مع تراجع عمل المنظمات الدولية خلال العامين الماضيين، كان لا بدّ من تطوير آليات عمل المبادرات الأهلية والشبابية، إذ باتت حاجةً أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالاستجابات الطارئة التي تتطلب عملاً سريعاً. وفي هذا الإطار، تمكّن عددٌ من الشباب السوري المُقيم في الداخل من تشكيل بعض الفرق التطوّعية التي تعمل على تلبية أنواع معينة من الاحتياجات الإنسانية، وقد أدت هذه الفرق أدواراً مهمة في تأمين الاستجابة الطارئة لموجات النزوح التي شهدها الشمال السوري منذ بداية العام الحالي، والتي زاد عدد النازحين فيها عن نحو مليون شخص بحسب أرقام «منسقو الاستجابة في سوريا»، وذلك من خلال إطلاق حملات التمويل الجماعي (Crowdfunding).
أما اليوم، فيعمل عددٌ من هذه الفرق بالتنسيق مع مجموعةٍ من المبادرات الأهلية على حملات للتعامل مع أزمة فيروس كورونا، في ظل ضعف الدعم المُقدّم للقطاع الصحي وعدم وجود مشافٍ أو نقاط طبية مؤهلة لاستقبال الإصابات المحتملة، فضلاً عن ظروف اقتصادية متردية يعيشها نحو خمسة ملايين شخص يتواجدون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ، وهو ما يحول دون تمكّنهم من اتباع أساليب الحجر الصحي المنزلي السليم أو أساليب الوقاية الأولية من الفيروس، لا سيما أنّ المنظمات الدولية لم تستطع توفير سوى 3.4٪ من الاحتياجات التي حددتها فرق التوثيق ضمن خطة الاستجابة.
إحدى المبادرات المُشكلة حديثاً للتصدي لوباء كورونا لم يجد أعضاؤها الوقت الكافي لتسميتها، وهم مجموعة من الناشطين الإعلاميين الذين يشكلون من خلال المنصات التي يعملون فيها نافذةً تعريفية بحياة السوريين في الداخل وظروفهم ومدى قدرتهم على تطبيق الأساليب الوقائية من الفيروس. يقول درغام حمادي، أحد أعضاء المبادرة، إنّهم بدأوا من خلال اجتماعٍ يهدف للتفكير في آليات استجابةٍ طارئة تأخرت من جانب المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة تجاه ما يمكن أن يشكل «كارثةً وخطراً على حياة مئات الآلاف من السكان»، بحسب ما أعلنت عنه مديرية الصحة في إدلب.
ويضيف حمادي بأنّ الاجتماع جاء كذلك «عطفاً على نقاشات مع النازحين في الشمال، الذين أخبرونا بأنهم يتفاعلون مع خبر تفشّي فيروس كورونا والنصائح المقدمة لتطبيق الوقاية منه بالسخرية، ذلك أنّهم لا يملكون سواها، كونهم يعيشون ظروفاً تنعدم فيها الأساسيات التي تمكّنهم من اتباع سبل الوقاية. فضلاً عن ذلك، تعدُّ الخيام المتلاصقة والحمامات المشتركة وارتفاع أسعار الكمامات ومواد التنظيف وغياب الدور الحكومي والمؤسساتي والفقر مجموعةً من العوامل الحائلة دون اتباع خطط الوقاية الأولية».
بناءً على ذلك، قرّرت المجموعة العمل، بالتعاون مع فريق مرحبتين التطوّعي، على تقديم أبسط اللوازم الضرورية لتجنّب الإصابة بالفيروس، عبر تأمين سلال صغيرة تحتوي على الصابون والمعقّمات والقفازات والكمامات والمناشف الشخصية وباقي مستلزمات النظافة، وتقديمها لسكان المخيمات العشوائية الممتدة على الطريق بين باتبو وسرمدا التي يقطنها نحو خمسة وسبعين ألف عائلة لا تشرف عليهم أي منظمة، ومعظم هذه المخيمات قد تشكلت خلال الشهرين الأخيرين.
كما تستهدف المبادرة مراكز الإيواء حديثة العهد، والتي كانت في معظمها عبارة عن مداجن ومدارس. وتأتي أولوية هذه المراكز من كونها تضم ضمن الكتلة السكنية الواحدة نحو أربعين عائلة في المتوسط، وهؤلاء هم الأكثر عرضة للإصابة في حال تفشي الفيروس، نظراً إلى أنّ قرابة مئة رجل أو امرأة يعيشون في الغرفة الواحدة.
في الجانب التفصيلي المتعلق بالمبادرة التي أطلقها الناشطون مع فريق مرحبتين، يشرح درغام حمادي أنهم من أجل تحديد الأولويات أجروا دراسة ميدانية تضمنت أعداد المخيمات وظروفها الحياتية وفيما إذا كانت مدعومة من جهات معينة أو تتبع لأحد المنظمات الإنسانية، كما أنها تواصلوا مع المعامل وتجار المنظفات للحصول على عروض أسعار قبل البدء بطرح المبادرة. ووصل الأعضاء إلى أنّ كلفة السلة الواحدة تبلغ نحو 3.45 دولار أميركي، وهي تكفي لتأمين ما تحتاجه الأسرة المكونة من 4 أو 5 أشخاص من مستلزمات النظافة مدة 15 يوماً.
وتمكنت المبادرة، بحسب حمادي، خلال وقتٍ قصير من الأسبوع الماضي من تأمين 1200 سلة تحتوي على مستلزمات النظافة، وغطت أحد عشر مخيماً وثلاثة مراكز إيواء في المنطقة الواقعة بين سرمدا وباتبو، وذلك بالتعاون مع أعضاء المبادرة الموجودين أصلاً في الشمال السوري. وبعد هذه الخطوة الأولى ازداد عدد المتفاعلين مع المبادرة، وسيتمكّن المتطوّعون من توزيع 2800 سلة أخرى خلال الأيام القادمة لتغطية مخيمات ومناطق أخرى في عفرين وريف حلب الشمالي والشرقي، ولكن تبقى هذه المبادرة أقل من أن تؤدّي أهداف الوقاية المطلوبة.
ويرى حمادي أنه «يمكن للسوريين من خلال إجراءاتٍ ومبادرات مماثلة أن يُكثّفوا جهودهم في حيّزهم الاجتماعي الضيق لتشكّل كلُّ مجموعة من الشباب والصبايا وحدة استجابة أهلية طارئة لفعل الأمر نفسه، وإيصال هذه المساعدات عن طريق معارفهم أو عن طريق الفرق التطوعية الموجودة في الداخل إلى الأهالي والنازحين. وهنالك اليوم عدد من الفرق التطوعية التي أطلقت حملات للاستجابة الطارئة المتعلقة بفيروس كورونا، كفريق ملهم التطوعي وفريق مرحبتين».
وفي هذا السياق، يقول عاطف نعنوع، مدير فريق ملهم التطوعي للجمهورية، إنهم أطلقوا حملة بعنوان دعونا نحمي بعضنا البعض، وذلك بهدف تأمين متطلبات الوقاية من الفيروس، سواءً عبر سلل النظافة أو الغذاء الكفيلَين بمساعدة الناس على تطبيق الحجر الصحي.
وعن حملة فريق مرحبتين، تقول سوسن أبو زين الدين، منسقة حملة الاستجابة لفيروس كورونا في الفريق، إنهم شرعوا بإطلاق حملة جديدة لجمع التبرعات عبر مقاطع مصورة ومنشورات يعملون عليها بالتعاون مع موقع فوكس حلب، كما أنّهم نشروا الروابط التي يمكن من خلالها التبرع.
يواجه النازحون السوريون في هذه الأيام خطر احتمال تفشي وباء كورونا بينهم، وهم الناس الأقل تحصيناً في مواجهة الفيروس حول العالم. لذلك تتوجب المسارعة إلى تأمين مستلزمات الوقاية التي يحتاجونها بشكلٍ فوري، لأنّ التلكّؤ في ذلك قد يجعل من هذه المستلزمات غير ذات قيمة في حال تفشّي الفيروس خلال الأيام القادمة. ويمكن اليوم، بتبرعاتٍ قليلة، أن نجنّب أهلنا الوباء وأن نساعدهم على تجاوز المحنة. نستطيع اليوم أن نفعل ما هو أكثر من التلوّي خلف الشاشات وسماعات الهاتف مع كلّ خبرٍ حول مصير أهلنا وأوضاعهم في حال تفشّي الوباء.