ما الذي يجب أن نعرفه حول الـ(NFT)؟ سؤال يتكرر دوماً حين البحث عن هذه الأحرف الثلاثة، هنا 5 أسئلة تحاول إجابتها تسليط الضوء على هذه التقنية الجديدة، وتخفيف الحيرة حين الحديث عن هذه القفزة التكنولوجية التي يواجها العالم بشكل عام وسوق الفن والفنانين بشكل خاص:

ما هو الـ(NFT)؟

الأحرف الثلاثة NFT، هي اختصار لعبارة (non-fungible Token)، وباللغة العربية، حسب ما هو متداول، «الرموز غير القابلة للاستبدال»، هي أقرب إلى وثيقة ملكيّة، مجموعة من الكودات التي لا يمكن تغييرها، والتي ترتبط بـ«عمل» ما، يمكن أن يكون لوحة، فيديو، تغريدة، مقال صحفي.. الخ، أي كل ما له وجود في العالم الرقمي.

يتم تسجيل «الرموز غير القابلة للاستبدال» على منصات البلوك تشين، أو سلسلة الكتل، وهي نظام رقميّ لا مركزي، قاعدة بيانات مشتركة ومتصلة، تحفظ فيها الكتلة/ المعلومات، على نحوٍ يمنع  تغييرها أو تعديلها،  وهي الأساس الذي تعمل من خلاله العملات الرقمية.

كيف يعمل  الـ(NFT)؟

يمكن لأي شخص أن يسجل ما يريد بيعه، سواء كان صورة أو بروفايل فيسبوك أو تغريدة أو فيديو أو صورة متحركة وما إلى ذلك، على شكل رموز غير قابلة للاستبدال، ضمن واحدة من منصات البلوك تشين، لخلق شهادة «الملكية»، ثم كتابة عقد رقمي ذكي بينه وبين المشتري، تتم إثره عملية/ عمليات البيع، مع الحفاظ على السرية التامة لكل المتعاقدين، لكن ذلك لا يعني عدم القدرة على تتبع عمليات البيع والشراء من قبل أي أحد.

ماذا نبيع بالضبط حين نبيع الـ(NFT)؟

ما يباع هو شيفرات تضمن حقوق الملكية والاستخدام، والتي تشمل بداية بالملكية الشخصية وتنتهي بالاستخدام ضمن سياق مختلف عن الأصل، كالتوظيف ضمن عمل فني، فيلم، منحوتة…الخ، الأمر مشابه لعقود الملكية الفكرية وما يترتب عليها من حقوق.

كيف يمكن شراء الـ(NFT)؟

يتم الشراء عادة باستخدام العملات الرقميّة، وأشهرها الإيثيروم في هذا السياق، ويتم ذلك عبر أي منصة تعرض الأعمال بصيغة رموزٍ غير قابلة للاستبدال.

ما هي البنية القانونية التي يتحرك ضمنها الـ(NFT)؟

دون الخوض بالتفاصيل المتعلقة بالعملات الرقمية، عادة ما يتم التصريح عن عائدات الـ(NFT) ضمن الضرائب المترتبة على الدخل، لكن التفاصيل قد تختلف بحسب البلد، ورغبة المشتري. 

حكاية وزارة

تأسست منصة وزارة (Wizara) الرقميّة عام 2021، بوصفها أول منصة رقمية في المنطقة العربية تعتمد نظام سلسلة الكتل، وافتتحت مؤخراً معرضها الأول بعنوان «أرقام»، الذي استضاف عدداً من الفنانين العرب والآسيوين والأفارقة.

هنا لقاء مطول مع مؤسسي وزارة، آدم كحارسكي مؤسس ومدير عام المنصة، المسؤول عن الإدارة التقنية والاستراتيجية والحلول الهندسية؛ ومنى جميل، مؤسسة وقيّمة فنيّة، مختصة في الفن الرقمي وتحليل السوق ومسؤولة عن البرمجة في المنصة وأبحاث سوق الفن؛ وأدهم حافظ، مؤسس والمدير الإبداعي، يعمل على المعارض والمشاريع التي تتحرك بين سلسلة الكتل والميتافيرس.

بدأ اللقاء مع أدهم، الذي يخبرنا عن الاسم، لم وزارة؟ 

أدهم: «بدأ الأمر عام 2017، حين قمت أنا ومجموعة من الأصدقاء الفنانين مؤسسي منصة وزارة الحالية، بابتداع «الوزارة الخارجية للثقافة العربيّة» – (Extra Territorial Ministry of Culture)، ضمن مشروع HaRaKa) Platform) كان هدف الوزارة المتخيلة هو جمع شتات الفنانين الذين رحلوا وهجّروا عن بلادهم منذ عام 2011، وتشتتوا في أنحاء العالم، والإجابة عن أسئلة تتعلق بوضعية هؤلاء الفنانين مثل: من يدعم الفنانين؟ ومن يمثلهم ويسهل تواصلهم مع المؤسسات الفنية والثقافيّة؟ ما هو النموذج الاقتصادي الذي يتحركون ضمنه؟ السؤال الأخير هو الأهم، لأننا نعلم كيف يحول الاقتصاد الغربي الفنانين إلى كائنات فيتيشية ويضعهم في فئات وتصنيفات لا فكاك منها بسهولة، إذ يطبق عليهم خطاب قوة مفاده، باختصار، أن على السوري الحديث عن سوريا، وعلى الفلسطيني الحديث عن فلسطين وما إلى ذلك. ليتحول الفنان إلى ممثل سياسي للمنظومة التي هو بالأصل هارب منها.

الأسئلة السابقة المتعلقة بوضعيّة الفنان، ولّدت فكرة وزارة خارجية للثقافة العربيّة، الهيئة المتخيّلة التي تعنى بالفنانين المهجرين دون تدخل بالمحتوى أو ضغوط سياسية، وبدأنا نسافر بالفعل، ونقيم مؤتمرات وهمية للتعريف بهذه الوزارة وأنشطتها، كما أقمنا في إيطاليا مسابقة معمارية، وأطلقنا دعوات من أجل تلقي تصاميم لإنشاء أكبر متحف للفن العربي المعاصر في إيطاليا، وفعلاً صُدق الموضوع، وبدأت تصلنا المقترحات، وحين تواصل المعماريون معنا لاحقاً، أخبرناهم بأن الأمر ليس إلا مسرحية/ عرض أداء طويل، لكن بإمكانهم العمل على مشاريعهم إن أرادوا ذلك، أي أن يكونوا جزءاً من الخدعة، التي يمكن عبرها، أي عبر المتخيل، إعادة فهم الواقع والكشف عن العقبات فيه.

مرت الأعوام، وجاء الحجر الصحي، وتضاءلت الموارد التي كانت مخصصة للفنانين، الشأن الذي ساهم الوباء به بصورة كبيرة، وتحول النشاط الفني إلى صيغة أونلاين، فسألنا أنفسنا: ماذا لو تحولت الوزارة الوهمية إلى حقيقة؟ ماذا لو قمنا بتحقيق كل ما تعد به الوزارة ؟ أي إيجاد حلول اقتصادية بديلة للفنان، وتقديم مساعدة تقنية للمشكلات التي يواجهها الفنان حين  يتعلق الأمر باستخدام الشاشة وتوظيفها لعرض أعماله، كذلك اقترحنا أن نعمل على حلول تتعلق بترجمة التسميات والمصطلحات الجديدة، ومن هذا المنطلق تأسست وزارة، المنصة الموجودة الآن.

عن أي استقلاليةٍ فنية نتحدث؟

أطرح الأسئلة التاليّة على المؤسسين الثلاثة متبنياً موقف المتحمس الشكّاك فيما يراه، أميل للسذاجة أحياناً، والتمسك بالتقليدي أحياناً أخرى، أفصل إجابات كل واحد من المؤسسين كونها تختلف أحياناً، هذا الاختلاف نابع من رؤية وزارة نفسها، وما تحويه من هويات متعددة واحتمالات متنوعة لما يمكن أن يكون عليه مستقبل الفن.

نقرأ في وصف منصة وزارة عن «الاستقلال المادي» للفنان ضمن نظام البلوكتشين، لكن هذا الاستقلال -بعيداً عن الجانب التقني وتكلفة النشر- مرتبط ببيع الأعمال المعروضة، ما يتركنا  أمام إشكالية، هل يمكن رصد الجمهور/ المقتنين الذين قد يشترون هذه الأعمال؟ أي هل عدم معرفة الجمهور وعدم تحديد لحظة البيع قادر على تحقيق استقلال مادي للفنان؟

أدهم: برأيي، الاستقلال الاقتصادي، وما تقوم به وزارة يتجاوز البيع والشراء، مثلاً، الكاتب المصري أحمد ناجي، يعمل على كتاب جديد، وهو بحاجة إلى دعم مادي وموارد اقتصاديّة، لذا ما نقوم به، هو تحويل الكتاب إلى أسهم أو NFT، نطرحها في السوق، ولو كنت تحب أحمد وكتب أحمد، فستشتري هذه الأسهم، أي إن كان هناك عدد كاف من محبي ومعجبي أحمد، سيتمكن الأخير من إنجاز الكتاب،  ونشره بشكل مستقل، وبالطبع سينال كل مشتر حصته إلى جانب الكتاب حين إنجازه. ما أحاول قوله إننا نخلق أدوات تسعى لاختراق الاقتصاد الفني والثقافي الموجود حالياً، سواء كنا نساعد الفنانين على بيع أعمالهم خارج منظومة صالة العرض والمتحف، أو فتح قناة مباشرة بين الفنان والمشتري، أو استخدام تقنية الـ NFT لجمع التبرعات، وتفعيل المجتمع حول عمل فني محدد، لجعل الجمهور والمتابعين يتحملون المسؤولية أيضاً تجاه العمل الفني وضرورة المشاركة في إنتاجه من أجل مساعدة الفنان على إنهائه. تساعد هذه التقنية أيضاً على إيصال النقود إلى الفنان، دون التفكير بنسبة الضرائب، وحصة المعرض أو المتحف أو دار النشر وغيرها من التكاليف، بالتالي «السوق» ليس الهدف الأول في وزارة.

منى: تمكنت تكنولوجيا الـ NFT من حل مشكلة يواجهها الفنانون منذ سنوات طويلة، فقبل هذه التقنية، كان من السهل نسخ أو تحميل الأعمال دون أي حاجة لعلامات أو وثائق تثبت أنها أصلية، ما يعني سهولة سرقة الأعمال من كل مكان، ومع التقنية الجديدة، بإمكان جامعي الفن الآن أن يطمئنوا إلى أنهم يشترون عملاً أصلياً يعود ثمنه أو جزء من ثمنه إلى الفنان، أما فيما يخص فرضية أن الفنان والمشتري مجاهيل، فأظن أن هذه المقاربة تحرر الاثنين، إذ تتيح للفنان صناعة ما يريد من أعمال،  وتسمح للمشتري بأن يقتني ما يحبه، ناهيك أن الفنانين لطالما استخدموا أسماء وهميّة،  كما أن جامعي الفن  يبيعون ويشترون الأعمال سراً منذ سنوات طويلة، لذا أظن أن فكرة المجاهيل هذه، تحرر السوق عوضاً عن أن تحده.

آدم: تميل التكنولوجيا في مراحلها المبكرة إلى استنساخ ما هو موجود مسبقاً، الشأن المشترك في كل أشكال التكنولوجيات الناشئة، حالياً، عملت الرموز غير القابلة للاستبدال إلى نقل سوق الفن بشكله الحالي إلى المنصات الرقميّة، وبينما تنضح هذه التكنولوجيا ونظامها الإيكولوجي (وزارة تسعى لقيادة هذا النضوج والانتقال) نلاحظ إعادة النظر في مفاهيم الملكية على البلوكتشين، بصورة قادرة على خلق أدوات تتيح لمجتمع الداعمين  أن يسهل  حصول الفنان على دخله. أتخيل وجوداً في المستقبل لما يمكن تسميته بصندوق دخل المبدعين العالمي (Universal Creators’ Income fund) يتم تمويله من نسبةٍ تؤخذ من ثمن ملكية آلاف الأعمال الفنية، ما يعني توفير دخل قادر على دعم الفنان في الأوقات الحرجة، أو توفير حد أدنى من الدخل للفنان، هذه هي الاستقلالية التي نتحدث عنها، إذ لا نراهن على المشترين الأفراد، بل على  مجتمع  كامل ، وممارسات فنية  تنهض بالمجتمع بأكمله.

لدي سؤال قد يبدو ساذجاً، ولكن كيف يمكن أن نصف الأعمال المعروضة في «أرقام»؟ أركز على كلمة «أعمال»، كوننا اعتدنا أن نقول لوحة على ما يعلق في صالة، وفيديو أرت، على ما يعرض في صالة المتحف دون زمن محدد لمشاهدته؟ كما في اللوحات الخاصة بأيمن الزرقاني مثلاً عن حيوانات القاهرة المتخيلة التي كانت بالأصل مرافقة لكتاب مَطبوع لأحمد ناجي، أطرح هذا السؤال، كوننا نتلقى كل «الأعمال» على الشاشة، التي تتحرك بين الفن الرقمي والأشكال التقليديّة المعروضة رقمياً.

أدهم: أوافقك على كلمة أعمال، لأننا أولاً، أمام وسائط شديدة التنوع، هناك الموسيقا التأملية مثلاً ضمن الأعمال المعروضة في أرقام، فهل نسميها موسيقى إلكترونية؟ لا، بل عملاً صوتياً.

أعتقد، أننا نواجه في عالم الفن كل عشر أو عشرين سنة لحظة ثورية أو قطيعة تخلخل عالم الفن، وتدفعنا لإعادة النظر في الأسماء والتصنيفات، وما يحصل الآن هو أننا نشهد هذه القطيعة التي تدفعنا لإعادة تعريف المنتجات الفنية، وطرح أسئلة مكررة سابقاً، في سعي لتقديم إجابات جديدة، أبرزها، هل هذا فن أم لا ؟ من سيشتري هذه الأعمال ومن سيبيعها؟ هذه الحيرة تتضح بشدة ضمن الأكاديمية الغربيّة المصعوقة حرفياً أمام ما يحصل، إذ لا توجد «كلمات» لوصف ما يحصل، نحن ضمن لحظة تغير جذري، تشبه لحظة ديمقراطيّة الكاميرا، أو لحظة ظهور الفن السايبري، أو كما حصل العام الفائت عندما بدأنا بالأداء عبر الزوم، لحظتها تغير مفهوم الحضور وعلاقته مع أنطولوجيا الأداء، هذه التغيرات المفاهيمية  تحدث بسرعة، وأرى أن هذا شأن هائل في ذات الوقت مخيف، كوننا نتخلى عن «المادية» في الكثير من الأحيان ضمن عالم يجبرنا شكله الاقتصادي على ذلك، بحيث يتحول كل شيء نحو «الافتراضي» وغير الملموس.

هنا نجد أنفسنا أمام خيارين، إما العيش في نوستالجيا ما خارج الواقع نَحنُّ فيها لزمن اللوحة المعلقة، أو ندخل في العصر وما يقدمه من جديد، آخذين بعين الاعتبار أن تقنيات العصر هذه، لا تعني أن الأشكال القديمة ستتلاشى، فالسينما لم تلغ مسرحيات الراديو، ونيتفليكس لم تلغي التلفاز، تراكم الوسائط لا ينفي الأقدم، لكنه يعني أن علينا التفكير بسرعة، واتخاذ قرارات تتعلق بكيفية احتواء هذه الوسائط ضمن الممارسة الفنيّة.

منى: هي «أعمال» فعلاً، بعضها لوحات، بعضها فيديو أرت، وهناك الكثير من الأشكال الفنية بين هذه الوسائط، ويمكن القول أنها مجموعة من مختلف «القطع» التي قدمها فنانون مثيرون للاهتمام تتنوع أعمالهم بين مجالات وأفكار وأساليب عديدة، لكن يمكن القول أنه لا توجد موضوعة واحدة تجمعهم، لكن، أظن أن حدسنا في الغالب يشدنا تجاه الأعمال التي تسائل الوضع القائم، أو التي تفكر بذاتها وتطرح أسئلة حول الهوية.

ما زال العالم العربي متأخراً نوعا ما في تكنولوجيا البلوك تشين والعملات الرقميّة، لا بسبب جدة هذا القطاع فقط، بل بسبب البنية التحتية المطلوبة لتوافره من اتصال إنترنت أكثر انتشاراً وحسابات بنكية وما إلى ذلك، بالتالي هل هناك فئة محددة يتم استهدافها للشراء، وأخرى للـ«عرض»؟

أدهم: نحن في وزارة نعلم بدقة خصائص المنطقة التي نعمل ضمنها، وهناك دوماً حلول للمشكلات المتعلقة بالبنية التحتية، إذ بإمكاننا مثلاً تسهيل عملية الشراء التي قد يرغب أن يقوم بها شخص مقيم في سوريا، بدون أن يحتاج إلى شراء عملات رقمية، لأننا في النهاية نستخدم هذه التكنولوجيا لا لأننا مهووسون بالعملة الرقمية، لكن الـ NFT، بالنسبة لنا، أداة جديدة تساعد الفنان على دخول الاقتصاد الجديد، الذي لا يجوز أن نبقى متفرجين ضمنه، خصوصاً كي لا نقع عرضة  للـ«تسفيه» الذي يستهدف عادة من يبقون خارج التقنيات الجديدة، فالمتاحف والصالات تقول أن الفن أصبح منتجاً يباع ويشترى، هذه الحج الواهية نابعة ربما عن خوف أو رعب من فقدان السلطة، وهنا يظهر المتخيل الطهراني هذه الفئة/المؤسسات عن الفن بوصفه خارج البيع والشراء والسوق الاقتصادي، الذي لو تغير سيحافظ الفن على مفهومه كمقاوم، وهنا أرى أننا أمام استنساخ للسرديات القومية العربية التي فشلت في دعم الفنانين، وحولتهم إلى موظفين، الظاهرة المنتشرة في المنطقة العربيّة بكثرة.

منى: من أهم أولوياتنا وأهدافنا في وزارة، جعل تقنية الرموز غير القابلة للاستبدال سهلة الوصول للغالبية العظمى بأبسط أسلوب ممكن، خصوصاً أنه من السهل الشعور بالرهبة من هذه التقنية أو قراءة عناوين ومقالات عن الأسعار الخياليّة التي وصلت إليها بعض الأعمال الفنية أو العملات الرقمية، لكننا في وزارة نؤمن بأن التكنولوجيا هذه تحمل الكثير من الإمكانيات، وهي تغير بشكل فعال الفن في أنحاء العالم، بصورة تجعل كلاً من الفن والسوق الفني منفتحين على الفاعلين الفنيين، والقيمين، والفنانين والمقتنين بأسلوب لم نشهده من قبل، ونريد حقيقة أن نكون جزءاً من هذا الحوار، وجمع محبي الفن من آسيا وأفريقيا ومختلف أنحاء العالم التي يواجه فيها الفنانون تحديات وصعوبات في دخول عالم الفن وسوق الفن.

آدم: لا أرى الأمر بهذا الأسلوب، يمكن للفرد أن ينتقل من كونه مشاهداً إلى كونه مقتنياً بصورة مستمرة، حقيقةً، ثقافة جمع الـNFT الناشئة، لا تدور بشكل مركزي حول شراء الأعمال  مصادفة بكميات كبيرة، بل تركز على التبادل والتجارة والمشاركة مع الجامعين والفنانين في هذه الثقافة، جيل الألفية والجيل زِد، يرون أن الـ NFT ذات قيمة تجريبية، وهم، أو نحن الذين ننتمي إلى جيل الألفية، نستثمر المعنى في الـNFT، كونها كتقنيّة تتقاطع مع مفاهيم الحرية، والوصول التام، والتواصل المباشر، المفاهيم شديدة المعاصرة التي ترتبط بالإبحار في العالم الرقمي.

المقارنة الأكثر إثارة للاهتمام قد تكون بين المتشائمين والمتفائلين، أي بين من يرون الـ NFT، كشكل من أشكال رقمنة الفن التقليدي والسوق التقليدي، التي لا تقدم ما هو جديد ولا تسائل توجهات السوق، وبين من يعتقدون أن هذه التكنولوجيا ذات قيمة توليدية، وتعبر عن تغيير إيجابي في عملية الفن وأسلوب ممارسته. يمكن تفهم وجهة نظر المتشائمين، كون العديد من المنصات تقوم فقط بنسخ  ونشر ما يجعل العالم الفني «ساماً»، لكننا في وزارة نؤمن بأن هذا التشاؤم ينزع الفاعلية من الفنانين، بينما التفاؤل تجاه هذه التكنولوجيا، يترافق مع مسؤولية لجعل الأمور أفضل في عالم الفن.

تبدو عبارة «حفظ الثروة» داخل العالم الفني، رومانسية نوعاً ما، لكن هل ترى أن الرهان على الفن الرقمي ومنصات البلوك تشاين قادر على تحرير الفن من المؤسسات، خصوصاً أن دار كريستيز مثلاً هي التي ساهمت في بيع العمل الذي حمل عنوان: «كل الأيام: الأيام الـ5000 الأولى» بسعر 69.3 مليون دولار؟

آدم: كالعديد من الظواهر في عالمنا، ما يكسبه الفنانون من مال موزع بشكل يحتاج الكثير من الشرح، لكن ببساطة، إن قمنا بترتيب واردات الفنانين بشكل تنازلي، نكتشف أن قلة قلية من النجوم يكسبون أرباحاً خيالية من أعمالهم، لكننا سنواجه أيضاً أغلبية ساحقة من الفنانين يكسبون أقل بكثير، وعبر عمليات حسابية بسيطة، نتكشف أن الثروة الإجمالية في هذا الترتيب قيمتها أكبر بكثير مما يكسبه النجوم. يشبه الأمر الفرق بين بطاقة يانصيب رابحة وراتب التقاعد. الفائز باليانصيب، غني كفرد، لكن صندوق التقاعد قيمته أكبر بكثير، فنموذج اليانصيب يجعل البعض فقط أثرياء، بينما يحافظ نظام التقاعد على حياة الجميع خارج الفقر، ما يهمنا في نظام العقود الذكيّة وما يختزنه من احتمالات، هو فتح الباب أمام إنشاء ذاك الصندوق، لحفظ الثروة الأكبر، التي نظن أنها مختزنة في عالم الفن الرقمي.

عمل: كل الأيام: الأيام الـ5000 الأولى أول عمل فني منفذ بطريقة الرموز غير القابلة للاستبدال

برأيك كيف يختلف الفنان التقليدي عن الرقمي، عن ذاك المنتمي لعالم الرموز غير القابلة للاستبدال، خصوصاً أننا نرى أعمالاً تستخدم هذه الرموز والفضاء الرقمي كمساحة للعرض فقط، كاللوحات والمنحوتات، أي أنها لا توظف الوسيط الجديد سوى كوسيلة للعرض دون تبني جمالياته أو مساءلتها؟

أدهم: لو أخذنا صورة فوتوغرافية لتمثال، فهل الصورة هي عمل نحتي، أو صورة لعمل نحتي، ولو كانت هذه الصورة مأخوذة بكاميرا رقمية، فهل هي صورة رقميّة أم الاثنان معاً؟ الحدود بين هذه الفئات متغيرة، والتقاطع بين التكنولوجيات يتعقد بصورة كبيرة، هذا التقاطع حصل من زمن ليس بالقصير، مما هو قبل تقنية  الـ NFT. نحن في وزارة مهتمون بالنوعين، من يعرض ومن يستخدم هذه التكنولوجيا كأداة فنية، كأحمد الشاعر الذي يوظف الذكاء الاصطناعي لتوليد عوالم متخيلة ويوتوبية بناء على النصوص المقدسة، إذ لا دور له ضمن تكوين العمل الفني سوى تلقين الآلة بالنصوص، تاركاً لها حرية التفكير و«التخيّل»، وهذا شأن مخيف ومرعب، إذ يمكن أن ندخل في حوار مع الآلة بخصوص مفاهيم تتعلق بالإنسان،  والفن الرقمي الممتزج بالتقليدي ليس الحد، فالآلة والإنسان نفسهما مندمجان، ومن الصعب إنتاج ألفاظ تمكننا من الحديث عن هذه المفاهيم، خصوصاً أننا حالياً نستخدم ألفاظاً مصدرها بعض المفكرين الأميركان، غير موجودة باللغة العربيّة. وهي إشكالية شديدة العمق لا تقتصر فقط على العمل الفني، لذا لا تقتصر التكنولوجيا على الجانب الاقتصادي، وإنتاج وثائق ملكية دولية، بل نحن في  وزارة، نهتم بكل هذه الاستخدامات، التي تبدأ من العرض، وتنتهي بإنتاج أشكال فنية جديدة تمزج التقليدي مع التكنولوجيا الحديثة وما تختزنه من احتمالات.

منى: لا يوجد خط فاصل بين الفن الرقمي والتقليدي، كما ذكر أدهم، لكن، هناك نوع من الجماليات المتوقعة التي ترتبط الـ NFT، وبعض الأعمال تسائل الـNFT كموضوعة وكشأن موجود على الشبكة التسلسلية، لكن ما يجب ذكره أن الأعمال التي نشاهدها في معرض أرقام لم تخضع لتدخلنا، نحن نشجع الفنانين على ممارسة نشاطهم بحرية كما نشجع على التعاون، ما يتيح لأعمالهم أن تأخذ الطريق الأنسب لهم.

يعتبر مفهوم الملكيّة واحد من أكثر العناصر المؤثرة في تاريخ الفن، وكما هو واضح فإنّ ملكية الأعمال المسجلة الـNFT، هو أمرٌ لا جدل حوله، لكن، في ذات الوقت، يرتبط مفهوم الملكية بالعمل الفني نفسه، وتاريخه وسعره المتغير دوماً، وهذا يتعلق بهوية المالك ومكان العرض. لكن في حالة الأعمال الفنية الـNFT، المالك قد يكون مجهولاً، فإلى أي حد قد تهدد هذه التبادلات العمل الفني؟ خصوصاً أننا نعلم أن الفن لا يرخص ثمنه، ما حوّله إلى سوق مليء بالشبهات،  فهل الأمر ينطبق على الأعمال الـNFT؟ أي هل يمكن أن يتعرض «سوقها» لتغيرات، أم أن الأمر مشابه للفن التقليدي من حيث إمكانية الحديث عن «فقاعة لم تنفجر حتى الآن»؟

آدم: لأجيبك على شقي السؤال، علي بداية أن أوضح، أن البلوكتشين، تخلق مجهولية وهميّة، فالمحفظة الرقمية هي الهوية في البلوكتشين، والمفاتح العلنية هي المتتالية الثابتة من أحرف وأرقام، صاحبها مجهول كوننا لا نستطيع ربطها مباشرة بشخصه كفرد، ومن المستحيل تحديد عمر أو جنس أو لون، أو جنسية أحدهم من مفاتيحهم العلنية، لكن في ذات الوقت، هذه المفاتيح العلنية لا يمكن تدميرها، أو تحويرها، والأهم، هي علنية للجميع. لذا من الصعب معرفة تاريخ وهوية الفنان الأصلي لكن بالإمكان تتبع العمل الذي أنتجه وكيف تم تبادله في أنحاء العالم، وهذ المجهولية بالذات تخلق نوعاً من الحرية بالنسبة للفنان. وهذا ما شهدناه إثر العمل مع فنانين، عرب ومن آسيا وأفريقيا، فـ«المجهولية الوهميّة»، تتيح لهم تفادي الغرامات التي تفرض على السعر التي يواجهونها عادة في السوق «الأبيض» والغربي الذي يهمين على الفن، كما أن الفنان العربي الذي يستخدم الرموز غير القابلة للاستبدال، ليس مضطراً لممارسة «عربيته» في عمله، ولا يُحكم على منتجه من عدسة سياسات الشرق الأوسط، والتي توّظف عادة كمعيار قيمة فقط بسبب اسم الفنان أو جنسيته، وهنا تكمن قيمة هذه المجهولية، التي تعتبر خطوة واسعة تجاه الحرية التي يبحث عنها الكثير من الفنانين.

فيما يتعلق بالفقاعة، وتقلبات السوق، لا شك أن تغييرات سوق الـNFT، أكبر من نظيرتها في السوق التقليدي للفن، والزمن سيكشف لنا المزيد، لكن، فرضيتنا تقول بأن نضوج السوق والتكنولوجيا، واتساع مجتمع الفنانين والجامعين، يمكن أن يحول سوق الفن الرقمي إلى سوق فني عالميّ قادر على  التماشي مع التغيرات والصمود في وجه الأزمات.

هناك الكثير من التساؤلات حول البنية التحتية للفنون الرقمية ومقدار استهلاكها للطاقة، وهناك الكثير من التخوفات لدى الفنانين من مساهمتهم في «الخراب» و«التلويث» في حال اعتمدوا هذا الأسلوب من العمل، إلى أي حد يحضر الوعي البيئي وإنتاج العمل الفني وعرضه وتملكه في عملكم، ولدى الفنانين؟

أدهم: الوعي حاضر بالطبع، ونحن نستخدم بروتوكول بوليغون (polygon) الذي يسهل المعاملات  الرقميّة دون استخدام ملموس للطاقة، وبالتالي فإن البصمة الكربونية التي يتركها هي أقل بـ99 بالمئة من أي بروتوكول آخر، ونعمل دائماً على استخدام بروتوكولات أفضل وأٌقل ضرراً، خصوصاً مع تطور عملة إيثيروم واعتمادها على بروتوكولات أقل ضرراً واستهلاكاً للطاقة.

ولو كان السؤال تقليدياً وتم تجاوزه، ما هو الأسلوب الذي يمكن أن نرسم الحد فيه بين الـ(junk art) والفن «القيّم» في حالة الـNFT، خصوصاً أننا لسنا أمام ذوّاقة يشترون «الفن» بالمعنى التقليدي؟ في ذات الوقت، هل هناك جماليات متوقعة من الفن الرقمي المسجل تسلسلاً؟ خصوصاً أن الكثير من الأعمال الفنية تكتسب قيمتها من سعرها وانتشارها، لا من العناصر الأخرى المستخدمة عادةً في التقييم.

أدهم: لهذا السؤال عدة أجوبة في العادة. من الممكن التفكير في لحظاتٍ من تاريخ الفن التقليدي ظهرت بها هذه الإشكالية، كحالة مبولة دوشامب، التي أًصبحت منحوتة باسم  «النافورة»، وأصبحت فناً نراه في المتحف، وقس على ذلك، ذات الأمر مع الكثير من الفنانين في مختلف أنحاء العالم، هناك صدمة يتلقاها مفهوم الجمال كل فترة، وهناك تداعيات لهذا الأمر، ونحن أمام لحظة مشابهة حالياً، لكن التغيير أعمق كونه ينفصل عن مادية «الشيء» بالمعنى التقليدي بحكم أننا نتحول إلى الرقمية، أو ما يسمى بالمادية الرقمية، الشأن الذي يحتاج لمفاهيم جديدة، الافتراضي هو شأن مادي، لكن ماديته تختلف عن المادية الملموسة التقليدية الحاضرة ضمن العمل الفني فهناك أسلاك ومولدات وتقنيات وبنى تحتية ماديّة لإنتاج هذا الافتراضي.

بما يخص فكرة االمشترين المجهولين لا أرى أنها جديدة، بانكسي لا نعلم من هو على سبيل المثال، كما أننا نخترع لأنفسنا شخصيات كفنانين بصورة دائمة، وهذا موجود في الفن لتقليدي. أما فيما يتعلق بالملكية وأثرها على العمل الفنيّ، فلا زلت فعلاً أتساءل حول هذا الموضوع، لكن لابد من الاستفادة من اللحظة، تلك التي سنشهد فيها أول فنان سوري أو مصري أو تونسي يبيع عملاً عبر الـNFT، هنا يستفيد «الرائد» من الشرط الجديد، وهذا ما تحاول وزارة القيام به، الرهان على الرواد، وبالطبع كل المعاملات موجودة علناً، ويمكن تتبعها، صحيح أننا قد لا نعلم من المشتري، لكننا قادرون على تلمس كيفية حركة المال ومن باع ومن اشترى.

منى: شخصياً أظن أنه لا يوجد تقسيم حقيقي بين الفن «الراقي» و«المبتذل». المعايير التي تصنف هذه الأنواع تلاشت وما بقي منها في طريقه إلى التلاشي، خصوصاً أن فنون الإنترنت عكست الأمر. بعض الصور تنتشر بسرعة «فيروسية»، كالـ(ـMemes) التي يتم تداولها وتبادلها على نطاق واسع، كما أن السخرية تنال تقديراً كبيراً وكذلك التجارب السوريالية والكوميديا التعبيرية التي تمتلك أكبر قاعدة من المعجبين، أما الفن «الساذج» أو «منخفض القيمة»، فهو يعيش لحظات المجد منذ زمن طويل، وعلى الفنون التقليدية نفسها أن تلحق الركب، والاستفادة مما تتيحه تقنية الـNFT من انتشار.

آدم: أظن أن النقد الجمالي الموجه إلى الـNFT هو الأضعف من بين الانتقادات، فمعظم الفن اللارقمي يعتبر ترهات، أؤكد لك، الفنانون الرقميون لم يخترعوا الفن الرديء، الأمر يرتبط فقط بسهولة الوصول إلى الفن الرديء في العالم الرقمي بعكس ذاك المرتبط بالفنون التقليدية. في ذات الوقت، هذه السهولة في الوصول تنطق أيضاً على «الفن الجيد».

لكن يمكن أن أقول، أن جماليات الـNFT إقصائية وقد تستثني فئة متنوعة من الفنانين والجامعين، خصوصاً أن المجمعات الرقميّة قد تكون قاسية، ومنعزلة، هي أرض الترولز (Trolls)، ويمكن أن يتم ردع الوافدين الجدد إن صح التعبير، لكننا في وزارة، نحاول كسر هذه الحواجز، وكسر الجدران التي تقف بوجه هذه التكنولوجيا في مختلف أنحاء العالم.

تدفعنا الـNFT لإعادة النظر في مفاهيم مثل الهالة والاستنساخ والأصالة والملكية وحياة الفنان، تلك المفاهيم التي تشكل جزءاً من تاريخ أي عمل فنيّ، لكن أكثر هذه المفاهيم تعرضاً للتهشيم، هو «التلقي»، استقبال العمل الفنيّ عبر تقنية الـ NFT يرتبط بشكل كلي بالوضعية والتقنية والوسائط التي يستخدمها المتلقي، سواء كانت شاشة حاسوب أو شاشة هاتف وما إلى ذلك، الشأن الذي يهدد الفنان نفسه وتخيله الجزئي عن أسلوب تلقي عمله الفنيّ، بالتالي إلى أي حد يمكن إعادة النظر في مكونات العمل الفني وزمن التلقي، إن وجدنا أنفسنا نهاية نتداول أعمال فنية بوصفها مجرد «لوحات» مصغرة أو فيديوهات مصغرة على الهواتف النقالة؟

أدهم: هناك أعمال فنية لا ينفع مشاهدتها سوى رقمياً، فلو كان هناك حدث فني يحصل في الميتا فيرس، فلا يمكن مشاهدته سوى هناك. أنا متصالح كلياً مع فكرة الشاشة، أنا اقرأ على الشاشة، وأتحدث مع أهلي عبر الشاشة، علاقتنا مع الشاشة شديدة «الطبيعية» .

آدم: الـNFT، هي فقط شهادات أصالة وملكية، والمحفظة الرقميّة تحوي هذه الشهادات، أما الفن الرقمي فيمكن التعبير عنه بأساليب مختلفة، ونحن في وزارة مهتمون بشكل خاص بإيجاد طرق جديدة للعرض والتفاعل مع الفنون الرقمية، وكما قلت سابقاً، منصات البلوكتشين والفن المرتبط بها تفتح الباب بشكل جذري أمام الفنون الرقمية بصورة تتجاوز «المشاهدة».

تحضر كلمات مثل «استكشاف وتجريب» ضمن وصف منصة وزارة ومعرض «أرقام»، لكن هناك تخوّف دائم من هيمنة البيكسلات على «الواقعي» بمعناه التقليديّ، خصوصاً في ظل ما يشهده العالم من تطور تقنيّ يهدد «أجسادنا» بالمعنى الأنطولوجيّ وإدراكنا لأنفسنا. أتفلسف هنا قليلاً، في محاولة لفهم حدود الشكل الجديد للـ«فن»، فهل نحن أمام أشكال تجريبيّة بالمعنى الجمالي والسياسيّ، أم ظاهرة أخرى ستبتلعها حالة المحاكاة (Simulacrum)، المساهمة في تعميق اغترابنا؟

أدهم: أعتقد أننا أمام شأن جديد، وهذا فعلياً، يخلق لدينا نوعاً من التردد والتأتأة كوننا لا نعلم ما مستقبل هذا الأمر، ولا نمتلك الكلمات الكافية لوصفه، ونحن في وزارة إلى جانب الشأن الاقتصادي نهتم أيضاً بالجانب المفاهيمي الفلسفي، فما هو «معنى» أن يشتري أحدهم عدة بيكسلات، وهل هي فعلاً سلعة لا بد من بيعها وشرائها؟ أنا أطرح هذه الأسئلة كوننا على أعتاب شيء جديد لا نجيد بعد وصفه.

آدم: يرى بعض نقاد الـNFT أن هذه التقنية التي تركز على الملكية والعقود الذكيّة تدمّر «شيئاً» جوهرياً وحياً وذو معنى ضمن عملية إنتاج وتوزيع العمل الفني، والأمر كله من وجهة النظر تلك ليس إلا الخطوة التالية تجاه «أتوماتيكيّة» و«تسعير» كل جزء من الحياة.

بالرغم من هذا النقد، الذي لا أراه جذرياً أو يمكن أن يبعدنا عن هذه التقنية، إلا أنه ليس بالدقيق، فأنا بالأصل عالم أنثروبولوجيا، وسأضرب مثالاً عن حول دراسة شهيرة قام بها مارسيل موس عام 1925 حول الهدية، التي تحضر من ثقافات متعددة، ويشير إلى أن هذه الثقافات لديها فهم ملفت للانتباه فيما يخص توزيع «القيمة» والأهمية التي تمتلكها الهديّة، ناهيك أن هذه الثقافات لا يمكن وصفها بالرأسمالية أو حتى النيولبيرالية، لكنها تركز على القيمة والتبادل. هذه الثقافات تتوجه نحو تكوين الثروة والحاجات الاقتصادية بأساليب تضمن في ذات الوقت بناء تكافل اجتماعي. ونحن في «وزارة» مهتمون بالطرق التي يمكن عبرها لتقنية البلوكتشين، أن تدعم هذا التكافل عبر خلق شبكات من المشاركين والقيمين والفنانين  لتفعيل التبادل والتجارة .

هناك حيرة أكاديميّة ونوع من التخبط  لدى «علماء الجمال» في التعامل مع هذا الشكل الجديد من الفنون، خصوصاً أنه تحرر من سلطة المتحف والوسطاء، وهرميّات القبول والاعتراف، بل أن المؤسسة الأكاديميّة تجد نفسها مجردة من «سلطتها» كون الخط بين فن ولا-فن أصبح شديد البهتان، السؤال هنا، برأيك، ما هي الجماليات الجديدة المقترحة لهذا الشكل من الفنون، وما هي الاستعدادات التي يجب أن يمتلكها الشخص كي يتلقى هذه الفنون؟

أدهم: أعتقد أن هناك كلمة يجب أن لا ننساها، وهي ثقافة الإنترنت وثقافات الإنترنت الفرعية، كل ما يباع ويشترى ينتمي إلى ثقافة مختلفة لا ننتمي لها جميعا، كحالة الـ(ـMemes) التي تختلف بين بلد وآخر بل وبين مجموعة وأخرى، فعلياً، هناك ثقافة بصرية جديدة، وهذا ما  غير مفهومنا عن الجمال والفن، لكن ما لم يتغير بعد هو المؤسسات (المتحف، الصالة، الذواقة) التي تحدد ما هو الجميل والبشع، التي تنتمي كلها إلى عوالم ومفاهيم الاستعمار ولغته، وما أخشى منه في المنطقة العربية هو طول المدة التي قد نستغرقها لنتخلص من فكرة الأصالة وطهرانية الفن في حين يمكن أن يتخلص منها الغرب كونه الأقرب إلى مركز القوة، وهذه التساؤلات نحاول طرحها دوماً في وزارة، سواء على المستوى المفاهيمي والفني أو على مستوى الصحف والمؤتمرات وذلك لفتح الحديث والجدل حول ما يشهده عالم الفن.

كل الفنانين الذين تعرض أعمالهم في «أرقام» مرسخون نوعاً ما، أي ذوي حضور فنّي في المنطقة العربية وفي العالم، أشبه بمجتمع (community)، إلى أي حد يجب على الفنان أن يكون جزءاً من تجمع أو مجتمع فني ليكون قادراً على الكسب من نشاطاته الفنيّة، والاستقلال عن المؤسسات التقليدية، التي ما زالت إلى الآن قادرة على توفير دخل للفنان؟ أيضاً، هل ترى أن مقاربة «الرهان» هي الأشد تأثيراً فيما يخص عمليات البيع والشراء؟ لا نعلم بدقة أي عمل سيتم شراءه، والمصادفة تلعب دوراً في الكثير من الأحيان في شراء عمل أو آخر، دون أن يمتلك الفنان إمكانية تخيل عما يمكن أن يحصل بما يخص عمله الفني، هذه مخاطرة تختلف عن تلك المرتبطة بالعرض التقليدي، أليس كذلك؟

أدهم: هناك «مجتمع» فعلاً، والمثير للاهتمام هو إمكانية بنائنا لهذا المجتمع، مثلا لو كان حضور أحدهم كبيراً على الإنترنت، وبدأ أحدهم بعرض الـNFT، فالجمهور والمتابعون سيتلقونها. الأمر لا يختلف عن وسائل التواصل الاجتماعي، لكن عوضاً عن حضور الافتتاح وشرب الشامبانيا، ينتقل هذا التجمع إلى العالم الرقمي. هل من السهل مع ذلك بناء جمهور لفنانين غير تقليدين؟ هل من السهل الحفاظ على الجمهور في حال قرر الفنان الانتقال من قطاع تقليدي إلى آخر رقمي  ؟هذه أسئلة يمكن الإجابة عنها لاحقاً.

علينا أن نعترف بأن من يصنعون الفنون الرقمية لطالما واجهوا إشكاليات في بيع أعمالهم، وهذه التكنولوجيا تقدم حلاً لمعضلة عمرها أكثر من 30 عاماً، وهذا أمر مثير للاهتمام، ولا بد من الاستثمار فيه، كي تتمكن هذه الفئة من بيع أعمالها لأفراد ومجموعات، لا الاقتصار على المتاحف والصالات التي تشتري هذه الأعمال عادة. أما ما فيما يخص المقتنين التقليديين ممن يشترون اللوحات والمنحوتات لمجموعاتهم الخاصة، فأظن أن هذه الفئة لا بد أن تدخل السوق الجديد، وإن كان من المبكر الحديث عن هذا الأمر.

منى: لا نحد أنفسنا باستضافة الفنانين المرسخين أو المشاهير، بل نبحث بشكل دائم عن أعمال جديدة من أجل توسيع شبكتنا أبعد ممن نعرفهم، وأنا أتفق معك بأن الطمأنينة تلعب دوراً كبيرا في مسيرة الفنان المهنية حين يتعلق الأمر بعرض أعماله وإيجاد المشترين والقدرة على كسب المال من فنه، نأمل بأن نمثل الفنانين الذين لا يمتلكون عادة فرصة  الوصول إلى جمهور واسع أو المؤسسات الفنية، وتأمين المنصة التي يستحقونها.

هل نستطيع تسجيل هذا اللقاء كـNFT؟ وفي حال كانت الإجابة نعم، كيف يتم توزيع الأرباح في حال تم بيعه بمبلغ 1000 دولار؟ كم أكسب أنا، وأنت، والجمهورية، والمحررة؟  وفي حال أراد من اشتراه بيعه مرة أخرى، كيف يتم توزيع الأرباح؟ يتضمن ذلك أجور التسجيل وغيرها.

آدم: الإجابة تعني تفعيل البعد الاجتماعي. توزيع القيمة بين المشاركين في هذه المقابلة مفتوح على المفاوضات، ناهيك أن العالم لم يدرك بعد الاحتمالات التي تختزنها العقود الذكيّة الخاصة الـNFT، ومفهومنا عنها يرتبط بالقدرة على الاستفادة من هذه التكنولوجيا لتوزيع القيمة أو العائد على «المجتمع» بأكمله.

تخيل بصيغة بسيطة أننا اتفقنا على الصيغة التالية: 70 بالمئة من القيمة تذهب إلى الذين شاركوا في المقابلة (أنت ونحن والمحررة والمؤسسة)، والـ30 بالمئة الباقية تتحول بشكل أوتوماتيكي إلى صندوق دعم يمكن أن يستفيد منه أي واحد من الأطراف.

أو، يمكن لهذه العائدات أن تذهب إلى منظمة غير ربحية ترتبط بالصحافة، منظمة تدعم الاهتمامات العامة والعمل الصحفي، ما يهم هنا هو أن الحصص، المكتوبة في العقد الذكي، يتم تنفيذها بشكل أوتوماتيكي في كل مرة يباع هذا اللقاء، ما يعني استمرار دائرة الاستثمار ومراكمة الثروة طالما استمرت عملية البيع.