يتواجد آلاف من مقاتلي داعش الأجانب وعائلاتهم في مراكز احتجاز ومخيمات أعدتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهو ما يشكّل واحداً من أبرز التحديات الأمنية في شمال شرقي سوريا. وتقوم قسد بعمليات أمنية بشكل مستمر في هذه المخيمات، كان آخرها تلك التي جرت على مدى أسابيع بين شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل) الماضيين، ونجم عنها اعتقالات لمن قالت قسد إنهم زعماء وزعيمات خلايا تنظيم داعش في مخيم الهول.
ويشكل مخيما الهول وروج في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا قضية عالقة منذ بداية هزائم تنظيم داعش على يد قسد بدعم من التحالف الدولي، حيث يضم هذان المخيمان آلافاً من عوائل مقاتلي تنظيم داعش السابقين من جنسيات غير سورية، وأغلب هؤلاء النساء والأطفال مواطنو دول أوروبية، كانوا قد غادروا بلادهم في وقت سابق للالتحاق بالتنظيم أو بأحد أفراد عائلاتهم الذين كانوا قد انضموا للتنظيم.
في السابع والعشرين من شباط (فبراير) 2021، توجه وفد برلماني فرنسي برفقة مُحامِيَين إلى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان في شمال العراق، بهدف العبور إلى الأراضي السورية ومقابلة المواطنات الفرنسيات المحتجزات في مخيمي الهول وروج في ريف الحسكة. إلا أن طلبهم قوبل بالرفض من قبل مكتب العلاقات الخارجية في قسد، وذلك بعد لقاء طويل في المعبر الحدودي بين سوريا والعراق.
منير ساتوري هو برلماني أوروبي تمّ انتخابه ممثلاً عن حزب البيئة الفرنسي، وكان واحداً من النواب الفرنسيين الذين تواجدوا في الثامن والعشرين من شباط في أربيل للتوجه إلى سوريا. بعد رفض طلبه بالدخول، تحدّث إلى الجمهورية.نت لشرح ملابسات ما حصل: «حاولنا الدخول مرتين إلى شمال شرقي سوريا لمقابلة مواطنينا هناك، بناءً على رغبة شعبنا في كشف مصير هؤلاء الأشخاص. نحن منتخَبون لإيصال صوت شعوبنا. بعد يوم كامل من الانتظار على الجانب العراقي، أُخبِرنا مساءً أنّه سيُسمَح لنا بالدخول إلى سوريا في اليوم التالي، وعندما دخلنا تمّ استقبالنا بشكل حار من قبل رئيس دائرة العلاقات الدولية في قسد، عبد الكريم العمر. حينها ظننا أنّ الأمور تسير على ما يرام».
يشير ساتوري إلى أنّ ما حدث بعد استقبالهم في مكتب فخم ضمن معبر سيمالكا بين إقليم كردستان وسوريا كان منافياً للمنطق: «بعد اجتماع دام لساعتين بيننا وبين عبد الكريم عمر، وشرحه المطول عن وضع الأوروبيين في مخيمات شمال شرق سوريا وكيف أن من الصعب السيطرة على الوضع في هذه المخيمات، أخبرناه أنّنا يجب أن نتوجه الآن لمقابلة هؤلاء العوائل، عندها ذُعر مسؤول العلاقات الخارجية من طلبنا وأخبرنا أنه من غير المسموح لنا بالدخول، وأن زيارتنا لسوريا تنتهي بنهاية هذا الاجتماع فقط. غضبتُ ومن معي نتيجة هذا الرد غير المنطقي».
وفقاً للبرلماني الأوروبي، فإن عبد الكريم عمر كان مذعوراً عندما أجابنا عن تساؤلاتنا حول منع دخولنا: «لا أستطيع أن أدعكم تدخلون، هذا خطير علينا، فرنسا تلعب دوراً مهماً بالنسبة لنا، ونحن لا نرغب في خسارته عبر السماح لكم بمقابلة هؤلاء النساء». كان أمراً غريباً جداً بالنسبة لساتوري والبرلمانيين الآخرين، نظراً لأنه سُمح لوفود أخرى بالدخول سابقاً.
«أعتقد أن رئيس الحكومة الفرنسية يرغب في جعل المائتين إلى ثلاثمئة مواطنة فرنسية وأبنائهم يختفون فقط، يرغبون في تركهم فقط كأشباح في شمال شرقي سوريا. لا زلت غاضباً من السلطات الفرنسية، وأنا مستعد للعودة مرة أخرى، ولكن عليّ أن أقابل الرئيس الفرنسي قبل ذلك أيضاً لأكتشف الجواب»؛ يقول منير ساتوري.
وقد توجّهت الجمهورية.نت مباشرة إلى المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، غابريل أتال، في مؤتمر صحفي عُقد في الثالث من شهر آذار (مارس) الماضي في باريس، حول ما إذا كانت الحكومة الفرنسية قد فرضت على قسد عدم السماح للنواب والمحامين الفرنسيين بلقاء النساء المحتجَزات في شمال شرقي سوريا. كان الرد من المتحدث الرسمي: «أعد بالإجابة عن سؤالكم المهم في نهاية اليوم»، ولكن على الرغم من التواصل لأربع مرات بعدها، لم تقدم الحكومة الفرنسية أي إجابة على هذا السؤال.
ماري دوسيه محامية فرنسية، تعمل منذ ثلاثة أعوام على ملف إعادة الفرنسيين الذين انضموا لتنظيم داعش سابقاً إلى فرنسا لكي تتم محاكمتهم في بيئة قضائية صحيحة. تحدثت إلى الجمهورية.نت حول وضع هؤلاء النساء وأطفالهن في مخيمات شمال شرقي سوريا: «في سوريا، هؤلاء النساء محتجزات مع أطفالهن بدون حقوق، ولم يتم عرضهم على أي سلطة قضائية. وفقاً للقوانين الدولية، لا يمكننا أن نسمي هذا بغير الاعتقال التعسفي».
تضيف دوسيه: «النساء القابعات في المخيمات مع أطفالهن تتم ملاحقتهم من قبل القضاء الفرنسي منذ مغادرتهنّ البلاد، ويجب إعادتهن إلى فرنسا لأن الملفات القضائية ضدهم هي في فرنسا ولا يمكن محاكمتهم في مكان آخر. يجب أن ينلنَ جزاءهن عما ارتكبنه».
«السوريون عانَوا بما فيه الكفاية من هذا التطرف، ولا يمكن ضمان أمانهم بوجود مخيمات كالهول وروج في مناطقهم. ذلك أهم سبب يجعلنا نعمل لإعادة مواطنينا من هناك»، تختم المحامية الفرنسية كلامها.
في سياق متصل، تواصلت الجمهورية.نت مع صابرينا، وهي امرأة فرنسية لديها أخت تقبع في مخيمات الاعتقال في سوريا منذ عامين مع ولدها. شرحت صابرينا وضع أختها قائلة: «أختي تريد العودة إلى فرنسا ولكن الحكومة ترفض ذلك. كتبتُ العديد من الرسائل للحكومة الفرنسية مطالبة بذلك، ولكن لم يتم الرد على أي منها. أختي تعلم أنها ستذهب إلى السجن إذا عادت إلى فرنسا، ولكنها تريد حياة أفضل لطفلها الصغير، وأن تتاح لي الفرصة للاعتناء به عوضاً عن بقائه في المخيم».
src=”soundcloud://u/aljumhuriya-net/a/3jn83rqweamd” alt=”” />
تفسِّر صابرينا سبب ذهاب أختها إلى سوريا في عام 2015: «لقد لحقت زوجها عندما ذهب إلى هناك، ولكنّه قُتل بعد عام من ذهابه، الأمر الذي اضطر أختي وطفلها للبقاء في مضافات داعش التي كانت منتشرة بكثرة لمثل هذه الحالات في الرقة أثناء فترة سيطرة التنظيم».
في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2020، أعلنت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، عبر الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطي إلهام أحمد، عجز الإدارة عن السيطرة على الوضع في المخيمات وعدم قدرتها على تحمل مسؤولية المحتجزين داخل المخيم، واصفةً المخيم بـ«الحمل الثقيل على عاتق الإدارة الذاتية». وتشير تقارير صحفية إلى أنّ مخيمَي الهول وروج يضمّان قرابة 800 مقاتل أجنبي من حوالي خمسين دولة، ذلك بالإضافة إلى عائلاتهم والعائلات الأخرى التي كانت مع عناصر التنظيم عند سيطرة قسد على آخر معاقله في البلاد.