جاءني اتصالُ زميلٍ سابقٍ في العمل عند الثانية ليلاً، قال فيه إنّ أخاه مطلوبٌ للاحتياط، وإنّه يريد أن يُسفّره إلى خارج البلد خلال اليومين القادمين، وإنه بحاجةٌ لبعض المال. كان ذلك في العام 2017، كان هو في حيّ الوعر، بينما كان أخوه في مناطق سيطرة النظام. لم أتمكن يومها من مساعدة ذلك الزميل بطبيعة الحال، لكن ما علمته لاحقاً أنه استطاع فعلاً أن يُسفّر أخاه خارج البلد خلال اليومين التاليين. لم أسأله كيف أو إلى أين، ما يهم حينها أنّ الأخ المحظوظ قد تم عتق رقبته من هذه العبودية السوداء.
قبل أن أكتب هذا النصّ، حدث قبل سنة أنّ امرأةً عشرينيةً نازحةً من إحدى المدن السورية كانت تتحدث أمامنا، نحن الموجودات حولها يومها، عن شخصٍ ظلّ يلاحقها لفترةٍ طويلة، وأنها لم تتخلص من ملاحقته لها إلا حينما واجهته وهددته بأخوالها الذين في الأمن العسكري، والذين سيخفونه عن وجه الأرض إن دلّتهم عليه، حيث صرخت في وجهه يومها: «فوق ما إنك فراري، كمان بتلحق بنات الناس».
ظلّت كلمة الفراري عالقةً في ذهني، وحاولت الاستفسار عن هذا الشاب الفراري مراراً، ليتبين أنه جنديٌّ حلبيٌّ هاربٌ من الجيش، ومختبئٌ في كنف أسرته التي نزحت إلى حمص. كان ذلك منذ سنة، لم أعرف عن الشاب بعدها أي معلوماتٍ جديدة، لكن ما أعرفه هو أنّ هناك كثيرين ممن يمكن تجاوزاً تسميتهم «الفرارية»، وهم من المطلوبين للاحتياط أو للخدمة الإلزامية، وهم يعرفون أنهم كذلك، لكنهم متقاعسون عن الالتحاق لأسباب كثيرة، ليس أولها كونهم ناشطين سابقين بالثورة، وليس آخرها كونهم لا يريدون هذا المصير المجهول على الجبهات. وهكذا، ليس القصد إسباغ صفة بطولية ما عليهم، ولا إلصاق أي تهمة بهم أيضاً، لكنه الواقع الذي نعيشه هنا يومياً، والذي يفرض علينا أن نتجادل حوله.
وطبعاً، كما هو معروف في سوريا، لا يوجد إحصائية واضحة، ولا حتى نسبة قريبة للحقيقة، حول عدد الشبان الفرارية غير الملتحقين بالخدمة العسكرية (الإلزامية أو الاحتياطية)، لكن ما هو مؤكدٌ أنه يوجد عددٌ لا بأس به منهم على امتداد المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وهم يعتمدون طُرقاً متعددة للتخفيّ والاختباء والهرب من الالتحاق.
ولحسن الحظ، ربّما، سنحت لي فرصة لمقابلة أحد الشبّان الهاربين من الخدمة العسكرية الإلزامية، هو شابٌّ في أواخر العشرينيات يختبئ في مدينته التي تقع في إحدى مدن ريف دمشق، التي دخلها الجيش السوري النظامي عام 2018، بعد «المصالحات والتسويات» ودخول الباصات الخضراء التي حمّلت كثيراً من رجالات المدينة وشبّانها وأهاليهم، لكن ذلك لا يعني أنه لم يبقَ شبانٌ في المدينة، بل كان هناك بعضٌ ممن اختاروا البقاء فيها لأسباب متعددة؛ مثل خشيتهم من الذهاب إلى مصيرٍ مجهولٍ في الشمال السوري، حيث لا يملكون شيئاً من المال ولا حتى المعارف هناك، أو بسبب الأسرة أو الأهل، أو لأسباب أخرى لا مجال لذكرها الآن.
*****
نحن الآن في مدينة في ريف دمشق، نجلس في بيتٍ أرضيٍّ عتيقٍ جداً وصغير، في «أرض الديار» تحديداً كما أسماها هو بالذات، أي الشاب الفراري «محمد»، وهو اسمه المستعار. وتوجد في «أرض الديار»، وأرضيتها من «الشمينتو»، دالية عنب تحمل عناقيد بيضاء تنضج على مهلها، وتوجد أيضاً شجرات زيتونٍ مثمرة، كما يوجد أثرٌ لما كان بيتاً لقطة. وضعتْ والدة الشاب صينية فيها كأسان للمتة وإبريق ماء وبعض الحلوى وعلبة سكر صغيرة: «الناس لا تشرب القهوة هنا عادة، لكنّ (عدّة) المتة موجودةٌ دائماً في غرفة الجلوس».
كان الشاب الأسمر الهادئ، ذو الوجه الدقيق والصوت الجهوري الخشن، في الثامنة والعشرين من عمره، مطلوباً للخدمة الإلزامية، وكان أيضاً ناشطاً في الثورة في الشأن الإغاثي والطبي. أما الآن، فهو يعمل في أحد المحال التجارية، يمتدّ عمله لعشر ساعات أحياناً في اليوم، والراتب بالكاد يكفيه كفاف يومه هو ووالدته. لم يتمكن من متابعة دراسته الجامعية في تخصص الهندسة بسبب اندلاع الثورة، حيث كان حينها في سنته الثانية في الجامعة، لكنّه الآن باقٍ هنا، رغم صعوبة وضعه، لإعالة والدته التي نيّفت على السبعين، حيث لم يبقَ سواهما في البيت.
كانت السيدة نحيلةً طويلةً تميل للصمت، تضع غطاءً على رأسها، وترتدي «كلابية» داكنة، ولم تخلع غطاء رأسها حتى حين كانت تجلس بالقرب منّا وهي تُراقبنا في غرفة الجلوس؛ قال محمد إن «هذه عادتها دائماً. هي امرأة من الطراز القديم، لا تخلع غطاء رأسها طيلة اليوم».
مطلوب مطلوب (يبدأ محمد كلامه وهو يشرب المتة بسكر خفيف)
يعلم الشابُّ منّا أنه مطلوبٌ للاحتياط من خلال شعبة التجنيد، حيث يذهب بنفسه أو يرسل أحداً نيابة عنه ليعرف وضعه. وهناك، على الكمبيوتر، يظهر بجانب اسمه إن كان مطلوباً للاحتياط، أو مطلوباً لفرعٍ أمنيٍّ ما، أو إن كانت توجد في حقه مذكرة بحث. معظم الشبان الذين ظلّوا في المدينة كانوا مطلوبين للخدمة العسكرية (الإلزامية أو الاحتياطية)، لكن كثيرين منهم التحقوا بالخدمة من تلقاء أنفسهم. سمعتُ كثيرين منهم يقولون أنه لا يرضى واحدهم أن يدخل الجيش أو الشرطة العسكرية إلى بيته عنوةً و«يشحطوه» بمذلةٍ أمام أسرته، فكان الشاب منهم، ومن بينهم بعضٌ من أصدقائي، يذهب إليهم من تلقاء نفسه ويسلّم لهم هويته الشخصية.
البداية
حينما دخل الجيش المدينة، لم يقم عناصره بمضايقة الناس بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنه ببساطة بدأ بالذين لدى النظام «ثارات» معهم. بالتعاون مع «العواينية» الموجودين في المدينة، قام الأمن بإلقاء القبض على معظم المطلوبين لدى النظام.
بعد ذلك، وبمجرد أن رأى النظام أنّ كثيراً من الشباب المطلوبين للخدمة العسكرية والاحتياطية قد التحقوا بالخدمة من تلقاء أنفسهم، خفّف من اقتحاماته المفاجئة على أهل المدينة، لكن مع ذلك وإلى الآن، تظهر كل فترة إشاعةٌ تقول إنّ الشرطة العسكرية ستدخل المدينة للبحث عن المتخلفين عن الجيش، ثم تختفي الإشاعة، ثم تظهر، وهكذا، مع أنهم «شبعوا من كتر ما أخدوا شباب».
نيالَك (ما زال محمد يشرب المتة)
وبالمناسبة، رغم أنّ كثيرين من الشباب التحقوا بالخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، إلا أنّهم يقولون لي حين يأتوا في إجازة للمدينة بأنهم نادمون على التحاقهم بالخدمة، وبأنهم يتمنون لو أنهم اختاروا البقاء في المدينة والاختباء، وكثيرون يحسدونني على وضعي الذي أنا فيه الآن. لكني أعتقد أنه، بالنسبة لهم، كان ذاك القرار الذي اتخذوه حينها هو أفضل ما يمكن القيام به، اتقاءً لشرٍّ أكبر لا يستطيعون تحمّل عواقبه.
سجن داخل سجن (عيون كبيرة تُراقبنا من بعيد، عيون الوالدة)
الحمد لله أني أتحرّك على راحتي داخل حدود المدينة، حتى أنّي لا أحمل هوية. عندما قررت ُالبقاء في المدينة، كنت مصمّماً على ألا ألتحق بالجيش مهما كان السبب، حتى لو جاؤوا إلى منتصف بيتي وأخذوني. أحمد الله أني لم أرتدِ البدلة العسكرية طيلة حياتي. لا أتخيل نفسي في مكانٍ أكون فيه تحت إمرة أحدٍ منهم، أو أنّ أحداً يمنعني من الصلاة مثلاً.
الذين خافوا قليلاً في البداية هم من التحقوا بالجيش من تلقاء أنفسهم، والذين صبروا ولم يلتحقوا ورأوا ما حلّ بأصدقائهم أصرّوا لاحقاً على عدم الالتحاق.
في داخل البلد أنا أتحرك كما يحلو لي، أما خارج حدودها يغدو الأمر صعباً عليّ، والآن آخر همي أن أرى حاجزاً أمامي؛ هم الآن مشغولون بأمور أخرى.
العواينية (ما زالت العيون الكبيرة تراقب)
كما قلتُ إن النظام حالياً غير عابئٍ بنا، ولديه الكثير من الأمور التي تشغله، كملاحقة من يتاجرون بالدولار مثلاً، لكن عندما «يتفضّون» لنا ستكون المصيبة، وأنا أعلم أن تلك اللحظة ستأتي، والويل لنا حينها. ثم إنّه يوجد الكثير من «العواينية» هنا، الذين يُطلعونهم على كل شيء «أول بأول». بلدتنا مشهورة بهم حتى من قبل «الأحداث»، لعنة الله عليهم، يعرفهم الناس جميعاً ويتعاملون معهم بحذر. هم الآن يعيشون أيام مجدهم، لكن لهم يوم بإذن الله.
لكن مع ذلك، لو تغيّر الوضع فأنا «قبلان إني سامحهم».
أستأذنُ لأصلي الظهر ثم أعود.
ولا بدّ من السؤال: لماذا؟
بصراحة، معظم الشباب الذين لم يلتحقوا بالخدمة تخلّفوا عنها لأنهم لا يعرفون متى يتمّ تسريحهم، ثم إنّ لديهم خوف أكبر: أنهم لا يعلمون إن كانوا أصلاً سيعودون.
بلا طعم أو رائحة (ينطفئ وجه محمد تقريباً)
عندما نجلس لنتحدث أنا وصديقي ونستذكر معاً أيام الثورة، نقول لبعضنا إننا لا نشعر أن الأمور التي فعلناها حينها، و«المغامرات» التي قمنا بها وقتها، قد أخذت من عمرنا سبع أو ثماني سنواتٍ بكاملها. أمّا الآن، مهما قام المرء بفعل أيّ شيء فإنّه يشعر أنّ لا قيمة لما يعمله؛ لا طعم ولا رائحة لأي شيء. ما نعيشه الآن أصعب بكثير مما عشناه سابقاً، حيث كان دائماً في ذهننا شيءٌ نفعله ونقوم به، أما الآن، واحدنا عاجزٌ عن القيام بأي شيء، ويخاف أن يتّخذ أيّ قراٍر فيتّضح له بالنهاية أنه كان خاطئاً، ثم يندم.
عمرنا متوقفٌ تماماً، نحن نعدّ الأيام فقط. ثم إنّ الناس قد بدأوا يتغيّرون، ويتراجعون عما قمنا به، الناس ملّوا وتعبوا، وهذا أمر ليس سهلاً الاعتياد عليه.
تفييش بالجيش (يبتسم)
طبعاً هناك التفييش في الجيش، وهو غير التفييش على الحواجز. كثير من المطلوبين للاحتياط، وحتى العساكر العاديون، يقومون بالتفييش. بعضٌ ممن أعرفهم فيّشوا أنفسهم، والأمر متداولٌ بكثرة، وهو بابُ رزقٍ للضابط المسؤول. قد يكون التفييش من بداية ذهاب العسكري للاحتياط، أو الخدمة، وقد يتأخر؛ كل ذلك حسب الظروف وحسب الضابط المسؤول وحسب القطعة التي يخدم بها والمكان الذي يخدم فيه، وحسب التدقيق الموجود. أحياناً يتم التفييش مع الضابط نفسه بشكلٍ مباشر، وأحياناً من خلال «الحُجّاب» المسؤولين عن غلي القهوة والشاي، الذين «يزبّطون» العلاقة بينهما. ويتراوح المبلغ المطلوب للتفييش بين 100 ألف إلى 200 إلى 300 ألف ليرة شهرياً، أو غير ذلك، طبعاً بحسب الظروف السابقة. وإن حدث أنّ الضابط رفض أن يفيّش للعسكري، يقوم العسكري بطلب ذلك من ضابطٍ أعلى رتبةً منه، وهذا ما يعني دفع مبلغٍ أكبر، لكنه على الأقل يكسب سلامة نفسه، والبقاء في مدينته وبين أفراد أسرته. وطبعاً، هؤلاء يكونون من الذين يملكون المال لتحمل عبء دفع مبالغ كهذه.
العقود (تشعّ عيونه)
عادةً يمكن للشاب أن يختار بين الالتحاق بالجيش، أو أن يتطوع مع جهةٍ ما عبر توقيع عقد مع هذه الجهة، حيث تمنحه هذه الجهة بطاقةً أمنيّةً تسمح له المرور عبر الحواجز بأمان. وأغلب من يقومون بإبرام العقود هم من المطلوبين للأمن أو المتخلفين عن الجيش. حتى الذي ليس مطلوباً للخدمة يمكن له القيام بهذه العقود. وبالمناسبة، حين دخول الجيش هنا انتشرت إشاعة عن رغبة الفيلق الخامس التابع لروسيا بأخذ متطوعين من المدينة، لكنّ الأمور لم تنجح معهم لأنّ النظام رفض الأمر. لكن مع ذلك، توجد جهاتٌ عديدة في المدينة يستطيع المرء أن يتطوّع معها، ومن أهمها الفرقة الرابعة.
أذكر أنه من فترة، كان هناك رجلٌ يعمل تحت أيدي رجالات رامي مخلوف، وقد فتح أصحابه مكتباً لجمعية البستان التابعة لرامي، وعرض عليَّ الخدمة عندهم. قال لي إنه يمكنني أن أحصل على بطاقة أمنية أستطيع المرور بها عبر الحواجز، وبإمكاني الذهاب للشام ومتابعة دراستي، أو البقاء في مدينتي والقيام بما يحلو لي من دون أن يُسائلني أحد. لكني بالتأكيد رفضت، لأنه حتى لو كان «واصل»، فأنا مُعرّض لأن أذهب في أي لحظة للالتحاق بأي جبهةٍ يطالبونني بالذهاب إليها، حيث أنّ مُوقِّعي هذه العقود يمكن استدعاؤهم في أي لحظةٍ للقتال على أيّة جبهة، أو للقيام بمهام معينة. ثم إنني منذ البداية لا توجد لديّ نيّة بالانضمام للجيش، أو لتوقيع أيّ نوعٍ من أنواع العقود.
ذاك الرجل الذي طرح عليّ الفكرة كان مساعداً لشخصٍ مسؤولٍ عن إبرام عقودٍ لصالح جمعية البستان، ومدّة العقد تكون عادةً بين ثلاثة أو ستة شهور، ويتم تجديدها حسب رغبة الشخص. الهمُّ الأكبر للنظام هنا هو أن يُبقي أكبر عددٍ من الشبان المتبقين هنا تحت جناحيه، وأن يجنّدهم جميعاً بطريقةٍ أو بأخرى، إذ أنّ كل ذلك يجري تحت إشرافه وأنظاره. لكنّ المهم في كلّ هذا أنه حتى الارتباط بهذه العقود لا يعني أنّ الشاب سيُعفى من الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية، لكن كثيراً من الشبان الذين عليهم الالتحاق بالخدمة يفضّلون إبرام مثل هذه العقود التي تكون معروضةً من جهاتٍ أخرى؛ مثل الفرقة الرابعة، أو الفيلق الخامس، أو شخص نافذ مقرّب من النظام، أو حتى من عضوٍ في مجلس الشعب يقوم بتجنيد الشبان ويقدم لهم الأسلحة مع معاشٍ يصل إلى حوالي 70 ألف ليرة أو غير ذلك، وهو أعلى من معاش عسكري الخدمة الاحتياطية الذي يصل إلى حوالي 60 ألف ليرة، أو معاش المُلتحق بالخدمة الإلزامية على الجبهة، وليس «الخدمات الثابتة»، والذي يصل لحدود 27 ألف ليرة.
نتيجة كل ذلك، فإن خيار العقد هو الخيار الذي يفضّله هؤلاء الشبان على الخدمة في الجيش النظامي، لأنّ لديهم حرية الخيار بعد انتهاء العقد بالاستمرار أو التوقف، كما أنّ المعاش أعلى. لكن كما قلتُ سابقاً، فإن ذلك لن يلغي الخدمة العسكرية أو الاحتياطية، بل يؤخّرهما فقط.
أحبيني بلا عقدِ (يتكلم وهو يمسك بجواله القديم الذي ينطفئ وحده فجأةً)
أعشق كاظم الساهر، ورغم أني لم أسمع أي موسيقى وأنا وحدي في البيت منذ سنواتٍ بعيدة، إلا أني أسمعها عندما أكون في سهرةٍ مع الأصحاب فقط، كما أني أحب أفلام ليوناردو دي كابريو، وبالذات فيلم جانكو. شاهدته منذ سنوات، وأتذكّر منه بوضوح كيف يتخلّص عبدٌ من عبوديّته ويصير شخصاً قوياً، لكنّ المشكلة أنه بات صعباً عليّ مشاهدة الأفلام لأنّ باقة النت لا تساعد على ذلك. الوضع المالي يؤثّر على كل شيء. على سبيل المثال، بعضٌ من أصدقائي الذين يملكون المال تزوّجوا وسافروا وأمورهم مستقرة، أما أنا، مثلاً، فعازفٌ عن فكرة الزواج نهائياً. أولاً لأنني لا أملك المال، لكنّ الأهمَّ من ذلك هو أني لا أشعر بالاستقرار أبداً، يعني أنه من الممكن أن تأتي لحظة ما أضطر فيها للهروب فجأة، ولا أريد أن «أشنطط» بنات الناس معي. فضلاً عن أنّه يتوجب على مَنْ هم في مثل وضعي أن يدفعوا مبلغاً هائلاً، وذلك لتحصيل موافقة من شعبة التجنيد من أجل تسجيل الزواج قانونياً، وهو ما لا أملك شيئاً منه. وبكل صراحة، أقول إني لا أملك حالياً أيَّ فكرةٍ عما سيكونه المستقبل، ولا فكرة لديَّ عمّا قد أفعله لاحقاً، ورغم أني لا أرى سقوط النظام قريباً، إلا أننا أمضينا عشر سنواتٍ ونحن نحلم بسقوطه، ولا أستطيع إلّا أن أحلم بذلك حتى الآن. يعني سنظل نحلم بذلك، وقد تأتي لحظة ما ونقول «ها… قرّبت».
صحيح؛ تذكرتُ أمراً مهماً: أول مظاهرة شاركت بها في حياتي كانت في حمص.