«شو الحرب لعبة؟!»؛ يقول أحد الآباء أثناء حديثه عن ابنه الذي فرَّ من الخدمة العسكرية الاحتياطية، وقد شجعه على الفرار وتعهّد بحمايته: «خلي شي دورية تسترجي تقرّب عالبيت». سمعتُ هذا الكلام مراراً في طرطوس على مدى أكثر من سبع سنوات، غالباً من أشخاص موالين للنظام، وهو كثيراً ما يأتي مع تناقضات ضمن الحديث نفسه، إذ قد ينتقل الشخص ذاته من الكلام عن ضرورة دعم الجيش ودوره في حماية الدولة، وعن أنه «لولا هالعساكر ما كنا قاعدين هالقعدة بأمان»، إلى الكلام عن حماية أحد أولاده من الخدمة العسكرية.

وعلى أي حال، لا يستطيع أحد أن يثبت أنها تناقضات بشكل كامل، ذلك أن أغلب قراراتهم ومواقفهم، منذ التشجيع على القتال والالتحاق بالجيش من أجل مواجهة «المؤامرة الكونية»، لم تكن إلا وسيلة من وسائل الدفاع عن النفس من وجهة نظر أنصار النظام.

التحق عدد كبير من الشباب بالجيش منذ أواخر العام 2011، عندما كانت النقاشات والخطابات الحماسية تملأ أفواه كبار السن، وتحضّ الشبّان على الالتحاق الفوري. كانت نتائج المظاهرات والثورات حاضرة في أذهانهم، بعد سقوط رؤوس الأنظمة الحاكمة في تونس ومصر وليبيا.

بعد اقتحام النظام لحي بابا عمرو في حمص بداية العام 2012، وتصاعد منسوب التقبّل لفكرة التسلح وضرورته أكثر وأكثر في صفوف الثورة، بدأ الحماس لدى الموالين للنظام يدخل ضمن حسابات أكثر عقلانية، وبدأ التراجع في صفوف أنصار النظام عن الالتحاق، فلقد أصبحت المعارك أقوى، وأصبحت الكمائن تعيد الشباب بأعداد كبيرة إلى ضيعهم مرفوعين على الأكفّ، بالتزامن مع تضخيم الأخبار من قبل إعلام النظام بهدف التعبئة وجعل أنصاره يشعرون بالخوف مما قد يحصل ما لم يلتحق أولادهم بالجيش النظامي، وما لم يلتحق كبارهم بميليشيات الدفاع الوطني التي كانت أهم ساحة لتأجيج الحماس الشعبي للقتال، والتي كانت بدايتها باللجان الشعبية ضمن الأحياء.

كان هذا التراجع في الحماس للالتحاق بقوات النظام تدريجياً، وبنسب قليلة بالمقارنة مع أفواج المطلوبين والملتحقين منهم، إلا أنه راح يزداد مع ارتفاع أعداد الفرارية، الذين لم يعودوا قلّة، بعد أن كانوا قليلي العدد ويعانون كثيراً من الأهالي الموالين للنظام، خاصة في منطقة كان أغلب أهلها يخوّنون من يشاهد أو يذكر أي خبر منقول عن قناة الجزيرة، فما بالك بمن يتخلّف عن الالتحاق بالجيش

التحق عدد كبير من الشبان بالخدمة الاحتياطية بضغط من الأقارب، أخوال وأعمام، ممن نهروا أقرباءهم الشباب مانعين إياهم من التفكير، ولو للحظة، بعدم الالتحاق. وكان يضطر عدد غير قليل من الآباء للمشاركة في الضغط على أبنائهم، بعد محاصرة المحيط الاجتماعي لهم بشأن ضرورة حثّ الأولاد على الالتحاق.

من سخرية القدر أن كثيراً من هؤلاء المشجعين في المراحل الأولى، سيمنعون أولادهم من الالتحاق بعد ذلك. هنا في مدينة طرطوس، ترى وتسمع قصصاً لا تحصى عن حالات كهذه، عن شبّان كانوا أول الأمر لا يتركون فرصة تضيع بلا خطابات حماسية «وطنية» تُخوِّنُ الفارَّ والمتقاعس، وهم الآن فارّون قبل غيرهم. وليس الهدف هنا تقييم هؤلاء أخلاقياً، بل تسليط الضوء على تحولات ونزاعات عديدة، عندما يعترف فارو اليوم بأنهم كانوا مخطئين بالضغط على فاري الأمس ومحاولة دفعهم للقتال، أو حين يشتكي أحد آباء المفقودين من أنه لولا خال ابنه الذي ضغط عليه للالتحاق لكان معهم الآن، وأن على الخال أن يرسل ابنه اليوم إلى الخدمة كما ضغط سابقاً لإرسال ابن أخته.

أذكر تماماً في بداية العام 2013، عندما علّق أحد كبار السن على أفواج المطلوبين للخدمة الاحتياطية: «بلّش سفر برلك، ورح ترجع أيام الفرارية». وربما لم يقصد المتكلم تشبيه النظام بالسلطة العثمانية آنذاك، لكن واقع الصورة كان واضحاً؛ أفواجٌ من المطلوبين للخدمة والقتال إلى جانب سلطة في معركتها مجهولة القضية والنتائج، كما أن الخطابات المرافقة كانت مزيجاً من الادعاءات الوطنية والدينية، على نحو يُذكِّرُ بما نعرفه عن خطاب السلطة العثمانية مطلع القرن الماضي.

يقول أحمد، وهو اسم مستعار، مؤكداً على الأعداد الكبيرة من الشبان الذين لم يلتحقوا في نهاية العام 2012، أنه سمعَ في أحد مجالس العزاء شخصاً يعمل في شعبة تجنيد طرطوس، يقول إن أعداد الفارين في المحافظة وقتها تجاوزت 12000 فار، وأنهم لا يستطيعون التصريح بهذا الخصوص أو الضغط كي لا تصبح حالة عامة.

يحكي لنا أحمد كيف أنه كان من المتحمسين للقتال والدفاع عن «الدولة» التي تمثله، لكن ذلك تغيَّرَ لاحقاً: «لو أن بشار الأسد على الجبهة لما فررت، ولكنتُ آمنتُ بأقواله عن المعركة والمؤامرة، لكن الضباط على الخطوط الأمامية لا يكترثون لموتنا، ولا يهمهم سوى رواتبنا التي يساوموننا عليها مقابل الإجازات».

فرّ أحمد منذ بداية العام 2013، التحق لمدة أربع أشهر فقط، شهد خلالها على سقوط أصدقائه وأبناء قريته أمامه بسهولة. يقول إن اثنين من أصدقائه سقطوا نتيجة «نيران مدفعية صديقة» على حد وصفه، وذلك بعد توقف التنسيق بين الضابط المسؤول عنها وقائد مجموعته نتيجة خلافات على الغنائم، ما أدى إلى «سقوط أعداد منّا بسبب مدفعيتنا».

أما عدنان فهو لم يلتحق أبداً. تم تبليغه في النصف الثاني من العام 2013، وكان «الفرارية صاروا كتار، والمجموعات القتالية “الرديفة” هي سيدة المناطق والغنائم، والجيش النظامي مانو إلّا صاحب الضربة الأولى على خطوط الجبهة. منموت بعدين بيدخلوا بعدنا عالسرقة»، مشيراً إلى قصص سمعها ويعرفها من أولاد عمه الملتحقين فعلاً بالخدمة.

تَخفَّى عدنان لمدة أربعة سنوات داخل المدينة، وكان يحرص على التأكيد على معارفه دائماً أن يعلموه بوجود أي دورية طيارة ليلية، أو دوريات مشتركة صباحية كانت تقف على المفاصل الرئيسية للمدينة مع كمبيوتر محمول لتفييش المارين، أو عن الدوريات السيّارة بلباس مدني، والتي كان عناصرها يقصدون الكورنيش البحري سيراً على الأقدام، بحيث تجد شخصاً ضخماً قد وضع يده على كتفك فجأة بقوة، سائلاً عن هويتك أو تأجيلك العسكري. استغلَّ كثيرٌ من الشبيحة الأمر، فقاموا بانتحال شخصية عناصر الأمن على الكورنيش، وساوموا الفارين الذين يقعون في أيديهم على مبالغ مالية ليتركوهم وشأنهم.

يقول عدنان إنه في إحدى المرات قامت دورية بالإمساك به في الشارع، وضعوه في سيارة فان مع الضابط المسؤول عن التفييش: «كانت تلك أبشع اللحظات. كانت النتيجة أنني مطلوب. نظر الضابط إلي وهمس سريعاً “معك 25000؟”. لم أستوعب في البداية. قلتُ له: معي 6000 فقط لا أملك غيرها. قال: “فيك تدبر الباقي؟”. أعطيته الدفعة الأولى من ثمن حريتي، واتفقتُ معه على موعد بعد ساعة وأمنت له بقية المبلغ. كانت تلك الحادثة إحدى أهم الأسباب التي زادتني يقيناً بضرورة عدم التفكير بالالتحاق، فالمال والسلطة هما القضية فقط، رغم أنني يومها شكرتُ الله على نعمة وجود المرتشين».

أبو طارق اسم مستعار أيضاً، وهو لأحد الشبان الفارين من الخدمة، والذي تحدث لنا عن الصعوبات التي تعرّضَ لها منذ العام 2013. يتذكر تلك «اللحظة الفارقة» في حياته في بداية ذلك العام، حين كان يجلس في أحد مقاهي مدينة طرطوس ليتلقى اتصالاً من والدته تخبره بقدوم شرطي إلى المنزل، وتبليغه بضرورة الالتحاق بالخدمة الاحتياطية خلال مدة أقصاها 15 يوماً. يتابع الشاب الحديث: «كنتُ منذ بداية الحراك السوري متعاطفاً مع الثورة السورية، ورفضتُ مطلقاً ما تقوم به قوات النظام من قمع وأعمال وحشية. بطبيعة الحال، رفضتُ الالتحاق والمشاركة رغم حصار الأقارب الذي وصل حد التخوين، وبقيتُ متخفيّاً لسنوات. كما اضطررنا مع أهلي لتغير مكان سكني خوفاً من مداهمات الشرطة العسكرية، وتجنباً لنظرات أهالي الحي».

 كانت الشرطة العسكرية تقوم بمداهمات لاعتقال المطلوبين للخدمة في بداية الأمر، لكنها تراجعت عن ذلك مع تزايد أعداد الفارين، وخاصة بعد شمول قوائم المطلوبين لمن تتجاوز أعمارهم 40 سنة، الأمر الذي جعل الخوض داخل الحارات والأزقة بحثاً عن المتخلفين والفارين عملية صعبة، ومحفوفة بمخاطر وقوع صدامات مع أوساط موالية للنظام.

يتابع أبو طارق: «تم إلقاء القبض عليَّ بعد أكثر من أربع سنوات، على يد دورية كانت تقوم بالبحث عن الفارين في أحياء المدينة، مؤلّفة من سيارة مدنية وعناصر بلباس مدني».

يعاني جميع المطلوبين للخدمة، وعلى وجه الخصوص الفارّون بعد التحاقهم أو القبض عليهم وإلحاقهم، من تقطّع أيام عملهم بسبب ضيق الحرية في الحركة، ما يؤثر على وضعهم الاقتصادي بشكل كبير. أبو طارق لا يستطيع الدخول إلى المدينة لتلبية طلبات العمل التي تأتيه فيها بسبب سكنه خارجها، وخاصة بعد إلقاء القبض عليه ومصادرة أوراقه الثبوتية. بالمقابل، عدنان لا يستطيع متابعة الأعمال في الورش خارج المدينة نتيجة سكنه داخلها. لا يمكن الخروج والدخول إلى المدينة دون المرور على حاجز عسكري واحد على الأقل.

يتابع أبو طارق تفاصيل حكايته لنا: «كانت حملة كبيرة في تلك الأثناء، رغم أننا كنا ضمن فترة الثلاث شهور الممنوحة للفارين، في مرسوم عفو، لتسوية أوضاعهم. عندما قامت الدورية بمحاصرتي كنتُ أسير في الشارع ذاهباً إلى عملي. طلبوا هويتي الشخصية وقاموا (بتفييشها)، لحظات سريعة لكنها كانت سنوات بالنسبة لي. فكّرتُ وقتها بالفرار والركض، لكن وجود والدي معي منعي من المحاولة خشية أن يتعرض لأذية ما، فقاموا بوضع الكلبشة في يدي، ووضعوني في سيارة كان في داخلها فراري آخر تم القبض عليه قبل دقائق في جولتهم تلك.

تم نقلنا إلى مقر الشرطة العسكرية التي تقع في وسط مدينة طرطوس، حيث بقيت لعدة أيام في سجنها، وكانت الأفواج تدخل يومياً جرّاء جولات القبض على الفارين الذين كانت نسبتهم في طرطوس قد أصبحت عالية. أغلب المقبوض عليهم كانوا فوق عمر الخامسة والثلاثين، تم التحقيق معي بشكل بسيط وسؤالي عن معلومات شخصية فقط، دون التعرض للضرب، فقد كانت الأفرع الأمنية والشرطة العسكرية وقتها لديها أوامر بعدم التعرض جسدياً للفارين المقبوض عليهم، وذلك لتشجيع الفارين الباقين على تسوية وضعهم دون الخوف من السجن الذي كان قبل ذلك يتعرض له حتى من يسلّم نفسه للشرطة العسكرية طوعاً. تم وضعنا بعدها في زنزانة أكبر قليلاً، لكنها صغيرة جداً بالمقارنة مع أفواج المقبوض عليهم، بمن فيهم مقبوض عليهم في قضايا جنائية عادية كالمخدرات وغيرها.

في الفرع إجراءات روتينية، كنتُ خلالها مُكبَّلَ اليدين، يأخذني بعدها أحد العناصر باتجاه بوابة حديدية، ندخل بهواً صغيراً، فبوابة أخرى وننزل عدة درجات إلى الساحة مشددة الحراسة. يستلمني شخص آخر، يأمرني بخلع ثيابي والقيام بحركتي أمان، وهي القرفصة والوقوف مرتين. شعرتُ خلالها بالصدمة، مع أنني كنت أتابع قصص معتقلين في سجون النظام التي يشيب لها شعر الرأس، ليكرر السجان أوامره بلهجة أقسى. أُنفّذُ أوامره، ثم أدخل إلى غرفة فيها بابان حديديان يساري ويميني. يُفتَح الباب اليميني بعد ارتداء الملابس، وأدخل إلى الزنزانة المكتظة بأكثر من سبعين موقوفاً أغلبهم فارون من الخدمة. لا مكان للجلوس، وفي زاوية الغرفة حمّام بابه عبارة عن نصف بطانية عسكرية مهترئة، صوت تسرب ماء، روائح كريهة، وجوه مكفهرة، ذقون طويلة تدل على طول فترة الاعتقال لموقوفين عسكريين بقضايا أخرى، من ضمنها تجارة ممنوعات وآثار، وصولاً إلى التشبيح على الجيران. في المساء يسمح بالزيارات وإدخال الطعام الجاهز من الخارج، أما التدخين فهو ممنوع، لكن يسمح للبعض بإدخال السجائر مقابل مبالغ مادية.

بعد عدة أيام، تم تجميعنا ونقلنا باكراً أول طلوع الشمس إلى سجن البالونة المعروف في حمص، وبعدها تم نقلنا بشاحنات تستخدم لنقل اللحوم إلى معسكر الدريج في ريف دمشق لفرزنا. كانت الرحلة من سجن البالونة في حمص إلى معسكر الدريج من أقسى ما مررت به. في معسكر الدريج خضعنا لتدريب بسيط، ثم تم فرزنا إلى معسكر في مدينة قطنا في ريف دمشق، تابع للفرقة العاشرة، ومستأجر حسب ما قيل لنا من قبل القوات الروسية لصالح الفيلق الخامس. أخضعونا من جديد لدورة بإشراف القوات الروسية استمرت قرابة الشهر. كان الجحيم مضاعفاً، فقد كانت الكلمة للضباط السوريين علينا، وللقوات الروسية على ضباط النظام وعلينا معاً، فقد اقتصرت مهامهم على تنظيم الدخول والخروج من المطبخ والتفقد الصباحي، الذي كان يطول بشكل يومي بسبب انضمام مجموعات جديدة من الفارين المقبوض عليهم. كان الجحيم الذي ذكرته مقروناً بعدم قبولنا حتى تلك اللحظة لفكرة الالتحاق، فقد كان كل عسكري يحصل على إجازة، عن طريق واسطة أو رشوة حكماً، يذهب ولا يعود. كانت أعداد هؤلاء تتزايد، وكانت واضحة وجلية من عدد الغيابات الواضحة في التفقد، وواضحة من رد فعل العميد الغاضب على كل غياب غير مشروع، فقد كان مسؤولاً عن حضورنا أمام القوات الروسية. كان الضباط النظاميون يعرضون علينا الإجازات مقابل الويسكي، أو مبالغ معينة. بعد حوالي الشهر استطعتُ الحصول على إجازة “مغادرة”، عدتُ فيها إلى منزل. تخلّصتُ من بطاقة الهاتف الجوّال، ولم ألتحق حتى الآن.

فكرتُ بعدها بالخروج من سوريا إلى لبنان، ذلك أن أصدقاءَ سبقوني وحاولوا مساعدتي عن طريق التهريب. وقد تواصلت مع أحد أقربائي، الذي فرّ إلى لبنان بطريقة غير شرعية، فأرسل لي رقم هاتف لشخص لبناني تابع لحزب الله في القصير يعمل في التهريب مقابل 1000 دولار. تواصلتُ معه، لكن المبلغ كان فوق قدرتي، لذا عدلتُ عن الفكرة وبقيتُ محاصراً داخل منطقتي، أساعد أهلي قدر استطاعتي.

زاد الحصار عليّ بعدها، وتزايدت الأسئلة عن كيفية عودتي وعدم التحاقي. كذلك فإن بطاقة الهوية المدنية الخاصة بي محتجزة لحين تسريحي رسمياً من الخدمة، ما ضيَّق حركتي أضعافاً مضاعفة، حتى الآن».

يتحدث الشاب عن لوم أصدقائه الموالين للنظام له أول الأمر بسبب فراره، وكيف أنهم بعد فترة قصيرة انضموا هم أنفسهم إلى قائمة الفارين، بعد أن «اكتشفوا كيف أنه ليس لهم أية حقوق، وحتى الإطعام كان مذلاً، والتضحية بهم على الجبهات سهلة، والمعاشات الجيدة والغنائم تعود إلى مجموعات صقور الصحراء ومجموعات النمر التابعة لسهيل الحسن وغيرها، التي كان كثيرون منهم يحاولون الانضمام إليها بعد فرارهم من قطعهم العسكرية النظامية العادية».

تم تسريح عدد كبير من الشبان الملتحقين والفارين بداية العام الماضي 2019 بموجب مرسوم في 6 شباط، شمل الملتحقين والمطلوبين ممن تجاوز سنهم 38، حتى مواليد العام 1981. وقد منح هذا المرسوم أملاً لمن لم تشملهم قوائم التسريح بسبب مواليدهم، كما أنه تزامنَ مع التحاق عدد كبير من المطلوبين للخدمة الإلزامية من خريجي وطلاب الجامعات بعد نفاذ سنين تأجيلهم الدراسي، ما جعل الضغط على الفارين من الخدمة الاحتياطية يقلّ بسبب ملءِ شواغر النقص. وعلى أي حال، لا يزال عدد الفارين يتزايد وينقص حسب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي تجعل كثيرين منهم يلتحقون، وخاصة عندما تتوافر فرصة التحاق مفيد مادياً بإحدى المجموعات المدعومة روسياً، ولو مرتزقة إلى ليبيا.

لا يملك الفارون كثيراً من الخيارات، بل خياران لا ثالث لهما: الأول هو الاستسلام للضغوط الاجتماعية والمادية والالتحاق عند صدور عفو يضمنون به عدم زيارة صيدنايا وسجنها الرهيب بسبب الفرار، ذلك أن أغلبهم يعجزون عن العمل وتدبير معيشتهم. أما الخيار الثاني فهو انتظار فرج سياسي، أو «توازن قوى دولي ينهي صراع الدول على أرضنا ويخلصنا من النظام وأمثاله» على حد تعبير أبو طارق، الذي يأمل «تسوية تشمل الفارين والمطلوبين من جميع الأعمار، وحلاً شاملاً يُفضي إلى عودة جميع أهالي سوريا الفارين من بطش النظام ومعركته ضد شعبه». أما عدنان فهو يضيف، بعد حديثنا معه عن أمله بالتسريح، عبارة سمعها في أحد الأفلام: «الأمل ليس تكتيكاً».