يسود الترقب في المنطقة بانتظار القمة الثلاثية التي ستجمع رؤساء كل من تركيا وروسيا وإيران في طهران يوم الجمعة المقبل، وذلك باعتبار أن هذه القمة ستلعب دوراً أساسياً في تحديد مصير إدلب، بعد أن بات واضحاً أن التحالف بين الدول الثلاث منذ انطلاق مسار أستانا هو مفتاح التغيير الرئيسي للواقع الميداني في سوريا، والذي أدى إلى الوضع الذي وصلنا إليه اليوم من سيطرة نظام بشار الأسد على أجزاء واسعة من البلاد.
لكن مهمة القمة ستكون أبعد من ذلك أيضاً، خاصةً أن هذا اللقاء لن يحدث إلا بعد أن يكون جميع أطرافه قد اتفقوا على الخطوط العريضة لمستقبل إدلب. ستحاول القمة الثلاثية التخفيف من أثر انطلاق العمليات العسكرية المتوقعة في إدلب، والتقليل من مخاوف الغرب حول أزمة لاجئين جديدة، فيما سيتم تقسيم المهمات بين أطراف هذا الحلف الذي أصبح أكثر قوة من أي وقت مضى.
مهمة أنقرة الرئيسية ستكون ترتيب وضع الفصائل بما يضمن تحولها إلى شكل مشابه لوضع الفصائل التي تعمل في منطقة درع الفرات من حيث الارتباط المباشر والتبعية الكاملة لتركيا، والاستمرار في العمل على عدم ترك هوامش كبيرة للتحرك خارج هذا الإطار. أما مهمة موسكو فستكون قصف كل الفصائل التي ستحاول البقاء خارج هذا الإطار المتفق عليه، سواء كانت فصائل محلية ترغب في مواصلة قتال النظام، أو فصائل جهادية لا تلتزم بإطار أنقرة.
من جانبها سيكون على طهران التراجع خطوة للوراء في عدة مناطق ضمن سوريا، والابتعاد عن الظهور كلاعب أو محرك أساسي للقوى في سوريا خلال الفترة المقبلة، إلا أن ذلك لا يعني أنها لن تكون شريكة رئيسية، كما أن غرفة العمليات التي يديرها ضباط إيرانيون في دمشق لا تزال قائمة، ولن تكون موضع للمساومة.
بالنظر أبعد قليلاً من تفاصيل أي معركة محتملة شمال غرب سوريا، يبدو أن هذا اللقاء سيقود إلى ما هو أبعد بكثير من انتصارات عسكرية أو ترتيبات ميدانية، إذ أن تكريس هذا التحالف في سوريا اليوم يعني أن المسار السياسي أصبح في الواقع تحت السيطرة، دون أي هامش للغرب يستطيع التحرك من خلاله وتعديل الموازين قليلاً. ستكون دولٌ غربيةٌ مثل ألمانيا مستعدة مستقبلاً لتقديم الدعم المالي في سوريا تحت غطاء هذا التحالف، وسيكون من دواعي سرور اليمين الأوروبي المتوسّع أن يقوم بتنفيذ خطته القائمة على تقديم «معونات» للبلدان المصدرة للاجئين. التبشير بين هؤلاء بمثل هذه السياسات لن يكون صعباً على بوتين.
ولن يكون أمام هذا التحالف الثلاثي لاحقاً، سوى العمل على إبعاد شبح نفوذ الولايات المتحدة من شرق سوريا في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية، وبما أن المواجهة العسكرية المباشرة متعذرة الآن، فإن المتاح هو الاستمرار في العمل على عزل هذا الوجود وسحب مفاعيله السياسية، من خلال الضغط على الحضور الإقليمي للولايات المتحدة، وإضعاف نفوذها ونفوذ حلفائها في شرق سوريا، ومنعها من الخروج من حدود تلك المنطقة، وذلك بانتظار الوقت المناسب لتوجيه ضربة ما إلى ذلك الوجود، تجعل الاستمرار فيه أمراً شبه مستحيل أمام الإدارة الأمريكية.
منذ القمة الأخيرة التي جمعت الرؤساء الثلاثة في نيسان الماضي، يبدو أن الوضع في سوريا قد شهد كثيراً من التغيير باتجاه ترسيخ الارتباط الذي يجمع رعاة أستانا، وباتجاه ترسيخ توجههم نحو السعي بكل الطرق إلى إنهاء أي وجود سوري مستقل قادر على القيام بأي تحرك يهدد منجزات أستانا الرئيسية، التي تتمثل بإمساك الدول الثلاثة بكل خيوط مستقبل البلاد.
لا يظهر من المجزرة التي ارتكبها الطيران الروسي في جسر الشغور يوم أمس أن أي معجزة قادمة لتغير ما هو مرسوم للوضع في إدلب وكل سوريا، وبغض النظر عن خطة العمليات العسكرية والترتيبات الميدانية والسياسية التي سينتجها اللقاء الثلاثي، وبغض النظر عن مدى وحجم الكارثة الإنسانية التي ننتظرها، فإن قمة طهران تبدو اليوم مناسبةً لإعلان الوصاية النهائية على سوريا، هذه الوصاية التي لديها مرشح واحد هو بشار الأسد.