا التي تعيش مع عائلتها في مدينة رين، فقد كانت سعيدة جدّاً بالقدرة على الخروج من البيت، بفضل الكرسي الكهربائيّ، واتباع دورة لغة واحدة، «لكن بعد نهاية هذه الدورة، لم يقترحوا عليّ أية دورة إضافيّة، وإنَّما ما تقوله وتكرّره الإدارة هو عبارة واحدة فقط: انتظري واصبري». في حين، وقبل دخوله الجامعة، أدرك عمار بوجود صعوبات في سبيل تعلّم اللغة، فكان لديه أسلوب خاصّ يحمل الكثير من الاستقلاليَّة. يقول: «تعلّم اللغة هي مشكلة واضحة بالنسبة للجميع، وهذا ما فهمته منذ وصولي فرنسا. لهذا صرت أتابع دروس اللغة لوحدي في البيت إلى أن حصلت على مستوى (B2). إنَّ اتقان اللغة، وبشكل خاصّ لمن يحمل إعاقة، هو مفتاح لفهم الكثير من الأمور الإداريَّة وبناء علاقات في فرنسا». ومن الحالات الأشد قسوةً ومعاناةً كانت حالة سعيد وزوجته، فهما في احتكاك وتواصل دائمين مع الكوادر الطبيَّة، خلال رحلة علاج طفليهما من مرض انحلال البشرة الفقاعي، فكانت وما تزال أمنيتهما هي: اخضاعهما لدورة لغة تتضمن مصطلحات ومفاهيم طبيَّة، يستطيعانِ من خلالها التواصل بسهولة أكبر مع الأطباء والكوادر الطبيَّة. لكن هذه الأمنية من الصعب تحققها لعدم وجود هكذا دورات في فرنسا. يقول سعيد: «في المشفى، يوجد دائماً مترجم، وحتى في البيت يأتي مترجم عندما يكون لدينا مواعيد طبيَّة مهمّة. أمّا فيما يخصّ دورة اللغة، فلم تقدم لنا الكثير من القواعد والمفردات، ومع الأيام وبفضل الاحتكاك مع الكوادر الطبيَّة، صرنا نحفظ مفردات فرنسيَّة ترتبط بعالم الطبِّ واحتياجات أطفالنا». ثمّ أضاف: «ضعف لغتنا الفرنسيَّة له دور كبير في عزلتنا. لقد تعبنا من الغربة، ولو كنّا في سوريا، لكان أهلي أو أهل زوجتي ساعدونا في العناية بأطفالنا. لكن هنا في الغربة، تمثِّل اللغة حاجزاً يحدّ من احتكاكنا بالناس، في حين في سوريا فإن اللغة هي جسر من أجل الحديث مع الناس».

يلاحظ المرء أنَّ هناك محدودية في ساعات اللُّغة المخصّصة للاجئين، وأنَّ على المرء الاجتهاد لوحده والبحث عن جهات إضافيَّة تقترح دورات لغة من أجل تطوير نفسه والبدء في مشوراه الدراسيّ أو المهنيّ. لكن، تزداد الصعوبات أكثر أمام «أشخاص في حالة إعاقة»، فهم لا يبحثون فقط عن دورات لغة، وإنّما أيضاً عن مراكز تستطيع استقبالهم نتيجة حالتهم واحتياجاتهم الخاصة، أو نتيجة وضع أطفالهم الذين هم بحاجة مستمرة إلى زيارات طبيَّة وجلسات علاج وتأهيل. وعندما لا يجدون بسهولة هذه المراكز، يبقى مستواهم في اللغة ضعيفاً، فيسيطر عليهم شكل من أشكال الاعتماديَّة على الآخر، وأيضاً صورة من صور العزلة الخانقة. من هنا تُطرح قضية الاندماج وإشكاليته، فكيف يمكن للمرء الاندماج في المجتمع الفرنسيّ، ومؤسساته تخصّص ساعات محدودة من دورات اللغة؟ لا بل، كيف لشخص يعاني من إعاقة أو لعائلةٍ لديها «أطفال في حالة إعاقة» الاندماج في مجتمع لا يتقنون لغته، ومشغولون غالباً بمواعيد طبيَّة وبالسعي إلى التخفيف من نتائج الإعاقة ومن مضاعفاتها؟

إن عدم اتقان اللغة أو عدم توفير مؤسسات قادرة على تأمين دورات مستمرة لـ«أشخاص في حالة إعاقة» يقود هؤلاء الأشخاص ليس إلى عزلة، وإنَّما نحو صورة من صور الطرد الاجتماعيّ، والعيش على عتبة المجتمع، وهذا ما يشعر به سعيد وزوجته، ويستحضران لحظات القرب والدفء التي سبق وعاشاها في سوريا عندما كانا بالقرب من الأهل والأقارب، على الرغم من العناية الطبيّة المتاحة لأطفالهما هنا في فرنسا. لذلك، ومن أجل أن تتجسّد مبادئ الدستور الفرنسي (حرية ومساواة وإخاء) وتستكمل صورها في المجتمع وداخل مؤسساته، ينبغي القيام بالعديد من الخطوات في سبيل إبعاد «لاجئين في حالة إعاقة» عن عزلٍ وطردٍ اجتماعيّين، واللذينِ تحدثت عنهما كريستيل برادو، وهما: «الطرد/الإبعاد الاجتماعيّ exclusion sociale وهو النفي أو التهمّيش الاجتماعيّ لأفراد ليسوا أو ما عادوا منسجمين مع النموذج السائد في المجتمع. هو نمط ليس مدروساً ومنظماً، وليس مقبولاً، لكنَّه يمثِّل خطوةً عنيفة تقود، أحياناً وبالتدريج، إلى إحداث قطيعة بين الروابط الاجتماعيَّة».Christel Prado, Mieux accompagner et inclure les personnes en situation de handicap : un défi, une nécessité, juin, 2014, Conseil économique social et environnemental, p. 22. وهناك أيضاً «العزل/الإقصاء ségrégation وهو ما يجسِّد عملية وضع الفرد جانباً. عندما يكون القبول سياسيّاً، فإنَّ العزل يعني أن قواعد المجتمع وقوانينه تهدف إلى وضع مجموعة من الأفراد ذوي صفات محدّدة بعيداً أو على الهامش».Ibid., p. 22. أمّا الحالة المثاليَّة، والتي ينبغي السعي إلى بلوغها، فتتمثَّل في حالة التكامل، والتي تعرّفها الكاتبة كالتالي: «التضمّن/التكامل inclusion يعني أن يمتلك كلّ الأشخاص، مهما كانت قدراتهم، إمكانية المشاركة، بلا أيّ تحفّظ، في الحياة داخل المجتمع. لقد تمّ وضع القواعد والقوانين وتمت كتابتها لأجل الجميع، فينبغي أن تكون الحقوق محترمة بالنسبة إلى الجميع، والواجبات متماثلة أمام الجميع. اختلافات القدرات بين الأفراد، سواءً أكانوا في حالة إعاقة أم لا، هي اختلافات معترف بها وينبغي تقديرها».Ibid., p. 23.

إذاً، تَحدُثُ قطيعة بين أفراد أو بين فئات اجتماعيَّة عندما تعمل مؤسسات تربوية-اقتصادية-سياسية على إهمال فئة من الأشخاص وتطالبهم بأن يكونوا مثل الآخرين، تطالبهم بذلك من دون أن توفّر لهم مقومات وعوامل مناسبة تسمح لهم في بلوغ هذا المستوى من التشابه واحترام المعايير السائدة. فعندما لا يجد «شخص في حالة إعاقة» دورات لغة مناسبة لوضعه وملائمة لاحتياجاته، فكيف يمكن له إتقان الفرنسية؟ إنَّ عدم اتقانه هذه اللغة وعدم تلقيه الدعم من مؤسسات تعليمية واجتماعية يقودانه إلى العزلة والعيش بعيداً عن مجتمع يقيم فيه منذ سنوات. كما يتولّد العزل من ميل المجتمع إلى تصنيف وعزل كلِّ من لا يحترم المعايير العامة من شكلٍ ونمط حياةٍ وطريقة محدّدة في السير والتعلّم والعمل. وهكذا، يجد «أشخاص لاجئون في حالة إعاقة» أنفسهم في عزلة لأنّ حالتهم وما تقتضيه إعاقتهم لا تسمحان لهم باحترام المعايير العامة والمقبولة والمألوفة في المجتمع الفرنسي.

إنَّ العزل يمثّل طريقةً سهلة أو هو بمثابة هروب نتيجة فشل العديد من المؤسسات في اقتراح حلول جذريَّة تلبي احتياجات بعض أو معظم من لديه إعاقة، ونتيجة تقصير في التخفيف من معاناة حاضر هؤلاء الأشخاص ومستقبلهم. من هنا تقترح كريستيل برادو الحالة الأفضل، والتي تتعدى مسألة الاندماج، وهي حالة التكامل والتضمّن الاجتماعيين. فإذا كانت مبادئ الاندماج تقوم على وجوب أن يتكيّف الفرد مع المجموع لكي يصبح مشابهاً لهم في السلوك والأفكار، فإنَّ حالة التكامل تتمثّل في دعوة الأشخاص، بغض النظر على قدراتهم ونمط حياتهم المختلف، إلى المشاركة في الحياة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والتفاعل مع النشاطات المنظّمة في محيط الفرد ووسطه الاجتماعيّ.

لكن، من أجل بلوغ حالة التكامل (مجتمع تكاملي) والتي تتضمن اعترافاً بذوات الأشخاص وقدراتهم على الإنتاج والتمتع بصورة من صور الاستقلاليَّة، ينبغي:

–   تأمين مراكز تأهيل وعلاج تخفّف من نتائج الإعاقة ومن معاناتها، والتي تضغط على حياة الفرد وعلى أفراد أسرته، دافعةً البعض إلى عزلة قاسية.

–   تقديم سكن لا يزيد من معاناة حامل الإعاقة، وإنّما على العكس، يساعده في بلوغ مستوىً من مستويات الاستقلالية.

–   توفير دورات لغة فرنسية مناسبة.

بفضل ما سبق، يستطيع الكثير من اللاجئين المصابين بإعاقة الخروج من عزلتهم واستثمار ما يمتلكونه من قدرات جسدية وفكرية في ميادين الدراسة والعمل. عبر ذلك وبفضله، تبرز الذات بوصفها ذاتاً فعّالةً تمتلك قدرات مختلفة ومتنوّعة، وتقدم ما تمتلكه بوصفه متكاملاً مع ما هو موجود في المجتمع. من هنا، يعمل المجتمع ومؤسساته على منح صورة من صور الاعتراف بهذه الذوات وبقدراتها على تقديم ما هو غني ومتنوّع؛ تنوّع وغنى ضروريان من أجل أن يستمر المجتمع الفرنسي في تطوّره، وإمكانية ممارسة أفراده، ومن دون استثناء، لمبادئ الحرية والمساواة والإخاء.

 خاتمة

يقول فيليب برنارد: «ينبغي إحياء سياسة تكون في صالح إقامة منسجمة للمهاجرين في فرنسا، وتكون أيضاً ضدّ أشكال الطرد الاجتماعي، والذي لا يصيب فقط الأجانب، وإنّما بعض الفرنسيّين».Philippe Bernard, L’immigration, Ed. Le monde, 1993, p. 116. وبدوره يشرح ديفيد لو براتون بعض العوامل التي تمنع الشخص من إقامة علاقات اجتماعية وتسبّب له ازدراءً من جانب محيطه: «إنَّ الشخص الذي يُمارس ضدّه التمييز، يمتلك مظهراً أو سمعة غير محبّبة، والتي تمنع عنه شكلاً من أشكال القبول لدى الآخرين. كما تكون إمكانياته من أجل إقامة علاقات اجتماعيَّة منخفضة والسبب في ذلك يتمثّل في ازدراء اجتماعيّ حيال الصفات التي ترتبط به ظاهريّاً، ومن دون وجود إمكانية لتغييرها».David Le Breton, Visage et formes de défiguration, in La chute des masques, sous la direction de Christophe Dargère et Stéphane Héas, Presses universitaires de Grenoble, 2015, p. 224. وهنا وضمن هذا السياق، أجد من المناسب استحضار تعريف عبارة شخص في حالة إعاقة: «هو ذاتٌ إنسانيَّة تمتلك قدراتٍ مختلفة ومتفاوتة، مقارنةً بقدرات الذوات الأخرى. وهو شخص يستطيع -مثل كل الأفراد- ممارسة حريته وإحساسه ووعيه عندما تسمح بذلك الأُطُر الطبية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية المحيطة به. هو شخصٌ ليس معاقاً طالما يستطيع إيجاد معاييره الخاصة التي تسمح له بتحقيق نمطٍ معينٍ من التوازن والاستقرار الذاتي والاجتماعي. بالمقابل، هو معاقٌ في الحالة التي يكون فيها عاجزاً عن إبداع معايير جديدة، سواءٌ كان سويّاً أم غير سويّ. إنَّه شخصٌ مختلفٌ في متطلباته واحتياجاته، ولكن اختلافه لا يمنعه من الفاعليَّة، فهو (الاختلاف) بمثابة تنوّعٍ جوهريٍّ داخل عالمنا الحاضن للأفراد والمجتمعات». ماهر اختيار، الإعاقة الحركية والبصرية والعقلية، مفهوم إعاقة أم إعاقة مفهوم، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2016، ص 198.

وانطلاقاً من هذا التعريف، ومن ضرورة تجنّب صور الطرد والازدراء الاجتماعيّين التي تكلم عنها الكاتبان، يمكن القول: إنَّ توعية الناس بأسباب الإعاقة ونتائجها وتوضيح خصوصية الشروط التي يعيشها «أشخاص في حالة إعاقة» بسبب اختلاف في الشكل و/أو السلوك و/أو نمط الحياة، لا يمكن أن يعطي ثماره من دون العمل مؤسساتيّاً على توفير وسطٍ يخفّف من العوائق الموجودة أمام هؤلاء الأشخاص ويسمح لهم باستثمار ما يمتلكونه من إمكانيات وقدرات. فعلى سبيل المثال، إنَّ الاهتمام أكثر بتوفير سكنٍ ملائمٍ لاحتياجات «شخص في حالة إعاقة حركيّة» يحذف من حياة هذا الأخير العديد من الصعوبات، ويسمح له بالتفكير في أمور أخرى تتعلق بتطوير ما يرغب به في ميدان الدراسة أو العمل. وإنَّ تأمين المزيد من دورات اللغة الفرنسيَّة ضمن مؤسسات مجهّزة لاستقبال «أشخاص في حالة إعاقة» يمنح هؤلاء الأشخاص أداةً أساسيَّةً من أجل الخروج من عزلتهم وبلوغ صورة من صور الاستقلالية والتعبير عمّا يريدون المطالبة به أو انجاز ما يحبّونه في هذا المجتمع الجديد. وإنَّ توفير وسط مناسب، يزيل الكثير من الحواجز المحسوسة ويحترم إمكانية المرور والدخول للجميع، يعمل على حذف العديد من صور اختلاف نمط حياة «أشخاص في حالة إعاقة» عمّا هو سائد.

من لديه إعاقة بصريَّة يمكن له الاعتماد على برامج خاصّة تساعده في القراءة والكتابة، وبالتالي لن يحتاج إلى مساعدة في دراسته أو في إنجازه للكثير من المعاملات الإداريَّة، وسيكون مستقلاً بشكلٍ كبيرٍ؛ ومن يُمنح كرسيّاً متحركاً، ويعيش في مكان يتوفر على طرقات مناسبة، سيكون مستقلاً في تنقلاته وتلبية الكثير من احتياجاته؛ وفي حال تمّ إيجاد أماكن شاغرة في مراكز التأهيل النفسيّ والجسديّ والعقليّ لشخص لديه إعاقة مضاعفة، فإنّ هذا الشخص سيكون لديه إمكانية التحسّن والتخفيف من آلامه، وستتحرّر عائلته بشكل أفضل، ولن تكون مقيدةً به وبشكل مستمر.

كلّما سمح الوسط الاجتماعيّ للشخص بإيجاد معايير جديدة تساعد هذا الأخير في التكيّف مع إعاقته، كلّما برز الاختلاف في الشكل وطريقة السير والكلام والنظر بوصفه تنوّعاً وغنى في المجتمع، منتجاً صوراً من الاستقلالية والإنتاج والفاعلية. من هنا يتولّد الأمل لدى الكثيرين ممن قابلتهم؛ الأمل باهتمام أكثر بشأن مواصفات الوسط الذي يعيشون فيه والعمل على تطويرها، فإنَّ وجود وسط مناسب ويلبي حاجات «أشخاص في حالة إعاقة» يسمح لهم بإيجاد معايير جديدة وأسس مختلفة، من خلالها وبفضلها يستطيعون استثمار قدراتٍ يمتلكونها، مهما كانت هذه القدرات مختلفة وغير مألوفة. إنَّ التأسيس لمجتمعٍ متكامل وبناءه وتطويره يتمثّل في تجاوز المعايير التقليدية والاعتراف بذوات قادرة على اقتراح معايير جديدة، قادرة، بفضل اختلافها، على المساهمة في تطوير العديد من ميادين المجتمع، في فرنسا وفي خارجها.

* * * * *

المراجع:

–   Blanc, Alain, Sociologie du handicap, éd. Armand Colin, Paris, 2012,

–   Bernard, Philippe, L’immigration, Ed. Le monde, 1993.

–   Le Breton, David, Visage et formes de défiguration, in La chute des masques, sous la direction de Christophe Dargère et Stéphane Héas, Presses universitaires de Grenoble, 2015,

–   Parisot, Anne-Sophie, Le vécu du corps et l’intériorisation du regard, in : Le corps vécu chez la personne âgée et la personne handicapée. Sous la direction de Pierre Ancet, Ed. Dunod, Paris, 2010,

–   Prado, Christel, Mieux accompagner et inclure les personnes en situation de handicap : un défi, une nécessité, juin, 2014, Conseil économique social et environnemental.

–   ماهر اختيار، الإعاقة الحركية والبصرية والعقلية، مفهوم إعاقة أم إعاقة مفهوم، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2016.