ستة أشهر فقط كانت كفيلة بعودة الحصيّات الكلوية للطفل محمد السعد (13 عاماً) بعد إجراء عملية تفتيت لها منتصف عام 2018، لتبدأ أعراض الألم من جديد. يقول والد الطفل إن الطبيب والتحاليل المخبرية أكدوا له عودة تشكل حصيات بلورية جديدة، وإنهم عزوا أسباب عودتها بالدرجة الأولى إلى مياه الشرب التي يستخدمها.
الشابة منى العلي، التي تسكن في مدينة إدلب، تعاني هي الأخرى من إسهال مزمن زاد عمره عن ثلاث سنوات، وتقول إنها راجعت العديد من الأطباء وأخذت عدداً كبيراً من الأدوية دون جدوى. الأطباء أكدوا لها وجود جرثومة طفيلية في الأمعاء، على حد قولها، وإنها غالباً أصيبت بها بسبب مياه الشرب، ولم تستطع تحديد المكان بسبب تنقلها بين مناطق عديدة خلال نزوحها قبل أن تستقر أخيراً في إدلب المدينة.
مشكلة المياه لا تقتصر على التسبب بأمراض مختلفة لشاربيها، وعلى سبيل المثال لا تشتكي أم علي التي تستخدم المياه بشكل يومي من الأمراض، لكنها تشعر بالحرج من ضيوفها بسبب بقايا الكلس على حواف الكؤوس الزجاجية في بيتها، تقول إنها تعيد تنظيفها لمرات كثيرة دون جدوى، ما يضطرها لاستخدام مياه مغلية في التنظيف أحياناً.
سنكتفي في هذه التقرير بدراسة مياه الشرب في مدينة إدلب دون أريافها، كونها الأكثر جودة ونقاوة من باقي المناطق، وتعتمد على مناهل مراقبة من قبل المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في المدينة، إضافة لتمتّعها بشبكة أنابيب مائية وصرف صحي تغطي 95% من السكان، بحسب دراسة منشورة في جريدة تشرين للعام 2006.
مياه حكومية
يعتمد سكان مدينة إدلب على مشروعي «سيجر العرشان» الجديد والقديم في حصولهم على مياه الشرب، إضافة لبعض مناهل المياه الخاصة التي تغطي أجزاء من احتياجات السكان، ناهيك عن شراء عبوات المياه المعدنية. وتشكّل المياه الكلسية سمة عامة في آبار المياه الجوفية الرئيسية في المنطقة، ما يدفع الأهالي للبحث عن آبار أكثر نقاوة أو الاعتماد على طرق التصفية البدائية بالغلي والترقيد، أو المياه المفلترة محلياً.
أسامة أبو زيد، مدير المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في إدلب، قال إن مشروع سيجر العرشاني الجديد أهم مصدر للمياه في المدينة، ويعمل حالياً بنسبة 28% من طاقته، ويتم تشغيله عبر مولدات الديزل، إذ يضخ ما يقارب 800 متر مكعب في الساعة، ومن الممكن أن يصل الضخ لـ 2800 متر مكعب في الساعة إذا عملت المحطات على الكهرباء.
وفي حال توقَّفَ المشروع بشكل مفاجئ، يتم تشغيل مشروع سيجر القديم، الذي يعمل حالياً بسعة تصل إلى 300 متر مكعب في الساعة، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 50% من طاقة المشروع الكلية.
يتم ضخ المياه إلى داخل المدينة عن طريق ثلاثة محطات رئيسية هي محطة شارع الثلاثين؛ محطة شعيب؛ محطة الخدمات الفنية. إذ تعمل تلك المحطات بطاقتها القصوى، وتصل طاقتها الإنتاجية إلى 330 متر مكعب في الساعة، بينما تعمل المؤسسة اليوم على تجهيز محطتي «الكونسروة» و«حديقة الجلاء»، حيث تقدر الطاقة الإنتاجية للمحطتين بـ 60 متر مكعب في الساعة، وتبلغ نسبة المستفيدين من مياه المضخات قرابة 90% من سكان المدينة، كما عملت المؤسسة على تجهيز مناهل للمياه في محطتي شارع الثلاثين وحديقة الجلاء بهدف تزويد الصهاريج بمياه الشرب، بحسب أبو زيد.
تعمل المؤسسة على ضخ المياه للأحياء السكنية بشكل دوري بتقدير 10 ساعات أسبوعياً لكل خط، في حال لم تتعرض الشبكة والمضخات لأي عطل وعملت بطاقتها الكاملة، ما يعني افتقار الأهالي لمياه الشرب من هذه المناهل لأيام طويلة. ويؤكد من التقيناهم أن مشاكل كبيرة في عمليات الضخ تحول دون كفاية الأهالي، أجملوها بـ «ضعف عملية الضخ في كثير من الأحيان وعدم استفادة البيوت الطرفية منها، خاصة مع استخدام بعض الأهالي لمولدات الدينمو (السنطرفيش)، ما يحرم نسبة كبيرة من الأهالي من وصول المياه، أو وصولها بشكل متقطع وضعيف، كذلك صغر حجم الخزانات المتوافرة في البيوت، يضاف إليها انقطاع المياه بسبب عطل الشبكة، ما يعني تأجيل حصولهم على الماء لأسبوع أو أسابيع أخرى».
وبمراجعة المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بإدلب، تلقينا إجابات حول نوعية ومراقبة المياه من المناهل الخاصة بها، فمشروع سيجر العرشاني يعتمد على عدد من الآبار التي وصفتها المؤسسة بـ «الجيدة والخالية من الشوائب»، يتم تجميعها في الخزانات مرتين لتنقيتها بشكل أفضل، بحيث تكون خالية من الشوائب والعكر، ويتم تعقيمها بالكلور عن طريق مضخات تم تركيبها على خطوط الضخ، بحيث لا تقل نسبة الكلور المتبقي عن 0.3 ملغرام في اللتر الواحد في نهاية خط الضخ. وتخضع المياه لتحاليل بيولوجية دورية شهرية للتأكد من عدم وصول التلوث للمياه، كما يتم أخذ عينات من أماكن مختلفة في المدينة وقياس نسبة الكلور المتبقي للتأكد من سير عملية التعقيم، وتحتفظ المؤسسة بأرشفة كافة النتائج للرجوع إليها وقت الضرورة. وقد تم تزويدنا بهذه التحاليل التي تظهر موافقة النسب المئوية للمعايير العالمية لسلامة مياه الشرب، إذ تبلغ نسبة الكلس في مياه سيجر حوالي (76) ملغرام في اللتر، ومياه العرشاني (80) ملغرام في اللتر الواحد.
مناهل خاصة دون مراقبة
تعتبر مياه «الصهاريج»، التي يحصل عليها السكان عبر شرائها من الآبار الجوفية القريبة من المنطقة، حلّاً لانقطاعات وقلة وفرة المياه الحكومية، وتختلف هذه الآبار من حيث نوعية مياهها ونقاوتها، وبالرغم من أن المؤسسة العامة للمياه في المدينة قالت في معرض ردها على أسئلتنا إن «مياه الآبار التي تزود الصهاريج تخضع لتحليل كيميائي لتحديد نسبة الشوارد بما فيها الكالسيوم، كما يتم تحليلها بيولوجياً للتأكد من سلامتها من التلوث، لكن لا يتم تعقيمها بالكلور كون عملية الضخ لا تتم عن طريق الشبكة، فلا حاجة لتعقيمها بالكلور طالما كانت نتيجة التحليل البيولوجي مطابقة للمواصفات».
المهندس سعيد -الذي رفض ذكر كنيته لأسباب أمنية-، يرى أن معظم هذه الآبار لا تخضع لأي مراقبة من قبل المؤسسة ولا من غيرها، كما لا يتم تعقيم المياه من المؤسسة أو أصحاب الصهاريج. وطالب المؤسسة بإبراز التحاليل الخاصة عن هذه الآبار ووضعها على صفحات التواصل الاجتماعي، وتنظيم عملية نقل المياه وحصرها في الآبار التي تجري تحاليلها بشكل دوري، إضافة لفحص خزانات الصهاريج والتأكد من سلامتها وخلوها من البكتيريا والصدأ.
ويقول بعض من التقيناهم في المدينة «أحياناً تكون مياه الصهاريج عكرة ولونها أقرب إلى الاصفرار، بعضها له طعم، وغالباً ما نتركها للاستخدام المنزلي والاستحمام ونتجنب شربها».
أسباب مباشرة لتلوث المياه
في تحقيق صحفي نشره موقع الاقتصادي عام 2014 بعنوان وبال الصراع السوري يصل لمياه الشرب، ورد على لسان الممثل المقيم لمنظمة الصحة العالمية في سورية إليزابيث هوف إن «أكبر ما يدعونا للقلق هو انهيار شبكات المياه والصرف الصحي وزيادة الأمراض التي تنقلها المياه، وإنَّ تقارير وردت عن إصابات بالالتهاب الكبدي الوبائي نوع A، الذي يُمكن أن يسبب أوبئة في حلب وإدلب وفي بعض الملاجئ المُكتظّة بالمّهجرين في العاصمة».
ويقول المهندس سعيد أن هناك أسباباً مختلفة لتلوث مياه الشرب في إدلب، ليس فقط غياب الرقابة والتعقيم، بل تكمن في خطوط نقل المياه نفسها، التي تعتمد على الشبكات القديمة لخطوط الجرّ، والتي يزيد عمر بعضها عن خمسين عاماً، ومعظمها مصنوع من مادة الأسبستوس، التي تراجع استخدامها عالمياً في العقود الأخيرة بسبب آثارها الصحية السيئة، وتعالت الأصوات المنادية بمنعها نهائياً؛ ناهيك عن مياه الصرف الصحي التي تختلط بمياه الآبار بعد تسربها من الأنابيب التي لم يجرِ إصلاحها أو الكشف عليها منذ سنوات، وبدرجة أقل التلوث المناخي والأسمدة الكيميائية المستخدمة وكمية الذخائر التي تسببت بها الحرب وانحلالها في التربة مع مياه الأمطار ووصولها إلى المياه الجوفية.
يكمل المهندس سعيد كلامه بالقول إن هذا التلوث يأتي بعد خروج المياه من المناهل الحكومية ومرورها في الأنابيب، ولا يتم تحليلها كما لا يتم تغيير هذه الأنابيب، وهو ما أكده تقرير لموقع العربي الجديد على لسان المهندس سامر سليمان (43 عاماً) المتخصص في شؤون البيئة والمياه، الذي قال «تنقلت في وظيفتي بين عدة مؤسسات مياه في ريف حمص الشمالي وحماة وإدلب، والمشاكل التي تعاني منها شبكة المياه هي ذاتها، الشبكة القديمة متضررة بشكل كبير ومدفونة تحت الأرض، ولا يمكن رصد أماكن الخلل فيها. والآبار الجوفية بمعظم المناطق تتسرب لها مياه الصرف الصحي، فضلاً عن استخدام كميات غير مدروسة من الموادّ المطهرة للماء كالكلور، الذي يوضع في محطات الضخ بشكل عشوائي، ويتسبب بأزمة للأهالي».
وفي تقرير نشرته وحدة تنسيق الدعم ACU في أيلول 2018 عن الواقع الخدمي في إدلب، قالت إن معظم شبكات الصرف الصحي في المدينة تحتاج إلى عمليات صيانة، إذ تعاني من بعض التشققات والتسريب لمياه الصرف ضمن الشقوق. وحددت المشكلة الرئيسية بعدم وجود محطات معالجة لمياه الصرف الصحي، التي غالباً ما يتم تصريفها الى الأودية القريبة من التجمعات السكنية، أما القسم الباقي منها فيتسرب ضمن طبقات الأرض، ما يؤدي إلى تلوث المياه الجوفية.
وأوضح التقرير أن 99% من شبكات الصرف يزيد عمرها عن عشر سنوات؛ 33% منها عمرها أكبر من 25 سنة؛ و24% يتراوح عمرها بين 16-25 سنة؛ ويستفيد فقط 57% من السكان من خدمات الصرف الصحي في المحافظة.
الدكتور سامر النعسان، وهو طبيب متخصص في المجاري البولية في إدلب يقول إن «للمياه الكلسية دور في تشكيل الحصيات الكلوية أو ما يعرف بالرمال البولية، لكن الدور الأبرز في هذه العملية لطبيعة جسم الإنسان ووجود العوامل المزيلة للحصيات، فنقص أحد هذه العوامل مثل السيترات يؤدي إلى تشكيل الحصيات. لكن الخطر الأكبر يكمن في الأمراض الجرثومية التي يمكن أن تتشكل نتيجة تلوث المياه مثل الحمّى التيفية أو الالتهابات التي تصيب المعدة والأمعاء».
من جهته، يقول الدكتور أحمد الشعباني، وهو طبيب داخلية، إن خمسة مرضى وسطياً يزورون عيادته يومياً يعانون من أمراض معوية، غالباً ما يكون سببها المياه والأطعمة الملوثة، ويضيف أن بعض هذه الحالات «معندة» ولا تستجيب للعلاج.
لا توجد إحصائية دقيقة عن عدد مرضى الإسهالات أو الحمى التيفية والتهاب الكبد في المنطقة، إلّا أن الشعباني يؤكد زيادتها بنسب كبيرة عما كانت عليه في الأعوام السابقة، ويقدر هذه الزيادة بما يزيد عن 200%. مؤكداً أن المياه العسرة القاسية والكلسية والملوثة هي من أسباب حدوث التهاب الكبد الفيروسي A، والإسهال الحاد، كما تسبب تشكل حصيات الكلس على اختلاف أنواعها.
أبو عمر هو واحد من الذين عانوا مؤخراً من هذه الأمراض، يقول «تكررت شكوى طفلي من وجع في معدته، ما دفعني لمراجعة طبيب الأطفال الذي أكد لي وجود التهاب بالأمعاء، ونتيجة التحليلات التي أجريناها تبين وجود رمل في الكلى بالإضافة للالتهابات، وأكَّدَ طبيب الأطفال على ضرورة منعه من تناول المياه الكلسية التي لعبت دوراً بوجود تلك الحصيات إضافة إلى عوامل أخرى».
حلول مكلفة
ورد في دراسة عن مصادر المياه الجوفية في سوريا للدكتور محمد سعيد المصري والكيميائية هدى عساف في أيلول عام 2007، أن «هناك استهتاراً عاماً من قبل البشر بتلوث المياه الجوفية، إذ شهدت الفترة من 1971 حتى 1985 تفشّي أكثر من 245 مرضاً مرتبطاً بالمياه الجوفية»، ولكن رغم هذه الأمراض كلّها، فإنه ليس هناك حلول مطروحة على سكان مدينة إدلب، الذين يعانون من نقص حاد في المياه يرافقه ضعف في المستوى الاقتصادي وقلّة في فرص العمل وغياب للكهرباء عبر الخطوط الرئيسية، ما يدفعهم للبحث عن اجتراح حلول لا يكون الحفاظ على الصحة أحد أهم أولوياتها.
يقول أحمد (أحد سكان المدينة) إن مياه الشبكة الحكومية أفضل من غيرها، إلّا أنها لا تكفي لسد احتياجات عائلته المكونة من خمسة أشخاص، ما يدفعه لتعبئة كافة أواني المطبخ والعبوات البلاستيكية بالماء عند دورهم الأسبوعي، ويضحك حين يخبرنا عن خلية النحل التي تتحول إليها أسرته عند وصول المياه، والساعات التي يقضونها في ملء كل الأواني الفارغة والمتاحة بالمياه.
لا يفضل أحمد مياه الصهاريج إلّا أنه يضطر لشرائها رغم كل شيء، فأحياناً تنقطع المياه الحكومية بسبب عطل ما أو تصل ضعيفة، ليس فقط لعدم ثقته بمياه هذه الصهاريج ولكن أيضاً للكلفة المالية العالية، فسعر خزان المياه يختلف بحسب أسعار الوقود يومياً، إلّا أنه لا يقل عن 1000 ليرة سورية لكل 1000 لتر، فيما تبلغ احتياجات العائلة المتوسطة المؤلفة من خمسة أشخاص في المدينة ما يقارب 15000 ليرة، أي ربع دخلها الشهري، للحصول على المياه.
ينصح الأطباء باستخدام المياه المعدنية، خاصة للمرضى الذين يعانون من الحصيات البولية أو الإسهال الحاد، إلّا أن سوء الأحوال الاقتصادية يحول دون ذلك. يقول أبو محمد، الذي يعاني من تشكل الرمال والحصيات الكلوية، إنه لا يستطيع شراء المياه المعدنية، لذلك لجأ إلى طريقة تقليدية قديمة عبر غلي المياه وترقيدها حتى تبرد، ثم تصفيتها من الشوائب الكلسية عبر قطعة قماش، واستخدامها للشرب لاحقاً.
لم تعجب فكرة التصفية الحاج أبو أنس، الذي قال إن تكلفة غلي المياه وشراء الغاز اللازم لذلك يعادل سعر المياه المعدنية، لذلك فضَّلَ الشرب من مياه الحنفية و«التوكل على الله» بحسب قوله، فليس باليد حيلة.
حاجة الناس الملحّة لمياه نقية دفعت البعض لتأسيس ورشات خاصة لفلترة المياه محلياً، حيث يتم استيراد أجهزة الفلترة من تركيا وتركيبها ضمن دارة لتحلية المياه وتخليصها من الشوائب، ثم طرحها في الأسواق.
يقول أحمد المعاط، صاحب إحدى الورشات: «تمر المياه بعد خروجها من البئر في مرحلة الرمل بهدف سحب الشوائب من المياه، ثم تنتقل لمرحلة الفحم التي تخلصها من الطعم والرائحة الغريبة لتدخل بعدها إلى جهاز ‘الريزين’ الذي يخلصها من الكلس، لتنتقل بعدها إلى جهاز ‘المابرم’ الذي يُجري عملية فرز للمياه الصالحة للشرب والمياه الآسنة، تنتقل المياه الصالحة للشرب بعدها إلى مرحلة التعقيم عبر الأشعة فوق البنفسجية، التي تقتل البكتريا والطفيليات إن وجدت بالماء». ويضيف المعاط أنه توجد بين كل مرحلة وأخرى من المراحل السابقة حشوات فلترة بمسامات ضيقة جداً، هدفها تصفية المياه بشكل أكبر.
تنتج ورشة «المعاط» قرابة 1000 ليتر مفلتر من المياه في كل ساعة، ويتم إجراء فحوصات دورية للمياه المنتجة بهدف التأكد من سلامتها من قبل صاحب المعمل؛ بينما تغيب رقابة الجهات الحكومية التي لم تقم بإجراءات المراقبة عن المياه المطروحة في السوق حتى اليوم. وتعمل المؤسسة على تنفيذ دراسة لوضع الخطط اللازمة لضبط هذه الناحية بسبب أهميتها. وتباع تلك المياه في عبوات مختلفة، بعضها قابل للاستبدال، كما يعمد أصحاب تلك الورشات إلى التعاقد مع محلات السمانة بهدف اعتمادهم كمراكز لتوزيع تلك المياه عبر بيعها من خزانات مخصصة، بحيث يباع الليتر الواحد بسعر 10 ليرة سورية.
يحاول والد الطفل محمد السعد تأمين مياه معدنية نقية لطفله كل يوم، ويمنع باقي العائلة من استخدامها لكلفتها الكبيرة، بينما يواظب على إعطائه الأدوية اللازمة علّه يستغني عن عملية التفتيت مرة أخرى، يقول إن «جسده الصغير لا يحتمل كل هذا الألم»، بينما تتفاقم أزمة المياه الملوثة في الشمال السوري خاصة بين المخيمات التي تضم مئات الآلاف من النازحين الذين يحلمون بالحصول على المياه أيّاً كان مصدرها. في الطريق إلى أي قرية في المحافظة تجد أنهاراً مكشوفة من الصرف الصحي، ومستنقعات وبؤراً للحشرات والأوبئة، ومكبات للقمامة، مع وجود خجول للمنظمات الإنسانية التي تعنى بالواقع الصحي، ما سيخلف كارثة صحية في المجتمع السوري خلال السنوات القليلة المقبلة.