تعتمد مدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، في استهلاكها للمياه على الوارد القادم من محطة علوك الموجودة بالقرب من بلدة رأس العين على الحدود مع تركيا. وكانت تلك المحطة، التي تضم ثلاثين بئراً، تؤمن خلال فترات العمل الطبيعي استهلاك مدينة الحسكة الكامل من المياه، والذي يصل إلى ثمانين ألف متر مكعب يومياً، إلّا أنّ استهداف عمل هذه المحطة أدى إلى تراجع عملها، إلى حين توقفها نهائياً بداية شهر آب (أغسطس) الحالي لمدة نحو ثلاثة أسابيع، ثم عودتها إلى العمل بشكل جزئي وضعيف جداً خلال الأيام القليلة الماضية.
وكانت المدفعية التركية قد استهدفت محطة علوك خلال العام 2018، ما أدى إلى توقفها عن العمل بشكل مؤقت، فيما جاءت التأثيرات الأكبر على عمل المحطة نتيجة العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا وفصائل سورية موالية لها في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2019 تحت اسم «نبع السلام»، وسيطرت خلالها على الشريط الحدودي الممتد بين بلدة رأس العين وبلدة تل أبيض، لتصبح محطة مياه علوك تحت سيطرتها المباشرة بعد ذلك. وكانت القذائف قد أدت إلى تضرر الآبار العاملة ضمن المحطة، وتضرر شبكة توزيع المياه، ما تسبب بانخفاض قدرة المحطة إلى النصف، وقطع المياه بشكل متكرر عن مدينة الحسكة، خاصةً بعد شهر آذار (مارس) الماضي.
بالمقابل، نقل موقع المدن عن رئيس مكتب الخدمات في المجلس المحلي لرأس العين، المعيّن من قبل القوات التركية، قوله إن سبب قطع المياه من محطة علوك عائد إلى انقطاع الكهرباء القادمة من سد تشرين الذي تسيطر عليه قسد، وهو ما تسبّب بانقطاع المياه عن مدينة الحسكة. وجاء تصريحه هذا ردّاً على الاتهامات التي وجهتها الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، لتركيا والفصائل الموالية لها، باستخدام قطع المياه كسلاح حرب ضد المدنيين.
أحد العاملين سابقاً في محطة علوك، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال للجمهورية: «تعتمد محطة مياه علوك على الكهرباء القادمة من محطة سد تشرين الكهرومائية بالفعل كما تقول جهات موالية لتركيا، لكن هذه المعلومة ليست كاملة، إذ أن الوارد المائي من تركيا على سدود نهر الفرات أقل من الاتفاق المعمول به، وهو 500 متر مكعب بالثانية، وقد وصل إلى مستويات تضعف إنتاج الكهرباء بشكل كبير ضمن تلك المحطات، بل وتوقفها عن العمل في بعض الأشهر التي وصل فيها الوارد المائي إلى أقل من المستوى المطلوب لإنتاج الطاقة الكهربائية في محطات السدود».
وكانت الجمهورية قد نشرت تحقيقاً خلال الشهر الماضي، يوضح انخفاض مستويات نهر الفرات وتأثر السدود المقامة عليه نتيجة ذلك الانخفاض، وذلك خلال الأشهر الممتدة منذ بداية العام الجاري 2020. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ سيطرة تركيا بشكل مباشر على مدينة رأس العين، تعني أنّها تتحمل كامل المسؤوليات في تأمين احتياجات المنطقة الأساسية، ومن بينها الوقود والكهرباء والمياه، ما يجعل أي توقف في ضخ المياه من محطة علوك ضمن مسؤولية تركية بالدرجة الأولى.
الصحفي شيرزاد سيدو من مدينة الحسكة، يقول للجمهورية: «كارثة المياه في الحسكة لا تزال قائمة حتى اليوم، فالمدنيون لا يستطيعون الحصول على كميات كافية من المياه، خاصة في فصل الصيف الحار جداً في المنطقة. وبينما تتحمل تركيا كدولة احتلال مسؤولية تأمين احتياجات مدينة رأس العين من الكهرباء، فإنّ أي حجج تقال غير مقبولة طالما أن أهل مدينة الحسكة لا يحصلون على حقّهم من المياه».
ويحاول السكان في مدينة الحسكة تأمين مياه الشرب من خلال صهاريج المياه، التي لا تستطيع تأمين أكثر من 10 آلاف متر مكعب بشكل يومي، وهي ثُمنُ الحاجة اليومية للمدينة، ما يعني أنّ الحلول الحالية غير قادرة على تأمين حاجة المدنيين في الحسكة من المياه، ما يعرضّهم لمخاطر كبيرة، خاصةً في ظروف انتشار جائحة كوفيد-19 التي يسبّبها فيروس كورونا المستجد، والتي بدأت بالتفجر في المناطق السورية المختلفة، متسببة بخسائر كبيرة في الأرواح كما أفادت تقارير متعددة.
وكانت روسيا قد حاولت الدخول في وساطة ثلاثية بين كل من النظام السوري والإدارة الذاتية وتركيا، من أجل تأمين وارد مائي من محطة علوك مقابل تسليم النظام السوري إدارة سد تشرين بالكامل، بعد أن كان مشاركاً في الإدارة فقط من خلال موظفين تقنيين في إدارة السد، الذي يقع بالقرب من مدينة منبج ضمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
لم تفلح الوساطات، حتى اللحظة، سوى في تشغيل جزئي لمحطة علوك المتضررة أصلاً، ما يجعل الوارد المائي منها باتجاه مدينة الحسكة غير كافٍ لسد الاحتياجات المائية للمدينة. وفي حين أعلنت الإدارة الذاتية عن البدء بتجريب محطة مياه جديدة في الحمّة شمال غربي مدينة الحسكة، إلّا أن قدرة هذه المحطة التشغيلية، في حال عملت وفق الأرقام المعلنة بالكامل، لن تلبي احتياجات مدينة الحسكة من المياه، وسيؤدي الاعتماد عليها لوحدها إلى فرض فترات طويلة من التقنين المائي على أحياء الحسكة، يقدرها خبراء بحوالي أربعة أو خمسة أيام في الأسبوع.
تُظهر المعلومات المتوافرة حول انقطاع المياه عن مدينة الحسكة بشكل متقطع منذ بداية العام، وبشكل شبه كامل بداية شهر آب (أغسطس) الجاري، أنّ القوات التركية وفصائل المعارضة الموالية لها استخدمت قطع المياه للضغط على الإدارة الذاتية، سواءً لإضعاف موقفها أمام السكان، أو للضغط عليها لزيادة حصة رأس العين من الكهرباء الآتية من محطة سد تشرين الكهرومائية من 8 ميغا واط إلى 15 ميغا واط، على الرغم من انخفاض الوارد المائي على نهر الفرات اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء تلك.
وليس هذا الاستخدام لسلاح قطع المياه عن المدنيين في سوريا هو الأول خلال السنوات الماضية، إذ قام النظام السوري باستخدام سلاح المياه عدة مرات، إلّا أن الجديد في هذه المرة هو استخدام هذا السلاح بطريقة مزدوجة، من خلال تقليل منسوب نهر الفرات ومن ثمّ قطع المياه من محطات رئيسية تقع ضمن مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا، ما يتسبب بكارثة كبيرة بالنسبة للسكان الذين لا يجدون مصادر كافية بديلة لتأمين المياه.