تشكّل دمشق القديمة قرابة 5% من مساحة مدينة دمشق الحالية، وتضمّ العديد من الأحياء المتميّزة بعمرانٍ وآثار ينتميان إلى حقبٍ زمنية مختلفة، وكانت هذه البقعة الصغيرة قد سُجّلت على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو في العام 1979. أما إذا تجاوزنا المدينة القديمة فسنصل إلى شوارع حديثة يتوزّع على جانبيها أبنيةٌ جديدةٌ تشكّل ما يدعوه سكان العاصمة السورية بالأحياء «الراقية»، التي يقطنها المُترفون ورجال السلطة وتحتضن العديد من السفارات. باتساع الدائرة أكثر سنُطلّ على أحياء مختلفة وسكان مختلفين تماماً، لا يشبهون أولئك الذين يتملّكون البيوت في الأحياء الراقية؛ عددٌ كبيرٌ جداً من المساكن العشوائية تعجّ بالفقراء.
على أطراف دمشق ليس بوسعنا أن نشاهد أحياء كثيرة كانت تشكّل ريف المدينة وعصبها الذي يمدها بأسباب كثيرة لا غنىً عنها، وعلى رأسها متطلبات الطعام. بدلاً من ذلك، سيذهلنا حجم الركام الذي تسبّبت به سنواتٌ من الحرب التي حوّلتْ هذه المدن إلى أثرٍ بعد عين.
سنركّز في السطور التالية على ثلاث مراحل لتوصيف حال سوق العقار في دمشق وحركة البيع والتجارة والإيجار فيه؛ قبل بدء الثورة وتحويلها حرباً مدمّرة، وخلال الحرب، والوضع الحالي الذي يعيشه السوق بعد سنواتٍ من انتهاء المعارك في المدينة ومحيطها الذي لا يمكن فصله عنها رغم أنّه مستقلٌّ إدارياً بوصفه محافظةً هي ريف دمشق.
عقارات دمشق قبل الحرب
في الأول من أيار (مايو) من عام 2010، نشر موقع بي بي سي عربي تقريراً عن أسعار العقارات في سوريا حمل عنواناً بدا صادماً للكثيرين: «دمشق ثامن أغلى مدينة في العالم في أسعار العقارات». أما تفاصيل التقرير فكانت مأخوذةً من دراسةٍ أعدّتها مؤسسة كوشمان وويكفيلد المتخصصة بمتابعة أسعار العقارات حول العالم بالاعتماد على مؤشّرات أسعار المكاتب والعقارات. وتسبقُ دمشقُ في هذه الدراسة كبرياتِ مدن العالم ومراكزها التجارية، كنيويورك وسنغافورة، في مؤشرات الغلاء العقاري، ولا يسبقُها سوى هونغ كونغ وطوكيو ولندن وموسكو ودبي ومومباي وباريس.
ويورد التقرير مثالاً يعزّز ما أشارت إليه الدراسة بالقول: «تابع السوريون بدهشةٍ واستغراب مؤخراً أنباءً عن بيع منزل مساحته 300 متر مربع، مُطل على حديقة تشرين وسط العاصمة، بمبلغ 250 مليون ليرة سورية؛ أي ما يزيد على خمسة ملايين دولار، في وقتٍ تحوّل فيه الحصول على منزلٍ بثمنٍ يقلّ مائة مرة عن ثمن هذا البيت، إلى حلمٍ صعب المنال بالنسبة للكثير من السوريين، وخاصةً الشباب وذوي الدخل المحدود».
لعلّ المثال السابق يوضح أنّ الغلاء لا يعني مستوىً معيشياً عالياً يعيشه قاطنو المدينة يخوّلهم اقتناء بيوتٍ فيها، إذ تعاني سوريا كلها من أزمة سكنٍ مزمنةٍ منذ نصف قرن، حيث يبلغ الفارق بين المعروض من المساكن وبين الطلب عليها ما يقارب 750 ألف مسكن. وينجم عن النقص الفادح في حجم المعروض والمبني من المساكن وغلاء أسعارها توسع ظاهرة السكن العشوائي، المفتقر إلى الحدود المعقولة من الخدمات وغير المتقيّد بأنظمة البناء. أما المشكلة الأكبر فتكون بحالة شيوع الملكية لهذه المساكن، سواءً من خلال السجلات العقارية أو من خلال التوثيق القضائي أو عبر عقود بيع موثّقة لدى كاتب العدل أو عبر عقود بيع عرفية، وقد تكون هذه المساكن مُقامةً أصلاً على أملاك الدولة أو الوحدات الإدارية.
ولكون هذه المشكلة غير مختصّة بدمشق وحدها، فإنّ إحصاءات 2004 تُقدّر وصول عدد القاطنين في مناطق السكن العشوائي إلى 40% من سكان المدن الكبيرة؛ مثل دمشق وحلب وحمص. وقد وصل عدد المساكن المُخالفة إلى ما يناهز 1.2 مليون مسكن، وهي تحتاج إلى نحو 1200 مليار ليرة لمعالجتها بسعر صرف الدولار حينها (46 ليرة مقابل الدولار الواحد). يضاف إلى حالة العشوائية وانعدام التنظيم واسعتَيْ النطاق انتشارُ ظاهرة العقارات الخالية من السكان، والمُقدّر عددها في عموم البلاد بخمسمئة ألف شقة، وهي تُستخدم في المضاربة والادّخار والتداول في سوق العقارات.
للتعليق على المُعطيات السابقة وحال سوق العقارات في دمشق وريفها قبل اندلاع الثورة، توجهنا إلى مهندسٍ مدنيٍّ موظف في محافظة دمشق، رفض إيراد اسمه لاعتباراتٍ أمنية، فكان جوابه: «ليس مستبعداً أبداً أن يكون هذا الكلام دقيقاً إلى حدود كبيرة، خاصةً بالنسبة لمن يعرف كيف كان حال العقارات في دمشق ومحيطها قبل الحرب، فقد كانت أسعار الشقق في الأحياء الراقية بدمشق، مثل المالكي والمزة، تقترب من أسعار نظيراتها في باريس ولندن، وبلغ سعر شققٍ إلى نحو 90 مليون ليرة سورية (1.8 مليون دولار)».
ويضيف المهندس: «في نفس الوقت الذي كنا نرى فيه عمليات بيعٍ بهذه الأرقام الكبيرة، كان هناك الكثير من الناس يبحثون عن بيتٍ متواضعٍ صالحٍ للسكن ولو بأدنى المقومات، لكنّ ذلك كان أشبه بالحلم بالنسبة لهم. قبل الحرب عمّت ظاهرة المشاريع والضواحي السكنية أرجاءَ سورية عامةً ودمشق وريفها خاصة، وتنوّعت بين العام الذي تتبنّاه الدولة، والخاص الذي تعود ملكيته إلى رجال أعمال ومتنفّذين في الدولة نفسها. وشابت تلك المشاريع الكثير من الشوائب، منها قضايا استملاك عقارات مواطنين سوريين سواء من قبل الحكومة الشريكة في تلك المشاريع، أو من قبل مديري المشروع الأفراد والشركات بشكلٍ مباشر، كما كانت هناك انتقادات لبعض صور الشراكات مع بعض الأطراف والشخصيات التي وُصفت في بعض الأحيان بالوهمية أو بكونها مجرد واجهةٍ لتمرير المشروع».
ويتابع المهندس: «على الرغم من كثرة هذه المشاريع نسبياً، إلا أنّ المشكلة السكنية بقيت مستعصية، حيث إن المشاريع العامة كانت تسير ببطء شديدٍ كعادة كل المشاريع التي تشرف عليها الدولة، بينما كانت المشاريع الخاصة في معظمها لا تتعدى النصب والاحتيال على المواطنين لسرقة أموالهم بطرق مشروعة ووفق المستندات القانونية؛ لكون غالبية تلك المشاريع كانت وهمية وغير موجود سوى على الورق».
عوامل كثيرة ساهمت بارتفاع أسعار العقارات في سوريا في مطلع الألفية الثانية، من بينها الغزو الأميركي للعراق ونزوح ملايين العراقيين إليها، وخاصةً إلى دمشق وضواحيها، حاملين معهم مدّخراتهم. وكذلك عودة آلاف السوريين من لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري وإخراج الجيش السوري من لبنان، وهؤلاء جاؤوا حاملين معهم أموالاً قُدّرت في وقتها بأربعة مليارات دولار، وهي مبالغ ضخمة جرى استثمار معظمها في المدن الرئيسية والمناطق السياحية من الشريط الساحلي، ما أسّس لطفرةٍ في أسعار العقارات. ولم يكن آخر العوامل دخول الاستثمارات العربية، الخليجية تحديداً، إلى سوريا، حيث وجدت مناخاً اقتصادياً ملائماً بفعل شراكاتٍ من تحت الطاولة مع شخصيات سوريّة لها وزنها في أروقة السلطة، وتكفّلت من خلاله بتسهيل هذا الدخول.
لكنّ اللافت في الموضوع أن هذه العوامل، وغيرها الكثير، رفعت أسعار العقارات والسكن، لكنها لم تنعكس على مستوى العيش وإمكانية الحصول على منزل بفضل الأموال التي استُثمرت في عمليات التشييد، بل زادتها تعقيداً، حيث إن دخل المواطن السوري في تلك الفترة لم يكن يتناسب أبداً مع أسعار العقارات المُشيّدة حديثاً، وبقيتْ الشقة السكنية حلماً لذوي الدخل المحدود حتى بداية الثورة وانعكاسات عمليات القتال والتهجير على سوق العقار في البلاد كلها.
عقارات دمشق خلال سنوات الحرب
اندلعت الثورة السورية في بداية عام 2011 وتبدّلت الصورة وتغيرت الأحوال ودخلت البلاد في ظروفٍ مغايرةٍ تماماً. حمل المستثمرون الأجانب أموالهم وهربوا، وحذا السوريون من أصحاب الأموال حذوهم. وشهدت سورية ركوداً وترقّباً حذراً من الداخل والخارج لما سيحدث بعد ذلك. ومع تطور الأحداث وزيادة الاحتجاجات والاضطرابات وردّ النظام العنيف عليها وتحوّل الثورة إلى الاتجاه العسكري، فإنّ أسعار الأراضي والعقارات شهد تراجعاً كبيراً بسبب الحرب وما أفرزته من تبعات اقتصادية، خاصةً مع تدهور الليرة السورية وتراجعها بمستويات قياسية.
كما بدأت مرحلةٌ جديدةٌ في حياة السوريين؛ تمثّلت بفقدانهم لبيوتهم وأحيائهم وحتى مدنهم بشكلٍ جماعي، وبدأت معها أيضاً رحلة اللجوء إلى خارج البلاد والنزوح من مناطق إلى أخرى، ومن مدينة إلى مدينة ثانية أو حتى ضمن المدينة الواحدة. النظام الذي كان يقصف المدن تباعاً الواحدة تلو الأخرى تسبّب على الأقل في نزوح ملايين الناس، حطّ قسمٌ كبيرٌ منهم الرحال في العاصمة دمشق، التي فقدت بدورها بعضاً من أحيائها نتيجة القصف، كما فقد ريفها الكثير من المدن والقرى لذات السبب.
ولأن النظام كان يقصف كل المناطق الخارجة عن سيطرته، فقد اضطُر السكان للهرب من قصفه إلى المناطق التي كان يسيطر عليها. هذه الأعداد الكبيرة من النازحين خلخلت الموازين وأدت إلى ارتفاع الكثافة السكانية في مناطق على حساب أخرى، ما أدى إلى زيادة الطلب على البيوت، حيث وصلت الأسعار إلى أرقام فلكية، رغم أن الكثيرين توجهوا للإيجار ظناً منهم بعودة قريبة إلى الديار، ولكن سرعان ما حولت السنين المتلاحقة للنزوح هذا الظنّ إلى يقينٍ بأنّ العودة ليست بتلك السرعة التي كانوا يعتقدونها.
مع مرور مزيدٍ من الوقت وتزايد عمليات النزوح، أخذت أسعار العقارات وبدلات الإيجار بالتزايد عدة أضعاف، ويقدر اقتصاديون ارتفاع الإيجارات خلال الحرب بمعدل عشرة أضعاف في المناطق المُنظّمة، و17 ضعفاً في العشوائيات في السنوات الخمس الأولى طبعاً، لأنّ الأرقام باتت أكبر بكثير مع مرور السنوات.
الإيجارات تهيمن على سوق العقار
يروي لنا العم أبو خليل، وهو رجلٌ أجبره القصف المتواصل على مدينة دوما بريف دمشق إلى هجر منزلٍ من طوابق عديدة كان يسكنه مع باقي أفراد أسرته نحو دمشق، قائلاً: «كنا سابقاً نعيش في بحبوحةٍ مقارنةً بوضعنا الحالي، وفي عام 2013 غادرت مع عائلتي وإخوتي وعوائلهم. أذكر ذلك اليوم جيداً عندما سألتني زوجتي؛ ماذا نأخذ معنا؟ فأجبتها فقط بعض الثياب للأطفال لأننا سنعود قريباً. هذه الـ(قريباً) مضى عليها الآن سبع سنوات ذقنا خلالها عذابات الحياة والتنقل بين مساكن عديدة».
ويسترسل أبو خليل في حديثه فيقول: «بعد المكوث في معسكر الدوير القريب من مدينة دوما، وبعد محاولاتٍ عديدةٍ ووساطات، سُمح لنا بمغادرة المعسكر نحو قلب العاصمة دمشق، وهنا بدأت رحلة البحث عن بيتٍ نستأجره لفترةٍ قصيرة (لأن العودة كانت قريبةً كما كنا نظن). توجّهنا إلى مساكن برزة، واستأجرنا بيتاً مفروشاً ببعض الأثاث المتواضع بمبلغ 30 ألف ليرة في الشهر الواحد. بعد مرور ستة أشهر انتهى عقد الإيجار، ومع تجديد العقد رفع صاحب البيت قيمة الإيجار إلى 40 ألف؛ لأن الطلب على البيوت بدأ يزداد، ووافقنا مضطرين على هذه الزيادة. ستة أشهر أخرى بات الإيجار 50 ألف، والعودة (القريبة) أصبحت أبعد. سنة ونصف كانت كافيةً لنتيقّن بأن لا عودة ولا مال أيضاً قد بقي في حوزتنا».
ويتابع أبو خليل: «وصلنا إلى المحطة الثالثة، وهي البحث عن بيت للإيجار في منطقةٍ أخرى تتناسب مع وضعنا الذي يبدو أنه سيكون دائماً وليس مؤقتاً؛ بيتٌ يتناسب مع راتبي البالغ 50 ألف ليرة سورية في الشهر بعد 25 سنة من الخدمة في وظيفتي. توجهنا إلى إحدى مناطق السكن العشوائي (وادي المشاريع) في ما يُعرف بدُمّر الغربية، وبعد بحثٍ طويل وجدنا بيتاً بدون فرش وبدون أدنى مقومات الحياة؛ مؤلّف من غرفتين في طابق أرضي لا يرى الشمس إلا نادراً، ولكن إيجاره مقبولٌ مقارنةً بالأسعار الخيالية التي كانت تطلب منّا حينها: 25 ألف. وأخذنا باقتناء الأثاث المُستعمل من هنا وهناك لأن بيتنا في دوما مع أثاثه الذي أمضينا سنوات عمرنا في تجميعه قطعةً قطعة بات الآن مجرد ذكرى من الماضي، يمكن استرجاعها في المخيلة وأحاديث المساء، ولكن ليس على أرض الحقيقة المرّة التي نعيشها».
أما اليوم، يسكن أبو خليل منزلاً آخراً بإيجار 50 ألف في الشهر، ولتأمينها فهو يعمل كسائق تكسي بعد وظيفته حتى ساعات الليل المتأخرة، لأنّ النظام الذي حرّر دوما من الإرهاب قد حوّل منزله إلى كومة من التراب، على حدّ وصفه. أبو خليل وعائلته قصة كل عائلة نازحة من أي منطقةٍ وباتجاه أي منطقة أخرى، نهشها النزوح والجوع وجشع التجار وأصحاب البيوت.
بيوت مدمَّرة ومشاريع فارهة لإعادة الإعمار
يقدّر البنك الدولي في العام 2018 عدد المساكن المدمّرة في سوريا بنحو 1.7 مليون منزل، تشكل 27% من مساكن البلاد بشكلٍ إجمالي، والبالغة قيمتها مع البنى التحتية نحو 60 مليار دولار. هذه الأرقام تعطي مدلولاتٍ واضحة عن حجم الكارثة التي تعرضت لها العقارات السورية.
ومع هذا الدمار كله، تتلاقى مصادر محلية ودولية مع ما كشفه القسم الفارسي لإذاعة صوت أميركا، نقلا عن مصادر وصفها بالمُطلعة، من أنّ إيران تشجّع المستثمرين على شراء العقارات في سوريا، وبالتركيز على شراء الأملاك بالعاصمة دمشق. وأضافتْ الإذاعة أنّ إيران أرسلت إلى سوريا، بالإضافة إلى المستثمرين، عمّال بناء أيضاً. ونقلت عن الخبير الإيراني فريبرز صارمي قوله: «إنّ سياسة تملّك العقارات من قبل الإيرانيين في سوريا من شأنها أن يمكّن طهران من بسط سيطرتها على سوريا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط».
وذكر التقرير أن أغلب الأراضي والبنايات المحيطة بمزار السيدة زينب تمّ شراؤها من قبل الإيرانيين المقربين من النظام بمبالغ كبيرة، مما سبّب ارتفاعاً كبيراً في أسعار العقارات في هذه المناطق. بطبيعة الحال فإنّ تملّك الإيرانيين للأراضي والعقارات يعود إلى سنواتٍ طويلة منذ مطلع الألفية الثانية، وربّما قبل ذلك، كما حدث في داريا والسيدة زينب وفي قلب دمشق بمحيط مزار السيدة رقية والجامع الأموي وشارع الأمين وأحياء عدة في دمشق القديمة، بالترغيب مرةً وبالترهيب مرات. ولا يكفّ أهالي دمشق عن الهمس وتبادل الأحاديث الغاضبة عن الحرائق المُفتعلة بالأسواق والمحال والأبنية في دمشق القديمة ممن رفض أهلها بيعها للإيرانيين. ويتّهم الناشطون السوريون نتيجة ذلك إيران بالعمل على إحداث تغييرٍ ديموغرافيٍّ واسع في سوريا يحقق رغباتها ويضمن مصالحها على المدى الطويل، خاصةً من خلال قلب التركيبة السكانية في دمشق ومحيطها.
ها قد انتهت عمليات القتال!
وضعت الحرب أوزارها في أغلب المناطق السورية، ولكن ليس قبل أن يدمّر النظام وحلفاؤه بشكلٍ ممنهجٍ مناطق كثيرة من خلال العمليات الحربية، أسوةً بما فعله التحالف الدولي ضد تنظيم داعش. انقشعت الغيوم وتوضّحت الصورة؛ دمارٌ وخرابٌ عميمان، وملايينٌ من الناس بلا مأوى. فاتورة الحرب كانت باهظة، وعلى النظام أن يدفع لحلفائه من جيوب السوريين ثمن وقوفهم بجانبه، وما من قطاعٍ اقتصادي أكثر إغراءً من قطاع البناء والتعمير في بلدٍ متهدّم. ولأن هذا القطاع جذب انتباه المستثمرين، فقد سجّل سوق العقارات في دمشق والمدن السورية «الهادئة» صعوداً قوياً بسبب تهيّؤ مستثمرين محليين وعرب لدخوله، وذلك بعد تلويح الحكومة بتوزيع حصص إعادة الإعمار على الأصدقاء، للاستثمار في هذا القطاع. وكان لافتاً مشاركة عشرات الشركات المتخصصة بإعادة الإعمار في معرض دمشق الدولي نهاية عام 2017، ومن بينها روسية ولبنانية ومصرية وإماراتية.
الأولوية إذاً «للأصدقاء الروس»، فهذا ما ركّز عليه ملتقى رجال الأعمال السوري الروسي، حيث كشف نائب وزير التنمية الاقتصادية الروسي أليكسي غروزدف عن حزمةٍ من المشاريع المشتركة في مختلف القطاعات تلبي حاجات إعادة الإعمار، وقال في افتتاح الملتقى: «سنشهد شركاتٍ مساهمة مشتركة وغيرها من تعاون سوري روسي بدأ قطاره بالسير ولن يتوقف». كما أعلن عن مشاريع في دائرة البحث لإنشاء معمل ضخم للإسمنت في سورية، بطاقةٍ إنتاجيةٍ تصل إلى ستة ملايين طن، وبناء مصانع تنتج حاجات إعادة الإعمار.
وبالتوازي مع ذلك، أعلن رئيس مجلس رجال الأعمال السوري الروسي، سمير حسن، أن قرار الحكومة السورية بأن تكون الأولوية للأصدقاء الروس، إنما هو «اعتراف منها بخبرة الشركات الروسية وقدرتها على تلبية حاجات الاقتصاد السوري وتنميته، ومساعدته على مواجهة إفرازات الحرب والانطلاق مجدداً». وفي هذا السياق، نشر موقع إندبندنت عربي تقريراً مطوّلاً عن دخول الشركات الروسية للاستثمار في سورية، ومما جاء فيه: «تتهيأ ثمانون شركة استثمار روسية لزيارة سوريا للتعرف إلى واقع الاستثمار على الأراضي السورية في عدد من القطاعات».
ومن بين ما تتطلع الشركات الروسية إلى الدخول فيه كجهةٍ استثمارية مشروع «ماروتا سيتي»، وهو مشروعٌ ضخمٌ في العاصمة دمشق يسعى إلى بناء مدينة ذكية في أحياء راقيةٍ، أو ستصبح كذلك، من المدينة. وتمتدّ هذه المدينة التي خفتَ الحديث عنها مؤخراً على مساحة مليونين و149 ألف مترٍ مربع، على أن تحتوي على مساحاتٍ خضراء ومبانٍ تجارية وإدارية ومراكز ترفيهية وثقافية وصحية وسياحية ومراكز مال وأعمال وبنوك. وتشير المعلومات الأولية إلى إجراء مباحثات بعدما جذب المشروعُ شركتين استثماريتين روسيتين، مع تنبؤات بدفع العديد من الشركات المهمة إلى تشييد أبراج سكنية وتجارية في المدينة، في حين تشرف شركة شام القابضة، وهي مؤسسة اقتصادية ضخمة في سوريا، على أعمال المشروع، الذي قُدّم على أنه قفزة نوعية ومشروعاً عمرانياً يضاهي ما هو موجود في أهم المدن العالمية وأكثرها تطوراً.
وتضيف صحيفة الإندبندنت: «مع الترقب والتحضير للاستثمار في سوريا تبذل الشركات في موسكو العاملة في قطاع البناء جهدها للاستحواذ على حصة الأسد في هذا القطاع. ويتضح ذلك من خلال دخولها في أعمال كبيرة كبناء ناطحات سحاب وأبراج سكنية. في المقابل، هناك تسهيلاتٌ مقدمة إلى تلك الشركات، وهي تسهيلات سياسية كونها شركات من دولة حليفة وصديقة لدمشق، ستلعب دوراً كبيراً في إعادة الإعمار الذي تُقدّر كلفته بحوالي 400 مليار دولار».
على كلّ حال لا يمكن اعتبار ماروتا سيتي مشروعاً لإعادة الإعمار سيساهم في حلّ جزءٍ من مشكلة عشرات ألوف الناس الذين فقدوا بيوتهم بفعل آلة الحرب؛ كون القادرين على أن يساهموا فيه ويحصلوا على عقاراته الفارهة، كما يشرح تفاصيلها الموقع الإلكتروني الذي تم تخصيصه للمدينة، هم شريحةٌ مُترفة قادرة على شراء أيّ عقارٍ تريده على طول البلاد وعرضها. ويذكر الموقع حالياً أن نسبة التنفيذ في المشروع الذي أُعلن عنه عام 2012 وبدأت أعمال البناء فيه عام 2017 قد بلغت 17%.
أرزاق الناس يتاجر بها الشبيحة والنّصابون
ليس القصف وحده من أفقد السوريين منازلهم، بل هناك كوارث وقعت خلال العمليات القتالية وبعد انتهائها، فقد عمد النظام، طوال سنوات الحرب وما بعدها، إلى سرقة البيوت عبر ميليشياته ومرتزقته، خصوصاً في مناطق الصراع، وهو ما يسمى بين السوريين بعمليات «التعفيش»، والتي بدأت في سنوات الحرب الأولى بسرقة أثاث المنازل التي هجرها أهلها، ثم تطور الأمر حتى وصل إلى حدّ تجريد البيوت من كل شيء؛ الأبواب والشبابيك والتمديدات الكهربائية والصحية والبلاط والرخام. عمليات التعفيش هذه حرمت الكثيرين من السكان من العودة إلى منازلهم ومناطقهم، رغم ادّعاء النظام تحريرها من «الإرهاب»؛ لأن تكلفة إعادة الترميم باتت مرتفعةً جداً، ورغم ذلك فقد اضطُرّ البعض للعودة إلى منازلهم والسكن فيها على هذا الحال هرباً من الإيجارات التي لا ترحم.
كارثةٌ أخرى ألمّت بالأهالي، وهي سرقة البيوت بطريقةٍ قانونيةٍ بموجب المستندات التي تتم بها عمليات البيع والشراء ولكنها غير شرعية. يقول أبو خالد، وهو من أهالي مدينة معضمية الشام بريف دمشق لجأ مع عائلته إلى لبنان: «بعد توقّف المعارك الدائرة في المدينة بعدة شهور، عدتُ للاطمئنان على بيتي فوجدتُ عائلةً تسكنه، شرحت لهم بأني صاحب البيت فأظهروا لي عقد شراءٍ للمنزل من مالكٍ لا أعرفه، اشتراه هو الآخر من شخصٍ ثالث ورابع. ويضيف أبو خالد: «توجّهتُ بدعوةٍ قضائية على الساكنين والطرف الذي باعهم، ومازالت الدعوى في المحاكم منذ عامٍ تقريباً، ولا يبدو بأنها قريبة الحل في المدى المنظور.
هذه الظاهرة التي يحكي عنها أبو خالد باتت شائعةً في الكثير من المناطق السورية ومتنوعة الأدوات؛ إذ قد يبيع أحدهم بيتاً لا يملكه أساساً من خلال وكالةٍ عدليةٍ مزورة، أو عبر استخدام عنوانٍ مزور، أو عقد بيع يحمل بصمة مزوّرة للمالك، ومن ثم يتعاون مع شريك أو أكثر؛ يلبسهم ثوب «شارٍ حسن النية» لاستخدام خدعة «تهريب العقار»، فيجعل من كرة الثلج التي تدور في أروقة المحاكم أكبر وأكبر، مستغلاً طبيعة العقوبة القضائية المرتبطة بهذه المخالفة، والتي تكون في حدّها الأعلى السجّن لمدة عام. حالة أبو خالد تشبه الكثير من الحالات التي بيعَت من خلالها عقارات، إما باستخدام وكالات عدلية مزورة بالتعاون مع كاتب العدل الذي ينظّم الوكالة، أو عبر عقد بيع مزور ينظّمه محامي ويُصدّق عليه في المالية، ويكون بالصيغة الاعتيادية «عقد بيع بالتراضي بين الطرفين» مع تزوير بصمة المالك. وعادةً لا يتوقف المُزوِّر عند هذا الحد، فعليه استخدام خدعة البيع المتكرر للعقار في محاولة للهروب من الملاحقة القانونية وجعلها أكثر تعقيداً.
ولا تتوقف الكوارث عند هذا الحد، بل إنّ النظام ارتكب أبشع الكوارث من خلال القوانين والمراسيم التي أصدرها فيما يتعلق بالعقارات، وتهدف جميعها إلى الاستيلاء على أملاك الشعب وترحيلهم من بيوتهم ممن يقيمون تحت حكمه أو ممن غادروا البلاد خاصة. في دمشق وحماة، بين يوليو(تموز) 2012 ونوفمبر(تشرين الثاني) 2013، وثّقت هيومن رايتس ووتش 7 عمليات هدم وإجلاء واسعتي النطاق نفذتها حكومة النظام السوري تحت ستار التنظيم العمراني. تقول المنظمة: «إنّ عمليات الهدم والإخلاء انتهكت قوانين الحرب، كونها لم تخدم أي غرض عسكري ضروري، وبدا أنها تهدف إلى معاقبة المدنيين». كما استخدمت الحكومة السورية المرسوم /66/ لسنة 2012 للاستيلاء على الممتلكات وتهجير قاطنيها. ويهدف المرسوم رسمياً إلى «إعادة إعمار مناطق السكن العشوائي والمخالفات العشوائية» في منطقتين من محافظة دمشق. إلا أنّه من الواضح أنّ المرسوم قد استخدم لاستهداف وطرد سكان المناطق التي سيطرت عليها فصائل المعارضة وتدمير ممتلكاتهم من دون إجراءات قانونية واجبة أو تعويض أو سكن بديل.
كما مكّن المرسوم التشريعي رقم 63 لسنة 2012 وزارة المالية من الاستيلاء على أصول وممتلكات الأشخاص الخاضعين لقانون مكافحة الإرهاب لعام 2012 ونقل ملكيتها إلى الحكومة السورية، حيث يقدم قانون مكافحة الإرهاب لعام 2012 تفسيراً فضفاضاً للإرهاب، ويجرِّم بشكلٍ غير عادل شريحةً كبيرةً من السكان دون منحهم أي حق في إجراءات قانونية أو محاكمة عادلة.
الضربة القاضية كانت بصدور القانون رقم 10 لعام 2018، والذي هو في ظاهره قانون للتنظيم العمراني، لكنه على أرض الواقع قانون للاستيلاء على أملاك كل من غادر البلاد دون تعويض. القانون لقي الكثير من النقد على اعتبار أنه غير شرعي من الناحيتين القانونية والاجتماعية، خاصةً أنه صدر في ظل غياب السكان المعنيين به، والذين هم خارج سوريا نتيجة الحرب التي شنها النظام ضد شعبه. ولا يتنافى القانون رقم 10 مع القانون الدولي فقط، بل مع حقوق الإنسان، وعلى رأسها المَسكن والملكية الخاصة. القانون لا يدعو صراحةً إلى نزع ملكية المُهجّرين، لكن هناك عوامل مهمة قد تفضي في النهاية إلى نزع الملكية نظراً لتعذّر إثباتها. ومن هذه العوامل تقييد مدة إثبات ملكية العقار بعد صدور أي مرسوم لتنظيم منطقةٍ ما بثلاثين يوماً، وهي فترة قصيرة جداً، لكون معظم المُهجّرين مطلوبين لأجهزة الأمن، وقد لا يجرؤ أقاربهم أو وكلاؤهم على القيام بمهمة إثبات الملكية، خاصةً بعد التعميم الذي أرسلته حكومة النظام إلى وزارة الإدارة المحلية في الرابع من آب (أغسطس) 2015، والذي طلبت فيه إضافة قضية بيع العقارات أو الفراغ للمنازل والمحلات في المناطق المنظمة وغير المنظمة إلى القضايا التي تحتاج إلى موافقة أمنية مسبقة.
ولا يغيب عنّا أنّ سياسة هندسة عمرانية جديدة أخذت ملامحها بالتشكّل طوال سنوات الحرب السورية التي شهدت عمليات إجلاء وتهجير عديدة من معاقل المعارضة بعد تعرضها لحصار طويل فرضته قوات النظام، واعتبرت منظمة العفو الدولية في تقريرٍ بعنوان «الرحيل أو الموت» أن إرغام السكان على الرحيل بموجب اتفاقات توصل لها النظام مع المعارضة يرقى إلى «جريمة ضد الإنسانية». ويُخشى من أن يكون مقدمة لتغيير ديمغرافي يعيد النظام من خلاله توزيع السكان وفق أجندات طائفية وسياسية.
«آخر الطب الكي» هو تماماً ما ينطبق على القرار 5 بتاريخ 20/1/2020 وبدأ تنفيذه منتصف شهر شباط (فبراير)، وقد أصدره رئيس مجلس الوزراء في حكومة النظام. وعُرف القرا بـ«قانون بيوع العقارات والمركبات». ويُلزم القرار المذكور الجهات العامة، ومنها السجل العقاري، ومديريات النقل العامة في المدن السورية، المخولة بتسجيل ملكية العقارات والمركبات بأنواعها، والكاتب بالعدل، بعدم توثيق عقود البيع أو الوكالات المنجزة والدائمة، قبل الحصول على إشعار بتسديد ثمن العقار أو المركبة، أو دفع جزء من مبلغها في الحساب المصرفي للمالك أو لورثة المالك أو للمحكمة، في حال عدم وجود ورثة له.
وتلتقي آراءٌ استطلعناها أن هذا القرار هو محاولة لمنع الانهيار الاقتصادي المحتوم، ويهدف إلى ضبط آليات البيع والشراء للعقارات والمركبات، وإلزام أطراف التعاقد بالتعامل بالليرة السورية بدلاً من الدولار، والسداد عن طريق المصرف، ما سيزيد الطلب على الليرة ويحسن من سعرها، وأن المصارف، وفقًا للقرار، ستتقاضى رسوم نقل الملكية حسب السعر الحقيقي للعقار المباع، وليس حسب التقدير المالي للعقار في المالية، وعليه ستحقق عمولة للمصارف نتيجة الإيداع والسحب وستُسحب كميات كبيرة من المعروض النقدي بالليرة السورية من التداول، مما يزيد من الطلب عليها. القرار يهدف أيضاً إلى سحب الأموال المستخدمة في بيع وشراء العقارات لمنع إرسالها إلى الخارج أو المضاربة بها لتحقيق أرباح، خاصة وأن سوق العقارات شبه متوقف بسبب العقوبات الأمريكية وقانون قيصر الذي منع المستثمرين الأجانب من دخول البلاد. وضع هذه الأموال في المصارف سيربك حساباتها بشأن دفع فوائد الأموال غير القادرة على استخدامها وإعادة تدويرها. والقرار أساساً مخالف لنص الدستور الذي يحمي الملكيات الخاصة ويمنع تقييد آلية استلام المبالغ كونها تخضع بدورها للملكية الخاصة. ويرى بعض العاملين في سوق العقارات أنه، رغم كل ما سبق، فإن الالتفاف على القانون وارد جداً من خلال الاتفاق مع البائع على سعر وهمي للعقار يُسدد أكثر من 80% من قيمته بالدولار نقداً، ويكتفى بإيداع ما تبقى من الثمن في البنك، على أنه السعر المتفق عليه للعقار أو عبر إدراج العقار بصفة «الفراغ» الذي يعتبر «عقد هبة» وليس «عقد بيع»، والاكتفاء بوضع مبلغ رمزي في المصرف كجزء من ثمن العقار الذي تم شراؤه.
لكنّ القرار قد أثّر إلى حدٍّ ما في حركة البيع والشراء كما يرى صاحب أحد المكاتب العقارية، سنلقبه أبو أحمد، استطلعنا رأيه، حيث يقول: «إن السوق حالياً في حالة غير مستقرة ويشهد ركوداً في عمليات البيع والشراء، عادةً ما يخضع التسعير إلى قوى العرض والطلب، لكن العرض محكوم بارتفاع تكاليف البناء والإكساء، والطلب محكوم بضعف القوة الشرائية للمواطنين، وخاصةً أصحاب الدخل المحدود، وهو السبب الرئيس للركود في سوق العقارات اليوم. المفترض أن تنخفض الأسعار لكن الذي حصل هو العكس تماماً، حيث ارتفعت الأسعار عن العام الماضي ثلاثة أو أربعة أضعاف، وذلك بسبب تدهور الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، ما أدى لارتفاع تكاليف البناء بشكل جنوني، خاصة أن أغلب المواد المستخدمة في البناء مستوردة».
وينهي أبو أحمد حديثه بالقول: «أصبحنا الآن نسمع بأرقام لم نسمع بها من قبل؛ كأن تباع بيوت في مناطق المخالفات بأسعار تتراوح ما بين 20 و30 مليون ليرة، وبعضها الأخر تجاوز الـ50 مليون ليرة، علماً أنها بيوت ليس لها سندات تملّك رسمية أو ما يعرف بـالطابو الأخضر، ومعظمها بناء قديم ومتهالك».
على ضفةٍ مقابلة، يمكننا أن نسوق مثالاً أخيراً عن حالة التفاوت الطبقي الرهيب الذي بات واضح المعالم في سوريا، وعن جنون أسعار البيوت التي لها سند تملّك نظامي، ينقله لنا أحد المتاجرين بالعقارات في دمشق، حيث يقول: «في منطقة كفرسوسة، أحد أهم الأحياء في دمشق، وما يعرف بـ(تنظيم كفرسوسة) تجاوز ثمن المحضر 100 مليون دولار، وقد كنت شاهداً على واحدةٍ من عمليات البيع هذه، وهو رقمٌ خياليٌّ إذا ما قورن بسعر صرف الدولار الآن في سورية».
بات السوريون اليوم يعيشون حبيسي الدمار والخراب والفقر من جهة، والقوانين والمراسيم الجائرة لحكومة النظام ورأسه من جهةٍ ثانية. ولعلّ أول ما يتبادر إلى ذهنهم الحديث عنه حيال استحالة وصولهم إلى تحقيق حلم الحصول على مسكنٍ كريم، استئجاراً أو تملّكاً، هو أنّ ذلك يصبُّ في خانة تهجيرهم، أو بالأحرى تطفيشهم من بلادهم نتيجة ممارسة أقسى أنواع التضييق، فضلاً عن مستوى العيش المتدني الذي لا يسمح لهم بمسكنٍ يستقرون فيه. كذلك، لا شكّ أنه ما من تضييقٍ وعسفٍ يتخطّى في حدوده سلبَ الناس بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم أو القدرة على العودة إليها، سوى سلبهم أرواحهم وأرواح أحبابهم، وهو ما اعتاد النظام على فعله خلال السنوات الماضية، أملاً في الوصول إلى سورية المتجانسة.