قبل الدخول في موضوع اليوم، نودّ استكمال بعض الأشياء المعلقة من السنة الماضية، قبل أن تأخذ يمام إجازة طويلة ابتعدت فيها عن الزاوية لتعاود الإجابة على الأسئلة اليوم.
بعد المادة الأخيرة، غزل، المنشورة في آخر شهر تشرين الثاني، وردنا على بريد القراء الرسالة التالية غير موقعة باسم صريح: «سؤال موجه ليمام حصراً: في ما يخص موضوع الفانتازمات الجنسية المرتبطة بالتمنع أو السلبية الواردة بالمقال الاخير، بأحد المرات دخلت بنقاش مع صديق عن مباغتة الأنثى بقبلة مفاجئة بعد قليل من حركات الغزل والتعبير عن الإعجاب، وهي وسيلة بتفضلها النساء في بداية أي علاقة، برأيي الموضوع يعتبر تحرش صريح، صديقي كان مُصرّ أنو النساء بتفضل هاد النوع من الجرأة والدليل أنو هيك دخل بعلاقة مع كل النساء يلي عرفون! حابب أعرف رأي يمام فقط وشكراً».
إلى السائل العزيز، أنت الصحّ طبعاً ورفيقك هو الغلط. هاد تحرشّ وغالباً تصرف مثبّط للحب والغزل والغراميات. ممكن جداً يكون عند المرأة هاد الفانتازم عن المباغتة والاجتياح، غالباً لأنو الفانتازمات الذكورية هي اللي غالبة عالمنا والنساء والفتيات الصغار بيتمثلوا لذة الرجل ضمن هي الثقافة المعممة وبيفكروها لذتهم، ولكن هالشي ما بيعني أبداً أنو تتوقع فانتازماتها على كيفك وتلبيها بالطريقة المباغتة السمجة. بدك سرّ مفيد بحياتك؟ جزء عميق من اللذة الأنثوية هو البطء، فهديّ شوي رح تحبك أكثر. وفي بنات ما بيحبوا أبداً النموذج الكاريكاتوري من الجغل الجريء، بالعكس بينفروا منو وبيحبوا شوية خجل وتردد عند الرجل. بتمنى يكون ردي مفيد.
* * * * *
كتبت لنا السيدة كفى، الإنكليزية من أصل سوري والمقيمة في لندن منذ عشرين عاماً وتعمل كمدرسة وباحثة جامعية: «أنا غير متزوجة ومقيمة لوحدي منذ خرجت من بيت أهلي في حلب إلى لندن، اعتقدت عندما وصلت لهنا أنه أصبح لي كامل الشرعية بالإقامة لوحدي، لي كياني غير الملحق بكيان أسرة أخرى، كما كنت في سوريا. لم يكن من المتخيل أن أعيش لوحدي هناك، حتى أختي التي تبلغ من العمر اليوم خمسين عاماً لا يمكنها تخيل خطوة العيش لوحدها بعيداً عن أهلي وهي في نفس المدينة، حلب. اليوم وأنا في لندن وأعيش بحرية مازلت أشعر أحياناً من تصرفات بسيطة لمن حولي بأني لست مكتملة أو أنني شي “ناقص” غير مكتمل، وهذا الشيء ينطبق أيضاً على أصدقائي الإنكليز وليس فقط السوريين أو العرب. كيف يمكن أن أقاوم هذا الشعور؟»
فهمانة عليك تماماً. أكيد حالياً ما حدا بيعتبرك قاصر تابعة لبيت العيلة كونك غير متزوجة، وأكيد الناس ممكن على المستوى الرسمي تعتبرك كيان، ومصلحة الضرائب بتعتبرك خانة أسرية لتدفعي ما عليك، ولكن الشي الأكيد أنو كل الأصدقاء بيعتبروا أنهم عم ينتظروا الحدث السعيد ليفرحوا فيك، مو شرط الحدث السعيد يكون الزواج ولكن وجودك ضمن «كَبل» على الأقل، إنك «تلاقي حدا». العيش مع شريك أو الزواج هو شي بيشبه الطقس المؤسس لسن النضوج بمعظم الثقافات، إعلان عن دخول وفهم دواخل جماعة البالغين، لذلك العزوبية هي نوع من التطفيل وتخيل العذرية المؤبدة الرهبانية بمعنى ما والتنسك عن الحياة وملذاتها، ولكن انتبهي تطفيل للمرأة أكثر من الرجل، الرجل ممكن هالشي يضفي سحر وجاذبية أحياناً على حياتو. والموضوع مركب كمان مع موضوع الأمومة والساعة البيولوجية، لأن العزوبية بتعني ضمن معايير اجتماعية راسخة فقدان جزء من الهوية الجنوسية وهو الأمومة، فبترتبط ضمن المخيال العام بالهدر، هدر الحياة. والإنجاب والخصوبة هو شي المجتمعات بتهني نفسها عليه رغم محاولات تنظيم النسل الحثيثة.
العزوبية للمرأة إذاً هي شي غير مكتمل وغير مُرضي وحكماً مؤقت بانتظار شي ثاني. وهالشي بيشعرِك الآخرين فيه بدون وعي بتفاصيل صغيرة، مثل مثلاً أنو الدعوات والمناسبات لاجتماع أصدقاء بيكون ببيوت الكابلات غالباً وأنت ملحقة ببيت الكابلات متل التحاقك ببيت الأهل.
في تيارات نسوية بتعتبر العزوبية خيار نضالي وأنو قرون الهيمنة الذكورية البطريركية شوّهت الحياة المغايرة بين شريكين تقليديين، رجل وامرأة، وبيستشهدوا بحياة فيلسوفة فرنسية من القرن 15 اسمها غابرييل سوشون هي من أوائل اللي كتبوا عن الحرية المتاحة ضمن العزوبية، بوقت كانت عزوبية المرأة المختارة هي رديف للتنسّك والعذرية والتفاني ضمن حياة دينية في الأديرة، وهاد اللي حاولت غابرييل سوشون تعملو بالأول وقت رفضت الزواج المفروض عليها والتحقت بدير لتتحرر من شي مفروض عليها وهي من عائلة ارستقراطية، ولكن حياة الدير ما ناسبتها فتركت الدير وتركت فرنسا وفتحت بيت لحالها بايطاليا ولاقت الوقت الكافي للتأمل والرسم والكتابة والتفكير، وهو شي غير متاح برأيها ضمن مكبلّات الزواج. وكتبت كتاب ضخم حول الحرية الأخلاقية والفكرية المتاحة للمرأة ضمن حياة العزوبية. في نماذج كثير لنساء اضطلعوا بالعزوبية بكل جدارة، والحقيقة في نساء متزوجات فضلوا بلحظة ما من الحياة الزوجية الابتعاد وإتاحة الحرية لكل شريك بخيار شبيه بالعزوبية. عم نحكي هون عن ناس قادرة تعمل هالخيار اقتصادياً طبعاً.
بمرجوعنا لشعورك بالنقصان الدائم، فنصيحتي إنك تفكري وتحاولي تميزي إن كان هالشي نابع من شعورك بالوحدة وحاجتك العاطفية، وهاد شي إنساني وطبيعي، ولا عن إنك عزبة وغير مصنّفة في خانة البالغين المكتملين العايشين مع شركاء. جزء من إضفاء الشرعية والاكتمال على العزوبية هو مقاومة الضغوط الاجتماعية، وأنو يكون «بيتك» بالمعنى المعنوي للبيت هو بيت عامر، شرعي ومكتمل النِصاب، تذكري أنو في ملايين النساء بالعالم غير متاح يكون ألهم «بيت» وعم ينقتلوا جسدياً ومعنوياً ببيوت الآخرين لأسباب اقتصادية بكثير أحيان. إذا صاححلك هالبيت فأحييه و«افتحيه» بالمعنى اللي نستخدم فيه كلمة «فتح بيت» بالسوري، افتحيه بالمناسبات والأفراح والأتراح ومن غير مناسبات، للناس والأصدقاء والأشخاص اللي بتحبيهم بمن فيهم شركائك العاطفيين.
بانتظار أحاديث أخرى رح أنصحك بمشاهدة مسلسل لطيف جداً اسمو ميس فيشر عن محققة بوليسية استرالية في أوائل القرن العشرين في سنوات ما بعد الحرب، كانت فاتحة بيتها بكل معنى الكلمة وهي عزبة.