باتت عبارة «مئة غرام ذهب مقدّم ومثلها مؤخّر»، مألوفةً على مسامع السوريين، وغير مستغربةٍ كما كان الأمر في السابق، ذلك أن تدني قيمة الليرة السورية دفع كثيراً من الأهالي إلى تسجيل المهور بغرامات الذهب أو الليرات الذهبية بدلاً من العملة المحلية، غير مكترثين لمدى قدرة الشباب على تأمينها. كما تسبّب ارتفاع أسعار الذهب بشكلٍ جنوني في إرباك حسابات كثير من السوريين، وأدّى إلى خلافاتٍ بينهم، ولا سيما فيما يخص تقدير الديون والمهور، التي اختلفت قيمتها كثيراً بين الماضي والحاضر.

ووصل سعر غرام الذهب خلال الأيام الماضية الى 120 ألف ليرة سورية، ما سبّبَ صدمةً لدى كثيرٍ من الشبان المقبلين على الزواج، حيث بات شراء خاتم الخطوبة من النوع المتوسط يُكلّف مليون ليرة، عدا عن تكاليف باقي المصاغ وألبسة العروس، وشراء أو استئجار منزل وتجهيزه بالأثاث، ليصبح الزواج بالنسبة لكثير من السوريين والسوريات اليوم بمثابة حلم، لا يمكن تحقيقه ضمن المعادلات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية الراهنة.

مهور تغيّرت مع ارتفاع الذهب

بعد خطوبةٍ استمرت لسنة بين اسماعيل وياسمين، تَعرَّضَ الشاب ذو الثلاثين عاماً لصدمةٍ حين أخبره والد خطيبته، قبل عقد القران بيوم، أن المهر الذي تم الاتفاق عليه، والبالغ 800 ألف ليرة سورية مقدم ومثلها مؤخر، لم يعد كافياً، وأنه يريد رفعه إلى مليونين، خاصةً مع ارتفاع أسعار الذهب.

يقول إسماعيل، وهو من أهالي مدينة إدلب، للجمهورية: «كيف لي أن أؤمن هذا المبلغ، فيما المهر السابق، البالغ 800 ألف ليرة، لم أدفع منه لخطيبتي سوى 300 ألف حتى الآن، وما يزال أمامي تكاليف استئجار المنزل وشراء الأثاث. حاولتُ التفاهم مع خطيبتي لتقنع والدها بالبقاء على المهر القديم، لكنه أصرّ على موقفه، ما اضطرني لفسخ الخطوبة وفي قلبي حسرةٌ كبيرة».

وفي حديثنا مع والد ياسمين لتوضيح وجهة نظره، قال: «جرت العادة في مناطق الشمال السوري أن يتضمن المهر المقدّم تحديد قيمة النقد الخاص بالذهب وألبسة العروس، لذا اتفقنا قبل عام أن يكون المهر 500 ألف ذهب و300 ألف ألبسة، وكان حينها سعر غرام الذهب 23 ألف ليرة».

وأضاف والد ياسمين: «طوال السنة الأولى من الخطبة لم يتمكن إسماعيل سوى من تأمين 300 ألف ثمن اللباس، وتبّقى من المهر 500 ألف ثمن الذهب، لكن مع انهيار الليرة وصل غرام الذهب الى 125 ألف ليرة، وبالتالي فإن 500 ألف لم تعد تشتري سوى خاتم يزن أربعة غرامات فقط، فهل من المعقول أن يكون مهر ابنتي من الذهب خاتماً صغيراً؟ لذا قررت رفع المهر إلى مليوني ليرة لأضمن حق ابنتي».

كذلك، وقع الشاب مصطفى عرب، من أهالي ريف حلب، في خلافٍ كبير مع أهل خطيبته بسبب ارتفاع أسعار الذهب، فبعد أن اتفق معهم بشكلٍ شفهي على مهرٍ قدره 500 ألف ليرة منذ عدة أشهر، أخبره عمه عند عقد القران أنه يود رفع المهر إلى مليون وربع، لكنه رفض ذلك لضعف إمكانياته المادية كحال كثيرٍ من الشباب، وأصرّ على المهر الذي تم الاتفاق عليه مسبقاً.

يقول عرب: «لم يقبل عمي البقاء على المهر السابق، وقام بفسخ الخطوبة. علمتُ بعد فترة أنه يريد تزويج خطيبتي لابن صديقه ميسور الحال، فتوجهتُ مسرعاً إلى مكان عمل عمي وتشاجرت معه، ووصلت بنا الأمور الى حد الشتائم والضرب، فقد كنت أحب خطيبتي كثيراً، ولم أتخيل أن نفترق بسبب المال».

يضيف عرب: «فقدتُ الأمل في الزواج من فتاةٍ عزباء في ظل المغالاة بالمهور، ولكن نصحني أحد المشايخ بالزواج من النساء الأرامل أو زوجات الشهداء وأمهات الأيتام، اللواتي يكون هدفهنّ فقط السترة والزواج من رجل يحميهنّ ويؤمن لهنّ حياةً كريمة في هذه الظروف الصعبة، فلا يطلبنَ سوى مهرٍ رمزي. وبالفعل، تزوجتُ من أرملة توفي زوجها قبل سنتين بغارة جوية، ولم يطلب أهلها مهراً سوى مئتي ألف ليرة سورية».

الذهب خيار الأهل لضمان حق بناتهم

بالمقابل، يعمد بعض السوريين إلى تحديد المهر بغرام الذهب وليس بالليرة، وذلك لتجنب تأثيرات انهيار العملة المحلية. تقول أم عبدو كردي، من سكان الأتارب بريف حلب: «تَقدَّمَ شاب لخطبة ابنتي في نهاية العام الماضي، حين كان سعر غرام الذهب 25 ألف ليرة، لذا طلبنا مهراً قدره 60 غراماً من الذهب، أي ما يعادل حينها مليون ونصف المليون، وبالتالي في حال ارتفع سعر الذهب لن تتأثر قيمة المهر».

تشرح السيدة: «طلب الشاب حينها أن يكون المهر بالليرة وليس بالغرام، لكننا أصرّينا على دفع قيمته بالغرام، وبالفعل كان قرارنا صائباً، إذ لو حددنا حينها المهر بمليون ونصف المليون، فإنه لن يشتري اليوم سوى 12 غراماً من الذهب، أي أن ابنتي كانت ستخسر 48 غراماً، وهذا ظلم لها فهو من حقها. في النهاية، المجوهرات ستعود بالنفع على الزوجين، وهي سندٌ لهما في الظروف الصعبة».

حقوق المتزوجات في خطر

اعتاد أبناء بعض المناطق السورية، ولا سيما في دمشق وريفها، أن يكون المهر مقتصراً على تقديم مبلغ للفتاة لشراء اللباس ومستلزماتها الشخصية، بينما لا يُحدد مبلغ لشراء الذهب، ويُترك الأمر للشاب حسب استطاعته، بينما تتم كتابة مبلغ غير مقبوض كجزء من المقدّم، ويحق للزوجة أن تطالب به خلال الزواج في أي وقت.

مروة منصور (اسم مستعار) من سكان حي الزاهرة بدمشق، تزوجت قبل خمس سنوات، وتم الاتفاق مع العريس على مُقدّمٍ غير مقبوض قدره خمس ليرات ذهبية، وكانت قيمة الليرة الواحدة حينها 120 ألف ليرة، أي أن قيمة المقدّم غير المقبوض كانت تعادل 600 ألف ليرة.

تقول مروة: «عانيتُ من بخل زوجي الشديد، فهو لا يمنحني أي مصروف لشراء حاجياتي المنزلية، وحجته دوماً أن راتبه لا يكفي. لكن تفاجأتُ مرة أنه يخفي في الخزانة مبلغاً كبيراً، حينها قررت أن أطالبه بدفع مهري غير المقبوض، لكنه رفض دفع المبلغ، فاستفسرت من محامٍ وأخبرني أنه وفق الشرع والقانون السوري، يجب عليه دفع المهر كما هو مكتوب في عقد الزواج، أي خمس ليرات ذهبية».

تضيف مروة: «أخبرني المحامي أيضاً أنه يحق لي البقاء في منزلي ورفع دعوى على زوجي في المحكمة لتحصيل المهر، حينها يطالبه القاضي بدفع المهر كما هو، خمس ليرات ذهبية أو ما يعادل قيمتها اليوم وليس حين كتابة العقد. وفي حال رفض، يقوم القاضي بالحجز على أملاكه بما يعادل قيمة المهر».

وتابعت مروة: «أخبرتُ زوجي أنه في حال لم يدفع لي مهري المُقدَّم سأرفع دعوى عليه، فرفض وقال لي بالعامية (إيدك وما تعطي). قرّرتُ ترك المنزل والمكوث في بيت أهلي ورفع دعوى ضده، والتي تلزمه أيضاً بالنفقة عليّ ودفع مهري المقدّم، وفي حال طلبت الطلاق عليه دفع المقدم والمؤخر معاً، لكني لا أود الطلاق لأن لديّ أطفال، وأريد فقط تحصيل مهري غير المقبوض، إذ أنني أخشى من ضياع حقي».

من جهةٍ أخرى، هناك كثير من السيدات اللواتي تزوجنَ قبل فترة طويلة، وكان مهرهنّ حينها قليلاً أصلاً، فلو أردنّ الطلاق اليوم، فإن المهر الذي سيحصلنَ عليه لا يساوي شيئاً، وهذا ما سبّب حالة قلقٍ لدى كثيرات من النساء اللواتي وقعنَ في خلافاتٍ مع أزواجهنّ ويفكرن بالطلاق.

أم حسن من سكان مدينة حلب، علمت أن زوجها تزوّج عليها، لذا قررت الطلاق، لكنها تذكرت أنها حين تزوجت عام 2000 كان مهرها 100 ألف ليرة فقط، لذا فلو طلبت الطلاق فإن هذا المهر لا يكفيها أجرة شهر واحد للبيت، ولديها أربعة أولاد، فكيف ستؤمن مصروفها وهي ربة منزل.

تقول أم حسن: «قررت سؤال محامي قبل طلب الطلاق، للتأكد من المؤخر الذي يجب على زوجي دفعه لي، فأخبرني أنه يكون وفق ما هو مدوّن في العقد، فإذا كان المبلغ المكتوب 100 ألف ليرة فقط، فهذا ما على الزوج دفعه عند الطلاق حتى لو اختلفت قيمته، أما إذا كان المبلغ المدوّن مرفقاً بعبارة ‘أو ما يعادله من ذهب’، ففي هذه الحالة يمكن للزوجة رفع دعوى، وبالتالي يتم الرجوع إلى البنك المركزي للتأكد من عدد غرامات الذهب التي كانت تساويها المئة ألف ليرة عام 2000. ولو افترضنا أنها كانت تساوي 280 غرام، فعلى الزوج دفع المؤخر بقيمة تلك الغرامات اليوم».

خصام بين الإخوة

ارتفاع أسعار الذهب خلق خلافاتٍ حتى بين الإخوة. تقول يسرى من سكان جرمانا بريف دمشق: «استدنتُ عام 2016 قطعة ذهب من أختي تزن 20 غراماً، وقمتُ حينها ببيعها لتسديد أقساط ابنتي في الجامعة، وحين قررتُ سدادها الشهر الماضي كان سعر الذهب قد ارتفع كثيراً عمّا كان عليه قبل أربع سنوات، ما جعلني أقع في خلافاتٍ مع أختي».

توضح يسرى أن أختها تريد استعادة الدين على شكل قطعة الذهب بالوزن نفسه، أو ثمنها وفق سعر السوق اليوم، «لكن هذا سيكون ظلماً لي، فأنا بعتُ قطعة الذهب التي استدنتها حينها بـ 300 ألف ليرة، حيث كان سعر الغرام 15 ألف، أما اليوم أصبح سعرها يعادل مليونين و400 ألف ليرة، ما يعني أني سأدفع أكثر من مليوني ليرة زيادة على قيمة المبلغ الذي استدنته».

تابعت يسرى: «سألتُ أحد الشيوخ حول هذه المسألة، فقال لي أن الذهب لا تتغيّر قيمته مع الأيام؛ لذا، وفق رأي جميع المذاهب، فإن المبلغ المُستدان إذا كان ذهباً فيجب أن يُعاد ذهباً حتى لو تغيّر سعره مع السنين، أو يمكن أن يحاول الطرفان التراضي»، مضيفةً «حاولتُ أن أتفاهم مع أختي على أن أعيد لها مبلغاً وسطياً، بحيث لا أتضرر أنا ولا هي كثيراً، لكنها رفضت وقاطعتني وأصرّت على إعادة قطعة الذهب كما هي».

وكان غرام الذهب عام 2000 يعادل 350 ليرة سورية، ثم ارتفع حتى وصل إلى 900 ليرة عام 2010. ومع اندلاع الثورة السورية وانهيار الليرة، بدأت أسعار الذهب بالارتفاع الى أن وصلت الشهر الماضي الى رقم قياسي مع تطبيق عقوبات قانون قيصر، حيث بات سعر الغرام الواحد 126 ألف ليرة، ليعاود الانخفاض هذا الشهر ويتراوح سعره بين 115-117 ألف.

ومن خلال ما سبق، بات واضحاً أن انهيار الليرة السورية وارتفاع أسعار الذهب وتدني مستوى المعيشة لدى أغلب السوريين وتخوفهم من المستقبل، دفع كثيراً منهم إلى اتخاذ سلوكياتٍ ومواقف لم تكن مقبولة اجتماعياً في السابق، لتكون الشرائح الأكثر فقراً وضعفاً هي الحلقة الأضعف، فلم يعد بمقدور كثيرٍ من الشبان تحمّل تكاليف المهور الباهظة، واضطّر بعضهم لتأجيل فكرة الزواج أو العزوف عنها، وانعكس هذا الواقع كذلك سلباً على الكثير من النساء، اللواتي تراجعت قدرتهن المحدودة أصلاً على التحكم في حياتهن وتقرير مصيرهن.