أقرّ مجلس النواب الأميركي أول أمس الثلاثاء «قانون قيصر سوريا للحماية المدنية» لعام 2019، المعروف اختصاراً بقانون قيصر، والذي سيعني في حال استكمال إقراره بشكل نهائي وضع كل الأفراد والمؤسسات التي تقدم مساعدة للنظام السوري تحت طائلة العقوبات، التي ستشمل قطاعات بالغة الأهمية بالنسبة للنظام من بينها البنك المركزي وقطاع الطاقة، وأي أفراد أو مؤسسات تساعد النظام أو تقدم له دعماً تقنياً أو لوجستياً، كما يشمل القانون الميليشيات الإيرانية والروسية في سوريا، ما سيجعلها أقسى أنواع العقوبات التي فرضت على النظام السوري وحلفائه حتى الآن.

ويتطلب القانون، بعد إقراره للمرة الثالثة في مجلس النواب، تمريره في مجلس الشيوخ، ومن ثم التوقيع عليه من قبل الرئيس الأميركي. وكان البيت الأبيض قد أصدر بياناً في وقت سابق، أعلن فيه دعمه للقانون، وجاء في البيان: «يوفر مشروع القانون أدوات إضافية تهدف إلى حرمان نظام الأسد ووكلائه من الوصول إلى النظام المالي الدولي، وعرقلة الدعم المالي وغيره من أشكال الدعم التي تغذي قتل السوريين الأبرياء».

وبينما قد يتأخر تمرير القانون في مجلس الشيوخ بسبب أزمة التوقف الحكومي في واشنطن، فإن موافقة الحزبين الديموقراطي والجمهوري على القانون في مجلس النواب، تمنحه فرصة كبيرة للمرور في مجلس الشيوخ.

من جهته قال عضو مجلس النواب الأميركي عن الحزب الديمقراطي، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية فيه، إليوت ل. إنجل، أمام الكونغرس: «لقد خذل العالم الشعب السوري، لا يمكن لشيء أن يمحو الفظائع التي عانوا منها لثماني سنوات»، وأضاف إنجل، الذي رعى مشروع القرار في الكونغرس: «لا يمكننا ببساطة أن ننظر إلى الاتجاه الآخر، ونسمح لروسيا وإيران بالسيطرة على سوريا».

وقد سُمي المشروع تيمناً باسم «قيصر»، وهو الاسم الحركي لضابط الشرطة العسكرية الذي هرّبَ عام 2013 أكثر من 55 ألف صورة تظهر قتل النظام لأكثر من ستة آلاف معتقل. وكان قيصر قد حضر إلى مجلس الشيوخ الأمريكي في العام 2014، وعرض أمام أعضائه تلك الصور، التي أقرّ تحقيقٌ مستقلٌ لمكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي بمصداقيتها، كدلائل على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها النظام السوري. ومنذ ذلك الوقت، تعمل عدد من الجمعيات والمؤسسات الأميركية-السورية على الضغط لتمرير مشروع قانون قيصر، وقد شاركت تلك المجموعات في صياغة مشروع القانون والعمل على تمريره بمساعدة أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، كان على رأسهم عضو مجلس الشيوخ الراحل والمرشح السابق للرئاسة جون ماكين.

يشكّل القانون بصيغته الحالية خطوة مهمة في ملاحقة مجرمي الحرب في سوريا، وفرصة لاستعادة الولايات المتحدة لنفوذها في الملف السوري، بعد أن كان قرار الرئيس الأميركي بسحب قوات بلاده من سوريا قد أضعف تأثير واشنطن في هذا الملف.

كذلك فإن تركيز القانون على ملف عمليات البناء والإعمار، وفرضه عقوبات تطال المنخرطين بهذه العملية أفراداً ومؤسسات، قد يضع حدّاً أمام أي جهود ترعاها موسكو لإعادة الإعمار بوجود نظام الأسد. كما أن القانون يغطي قطاعات الطاقة والاتصالات، ما سيسمح بفرض عقوبات متشددة أكثر وذات فاعلية أكبر على النظام السوري.

لكن بالمقابل، وعلى الرغم من أن هذا القانون سيكون في حال إقراره بشكل نهائي خطوة هامة على صعيد عرقلة جهود النظام لاستعادة موقعه في العلاقات الدولية، وسيزيد من الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها مع حلفائه، إلا أنه يبدو في الوقت نفسه أقصى ما يمكن أن تصل إليه الجهود الدولية للوقوف في وجه نظام الأسد. وفي حال كانت هذه الخطوة هي القصوى فعلاً، فإن هذا قد يعني على أرض الواقع تخلياً عن سوريا، التي تحيط بها ظروف إقليمية ودولية ستسمح لنظام الأسد بالاستمرار بغض النظر عن العقوبات التي سبق وطبقت عليه وعلى حلفائه في طهران.

وإذا لم ترتبط هذه العقوبات وما يماثلها بتحركات أوسع على المستوى الدبلوماسي والدولي، للضغط على حلفاء النظام في روسيا على وجه الخصوص، فإن النتائج المرتقبة من قانون قيصر ستكون، على أهميتها، أقل من أن تسمح بتغيير المعادلة التي أبقت على الأسد في السلطة حتى اللحظة رغم كل الجرائم التي ارتكبها.